كان تفكك الاتحاد السوفييتي في ديسمبر1991 إيذاناً بنهاية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ومعها نهاية مرحلة القطبية الثنائية التي ميزت بنية النظام الدولي عقب الحرب العالمية الثانية لثلاثة عقود على الأقل.
وكان منطقياً أن ينفرد المنتصر في تلك الحرب بقيادة النظام الدولي فيما عُرف بنموذج الأحادية القطبية الذي بلغ ذروته بقرار الولايات المتحدة غزو العراق في2003، حيث تم القرار رغم رفض مجلس الأمن إعطاءها تفويضاً بإدارة الأزمة المفتعلة لامتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وكما مثل هذا القرار ذروة الأحادية الأمريكية القطبية كان بداية لتآكلها بالمقاومة العراقية الضارية للغزو أولاً والمقاومة الأفغانية للغزو الأمريكي الذي سبق غزو العراق بسنتين، ومن ناحية أخرى استمر الصعود الدؤوب للقوة الصينية، ووضعت روسيا قدميها على بداية طريق إعادة البناء كقوة عالمية مؤثرة مع صعود بوتين لقمة السلطة في 2000، ومع التراجع الأمريكي تحت وطأة فشل المغامرات الخارجية وعوامل أخرى من ناحية، واستمرار صعود الصين واستعادة روسيا تماسكها وقوتها من ناحية أخرى بدأت الملامح الجنينية لنظام دولي جديد لا يوجد فيه قطب واحد ينفرد بالقيادة، وكتبت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا شهادة الوفاة الرسمية لنموذج الأحادية القطبية بعد أن تصدت روسيا بالقوة لمخطط ضم أوكرانيا لحلف الأطلنطي، الذي اعتبرته استخفافاً بأمنها وتهديداً فعلياً له، وأصبح الجدل لا يدور حول حقيقة التعددية في النظام الدولي وإنما عن توقيت اكتمالها.
ومع الأحداث الراهنة في غزة وفشل العالم كله في وقف إطلاق النار على أرضها سواء بسبب الإصرار الإسرائيلي على استمرار القتال، حتى يتم تحرير الرهائن والأسرى والقضاء على "حماس"، أو بسبب الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل عسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً بات واضحاً أنه لا وقف لإطلاق النار دون موافقة أمريكية، ومن هنا تجدد الجدل بين من يقولون بالتعددية ولو غير المكتملة لبنية القيادة في النظام الدولي، ومن لا يقبلون هذا التكييف ويرون أن أحداث غزة قد حسمت بما لا يدع مجالاً لشك أنه لا يوجد إلا قطب واحد بيده الحل والعقد، وإلا ما كان إطلاق النار قد استمر رغم أنف العالم كله.
والواقع أن هذا القول يحتاج إمعاناً للنظر، فلا شك في وجود مقومات حقيقية للتعددية في النظام الدولي، وهو استنتاج يمكن استخلاصه بسهولة من استعراض مؤشرات القوة الاقتصادية والعسكرية لكل من الصين وروسيا، وكذلك حضورهما السياسي في عدد من الأزمات الدولية، لكن الواضح أن هذا الحضور حتى الآن يتعلق بمصالحهما المباشرة، إذ تصدت روسيا بالقوة لمخططات ضم أوكرانيا لحلف الأطلنطي، وتدخلت قبل ذلك تدخلاً عسكرياً مباشراً في جورجيا لتأمين فضائها السوفييتي السابق، كما تدخلت في سوريا لحماية النظام السوري الذي يؤمن لها تسهيلات استراتيجية في المتوسط، كذلك فإن الصين لا تقبل المزاح في قضايا كقضيتي تايوان وبحر الصين الجنوبي، كما حققت في مارس2013 اختراقاً دبلوماسياً بنجاحها في التوسط بين السعودية وإيران، وبالتالي فإن التعددية القطبية حاضرة عندما تكون هناك مصالح مباشرة للأقطاب الصاعدة، أما أن يتصور أحد أن هذه الأقطاب سوف توظف قوتها لمصلحة آخرين فهذا ما لا يتسق مع منطق العلاقات الدولية الذي لا يعرف سوى لغة المصالح.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الحرب الأوكرانية النظام الدولی
إقرأ أيضاً:
نيبينزيا: روسيا تدعو إلى التحقيق في تقرير الأمم المتحدة حول وضع المدنيين في أوكرانيا
نيويورك – أكد مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أن تقرير أنطونيو غوتيريش عن أوكرانيا بشأن “حماية المدنيين” يستحق تحقيقا داخليا، معتبرا الوصف المقدم غير دقيق ويتطلب مراجعة فورية.
وقال نيبينزيا خلال جلسة مجلس الأمن الدولي: “التقرير الذي أُعد لاجتماعنا اليوم، في الجزء المتعلق بأوكرانيا، يذكر المدنيين الروس المتضررين من النزاع مرة واحدة فقط، في سياق النازحين. دون أن يوضح أن الأمر يتعلق باستخدام مئات المدنيين كرهائن، اختطفتهم القوات المسلحة الأوكرانية في مقاطعة كورسك”.
وأضاف: “في المقابل، يذكر التقرير ما يزعم وقوعه من 300 هجوم على منشآت البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا. دون أن يذكر أن هذه المنشآت تخدم أهدافا عسكرية، كما أن الأرقام مأخوذة مباشرة من الجانب الأوكراني دون تمحيص. بل إن التقرير يصل إلى حد تكرار الأكاذيب الغربية غير المقبولة حول فصل الأطفال عن والديهم والترحيل القسري دون أي تفاصيل أو معلومات داعمة”.
وأوضح مندوب روسيا: “يشير التقرير إلى السعي لمحاربة الإفلات من العقاب في أوكرانيا. من المثير للاهتمام معرفة الأساس الذي بُني عليه هذا الاستنتاج بخصوص بلد لم يصادق حتى على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلا بتحفظ يستثني مساءلة جنوده عن جرائم الحرب؟ نعتقد أن وصف الوضع في أوكرانيا في التقرير يستحق تحقيقا داخليا. كيف يمكن التحدث عن الاهتمام بحماية المدنيين بعد كل هذا الكذب والتضليل؟ هنا يجب أولا التحقيق في الأمانة العامة [للأمم المتحدة] نفسها ومعاقبة الذين حاولوا تضليل مجلس الأمن”.
وأشار رئيس البعثة الروسية إلى مشكلة سلامة الصحفيين، وأكد أن الأمم المتحدة لا تدين إجراءات السلطات في كييف ضد الإعلاميين الروس.
وأضاف: “أطلقت كييف حملة إرهاب حقيقية ضد الإعلاميين الروس الذين يؤدون واجبهم المهني بتغطية الأحداث في منطقة العملية العسكرية الخاصة. بلغ عدد القتلى والجرحى منذ فبراير 2022 العشرات: فمنذ بداية هذا العام وحده، قُتل خمسة من العاملين في وسائل الإعلام الروسية نتيجة هجمات مستهدفة للقوات الأوكرانية، بما في ذلك باستخدام أسلحة صاروخية عالية الدقة، بينما أصيب العديد من الزملاء بجروح متفاوتة الخطورة. ومع ذلك، ورغم مناشداتنا المتكررة، لا تلقى هذه الجرائم أي استنكار من الأمم المتحدة”.
المصدر: RT