المحتوى المضلّل والمزيّف أداة حرب تشكّل الآراء وتؤثر في السلوكيات
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
في عالم باتت تحكمه الخوارزميات، يتوقف الباحث السعودي يوسف الديني للحديث عن سردية مضادة تقودها التقنية، في محاضرة بعنوان «الإعلام المؤنسن والخوارزميات»، قدمها ضمن الموسم الثقافي لـ«مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث»، مساء الاثنين (19 ديسمبر 2023)، في «بيت عبدالله الزايد لتراث البحرين الصحفي». وانطلق الديني، الذي قدمه الكاتب غسان الشهابي، بالإشارة إلى مشروع الشيخة مي آل خليفة رئيسة مجلس أمناء مركز الشيخ إبراهيم، مشيدًا بإحيائها الهوية البحرينية التي شكلت نقطة إلهام له شخصيًا، عندما زار المشروع قبل عام للكتابة عنه وتوثيقه، ومحاولة نقله لمناطق أخرى في الخليج العربي، إذ أكد أننا «نعيش استيقاظ الهويات، حيث أدى طغيان العولمة، والمواطنة العالمية، لاستيقاظ الهويات الصغيرة التي أضحى أناسها يبحثون عن جذورهم الثقافية، ويعودون إليها»، وهو الأمر الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بموضوع حديثه، المتصل بعالم الإنترنت والخوارزميات.
ويلفت الديني إلى أنه في أثناء عمله في «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)»، أدرك أن واحدةً من أكثر الجماعات تطرفًا وعنفًا «هي أكثر العقول معرفةً بالأمن السيبراني، والاختراق، والحملات التسويقية عبر المنصات»، ليكشف عن مفارقةً مفادها أن «هذه الجماعات المتطرفة والمرتبطة بالماضي هي أكثر الجماعات ما بعد حداثية على مستوى التقنية!»، من هذا المنطلق يثير الديني سؤالاً حول المحتوى وصناعة المواد الإعلامية في الفضاء الرقمي، ليصل في ختام محاضرته للحديث عن الإعلام المؤنسن كما يراه.
يشير الديني إلى أن المحتوى اليوم هو كل شيء؛ «نحن نعيش المحتوى يقظةً ومنامةً، فقد أصبحنا كائنات تقنية، وفقدنا الطابع الإنساني في حياتنا»، وهذا التحول قادنا لنكون أسرى لـ«أنبياء الخوارزميات الجدد»، كما يسمّيهم، وهم القابعون في (سيليكون فالي)، أو شركات التقنية الكبرى، الذين أضحوا واعين بهذا التحول، فباتت «لديهم أساليب لتقنية أنفسهم، والتخلص من سموم الرقمنة، فيما نحن لا نزال قابعين في غياهبها، على مستوى الأفراد والمؤسسات».
أدى هذا الإغراق بالتقنية إلى انتقاله إلى مفهوم الإعلام، من إعلام بسيط قائم على (مرسل، ووسيط، ورسالة) إلى اندماج بين هذه العناصر الثلاثة. ولهذا يؤكد الديني على ضرورة إيجاد نظرية جديدة في التواصلية، لتفكيك العلاقة بين هذه العناصر، خاصة أننا أضحينا في عالم حروبه رقمية بين الجماعات والأفراد، إذ يوضح الديني أن إنتاج المحتوى المزيّف والتضليلي أضحى أسلوبًا مؤثرًا في هذه الحروب التي تؤدي إلى «خلق فوضى من المحتوى»، وبالتالي أضحت صناعة المحتوى لا ترتبط بالحقيقة والمعرفة والمبادئ...، وإنما بمديات الانتشار وتحقيق الأهداف المبتغاة، وهذا ينطبق على الجهات الكبرى، والأفراد الذين يبتغون الانتشار والتكسب من وراء شهرتهم.
أما دور شركات التقنية، فنحن بالنسبة لها، كما يبيّن الديني، «مجرد أرقام»، ولهذا أضحى الإنسان المعاصر أسير دوامة الخوارزميات، دون أن يستطيع فكاكًا منها، وهو ما يطلق عليه الديني «سردية مضادة»، حيث يعيش الفرد حياةً رقميةً زائفةً، ربما يصعب عليه الوعي بجوانبها، «لست ضد التقنية، لكني ضد عدم الوعي بها، فالمحتوى أضحى مهددًا للاستقرار الوطني، والأسري، ومهددًا للفرد»، وهذا المحتوى، يصنع في غالب الأحيان بناءً على عدد المتابعين، لا على معايير معرفية وجوهرية.
في ظل هذه الفوضى، يؤكد الديني على ضرورة «الإعلام المؤنسن»، الذي يعتقد أنه مسؤولية الأفراد قبل أن يكون مسؤولية الحكومات، إذ إن الفرد مسؤول بوعيه في الوقوف أمام هذه الفوضى، كما ينبغي له أن يمتلك الآليات التي تمكنه من تفكيك التوجيه الذي تبتغيه شركات التقنيات الكبرى التي تفرض أجندتها وقيمها، وتتعامل مع من يعترض على سلطتها كـ«مارق». مشيرًا إلى أن هذه الشركات استطاعت أن تتفلت من مسؤولياتها تحت حجة «تقديم المحتوى لا صنعه»، ما أدى بنا إلى الانتقال إلى مرحلة يسمّيها الديني «البوهيمية السياسية».
في ظل هذه البوهيمية، يعتقد الديني أننا أمام تأثير يؤثر في الأيديولوجيات، والأفكار، ويصنع النخب... كما يترك تأثيرًا في اللغة، والثقافة، والسلوكيات اليومية، إذ يلفت إلى أن الشركات الكبرى «تتحكم في المحتوى بناءً على أجنداتها، كما أضحت تتحكم في الأزمات العربية، كالإرهاب، وتهديد الوحدة الوطنية، وغيرها من الأمور التي تتم تحت دواعي حقوق الإنسان»، بيد أنه يشير إلى أن الكثير من هذه القيم أضحت على المحك في ظل الحرب على غزة، إذ قامت العديد من الشركات بحجب المحتوى، في تناقض صارخ مع ما تدعيه من حرية وحقوق... لافتًا إلى النقص الذي نعانيه كأمة عربية في هذا السياق، إذ يقول الديني: «في عالم اليوم، نحن نخاطب بعضنا بعضًا كعرب، ونتألم في منصات غيرنا، وهذه إشكالية كبرى، إذ يمنعنا هذا الغير من أن نبوح بما في دواخلنا»، مؤكدًا على ضرورة إيجاد منصات بديلة، وأن نطور نحن منصاتنا وخوارزمياتنا.
كما يلفت الديني إلى أهمية العمل على الإعلام المؤنسن، إذ يتمثل التحدي الحالي «في العودة إلى المصادر الأساس، كالوكالات الوطنية التي ينبغي أن تدعم، وتعزز أدوارها، بالإضافة لدعم الصحفيين الذين ينتجون المواد، حيث أضحى الكثير من الأخبار والمواد تكتب عبر الذكاء الاصطناعي».
المصدر: صحيفة الأيام البحرينية
كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا إلى أن
إقرأ أيضاً:
صحف عالمية: إسرائيل تدعم لصوص غزة وشرطتها أداة سياسية لدى بن غفير
تناولت صحف ومواقع عالمية ما وصفته بتفاقم الانفلات الأمني في قطاع غزة، مشيرة إلى اتهامات مباشرة لإسرائيل بدعم مجموعات تنهب قوافل المساعدات، إلى جانب تحول الشرطة الإسرائيلية إلى أداة سياسية خاضعة لنفوذ وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
ونقلت الغارديان عن المؤرخ الفرنسي جان بيير فيليو مشاهدته أدلة مقنعة على دعم إسرائيل عمليات نهب استهدفت قوافل الإغاثة في جنوب القطاع، مؤكدا أن حجم الانتهاكات يعكس سياسة منهجية تتجاوز مجرد فوضى الحرب.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بالأرقام.. دراسة مثيرة تقارن بين القدرات العسكرية لروسيا وأوروباlist 2 of 2واشنطن بوست: البشر قتلوا ملايين النسور والآن يدفعون الثمنend of listووفق شهادته، فإن الجيش الإسرائيلي أطلق النار على عناصر أمن فلسطينية رافقت القوافل باعتبارها تابعة لشرطة غزة، وروى حادثة قرب المواصي حين تعرضت قافلة تضم 66 شاحنة لإطلاق نار سريع أدى إلى تفكك الحماية.
وأشار فيليو إلى أنه رأى من موقع قريب طائرات مسيّرة إسرائيلية توفر غطاء لمهاجمين وصفهم باللصوص الذين استهدفوا فرق الحماية المحلية، في حين نفت إسرائيل ذلك، لكنها أقرت بدعم مليشيا "القوات الشعبية" التي ضمت عناصر متهمة بالنهب.
تآكل الثقة في إسرائيلوفي سياق مواز، اعتبرت هآرتس أن الشرطة الإسرائيلية باتت أداة سياسية في يد بن غفير، لافتة إلى ارتفاع الجريمة وزيادة الاعتقالات التعسفية بحق متظاهرين غير عنيفين خلال فترة توليه منصبه، في مؤشر على تآكل ثقة الجمهور بالمؤسسة الأمنية.
وأوضحت الصحيفة أن الشرطة تستخدم وسائل قمعية تشمل مراقبة الاحتجاجات واستجواب قادة المتظاهرين وعمليات تفتيش مهينة، مشيرة إلى أن ضباطا خالفوا القانون لم يتعرضوا لمحاسبة جدية بل تلقى بعضهم عقوبات شكلية وترقيات محتملة.
وأكدت هآرتس أن هذا التحول جعل الشرطة تسعى لكسب رضا بن غفير، مما أدى -حسب تعبيرها- إلى فقدان قيم أساسية تتعلق بحماية الديمقراطية وخدمة الجمهور، في ظل تصاعد مخاوف من تسييس الأجهزة الأمنية.
في حين تناولت يديعوت أحرونوت ما وصفته الحاجة الملحة للمحافظة على "المنطقة العازلة" في قطاع غزة، معتبرة أن عمقها يشكل عاملا مركزيا في الأمن الإسرائيلي، ولا ينبغي التراجع عنه حتى تحت ضغط الولايات المتحدة.
إعلانورأت الصحيفة أن غزة لم تتغير ولن تتغير في منظور قريب، ولذلك فإن العودة إلى خط الحدود الأصلي يجب ألا تكون مطروحة، لأن ذلك قد يفضي -وفق تعبيرها- إلى نتائج خطِرة على الأمن القومي.
العدالة الانتقالية بسورياوفي ملف آخر، توقفت نيويورك تايمز عند خطوات "العدالة الانتقالية" في سوريا، موضحة أن محاكمة 14 شخصا بتهم متعلقة بالعنف الطائفي جرت وسط ترحيب من نشطاء حقوقيين، رغم أن انتهاكات نظام الأسد ما زالت تنتظر المحاسبة.
وذكرت الصحيفة أن هذه الجلسات أثارت تساؤلات بين سوريين يرون أن العدالة لا يمكن أن تكتمل دون معالجة إرث سنوات طويلة من الانتهاكات المرتكبة خلال حكم النظام السابق، مما يجعل المشهد القانوني الحالي غير مكتمل.
وفي الشأن الأوكراني، نشرت تليغراف مقالا للسفير الأوكراني لدى بريطانيا فاليري زالوجني، أكد فيه أن أولوية كييف هي سلب موسكو القدرة على شن عدوان جديد، مع الحفاظ على جاهزيتها العسكرية والسياسية في مواجهة ضغوط الحرب.
ورأى زالوجني أن موسكو لا تتوقف عند دونيتسك، بل تسعى لإضعاف أوكرانيا على المستويات كافة، مشيرا إلى ضرورة إبقاء خيار السلام طويل الأمد مفتوحا، لأن أي هدنة قد تمنح بلاده فرصة لإعادة الإعمار واستعادة النمو بدل الاستنزاف المستمر.