مجددا، نحن أمام رواية فلسطينية شقت طريقها متسللة من شقوق زنزانة مظلمة لتروي للعالم قصة أسير لعب دورا كبيرا في مسيرة نضال شعبه من أجل الحرية، فعاقبته إسرائيل بحكم بالسجن الانفرادي لبضع "آلاف" من السنوات.

ولئن كانت الرواية جاءت للرد على استفهام مشحون بالعواطف من بنت لأبيها الذي تركها في السيارة لحظة اعتقاله ولم تره بعد ذلك، تسأله فيه: "من أنت؟ ولماذا أنت؟"، فقد أجابت الرواية ليس فقط عن هذين السؤالين، ولكنها أجابت أيضا عن سؤالين نسألهما جميعا: كيف وصلنا إلى هنا؟ وإلى أين نذهب؟

نحن هنا في حضرة الأسير القسامي المهندس عبد الله البرغوثي القابع في زنزانة انفرادية في معتقل رامون جنوب فلسطين المحتلة منذ العام 2003، وعنوانها الذي نشرت به بعد تسريبها عام 2013 هي "أمير الظل: مهندس على الطريق"، وهو يوضح فيها أنه سكت عن كشف كثير من القصص والحقائق حتى لا يتمكن جهاز المخابرات الإسرائيلي من معرفة المقاومين الذين لم ينالوا الشهادة، أو يتعرضوا للأسر، وللمحافظة على أسرار المقاومة.

ومع ذلك فإن ما نشره من تلك القصص يرسم صورة تدعو للفخر بهؤلاء الأبطال الذين يضحون بحياتهم من أجل وطنهم.

تفاصيل الرواية كما قلنا تقودنا إلى فهم اللحظة التي نقف فيها في غزة حاليا، بعد سنوات من النضال الدؤوب لتجاوز العقبات، وتعلم ما يحتاجه الأمر، وهو في هذا السياق يروي سير الشهداء، وكيف قام بانتقاء وتدريب عناصر كتائب القسام على إنتاج الأسلحة والمتفجرات واستخدامها بكفاءة، وخبرته في هذا السياق أوصلته إلى قناعة ملفتة وهي: أن زراعة العقيدة صعبة جدًا، لكن اقتلاع تلك العقيدة بعد أن زرعت أصعب ألف مرة بل يكاد يكون مستحيلاً.

يتحدث البرغوثي في الكتاب عن برنامجه التدريبي الذي قام خلاله بانتقاء أفضل شباب كتائب القسام الذين يملكون القدرة على التعلم وعلى القيادة أيضًا، فيقول: "فكنا ندرب ونعد عددًا من قادة القسام، ليكونوا قادة المرحلة القادمة، حتى لا يكون هناك فراغ ونقص إذا ما استشهد قائد، خاصة أن القبضة الأمنية من أجهزة السلطة الفلسطينية ومن قوات الشاباك الصهيوني قوية وشديدة جدًا".

فتحت خبرات البرغوثي في مجال الهندسة الميكانيكية والإلكترونية، آفاقًا جديدة للابتكار وإنتاج أفكار لحل المشكلات التي تواجهها كتائب القسام، حتى أن صديقه أيمن حلاوة سأله يومًا: "هل أنت تنتمي لهذا العالم؛ أم لعالم المستقبل؟ قل لي بربك هل أتيت إلى نابلس عبر آلة الزمن.. ألم تأتِ هنا من عام 2050 أو من عام 2100؟".

ثار ذلك التساؤل في ذهن أيمن عندما رأى عبد الله ينجح في تطوير الوسائل الإلكترونية لخداع جهاز المخابرات الإسرائيلي، وينتج أجهزة كهربائية، ويتمكن من تفجير عبوات ناسفة عن بُعد.

انطلق عبد الله في مرحلة جديدة من حياته بعد أن دنس شارون المسجد الأقصى؛ فاشتعلت الانتفاضة الثانية؛ فعقد العزم على أن يبدأ المقاومة بالصلاة في المسجد الأقصى؛ لكن عسكر الاحتلال منعوه، وضربوه بأعقاب البنادق حتى سقط مضرجًا بالدماء

المعركة اختارته!

لماذا سار عبد الله في هذا الطريق؟

يرد على ذلك قائلا: " المعارك تختارنا ولا نختارها"؛ وقد اختارته معركة القدس ليصبح مهندس المقاومة، وليقوم بدور مهم في تدريب كوادر القسام الذين اعتبروه شيخهم، وبذلك قاد ثورة العقول ضد الاحتلال، وعلم القساميين أن يصبحوا مهندسين وعلماء وقادة.

كان يمكن أن يعيش حياة وادعة لا تخلو من رغد، فهو كفء علميا درس وعاش في كوريا التي كانت في أوجها كنمر آسيوي، وأتقن لغتها إضافة إلى اللغة الإنجليزية، كما أثبت كفاءة في مجال الأعمال في كوريا والأردن بل وفي نابلس التي دخلها بتأشيرة زيارة دون حق في الإقامة. كما أنه شاب يتمتع بقوة جسدية، يمارس الرياضة ولا سيما "الجودو" منذ نشأته الأولى في الكويت، كما كانت له زوجة كورية محبة. كان يمكن ببساطة أن يعيش أبعد ما يكون عن "القضية".

الروح والغضب والحب

ولكن ساقته عواطفه وأقداره إلى اتجاه آخر. لم تنجب زوجته الكورية، فلما فكر في الزواج بأخرى بعد عودته إلى الأردن، اختارت الطلاق، فشعر بالحزن لفراقها وعاف فكرة الزواج مجددا، ولكن أمه أصرت عليه، فوضع شروطا يصعب أن تتوفر في فتاة، لكن أمه وجدت من تنطبق عليها الشروط، وطلبت منه الذهاب لفلسطين لرؤيتها، فأطاعها إرضاءً لها.

قبل أن يذهب لرؤية العروس زار القدس، وصلى في المسجد الأقصى؛ فعادت له روحه، وعادت الحياة تدب بجسده من جديد.. لقد أصبح حيًا، وعادت له ذاكرته وحبه لفلسطين.

في القدس شعر بالرغبة في الحياة؛ وفي المسجد الأقصى شارك في الصلاة على الشهيد يحيى عياش، وسمع أحدهم يقول جملة أصبحت محور حياته القادمة: "الانتقام الانتقام يا كتائب القسام".

يقول عبد الله: غضبت وعشقت وصليت، وذقت لأول مرة الحب؛ فلقد أحببت القدس وقبة الصخرة المشرفة من أول نظرة.. وأحببت يحيى عياش مثلما أحببت القدس تمامًا؛ فعياش ذلك المهندس القسامي أعاد لي بما رووه عنه روح المقاومة والتصدي للظلم والطغيان.

وتجول عبد الله في مدن فلسطين، وأقسم أن يحرر فلسطين.. كل فلسطين. ثم ذهب إلى بيت أبيه الذي ورثه عن جد جد جده، وهو عبارة عن قلعة قديمة، استخدم بعد ذلك علمه وخبرته في تحويلها إلى قصر فاخر.

ذهب بعد ذلك لرؤية العروس إرضاء لأمه المريضة ناويا أن يجد مبررا للاعتذار، لكنه عندما رأى عينيها وقع في حبها من أول نظرة.. لقد سحرته بعيونها الخجولة؛ فقرر أن يطلب يدها.. لكنه لا يعرف هل كان ذلك سحر الحب أم سحر فلسطين.

هكذا تشابكت قصة الإنسان العاشق الثائر مع قصة شعبه الذي يكافح من أجل الحرية، واختارته المعركة، وكانت قصته الإنسانية تزيد قصة كفاحه جمالًا وبهاءً، فهو زوج محب مخلص، وأب حنون يتابع ابنته وهي تخطو خطواتها الأولى، وابن بار بأمه وأبيه، وأجمل أوقاته تلك التي يقضيها في قطف الزيتون في مزرعة أبيه.

شرارة البدء

انطلق عبد الله في مرحلة جديدة من حياته بعد أن دنس شارون المسجد الأقصى؛ فاشتعلت الانتفاضة الثانية؛ فعقد العزم على أن يبدأ المقاومة بالصلاة في المسجد الأقصى؛ لكن عسكر الاحتلال منعوه، وضربوه بأعقاب البنادق حتى سقط مضرجًا بالدماء.

حمله بعض الفلسطينيين لبيت قريب وضمدوا جراحه.. بعد ساعات ودعهم لعله يتمكن من عقاب المحتل الصهيوني على ألم النفس والروح.. ألم الكرامة.. "ألم أن أضرب، وأمنع من أداء صلاتي لربي".

انخرط في إعداد البنية التحتية للمقاومة، وعندما اكتشف أبوه المتفجرات شعر بالخوف عليه؛ فأجابه: "لقد آن الأوان لأخوض المعركة التي طالما حلمت بها وتمنيتها.. ادع لي بالنجاح؛ فأنا يا والدي قررت أن أترك هذه الدنيا الفانية لأقاتل.. لعلي أسقط شهيدًا، أو أنتصر.. المهم يا والدي أنني واثق بإذن الله أني قبل أن أصل لإحدى الحسنيين أني سوف أسقط عشرات وعشرات من قتلى العدو".

باع محلاته التجارية، وسحب ما كان يملكه من مال في البنوك لينفقه على شراء أدوات يستخدمها في صنع المتفجرات، لكن جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني قبض عليه، وصادر أمواله. وبعد خروجه من سجن السلطة أعطته زوجته ذهبها ليبيعه وينفقه على المقاومة.

معركة كسر الإرادة!

يستمر في سرد قصة ثرية بالأحداث، انتهت بتمكن جيش الاحتلال الإسرائيلي من أسره بعد أن وشى به عميل حقير.

كانت ابنته تالا في ذلك الوقت مريضة على يديه عرج بها لمعاينة عقار ينوي استئجاره قبل أن يزور بها مشفى العيون، وما ان وصل إلى موقف بلدية البيرة حتى هاجمه كلبان بوليسيان فقذف ابنته إلى السيارة وأغلقها عليها محاولا التصدي لهما فيما بدأ أحدهما بنهش قدمه والآخر بنهش السترة الشتوية الذي كان يرتديها. قبل ان يتمكن من التخلص منهما كانت مجموعة من الاحتلال تحيط به مصوبة بنادق رشاشاتها نحوه فألقوه على الأرض وكبلوه واقتادوه إلى سيارة كانت حولهم عندما هاجموه

يقول عبد الله: "كنت أدرك أن مثل هذه اللحظة قد تأتي.. فلم يكن أمام من يقاوم الاحتلال سوى الشهادة أو الاعتقال أو النصر.. وكنت مستعدًا للشهادة عبر إخلاص النية لله وحده.. فالمقاومة لم تكن لسلطة ولا لجاه؛ بل كانت لله لرب العزة رب فلسطين الذي كتب علينا الجهاد طريقًا لتحرير المقدسات".

خاض في التحقيق معركة كسر الإرادة، حيث مارس الصهاينة كل الأساليب اللاإنسانية من أجل انتزاع المعلومات منه، فكسروا عظامه حتى وصل جسده إلى حافة الانهيار.

يقول عبد الله: "كنت ميتًا يحمل بقايا أنفاس أجراها الله بجسدي.. وأقسم أني شاهدت الموت، وتحدثت معه وجهًا لوجه، صادقت الموت وصادقني مشفقًا عليّ مما حل بي من عذاب".

بعد ذلك حوكم، وعاقبوه بسبع وستين مؤبدًا، بالإضافة إلى 5200 عام بتهمة بقتل 67 جنديًا صهيونيًا في 188 عملية.

في النهاية يقول لابنته: "إما عيشة تتوجها الكرامة والعزة، وإما ميتة يقصد بها وجه الله عز وجل ترتقي بعده الروح صاعدة لله رب العزة.. إن فلسطين بأقصاها وقدسها تستحق كل ما قدمت لها ولأجلها.. ويشهد الله إذا ما ظل بجسدي نفس؛ فلن أبخل به على وطني السليب".

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی المسجد الأقصى کتائب القسام عبد الله فی بعد ذلک بعد أن من أجل

إقرأ أيضاً:

قائد الثورة يهنئ الأمة الإسلامية وفي المقدمة الشعب الفلسطيني بحلول عيد الأضحى

فيما يلي نص التهنئة:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

بمناسبة حـلول عيد الأضحى المبارك، نتوجَّـه بأطيب التهاني والتبريك إلى حجـاج بيت الله الحرام، وإلى شعبنا اليمني المسلم العزيز، ومجـاهديه الأعزَّاء المرابطين في كافَّة الجبهات، والوحـدات، والتشكيلات العسكرية والأمنية، في القوات المسلَّحة... وسائر الجهات الرسمية، وإلى أُمَّتنا الإسلامية كافَّة، وفي المقدِّمة: الشعب الفلسطيني المظلوم، ومجـاهديه الأعزَّاء.

لقد أتى عيد الأضحى هذا العام، والشعب الفلسطيني المظلوم يعيش مأساة لا مثيل لها على وجه الأرض، نتيجةً للإبادة الجماعية والتجويع، ومختلف الجرائم البشعة والوحشية، التي يرتكبها العدو الإسرائيلي في قطاع غزَّة، بشراكةٍ أمريكية، وتخاذلٍ عربيٍ وإسلاميٍ غير مسبوق.

إنَّ التخاذل المخزي من المسلمين في البلاد العربية وغيرها، والتواطؤ من بعض الأنظمة العربية والإسلامية، تجـاه ما يرتكبه اليهود الصهاينة من إبادةٍ جماعية، وتجويع، وتعطيش، وجرائم فظيعة متنوعة ضد الشعب الفلسطيني على مدى عشرين شهراً، هو وصمة عار، وتفريط عظيم في مسؤوليتهم الدينية والإنسانية والأخـلاقية، في الجهاد في سبيل الله تعالى، ونصرة المسلمين المظلومين، المضطهدين، والتصدِّي لعدوان الكافرين، المستكبرين، الظالمين.

ومع التفريط تجـاه مأساة الشعب الفلسطيني في غزَّة، وزر التفريط تجـاه ما يجري من خطرٍ على المسجد الأقصى الشريف (قبلة المسلمين)، على مدى سبعة عشر شهراً، ومسرى النبي محمد "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، وأحـد أهمِّ المقدَّسات الإسلامية، وهو يتعرَّض لأكبر الانتهاكات بشكلٍ شبه يومي، في التدنيس المتعمد لباحاته، والاقتحامات المستمرة له، والمجاهرة بالكفر، والإساءة إلى نبي الإسلام من ساحاته، وممارسة الرقص والسخرية من الأُمَّة الإسلامية، مضافاً إلى ذلك: الاعتداءات الغاشمة على الشعب الفلسطيني بكل أشكال الاعتداءات في الضفة الغربية، من: قتل، واختطاف، ونهب، وتدمير للمنازل، وتجريف للمخيمات، وإحراق للمحاصيل الزراعية وللسيارات، واعتداء بالضرب على النساء، وتعذيب للأسرى والمخطوفين في السجون... وغير ذلك مما يتعرض له الشعب الفلسطيني من الظلم في مختلف أنحاء فلسطين، ومنذ بداية الاحتلال البريطاني ومن بعده، وبدعم ومساندة من اليهود الصهاينة على مدى أكثر من قرن من الزمان.

ورغم أنَّ العدو الصهيوني ارتكب جريمة التهجير القسري للملايين من أبناء الشعب الفلسطيني، ويسعى باستمرار لتضييع حق العودة عليهم، فإنَّه لم يكتفِ بذلك، وهو يسعى وبشراكةٍ أمريكية معلنة، وتوجُّه مفضوح مكشوف إلى تهجير ملايين الفلسطينيين من غزَّة والضِّفَّة، ويسعى إلى مصادرة الأراضي الفلسطينية المتبقية في الضِّفَّة، بما أعلنه من إنشاء مغتصبات إضافية، في تنكُّرٍ تام لكل الاتِّفاقيات والقرارات والمبادرات، وبما يكشف لكل المخدوعين والمراهنين عليها أن لا جدوى منها، ويدل بشكلٍ واضحٍ وقاطعٍ على حتميَّة خيار الجهاد في سبيل الله تعالى، والأخذ بأسباب النصر والتأييد الإلهي، والإيمان بوعد الله الحق في مآلات وخاتمة هذا الصراع، بدلاً من الاستمرار في مسار الخنوع، والتفريط، ودفع الأثمان الباهظة، وتَحَمُّل الأوزار العظيمة، في الإصرار على التفريط والتخاذل الذي وصل إلى درجة اندهاش الشعوب والأمم الأخرى من ذوي الضمائر الإنسانية، كما أنَّه في كلِّ يومٍ يمرّ، وبقدر ما تزداد فيه معاناة وأوجاع ومأساة الشعب الفلسطيني، يضاف وزراً على وزر على أمة الملياري مسلم.

إنَّ المخاطر الكبرى للتخاذل في أطماع الأعداء في هذه الأمة، وتحفيزهم على تنفيذ مخططاتهم العدائية ضدها، وفي الوعيد الذي توعَّد الله به المتخاذلين المتربصين في القرآن الكريم، كلُّ ذلك ينبغي أن يكون دافعاً للتحرك الجاد والصادق في كل المجالات لنصرة الشعب الفلسطيني، وإلَّا فماذا ستقول أُمَّة الملياري مسلم يوم تقف بين يدي الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالى" يوم القيامة لتبرير هذا التخاذل، وقد أعرضت عن كتابه، وتجاهلت وعده ووعيده؟!

إنَّ المحرقة الكبرى في غزَّة، وجريمة القرن التي يرتكبها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، تستوجب النفير والموقف الصادق من أُمَّتنا الإسلامية، وإذا لم تتحرك؛ فإنها تعرِّض نفسها حتماً لسخط الله، وللعقوبات الشديدة التي توعَّد بها في القرآن الكريم، ولو لم يكن للمتخاذلين المتربصين إلَّا قوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة:24]، وللمتثاقلين المتهاونين إلَّا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[التوبة:38-39].

إنَّ أمَّتنا الإسلامية أحوج ما تكون إلى العودة إلى القرآن الكريم؛ لتحيا به من جديد، وتستعيد كرامتها الإنسانية، وعِزَّتها الإيمانية، وتحررها من الطاغوت، ولتكون صلتها بشعائرها الدينية ومناسباتها المباركة، صلة بما فيها من عطاءات تربوية:

- ففريضة الحج لو أقيمت وفق ما جعلها الله عليه، وما أراد لها من غايات؛ لكانت كفيلة بتغيير واقع الأمة بكله.

- وعيد الأضحى يخلِّد لنا أعظم ذكرى في التضحية والعطاء والفداء، وفي التسليم لله تعالى، والتسامي الأخلاقي، في درس قدَّمه مُعَلِّم الإنسانية الكبير، خليل الرحمن ونبيه إبراهيم، وابنه نبي الله إسماعيل "عَلَيْهِمَا السَّلَام".

- وتكبير التشريق يرسِّخ في نفوس الأمة عظمة الله تعالى وكبرياءه فوق كل شيء، والثقة به، والتعظيم لدينه وهديه، الذي يرتقي بالأمة لتكون كبيرة وعظيمة في مواجهة أولياء الشيطان، وتتخلَّص من عقدة الذل والخنوع للمستكبرين.

إنَّ الأعياد الإسلامية هي مناسبات مقدَّسة ومباركة للفرح بفضل الله تعالى، وبأداء شعائره وفرائضه العظيمة، وبتعزيز روابط المحبة، والإخاء، والتضامن، والتعاون بين المسلمين، والإحسان إلى الفقراء والمحرومين، والتمجيد لله، والإكثار من ذكره.

إنني أدعو شعبنا العزيز إلى إقامة وقفات تضامنية ومناصرة للشعب الفلسطيني المظلوم، بعد الفراغ من صلاة وخطبتي عيد الأضحى المبارك في مختلف المناطق، وأدعو إلى مواساة الفقراء والمحرومين.

نسأل الله أن يعيد هذا العيد على أمَّتنا بالخير واليُمْن والنصر والبركات، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحـانا، ويفرِّج بعاجـل الفرج عن أسرانا، وأن يعجِّـل بالفرج والنصر للشعب الفلسطيني المظلوم، ومجـاهديه الأعزَّاء.

 

وَالسَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛

مقالات مشابهة

  • هجرة إلى الصحراء.. تجارة الظل في كوردستان تغذي الموت عبر المتوسط
  • وقفات حاشدة في الضالع تضامنا ونصرة للشعب الفلسطيني
  • وقفات شعبية حاشدة في الأمانة تضامنًا مع الشعب الفلسطيني
  • وقفات شعبية حاشدة في أمانة العاصمة تضامنًا مع الشعب الفلسطيني
  • بدونه تحبط الأعمال وإن كانت جبالا.. خطيب عيد الأضحى بالحرم المكي: أصل الدين
  • الهيئة الدولية لدعم فلسطين: مبادرة ويتكوف كانت منحازة بالكامل للاحتلال
  • قائد الثورة يهنئ الأمة الإسلامية وفي المقدمة الشعب الفلسطيني بحلول عيد الأضحى
  • سرير تحت النجوم
  • طفل غزي لتايمز: الطعام الذي كانت أمي ستحضره لنا تضرج بدمائها
  • طفولة غزة ظل لا ينكسر