حملت زيارة لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي، إلي تل أبيب، أهدافا ودلالات شتى. منها علي سبيل التوضيح لا الحصر. إن الولايات المتحدة الأمريكية، هي التي تتحكم في المعادلة السياسية والأمنية في الشرق الأوسط. فضلا عن كونها توجه رسائل للقوي الإقليمية في الشرق الأوسط، والقوي الدولية أيضا. (روسيا والصين). ولكن ما الرسائل الأمريكية غير المعلنة لزيارة أوستن؟.

كم مسئول أمريكي يلزم واشنطن، ليستطيع إقناع إسرائيل، تعديل إستراتيجيتها العسكرية في قطاع غزة، كما تزعم. فبعد زيارة جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي، ها هو وزير الدفاع الأمريكي، في تل أبيب، بعد جولة في المنطقة، شملت قطر والبحرين. أكد أوستن، المؤكد باستمرار دعم الاحتلال، وفي الجملة نفسها، أعاد "لازمة" ضرورة حماية المدنيين. 
تريد واشنطن الشيء ونقيضه، من دون ممارسة أي ضغوط ملموسة علي تل أبيب. التي تستغل في كل مرة الزيارات الأمريكية، لكسب معارك بسيف غيرها، وآخرها علي جبهة البحر الأحمر. يريد الكيان، ولادة التحالف البحري في أسرع وقت ممكن، لكن حتى اللحظة، لا حماسة إقليمية لذلك. بات البحر الأحمر خاصرة مؤلمة لإسرائيل، مع استمرار عمليات الحوثيين، ضد السفن المتجهة إلي الاحتلال. الأمر الذي يدفع كبريات شركات الشحن والتجارة البحرية، إلي تعليق مرورها في المنطقة. وآخرها عملاقة النفط البريطانية بريتيش بتروليم، وعملاقة التجارة البحرية إيفرجرين. أمام هذا المشهد المتصاعد والساخن، لابد من التساؤل عن، ما شكل المرحلة المقبلة للحرب التي تريدها واشنطن في غزة؟ وهل تلتزم بها تل أبيب؟ ما احتمالات ولادة تحالف بحري في البحر الأحمر، وسط غياب حماسة دول الإقليم؟.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: تل أبیب

إقرأ أيضاً:

شحاتة السيد يكتب: لماذا تُستهدف مصر؟ ولماذا تُنفق المليارات لتشويه صورتها؟

ما يجري حول مصر اليوم لا يمكن قراءته كضجيج عابر، أو شغب سياسي مؤقت؛ بل هو نتاج ترتيب طويل، هندسة مقصودة ومستمرة، تستند إلى خبرة عميقة في الحروب الرمادية، وتُدار بأدوات ناعمة لا تُطلق رصاصة واحدة، لكنها تُصيب بعمق، وتُحدث ارتباكًا داخليًا طويل الأمد. 
 

نحن أمام حملة ليست وليدة لحظة، بل خلاصة خطط تمتد على مدار سنوات، تتكئ على فهم دقيق لطبيعة هذا البلد، لتاريخه، لمزاجه الشعبي، ولحساسيته تجاه صورته وذاته ومصيره.

وحين تتحرك مصر نحو بناء ذاتها، لا تتحرك في فراغ؛ كل خطوة تقطعها إلى الأمام، تقترب بها من لحظة لا تروق للكثيرين: لحظة التوازن. اللحظة التي لا تصبح فيها مصر عبئًا على المنطقة، بل رقمًا حاسمًا في معادلاتها. 

هذه اللحظة تحديدًا، هي ما تخشاه أطراف عدة؛ دول مجاورة كانت، طويلاً، تنعم بترف التحرك في ظل غياب الدور المصري أو انكفائه. أجهزة إقليمية تعودت أن تعمل في فراغات القوة، لا تجد في صعود مصر سوى تهديد مباشر لامتداداتها، ومصالحها، ونفوذها.

هؤلاء لا يعلنون القلق، لا يصرخون من على منصات السياسة؛ بل يتحركون بصمت، بدقة، وبميزانيات ضخمة لا يُعلَن عنها. يختارون التوقيتات الحساسة، والمفاصل الانتقالية، واللحظات التي يكون فيها المزاج العام مرهقًا أو مشوشًا، ليضربوا؛ ليس عبر الجيوش، ولا حتى بالتحركات الدبلوماسية، بل عبر شيء أكثر خطرًا: وعي المواطن.

لا أحد يوجّه لك ضربة مباشرة اليوم؛ ما يُصاغ الآن هو حرب على الإدراك، على الصورة، على المعنى. يُعاد تشكيل الوعي الجمعي للمصري عبر جرعات منظمة من التشكيك؛ ليس في حدث بعينه، ولا سياسة بعينها، ولكن في قيمة الدولة نفسها، في مشروعها، في حقها في أن تنهض.

هنا لا تُستخدم اللغة السياسية التقليدية، بل تُعاد كتابة الرواية بلسان يشبه لسانك، بلكنة مألوفة، بإيقاع قريب من الشارع، لكنه مسموم. تبدأ القصة من مشهد يومي بسيط، من شكوى مشروعة، من خطأ عابر، ثم تُضخَّم، وتُنسج حولها شبكة من التفسيرات، والاتهامات، والاستنتاجات؛ لتتحوّل إلى سردية مكتملة تُبنى في العقول، وتُتداول كأنها "الحقيقة الوحيدة الممكنة".

يُقال أن الإعلام الجديد منح الشعوب صوتًا؛ لكن في حالتنا، أصبح هذا الصوت هدفًا لمن يريد أن يزرع بداخله صدىً غريبًا، نشازًا، لا يعرف له مصدرًا. يكفي أن تنتشر آلاف الحسابات، أن تُنتج مئات المقاطع المصورة، أن تُضَخ تقارير مكتوبة في غرف مغلقة، وتُوزّع على منصات يبدو ظاهرها محليًا، لكنها مملوكة فعليًا لعواصم وأجهزة معروفة، لتتحوّل الحملة إلى ظاهرة، ثم إلى "رأي عام"، ثم إلى قناعة مسمومة تسري في الجسد الوطني.

المنصات الإعلامية التي تدّعي الحياد، والتقارير التي تصدر تحت عناوين كبيرة عن الحقوق والحريات، ليست دائمًا بريئة؛ هناك من يحترف خلط الأوراق، والتلاعب بالمفاهيم، وتقديم نصف الحقيقة على أنها كل الحقيقة. وهناك من يتقن صناعة الالتباس، وإشعال الشك، وفتح الثغرات في الجدار الداخلي؛ لا ليُصلح، ولكن ليُهدم من الداخل.

هذه ليست معركة على قرار، أو سياسة، أو شخص؛ هذه معركة على الجوهر، معركة على الصورة الذهنية التي تُرسم لمصر في أذهان أهلها أولًا، قبل أن تُرسم في الإعلام الدولي أو المؤتمرات. هذا لأن الخطر الحقيقي ليس في الحدث الذي يُشوَّه، بل في تراكم التشويه نفسه، حتى يفقد الناس ثقتهم في الواقع.

ولأن من يدير هذه الحرب يعرف تمامًا أن مصر لا تُهزم خارجيًا، فإنه يراهن على الداخل: على الإرباك، على التآكل التدريجي، على تآكل المعنى. يرمي إلى أن يتعوّد الناس على أن يُشككوا في كل شيء، حتى في أنفسهم، في قدرتهم على الفهم، على التمييز، على الصبر، على الأمل.

لكن هذا الرهان، رغم خطورته، يفتقد إلى أمر جوهري: أن مصر، رغم ما تمر به، ليست هشّة كما يتوهم البعض. صحيح أن الضغوط قاسية، وأن الطريق طويل؛ لكن المزاج المصري – الذي يبدو أحيانًا متقلبًا – يحمل بداخله وعيًا عميقًا تشكّل على مدى قرون. 
المصري يُجيد الإصغاء، لكنه أيضًا يُجيد التفرقة؛ وقد يتأثر، لكنه لا يُسلّم وعيه بسهولة.

ولعلهم لم يستوعبوا الدرس في كل محاولة لهز صورة مصر، كانت ترتد في النهاية إلى صاحبها؛ وكل حملة تُبذَر بالتمويل، تُقابلها في الداخل ذاكرة جمعية تعرف من يزرع ولماذا. لأن هذا الشعب، الذي عانى كثيرًا، لم ينسَ كيف تُبنى الدول، ولم ينسَ أثمان الفوضى، ولا ثمن الفراغ.

الذين يصرفون الملايين ليهدموا المعنى، لم يدركوا بعد أن مصر – حين تقرر أن تصمد – لا تقف وحدها، بل يقف خلفها شعب لا يُباع، ولا يُشترى، ولا يُدار من الخارج.

طباعة شارك اللغة السياسية الإعلام المنصات الإعلامية

مقالات مشابهة

  • وزارة الخارجية الأمريكية: واشنطن ترفض مؤتمر حل الدولتين
  • إبراهيم عثمان يكتب: تبرير العدوان: لماذا حدث ولماذا فشل؟
  • عاجل. واشنطن وتل أبيب تقاطعان المؤتمر الأممي الخاص بفلسطين والخارجية الأمريكية تقول إنه هدية لحماس (وكالة)
  • مستنقع اليمن.. لماذا لا تنتصر القوة الأمريكية على الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)
  • الأكاذيب المُمأسسة وتواطؤ النخب: لماذا تحتاج تل أبيب إلى صمت العرب كي تستمر الحرب؟
  • إبراهيم النجار يكتب: زياد الرحباني.. رحيل أيقونة فنية نضالية استثنائية!
  • جنرال أمريكي: هجمات الحوثيين في البحر الأحمر ساهمت في تطوير التكتيكات العسكرية الأمريكية
  • شحاتة السيد يكتب: لماذا تُستهدف مصر؟ ولماذا تُنفق المليارات لتشويه صورتها؟
  • تقرير روسي: اليمن يفرض إرادته على أهم الممرات الملاحية ويتحدى القوى الكبرى
  • اعلام روسي: اليمن يفرض إرادته على أهم الممرات الملاحية ويتحدى القوى الكبرى