الأب جون غبريال: هل وافقت الكنيسة الكاثوليكيّة على زواج المثليين؟
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
تساءل الأب جون غبريال الراهب الدومنياكني عبر مواقع التواصل الاجتماعي “ فيس بوك ” هل وافقت الكنيسة الكاثوليكيّة على زواج المثليين؟
ما موضوع الوثيقة "Fiducia Suplicans" الصادرة عن دائرة مجمع عقيدة الإيمان، والتي وافق عليها البابا فرنسيس يوم ١٦ ديسمبر ٢٠٢٣؟
وقال : من كم يوم حدث لغط كبير في وسائل الإعلام، وعلى وسائل الاتّصال الاجتماعي.
١. هل أنا بنفسي قرأت نصّ الوثيقة؟ وأي ترجمة؟ ومن أيّ موقع؟
٢. هل يمكنني أن أصمت قليلًا لأرى ما يقوله النصّ أثناء قراءته من دون ما أفهمه من خلال ما سمعته وما قيل لي؟
٣. هل أعلم أنّ الكنيسة الكاثوليكيّة ليست كنيسة محلّية فقط وخاضعه لثقافة واحدة فقط؟ بل حاضرة في القارات الخمس وتتخطى المليار وال ٣٠٠ مليون من الأتباع؟ وبالتالي الحكم علي الأمور لا ينطلق من ثقافتي كمصري متأثر بالثقافة العربية والأغلبية المسلمة، أو صيني فقط أو فيتنامي فقط إلخ..
ماذا يقول نص الوثيقة "Fiducia Suplicans"؟
تناقش الوثيقة وتتعمّق في المعنى الرعوي للبركات، وتميز بين بركات الرتب والبركات الليتورجية وبركات أخرى عفوية تشبه إلى حد كبير لفئات التقوى الشعبيّة: في هذه الفئة الثانية تحديدًا، نتأمّل الآن في إمكانية استقبال حتى الأشخاص الذين لا يعيشون وفقًا لمعايير العقيدة الأخلاقية المسيحية ولكنهم يطلبون بتواضع أن ينالوا البركة.
فتتح إعلان Fiducia Suplicans بمقدمة عميد دائرة عقيدة الإيمان، الكاردينال فيكتور مانويل فرنانديز، الذي يوضح أن الإعلان يتعمق في "المعنى الرعوي للبركات"، مما يسمح "بتوسيع وإغناء الفهم الكلاسيكي لها" من خلال تأمُّلٍ لاهوتي. "يقوم على الرؤية الرعوية للبابا فرنسيس". تأمل "يتضمّن تطوراً حقيقياً مقارنة بما قيل عن البركات" حتى الآن، للوصول إلى فهم إمكانية "منح البركة للأزواج الذين يعيشون في أوضاع غير نظامية والأزواج المثليين، دون الموافقة على وضعهم بشكل رسمي أو تغيير تعليم الكنيسة الدائم حول الزواج بأي شكل من الأشكال".
بعد الفقرات الأولى (١-٣)، التي يتم فيها التذكير بالتصريح السابق لعام ٢٠٢١ والذي يتم الآن تعميقه وتجاوزه، يقدم الإعلان البركة في سر الزواج (الفقرات ٤-٦) معلنا "عدم قبوله أي رتب أو صلوات يمكنها أن تخلق التباسًا وتشويشًا بين ما يشكّل الزواج" و"ما يناقضه"، لتجنّب الاعتراف بأي شكل من الأشكال "باعتبار زواجا ما هو ليس كذلك". وتعيد الوثيقة التأكيد على أنه:
وفقًا "للعقيدة الكاثوليكية الدائمة"، تُعتبر العلاقات الجنسية شرعية فقط في سياق الزواج بين رجل وامرأة.
يحلل الفصل الكبير الثاني من الوثيقة (الفقرات ٧-٣٠) معنى البركات المختلفة المخصصة للأشخاص وأغراض العبادة وأماكن الحياة. وتذكّر الوثيقة أن البركة، "من وجهة نظر ليتورجية بحتة"، تتطلّب أن يكون ما تتمُّ مباركته "متوافقًا مع إرادة الله التي يتمُّ التعبير عنها في تعاليم الكنيسة". عندما يتم، من خلال رتبة ليتورجيّة خاصة، "طلب البركة على بعض العلاقات البشرية"، من الضروري أن "يكون ما يتمُّ مباركته قادرًا على أن يتوافق مع مخططات الله المكتوبة في الخليقة" (١١). لذلك، لا تملك الكنيسة السلطة على أن تمنح البركة الليتورجية للأزواج غير النظاميين أو المثليين. ولكن يجب أن نتجنب خطر اختزال معنى البركات في وجهة النظر هذه فقط، وندّعي أن يكون في البركة البسيطة "الشروط الأخلاقية عينها التي تُطلب لنوال الأسرار" (١٢).
وعن موضوع مباركه الأشخاص المثليين وغيرهم ممن يعيشون بطريقه غير نظاميه؟ ما المقصود بإعطائهم "بركه"
بعد دراسة البركات الموجودة في الكتاب المقدس، تقدِّم الوثيقة فهمًا لاهوتيًا رعويًا. إن الذي يطلب البركة "يُظهر أنه في حاجة إلى حضور الله الخلاصي في تاريخه"، لأنه يعبر عن "طلب المساعدة من الله، والتماسها لكي يتمكن من أن يعيش بشكل أفضل" (٢١). وبالتالي يجب قبول هذا الطلب وتقديره "خارج الإطار الليتورجي" عندما يأتي "بطريقة عفوية وحرة" (٢٣). وبالنظر إليها من منظور التقوى الشعبية، "يجب تقييم البركات على أنها أفعال عبادة". وبالتالي لمنحها، ليس من الضروري اشتراط "الكمال الأخلاقي المسبق" كشرط مسبق.
تنص الوثيقة على أن هذا النوع من البركات "يُمنح للجميع، بدون طلب أي شيء، لكي نجعل الأشخاص يشعرون أنهم يبقون مباركين رغم أخطائهم وأن الآب السماوي لا يزال يريد خيرهم ويرجو أن ينفتحوا أخيرًا على الخير"(٢٧). هناك "عدة مناسبات يقترب فيها الأشخاص بشكل عفوي لكي يطلبوا البركة، سواء في رحلات الحج أو في المزارات وحتى في الشارع عندما يلتقون بكاهنٍ ما"، وهذه البركات "هي موجهة للجميع، ولا يمكن استبعاد أحد عنها". (٢٨). لذلك، في حين أن الحظر على تفعيل "الإجراءات أو الطقوس" لا يزال قائما في هذه الحالات، إلا أنّه يمكن للكاهن أن يتّحد مع صلاة هؤلاء الأشخاص الذين "على الرغم من أنَّ الاتحاد الذي يعيشونه لا يمكن مقارنته بأي حال من الأحوال بالزواج، لكنّهم يرغبون في أن يسلِّموا ذواتهم للرب ولرحمته، وأن يطلبوا معونته، وأن يتمَّ إرشادهم إلى فهم أكبر لمخطّطه، مخطّط المحبة والحقيقة" (٣٠).
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أقباط أمين سر دولة الفاتيكان البابا فرنسيس على أن
إقرأ أيضاً:
كيف نبني زواجًا ناجحًا؟
سلطان بن ناصر القاسمي
ليس الزواج مجرد ارتباط بين رجل وامرأة، بل هو قصة تبدأ من لحظة النية، وتُكتب فصولها كل يوم بالتفاهم، والرحمة، والالتزام. إنه ليس محطة عبور ولا تجربة عابرة، بل عقد مقدّس، وسكنٌ نفسي، وميثاق غليظ، كما وصفه الله في كتابه: ﴿وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ (النساء: 21).
الزواج ليس فرارًا من الوحدة ولا بحثًا عن متعة مؤقتة، بل هو بناء لحياة مشتركة، ومسؤولية متبادلة، ومشروع إنساني عظيم يقوم على المودة والرحمة. قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: 21). ونحتاج أن نتساءل: ما الذي يجعل الزواج ناجحًا؟ كيف يمكن أن نصنع من هذه العلاقة حياة مستقرة، رغم تقلبات الأيام واختلاف الطباع؟ وما هي الخطوات التي تحفظ الحب وتحمي الاستقرار؟
أُولى اللبنات في بناء زواج ناجح تبدأ من النية الصادقة. حين يكون دافع الارتباط هو الرغبة في تأسيس بيت متين، وأسرة فاعلة في المجتمع، يصبح الطرفان أكثر استعدادًا لتحمّل المسؤوليات. أما إذا كان الزواج هروبًا من ضغوط أو مجرد نزوة عاطفية، فسرعان ما ينهار أمام أول خلاف.
من العقبات الشائعة التي تعترض طريق الاستقرار: الضغوط المالية والأنانية. فالمشكلات المادية تتفاقم غالبًا حين يغيب الحوار الصادق، وتُغفل الشفافية. ولا يمكن لبيت أن يقوم على الصمت في هذه الأمور الحساسة، إذ لابد من الاتفاق المسبق على أساليب الإنفاق، وتحديد الأولويات، والتفكير المشترك في المستقبل. أما الأنانية، فهي أشد فتكًا؛ حين يرى كل طرف نفسه الأحق دائمًا، ويغفل عن الطرف الآخر، يبدأ الحب بالذبول، ويخفت نور التفاهم.
وهنا، تلعب ثقافة الحوار الدور الأكبر في إنقاذ العلاقة. فالحوار ليس تبادلًا للكلمات فحسب، بل هو استماع، وتفهّم، وحرص على عدم إيذاء الآخر، مهما كانت حدة الخلاف. ولا شك أن الخلافات أمر طبيعي، لكن طريقة إدارتها تحدد مصير العلاقة: هل ستبقى أم تنهار.
وفي ظل المتغيرات الحديثة، قد تشعر بعض الزوجات بأن الزواج يُقيد من حريتهن، ويمنعهن من ممارسة نمط الحياة الذي اعتدن عليه. وهنا تظهر أهمية التهيئة النفسية قبل الزواج، من خلال توعية البنات بأهمية هذا الرباط، وضرورة التكيف مع مسؤولياته. كما أن الزوج بدوره مطالب بأن يدرك أنه لم يعد حرًّا كما كان، بل أصبح ربًّا لأسرة تتطلب منه عناية، واحتواءً، وتخطيطًا.
أما الأسس الشرعية لعقد الزواج، فهي ضوابط لا غنى عنها: صيغة الإيجاب والقبول، ووجود الولي، والشهود، وأهلية الطرفين. قال ﷺ: "لا نكاح إلا بولي وشاهديْ عدل" (رواه ابن حبان). وقال أيضًا: "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإنَّ الزانية هي التي تزوج نفسها" (رواه ابن ماجه).
ومن الركائز الأساسية التي يقوم عليها الزواج الناجح:
• الاحترام المتبادل: احترام لا يقتصر على الألفاظ بل يمتد إلى المشاعر، الوقت، الخصوصية، وحتى الغياب. وهو ما يرسخ الأمان النفسي.
• احترام الأهل: تقدير أهل الطرف الآخر والتواصل معهم، يعزز الترابط ويُبقي المحبة قائمة.
• الاهتمام بالمظهر: لا يعني التأنق المبالغ، بل الحفاظ على صورة لائقة تعكس تقدير كل طرف للآخر.
• الصبر والمرونة: لا حياة زوجية بلا تحديات، لكن الصبر وحده يحوّل العثرات إلى فرص للنمو.
• النسيان والعفو: قال تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ (النور: 22)؛ فالعفو يبقي العلاقات نقية، ويمنع تراكم الجراح.
• التواضع والاعتذار: لا كرامة تُهدر حين نعتذر، بل قلوب تُصان. والاعتراف بالخطأ فضيلة تحمي البيوت من السقوط.
ولا يمكن إغفال أهمية الثقة، فهي لا تُمنح بالكلمات، بل تُكتسب بالأفعال عبر الزمن. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ (النساء: 58)، وهذه الأمانة تبدأ من الثقة المتبادلة بين الزوجين.
ولأننا لا نعيش في عالم مثالي، فلابد أن نتقبّل أن الحب وحده لا يكفي. نعم، هو الوقود الأول، لكنه لا يصمد وحده أمام متطلبات الواقع. لابد من تكامل في الدين، والفكر، والقيم، والكفاءة الاجتماعية والاقتصادية، كما أشار النبي ﷺ: "تُنكَح المرأةُ لأربعٍ: لمالِها، ولحسبِها، ولجمالِها، ولدينِها، فاظفَر بذاتِ الدِّينِ تربَتْ يداكَ" (متفق عليه).
ومن الأخطاء الفادحة الاتكال على المشاعر وحدها دون دراسة متأنية للشخص الآخر، دون استشارة أهل الرأي، أو حتى استخارة الخالق سبحانه، كما قال تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (آل عمران: 159)، وقال ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ (آل عمران: 159).
والأنانية تظل العدو الأخطر للعلاقات، وهي التي تُفرغ الزواج من معناه، وتقود إلى الطلاق ولو بدت الأسباب الظاهرة مادية. قال الله تعالى في التحذير من تقديم النفس على المصلحة الجماعية: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ (الحشر: 9)، وما أجمل أن يسري هذا المعنى في الحياة الزوجية.
لذلك، فإن الزواج الناجح هو ثمرة جهد متبادل، ورغبة صادقة في إنجاح العلاقة، مهما كلف الأمر من تنازلات؛ فكُل طرف لا بُد أن يكون داعمًا، مشجعًا، صادقًا، متواضعًا، لا ينتظر الكمال؛ بل يصنعه بالمحبة والوعي والتجدد.
وفي الختام.. الزواج لا يُبنى على المصادفة، ولا يقوم على المشاعر العابرة، بل على الإرادة الواعية، والتخطيط، والتفاهم، والاحترام. قد تمر الأيام الصعبة، وتخبو المشاعر أحيانًا، لكن ما يبقى حقًا هو صدق النوايا، وصفاء القلوب، ووعي كل طرف أن الحياة الزوجية ليست نزهة؛ بل مسؤولية.
إلى كل شاب وفتاة مقبلين على الزواج: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات: 13)؛ فتسلّحوا بالحكمة، ولا تجعلوا أحلامكم تقودكم دون وعي. وازرعوا في بيوتكم حبًا صادقًا، واسقوه بالرحمة، وعضّوا عليه بالصبر. وحين يأتي الخلاف، تذكروا أن ما بينكما يستحق أن يُصان.
رابط مختصر