هل فشلت حكومة قيس سعيد في إدارة الأزمة الاقتصادية؟
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
تونس– تشابك بالأيادي وتدافع شديد تشهده المحلات التجارية الكبرى، في مدينة ماجل بلعباس أحد مراكز الحكم المحلي بمحافظة القصرين وسط غربي تونس، للحصول على علبة حليب أو كيس من السكر، في حين تمتد طوابير طويلة، أمام المخابز التي تغلق أبوابها مبكرا جراء النقص الكبير في مادتي السميد والفرينة (الطحين).
هذه المشاهد، باتت اعتيادية في أغلب المحافظات التونسية، رغم رسائل الطمأنة التي ترسلها الحكومة بين الحين والآخر، بأن هناك مواد أساسية مستوردة ستصل إلى موانئ تونس، لكنها لم تأت بعد، مما يثير مخاوف بشكل مستمر لدى المواطنين من تزايد حدة الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
لم يمنع البرد القارس أهالي المدينة الحدودية، من الانتظار منذ الساعات الأولى للصباح، أمام أحد المحلات حيث نشبت العديد من المشاجرات بين الطوابير الطويلة، أدت إلى إصابة عدد منهم بسبب الصراع على أولوية الحصول على كيس من السميد، وسط ردود فعل غاضبة حول قلة الكميات وندرتها.
ويشتكي المواطن الأربعيني رضا شعباني في حديثه للجزيرة نت من نقص بعض المواد وندرتها، قائلا "عليك أن تستيقظ مبكرا وأن تكون في الصفوف الأمامية ومستعدا للهجوم للحصول على كيس من السكر، أو علبة حليب، المشهد هنا أشبه بحلبة للمصارعة"، ساخرا: "هذه تونس 2023″.
من جهتها، تقول أحلام حاجي إنها باتت تترك عملها، لتنتظر الساعات الطويلة، أمام أحد المحلات التجارية حتى وصول شاحنة في أي وقت، ووسط التدافع والتشابك قد تحصل في النهاية على علبة حليب أو قد لا تنال أي شيء، متسائلة:لا نعرف إلى متى ستستمر هذه المشقة والمعاناة اليومية؟".
هذا ويجمع أغلب المواطنين الذين تحدثنا إليهم، أن بعض الدكاكين تفرض مواد غذائية أخرى كشرط للحصول على أحد المواد الأساسية المفقودة كالسميد والفرينة والسكر والزيت النباتي، في حين يتعمد آخرون بيعها بضعف أسعارها، وذلك رغم الرقابة والعقوبات الاقتصادية التي تفرضها السلطات التونسية.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، أكدت وزيرة التجارة وتنمية الصادرات كلثوم بن رجب، في تصريحات إعلامية، وجود انفلاتات في بعض حلقات توزيع السكر الموجّه للاستهلاك العائلي بسعر مدعم، يستفيد منه القطاع غير المنظم.
نقص المخزون
ولم تكن سنة 2023، أفضل من العامين السابقين، على مستوى فقدان السلع الاستهلاكية الأساسية من القهوة والسكر والحليب والسميد، والتي تفاقمت بعد وصول الرئيس الحالي قيس سعيد إلى كرسي قرطاج وإعلانه تدابير استثنائية وتغييره نظام الحكم، وترؤسه حكومة جديدة.
ويعتبر الخبير الاقتصادي آرام بالحاج أنّ الأزمة تتجاوز حدود اتهام لوبيات نافذة بتجويع التونسيين كما يعتقد الرئيس سعيّد، إلى عدم كفاءة الحكومات بعد الثورة في إيجاد رؤية اقتصادية واضحة، للتعامل مع المتغيرات الاقتصادية العالمية، خاصة التوتر المستمر بين روسيا وأوكرانيا.
و يقول بلحاج إن هناك نقصا في المخزون الإستراتيجي في الحبوب لا يكفي سوى لمدة 3 أشهر على أقصى تقدير، مضيفا أن هذا النقص مرتبط بعدة عوامل خارجية، فضلا عن العوامل المالية وعدم قدرة الدولة التونسية على خلاص المزودين، وعدم قدرتها على تمويل الفلاحين.
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، في تصريح للجزيرة نت، إن نقص مادة الحليب كان بسبب عزوف الفلاحين عن تربية الأبقار، نظرا للتكلفة العالية لقيمة الأعلاف الموردة، خاصة في ظل تراجع قيمة الدينار التونسي أمام الدولار واليورو.
ويضيف أن المخزون الإستراتيجي قد تآكل، بسبب عجز الدولة التونسية على تعبئة مواردها الخارجية من العملة الصعبة، والذهاب في خيار تسديد ديونها الخارجية، مع تخفيضها توريد بعض المواد الأولية، وسحب الدولة السيولة من البنوك لتمويل اقتراضها الداخلي.
مخزون الحبوبوفي السياق، يقول شكري رزقي نائب رئيس مكلف بالإنتاج الفلاحي باتحاد الفلاحين والصيد البحري (نقابة الفلاحين)، للجزيرة نت، إن سنة 2023/2022 هي الأسوأ تاريخيا في إنتاج الحبوب، حيث بلغ معدل الإنتاج (الحبوب) مليونين و900 ألف قنطار، اقتطع منها 900 ألف قنطار لاستعمالها بذورا عادية وممتازة، في حين تم توجيه ما تبقى للطحن.
ويضيف أن حجم المحاصيل من هذه المادة الغذائية لتغطية إجمالي حاجات البلاد الاستهلاكية يكفي لمدة 3 أشهر فقط، وهو ما يدفع البلاد لاستيراد المزيد من الحبوب من الأسواق الخارجية، مؤكدا أن إجمالي الحاجات الاستهلاكية للبلاد سنويا تبلغ حوالي 3 ملايين طن من الحبوب.
ويرى خبراء في الشأن الاقتصادي أن هذا الوضع سينعكس سلبا على الفاتورة الغذائية للبلاد التونسية، التي تعتبر أحد أكبر مستوردي الحبوب في شمال أفريقيا، حيث إن البدائل المتاحة ضيقة جدا، مع استمرار تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل بقيمة 1.9 مليون دولار.
و بحسب إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء من الربع الثالث لسنة 2023، فقد بلغ معدل التضخم 8.3%، فيما بلغت نسبة البطالة 15.8%.
فشل حكوميووسط هذا المشهد الضبابي يرى الخبير الاقتصادي آرام بالحاج، في حديثه للجزيرة نت، أن حكومة سعيد التي تقول كل مرة، إنها احتجزت أطنانا من السلع الاستهلاكية، مازالت غير قادرة على إنهاء التوتر والقلق في الشارع التونسي، محذرا من صعوبة الوضع الاقتصادي خلال الفترة المقبلة.
ويرى بلحاج أن الأزمة المستمرة في نقص المواد الغذائية الأساسية دليل على فشل حكومة الرئيس سعيد في وضع حلول لمعالجة الأزمة الاقتصادية، مشيرا إلى أن كل مؤشرات الاحتكار وضعف الرقابة الاقتصادية تنبئ بانهيار اقتصادي وشيك.
ويؤكد بلحاج أنه لابد من رقمنة مسالك التوزيع الخاصة بالمواد المدعمة في أقرب وقت وفرض رقابة صارمة على منظومة إنتاج الحليب والعلف، وفرض عقوبات صارمة ضد المحتكرين.
ويرفض الرئيس التونسي قيس سعيد ما يسميها بـ"الإملاءات" خصوصا في ما يتعلق برفع الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية الأساسية وإعادة هيكلة مؤسسات تابعة للدولة تواجه صعوبات، منتقدا البنوك الخاصة، التي اعتبر أنها تحقق أرباحا ضخمة، وعليها أن تساعد في إعادة بناء اقتصاد البلاد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: للحصول على للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
صحف عالمية: حماس ترسخ حكمها بغزة وإسرائيل فشلت في تفكيكها
سلطت صحف ومواقع عالمية في مقالات وتقارير الضوء على تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، خاصة ما يتعلق بقدرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إعادة بناء نفسها في قطاع غزة، والضغوط الأميركية والإسرائيلية على الحكومة اللبنانية لنزع سلاح حزب الله.
وفي موضوع حماس نشرت صحيفة يديعوت أحرونت الإسرائيلية مقالا لمايكل ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان بجامعة تل أبيب قال فيه إن إسرائيل تواجه حقائق قاسية قبل بدء تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2طبيب سوداني: نجوت من الفاشر وأعتني الآن بالنازحين مثليlist 2 of 2صحيفتان غربيتان: بعد عام من سقوط الأسد لم تتكشف كل فظائعهend of listويذكّر الكاتب بأن الهدف الرئيسي للحرب لم يتحقق، والمتمثل في تفكيك حركة حماس أو تحييد قدراتها العسكرية بشكل دائم، مشيرا إلى أنه لا يمكن لإسرائيل استئناف القتال المكثف في غزة.
ويتابع أن "حماس أوفت بجميع التزاماتها تقريبا بموجب المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، ولم يتبق سوى إعادة جثة محتجز واحد"، مشيرا إلى أن الحركة أعادت تأكيد حكمها في غزة عبر إعادة بناء الأنظمة المدنية، بما في ذلك إعادة فتح المدارس والجامعة الإسلامية.
وفي سياق الاهتمام بتداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة، أشار تقرير في صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إلى أن حجم الأنقاض وصل إلى 68 مليون طن، حيث دمرت آلاف الغارات الجوية الإسرائيلية أكثر من 120 ألف مبنى وخلفت 75 ألف مبنى تضررت بدرجات متفاوتة، وهو ما يمثل 81 % من جميع المباني في القطاع.
ويذكر التقرير أن عملية إزالة الأنقاض تمهيدا لإعادة الإعمار ستكون مهمة جسيمة ويُتوقع أن تستغرق سنوات وتكلف أكثر من مليار دولار، مشيرا إلى أنه من غير المرجح أن يحدث ذلك حتى تتوصل حماس وإسرائيل إلى اتفاق بشأن المرحلة الثانية من خطة السلام التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
الأميركيون يضغطونمن جهة أخرى، تطرقت صحيفة معاريف الإسرائيلية إلى الملف اللبناني، وقالت إن "الأميركيين يضغطون على الحكومة اللبنانية من أجل نزع حزب الله، لكن هذا الأمر لن يحدث في الوقت الراهن نظرا لقوة الحزب"، وفق ما ورد في تقرير لها.
إعلانوتستند الصحيفة إلى تقديرات تقول إنه "قد يطلب من الجيش الإسرائيلي التحرك لإكمال عملية نزع سلاح حزب الله بعد تحسّن الأحوال الجوية وربما بعد الأعياد المسيحية"، وتقول إنه "إذا احتاجت إسرائيل إلى دعم واسع من الأميركيين فسوف يتعين عليها أن تدفع ثمنا باهظا للرئيس الأميركي ترامب".
أما مجلة ناشونال إنترست الأميركية فنشرت مقالا عن سوريا جاء فيه أن هذا البلد لا يزال يواجه تحديات وفرصا في الوقت ذاته بعد عام فقط من انهيار نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
ويرى كاتب المقال أن "بإمكان سوريا تجاوز أزماتها بنجاح إذا حظيت بمستويات مناسبة من الدعم تدرك قيمة بناء سوريا جديدة خالية من صراعات الماضي"، لكنه أوضح أنه "مع تزايد التساؤلات بشأن إعادة الإعمار والمصالحة المجتمعية والإصلاح الدستوري فإن نظرة سوريا لعام 2026 ستتسم بتفاؤل حذر".
ويختم الكاتب بالقول إن قدرة سوريا على التخلص من الماضي ستتحدد بقوة توجهها في العام المقبل.
وتطرقت صحف ومواقع عالمية أخرى إلى مواضيع مختلفة، بينها تحذير البرازيل من أن "غزوا أميركيا على فنزويلا سيكرر نموذج فيتنام"، ورفض اليابان استخدام أصول روسيا المجمدة لدعم أوكرانيا.