لجريدة عمان:
2025-05-21@14:08:00 GMT

رمزية «موسم الثقافة العُمانية»

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

مع سياسات الانتقال إلى اللامركزية، وتنشيط اقتصاديات المحافظات؛ قدمت محافظات سلطنة عُمان خلال السنتين الماضيتين محاولات ملفتة في سبيل تعزيز الحراك الثقافي فيها، ونقصد هنا الثقافة بمفهومها الواسع؛ متضمنة شقها المعنوي والمادي. فسعت بعض المحافظات إلى إحياء بعض الأماكن التراثية والتاريخية والاستفادة منها كعوامل جذب للسياح ولأهالي المحافظات، وسعى بعضها إلى إقامة المهرجانات والاحتفالات التي تستند في جزء كبير من مضامينها إلى الفنون الشعبية، وأنماط الثقافة المرتبطة بتدبير العيش اليومي، والفنون المرتبطة بالانتاج والمناسبات الاجتماعية.

هذا عوضًا عن الثقافة في شقها الأدبي، والتي حظيت على مستوى «المركز» والـ «اللامركز» بحيز جيد من النشاط التنموي خلال الفترة الماضية. إضافة إلى نشاط التكوينات الثقافية المدنية، المتمثلة في المكتبات، ومجموعات القراءة، والأندية، وفي شقها غير الأدبي متمثلة في الحفاظ على الموروث الثقافي رمزيًا في مختلف المناسبات والأحداث المحلية. إذن شكلت مواسم المحافظات ومهرجاناتها وفعالياتها عينة اختبار أصيل لمختلف مكون الثقافة العُمانية، وقابلية هذه العناصر للإبداع والتجديد والتضمين في المنتج الاقتصادي، وعلى الوجه الآخر قابليتها للإدماج في مفهوم «الترفيه» كرافعة اقتصادية وتنموية. وهو ما يتطلب خلال المرحلة المقبلة، التركيز على تطوير هذا المنتج (استراتيجيًا)؛ وذلك عبر فعاليات جامعة يكون لها أثرها الاقتصادي من ناحية، والبنيوي في تطوير بنية الثقافة من ناحية أخرى.

هناك ممكنات يمكن البناء عليها في التحول المنشود؛ أولها وجود تمرس مسبق في تنظيم الفعاليات المرتبطة بالشق الثقافي ومنها (مهرجان الثقافة العُماني)، والذي يُمكن البناء على فكرته وتوسيعه وتطويره، عوضًا عن تمرس بعض المؤسسات غير الحكومية في إقامة وتنظيم الفعاليات والمواسم الثقافية. وهناك أيضًا الجوائز الثقافية وعلى رأسها الجائزة الأهم (جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب)، والتي تعد من أرفع الجوائز في سياق الثقافة على مستوى المنطقة العربية. أما الممكن الثالث فهو ممكن التنوع، ونقصد به ثراء الثقافة العُمانية في تكوينها الأدبي والاجتماعي وتنوعها وتقاطعها عبر المحافظات، وهو ما يمثل فرصة سانحة لتطوير منتج ثقافي واقتصادي متجدد ومتنوع، عوضًا عن تمرس العُمانيين أنفسهم للثقافة، وتكمن دلالة ذلك في الأرقام التي يسجلها على سبيل المثال معرض مسقط الدولي للكتاب سنويًا، والعُمانيون المنخرطون في الصناعات الثقافية المختلفة كالمسرح، والفنون الغنائية، والفنون التشكيلية، عوضًا عن الأدباء الذين سطروا خلال السنوات الماضية تحديدًا أسماءهم في صدارة المسابقات والجوائز الثقافية. الممكن الرابع هو انفتاح الدولة على الفعل الثقافي واهتمامها بعنصر الثقافة بوصفه وسيطًا حافظًا للديمومة الاجتماعية، وندلل على ذلك بالتوجه الأخير بفتح المجال للاستثمار في المباني التراثية والتاريخية وتنشطيها، وربط الجيل بها، والانخراط مع الدول الأخرى في أنشطتها ومناسباتها الثقافية. كل هذه الممكنات تشير إلى أن البيئة الثقافية في عمومها من الممكن أن تدفع في اتجاه تطوير منتجات جديد وخلق مشهد ثقافي أكثر فاعلية خلال السنوات المقبلة.

ما نقترحه هنا هو استحداثُ موسمٍ جامعٍ تحت مسمى (موسم الثقافة العُمانية)، وهي فعالية تنشط (المركز) و (اللامركز)، عبر حدث يتزامن تنظيمهُ في كل محافظات سلطنة عُمان، يعنى بالدرجة الأساس بتنشيط كل أشكال الثقافة العُمانية، وفقًا للثيمة الثقافية الطابعة لكل محافظة، ويقدمها وفق روزنامة محددة ومركزية، ويكون في الآن ذاته موسمًا لتوزيع الجوائز الثقافية الكبرى، واستنبات جوائز ثقافية جديدة في مختلف حقول الثقافة. وليكن من بين تلك الأفكار تقييم الاستثمار الأمثل للمباني التراثية والتاريخية، واستقطاب الرواة والأدباء في أيام ثقافية، وجمع الفعاليات والمهرجانات المتصلة بالمسرح العُماني ضمن نطاق الموسم، والمهرجانات المرتبطة بتقديم المأكولات العُمانية بطريقة مبتكرة وجذابة، عوضًا عن الفعاليات المتفرقة المرتبطة بالفنون التشكيلية. تتلخص الفكرة هنا في جمع أكبر قدر من الأنشطة والفعاليات الثقافية ضمن منصة واحدة، وضمن تنافسية واضحة للمحافظات لتقديم أجندتها وجدول فعالياتها المستند إلى ما تحتويه من مكون وميز ثقافية، هذا عوضًا عن الفعاليات الرئيسية الكبرى داخل المركز، والتي يمكن أن يكون المساهم الأول فيها المؤسسات الرسمية. سيحرك الموسم في تقديرنا عناصر عديدة للجذب السياحي، وسيمكن الأفراد من تخير الفعاليات والأنشطة التي تحوز اهتمامهم عبر المحافظات المختلفة في آن واحد، وهو ما سيعزز اقتصاديًا من حرك التنقل والسياحة الداخلية، كما أنه سيوحد المصادر التي تمول وتدعم من خلالها هذه الأنشطة، وقد يرتقي لاحقًا بعد عدة سنوات إلى تكوين صناديق متخصصة في تمويل الأنشطة الثقافية.

ومن المكاسب المتوقعة أيضًا تعزيز فعل الصناعات الإبداعية، وتحويلها إلى عنصر اقتصادي مساهم في الدورة الاقتصادية، هذا إلى جانب التمرس في تنشيط وتبني الأحداث الضخمة، وتسويقها على الأقل للمنطقة. ويمكن سلطنة عُمان من إيجاد التنوع في المواسم، بحضور الموسم الجاذب الآخر هو موسم خريف ظفار. ويوازن في الوقت ذاته بين نشاط المركز واللامركز ويسلط الضوء على حجم الثراء الثقافي والفاعلين الثقافيين في مختلف الحقول. على الصعيد الاقتصادي كذلك سيمنح تكوين مثل هذا الموسم نشاطًا أوسع للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وفي كل مجالاتها، سواء تلك العاملة في مجالات التغذية، أو التسويق والاتصال والإعلام، أو التنظيم والفعاليات، أو المرتبطة بالجوانب اللوجستية وغيرها. عوضًا عن مضاعفة المكتسب الذي تحقق في بعض مواسم المحافظات بتنشيط اقتصاديات الأسر المنتجة، كونها كانت فاعلًا ومستفيدًا أساسًا من تحول الأنشطة إلى اللامركز. وفي المجمل فإن ما تشكله الثقافة العُمانية في مكنونها من مقومات اقتصادية وفرص استثمارية، يعد رافعة تنموية يمكن البناء عليها والاعتداد بها كأحد مجالات التنوع الاقتصادي. غير أن هذه الفكرة في ذاتها لا تلغي النشاط المستقل للمحافظات، ودفعها نحو تكوين أنشطتها الثقافية المستقلة. وإنما تشكل موسمًا مركزيًا يمكن أن يمتد على سبيل المثال على مدار شهر واحد، وليكن في بداية العام. ثم يمكن للمحافظات إثراء المشهد كذلك بفعاليات دائمة ومستقلة استنادًا إلى عوامل/ ميز/ أوقات الجذب المناسبة للساكنين فيها.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الثقافة الع مانیة عوض ا عن موسم ا

إقرأ أيضاً:

عُمان وكوريا تحتفلان بزراعة شجرة اللبان وزهور رمزية بحديقة سول

العُمانية: نظّمت سفارة سلطنة عُمان في جمهورية كوريا، اليوم فعالية مميزة لزراعة شجرة اللبان العُمانية، بالإضافة إلى زهرة جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيّب اللّٰه ثراه-، وزهرة السلطان هيثم بن طارق - حفظه اللّٰه ورعاه - وزهرة السيدة الجليلة عهد بنت عبدالله البوسعيدية في حديقة سول للنباتات، في إطار جهود السفارة المستمرة لتعزيز التبادل الثقافي والبيئي بين سلطنة عُمان وجمهورية كوريا، وتسليط الضوء على الروابط التاريخية العميقة التي تجمع سلطنة عُمان وجمهورية كوريا.

وشهدت المناسبة حضور العديد من الشخصيات العامة والمسؤولين الذين شاركوا في زراعة الأشجار وفي مقدمتهم سعادة كيم هيونج دونج عضو الجمعية الوطنية ونائب رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية الكورية-العُمانية، وسعادة تشونج كوانج يونج المدير العام لمكتب شؤون إفريقيا والشرق الأوسط بوزارة الشؤون الخارجية الكورية، وسعادة كيم تشانج مو، رئيس الجمعية الكورية-العربية، ومديرة حديقة سول للنباتات، وعدد من السفراء المعتمدين في جمهورية كوريا.

وأعرب سعادة الشيخ زكريا بن حمد بن هلال السعدي سفير سلطنة عُمان لدى جمهورية كوريا عن شكره للضيوف لحضورهم هذه المناسبة.

وأشار إلى أن هذه الفعالية كانت مقررة العام الماضي احتفالًا بالذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين سلطنة عُمان وجمهورية كوريا، ولكن إجراءات الحجر الصحي المتعلقة بالنباتات حالت دون تنفيذ الحدث في وقته.

وأعرب عن تقديره لوكالة الحجر الصحي والنباتي في جمهورية كوريا، وحديقة سيئول النباتية وشؤون البلاط السلطاني (الحدائق والمزارع السلطانية) في سلطنة عُمان على تعاونهم وتفانيهم في تحقيق هذا الحدث.

وأكد سعادة السفير على أهمية هذه المناسبة، واصفًا إياها بأنها تجسّد قيم التعاون والحوار الحضاري، وقال: إن زراعة هذه الأشجار والزهور ليست مجرد فعل رمزي، بل تعكس التزامنا بالحفاظ على التراث الطبيعي والتاريخي لسلطنة عُمان.

وأشاد سعادته بالروابط التاريخية بين البلدين، مؤكدًا على امتدادها منذ عهد مملكة شيلا الكورية، مشيرًا إلى وجود لبقايا من اللبان العُماني في معبد في مدينة كيونغجو في كوريا والتي تعود إلى أكثر من ألف عام وهذا خير دليل على عمق التبادل التاريخي والتجاري بين سلطنة عُمان وجمهورية كوريا.

بدورها، أعربت مديرة حديقة سيئول النباتية عن امتنانها لجهود سفارة سلطنة عُمان في سيئول، مشيدة بالمبادرة التي تقدم رموزًا متجذرة في التراث العُماني، مؤكدة على أهمية الاستمرار في العناية بهذه النباتات لضمان نموّها الصحي في الحدائق الكورية.

ويؤكد هذا الحدث التزام سلطنة عُمان بتعزيز الحوار الحضاري والتعاون البيئي من خلال مبادرات خلاقة تسلّط الضوء على كنوزها الطبيعية القيّمة، وتشير إلى عمق التواصل الحضاري والتاريخي بين سلطنة عُمان وجمهورية كوريا منذ ألف عام.

مقالات مشابهة

  • قطر تستعرض استراتيجيتها الثقافية ضمن الرؤية الوطنية 2030 أمام اجتماع عربي بالقاهرة
  • الرئيس السيسي: نسعى إلى ربط المحافظات من خلال الميكنة الكاملة
  • رئيس وزراء إسبانيا: مثلما استبعدت روسيا من الفعاليات الثقافية.. يجب استبعاد “إسرائيل”
  • "البلشي": ما يجري في قطاع غزة كشف زيف بعض الشعارات المرتبطة بالحريات
  • إسبانيا تدعو لاستبعاد إسرائيل من الفعاليات الثقافية الدولية
  • الرواشدة: الدولة الأردنية أسسها الهاشميون على منظومة من القيم الثقافية والحضارية
  • عُمان وكوريا تحتفلان بزراعة شجرة اللبان وزهور رمزية بحديقة سول
  • الزراعة النيابية تقلل من تأثير الحرائق وتؤكد سير تسويق الحنطة بشكل طبيعي
  • زينات علوي.. راقصة الهوانم وصديقة النخبة الثقافية
  • تدشين مهرجان عروض الفنون الشعبية بميدان التحرير احتفاءً بالعيد الوطني 22مايو