أموال المطبعين العرب الضائعة في إسرائيل
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
أموال المطبعين العرب الضائعة في إسرائيل
مليارات عربية توجه لتمويل مشروعات داخل إسرائيل تعمل في أنشطة التقنية المتقدمة وتكنولوجيا المعلومات والطاقة المتجددة وصناعة السلاح.
فتح بنوك خليجية أبوابها أمام المستثمرين الإسرائيليين لاغتراف الأموال منها، والدخول معها في شراكة لإقامة مشروعات ضخمة بقروض تلك البنوك.
حدث هذا المشهد المخزي والمهين طوال الأعوام الثلاثة الماضية، وكان الهدف الأساسي من ضخ تلك المليارات العربية هو تحقيق الرفاهية للمواطن الإسرائيلي.
دولة أمنها القومي تهاوى أمام رشقات وصواريخ المقاومة، وهرب مواطنوها وبسرعة للخارج مع أول خطر، هي دولة بلا مستقبل خاصة عقب هزيمة الجيش الذي لا يقهر.
* * *
خلال السنوات الماضية تدفقت مليارات الدولارات من أموال العرب على الخزانة الإسرائيلية وقطاع الأعمال والشركات والأنشطة الاقتصادية المختلفة.
صفقات ابرمتها حكومات عربية لاستيراد غاز طبيعي من دولة الاحتلال بقيمة تجاوزت 35 مليار دولار ولمدة طويلة تصل إلى 10 سنوات وربما أكثر.
علاقات اقتصادية وتجارية ومالية غير مسبوقة. ترويج للتطبيع على نطاق واسع وعلى أعلى مستوى. ترويج للاقتصاد الإسرائيلي وفرص الاستثمار المتاحة داخل دولة الاحتلال بقطار فائق السرعة.
تأسيس صناديق استثمار داخل إسرائيل بأموال عربية خالصة يبلغ رأسمال واحد منها 10 مليارات دولار، والبقية كانت في الطريق بأموال حكومات خالصة.
مليارات عربية أخرى توجه لتمويل مشروعات داخل إسرائيل تعمل في كل الأنشطة بداية من التقنية المتقدمة وتكنولوجيا المعلومات والطاقة المتجددة وصناعة السلاح والأدوية والاستثمار المباشر وسوق المال، ونهاية بالأنشطة التقليدية من صناعة وزراعة وأمن غذائي وتجارة وخدمات ونقل.
مليارات أخرى توجه لتمويل مشروعات استثمارية وخدمية تتم إقامتها داخل المستوطنات المحتلة وغلاف غزة، رغم تصنيف تلك الأراضي على أنها محتلة طبقا للقانون الدولي. لكن الصهاينة الجدد لا يعترفون بهذه القوانين، ويتعاملون مع دولة الكيان على أنها دولة صديقة.
خطوط طيران عربية تسعى بكل ما أوتي المسؤولون عنها من قوة إلى دفع السياح العرب دفعا نحو التطبيع مع إسرائيل وزيارة الأراضي المحتلة، تدعمها استثمارات ضخمة في قطاع السياحة والفندقة والطيران والخدمات، وفتاوى تجيز للمسلم والمسيحي على حد سواء زيارة الأماكن المقدسة في فلسطين وفي المقدمة المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
اتفاقات تجارية واقتصادية عربية شاملة وطويلة الأجل تم إبرامها لصالح دولة الاحتلال وعلى عجل وتتجاوز قيمتها مليارات الدولارات.
الاتفاق على تأسيس مناطق تجارة حرة بهدف فتح الأسواق العربية أمام السلع والمنتجات الإسرائيلية. يواكبها خطط لزيادة حجم التجارية البينية السنوية إلى ما يزيد على مليارات الدولارات، وإقامة معارض ومؤتمرات مشتركة وفخيمة للترويج لسلع الاحتلال بين المستهلكين.
فتح بنوك خليجية أبوابها أمام المستثمرين الإسرائيليين لاغتراف الأموال منها، والدخول معها في شراكة لإقامة مشروعات ضخمة بقروض تلك البنوك وسعر فائدة مميز.
يصاحب تلك الخدمة فتح فروع لتلك البنوك داخل دولة الاحتلال لتقديم الأنشطة المصرفية والقروض والأموال للإسرائيليين.
هرولة دول عربية لافتتاح مكاتب تمثيل لها في تل أبيب، تكون بوابة للاستثمارات المباشرة المشتركة والتجارة البينية بين الجانبين. تبادل وفود اقتصادية من كبار المسؤولين ورجال الأعمال والمستثمرين.
وزراء خليجيون يخرجون علينا بتصريحات صادمة تقول إن بلادهم تستهدف علاقات اقتصادية مع إسرائيل بقيمة تريليون دولار خلال العقد المقبل.
صادرات أسلحة إسرائيلية بقيمة 3 مليارات دولار تشق طريقها نحو الأسواق العربية خلال عام واحد. توقيع مئات من مذكرات التفاهم التي تفتح الباب أمام تدفق الأموال العربية على خزانة إسرائيل التي عانت بشدة في الشهور الماضية، بسبب سياسة حكومة نتنياهو المتطرفة واضطراب الوضع السياسي داخل دولة الاحتلال.
وسائل إعلام عربية تهاجم الرافضين التطبيع بكل صوره والمتمسكين بسياسة المقاطعة الشعبية والحكومية لسلع ومنتجات الاحتلال، وتصف هؤلاء بالمتخلفين عن ركاب الزمن وسباق الحضارة!، وقبلها تخرج علينا وتسأل بوقاحة: لماذا لا يقتدي العرب بإسرائيل اقتصاديا وعلميا وسياسيا؟
بعض الصهاينة العرب يتحولون إلى مندوبي مبيعات للشركات الإسرائيلية ومنتجاتها في أسواق العالم. وحكومات تسارع لإصدار قوانين وتشريعات تنص على إعفاء سلع الاحتلال المستوردة من الرسوم والجمارك.
شركات طاقة كبرى تعلن عن تخصيص مليارات الدولارات لشراء شركات إسرائيلية والاستحواذ على حصص رئيسية في شركات أخرى.
حدث هذا المشهد المخزي والمهين طوال الأعوام الثلاثة الماضية، وكان الهدف الأساسي من ضخ تلك المليارات العربية هو تحقيق الرفاهية للمواطن الإسرائيلي، ومعها تحويل إسرائيل إلى هونغ كونغ الجديدة، وسنغافورة الشرق الأوسط، والبلد الأكثر جاذبية للاستثمار من كل حدب وصوب، والمنطقة صاحبة الاختيار الأول من قبل المستثمرين الأجانب والشركات متعددة الجنسيات.
لكن كل هذه الأموال والأحلام تبخرت وخطط التطبيع انهارت عقب اندلاع حرب غزة، ولم تصمد ساعة تلك الصورة الذهنية التي حاول الصهاينة العرب رسمها لدولة الاحتلال أمام صواريخ المقاومة الفلسطينية، التي أكدت للعالم أن إسرائيل دولة هشة مهزومة، وليست واحة استقرار للمستثمرين كما ادعت دوماً.
وأن أمنها القومي تهاوى أمام رشقات وصواريخ المقاومة، وأن مواطنيها هربوا وبسرعة للخارج مع أول خطر، وأنها دولة بلا مستقبل خاصة عقب هزيمة الجيش الذي لا يقهر.
*مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إسرائيل التطبيع الحرب على غزة 2023 ملیارات الدولارات دولة الاحتلال
إقرأ أيضاً:
تأهيل إسرائيل لعضوية الشرق الأوسط
بقدر ما أظهر استمرار حرب الإبادة تصاعُد الخلاف بين إسرائيل وبين الغرب الأوروبي، بقدر ما أظهرت تداعيات وقف الحرب خلافاً متنامياً مع آخر حليف لتل أبيب أي واشنطن، وكما قدرنا سابقاً ومنذ أكثر من شهرين مرا على البدء بتنفيذ خطة ترامب بشأن غزة، فإن حكومة بنيامين نتنياهو، لم تلتزم تماماً بتلك الخطة، التي وافقت عليها على مضض، ليس من سبب إلا لأن وقف الحرب جرى دون ان تحقق هدفها بعيد المدى، وهو تهجير سكان قطاع غزة، وضم أرضه تالياً لدولة إسرائيل الكبرى، وتجلى عدم التزام إسرائيل بوقف النار من خلال قتل نحو أربعمائة مواطن، ومواصلة تدمير ما تبقى من منازل، كذلك عبر تعميق ما يسمى بالمنطقة الصفراء التي تحتلها دون ان يكون فيها سكان سبق لها وان أجبرتهم على النزوح، والأهم ان مواصلة إطلاق النار، تبقي على احتمال مواصلة الحرب قائماً في مخيلة أركان الحكومة الإسرائيلية، بما يعني بأنها منذ البادية راهنت على وقف تنفيذ الخطة عند حدود الخط الفاصل بين مرحلتيها الأولى والثانية.
والحقيقة هناك كلام كثير يمكن أن يقال، لنؤكد على أن إسرائيل اليمينية المتطرفة حالياً، تعتقد بأنها وصلت إلى اللحظة التي أعدت لها أولاً أوضاعها الداخلية، وثانياً العلاقة مع الجانب الفلسطيني، وثالثاً الشرق الأوسط برمّته ليكونوا قد باتوا جاهزين لقيام دولة إسرائيل العظمى، عبر مصطلح خادع قال به بنيامين نتنياهو علناً وصراحة قبل أكثر من عام، وهو تغيير الشرق الأوسط، والأهم هو أن نتنياهو وطاقم الحكم المتطرف يعتقد بأنه إن لم يحقق ما يصبو اليه الآن، فلن ينجح في ذلك لاحقاً، أي ان هذه الحرب ليست كما كانت سابقاتها، حيث دأبت إسرائيل على شن الحروب سابقاً بمعدل مرة كل بضع سنوات، تحتل خلالها أراضي عربية إضافية، او تحقق أهدافاً أمنية_سياسية، وحين تواجه عقدة مستعصية توافق على وقف لإطلاق النار، لتقوم بالتحضير لتحقيق ما عجزت عنه فيما بعد، هذه المرة يعتقد المتطرفون الإسرائيليون أصحاب مشروع إسرائيل العظمى والكبرى، بأن العالم يتغير بسرعة في غير صالحهم، لذلك فهذه هي فرصتهم الأخيرة، لذلك يمكن القول بأنهم غامروا لدرجة ان يخسروا تأييد الغرب الأوروبي، ويغامرون اليوم بالمراهنة حتى آخر رمق من تأييد ودعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ذلك أن أميركا بعد ترامب ستكون ذات موقف مختلف.
لن نعيد في هذه المقالة، ما سبق لنا وقلناه عن دوافع وتفاصيل تلك الصورة، التي اتضحت خلال حرب العامين على فلسطين وعلى ست دول شرق أوسطية، لكن بالمجمل فإن كون إسرائيل كدولة بعد نحو عشر حروب خاضتها، بل بعد ما يقارب من ثمانين عاماً، على قيامها، أي منذ نشأتها حتى اليوم، والأهم بعد اربع معاهدات سلام وقعتها مع ست دول عربية، وعدد من اتفاقيات الهدنة ووقف إطلاق النار، ما زالت في حالة حرب، ليس فقط مع فلسطين، بل مع الشرق الأوسط برمّته، والأخطر بعد ان كانت تبدو في حالة حرب مع الدول العربية، بغض النظر عن كلها أو بعضها، باتت حالياً في حالة حرب مع الدول العربية والدول الإسلامية، وباختصار، باتت الشوفينية الإسرائيلية لا تكتفي بمواصلة مطالبة واشنطن بالحفاظ على تفوقها العسكري على مجمل دول المنطقة فرادى ومجتمعين وحسب، بل باتت تقول علناً بأنها تسعى لتغيير الشرق الأوسط، ولا تنكر ان طريقها لذلك هو إفراغ الشرق الأوسط من عوامل القوة العسكرية، بما يشمل تغيير الأنظمة، وأنها في سبيل ذلك تواصل شن الحرب، وأنها لا تثق بأحد، ولهذا فهي اليوم باتت في حالة حرب مع فلسطين ولبنان وسورية واليمن وإيران، فيما علاقتها متوترة مع الآخرين: مصر، الأردن، تركيا، قطر، السعودية، أي الجميع.
والحقيقة أن كون إسرائيل ما زالت في حالة حرب، منذ نشأتها، وهذا أمر لم يحدث في تاريخ العالم، سوى مع الدول الاستعمارية، نقصد المغول والبيزنطيين الذين أقاموا في مناطق شاسعة من العالم قروناً، كذلك الاستعمار في القرن العشرين، مثال الجزائر وفيتنام، يعني أو يؤكد بأن إسرائيل ورغم انه لاح وكأن اتفاقيات او معاهدات السلام التي عقدتها مع مصر أولاً ثم فلسطين والأردن، ولاحقاً مع الإمارات، البحرين والمغرب، قد وضعت حداً، او أنها قد فتحت الباب لإغلاق باب الحروب بينها وبين محيطها الشرق أوسطي، العربي والإسلامي، لكن ذلك لم يحدث، ولا حتى في عالم الرياضة، حيث هي حقل لجمع الدول، بما بينها من خلافات، حيث كان فريق الاتحاد السوفياتي في ظل الحرب الباردة يشارك في مباريات كرة القدم مع منتخبات الغرب الأوروبي في كؤوس العالم، بينما إسرائيل تشارك ضمن المنافسات الأوروبية، رغم أنها دولة آسيوية جغرافياً، وكثيراً ما انسحب المشاركون في مسابقات رياضية دولية، من دول عربية إفريقية ودول إسلامية تجنباً لمنافسة الرياضيين الإسرائيليين.
أي أن معاهدات واتفاقيات السلام والتطبيع، خاصة المصرية والأردنية منها، بقيت حبراً على الورق الرسمي، بينما كان توقيعها مناسبات لرفع وتيرة مواجهة التطبيع على الصعيد الشعبي. باختصار نريد القول، بأن إسرائيل لا قبل ولا خلال ولا بعد توقيع أربع اتفاقيات ومعاهدات سلام، صارت دولة طبيعية في الشرق الأوسط، وهي ما زالت دولة لم تحظ بشرف عضوية ذلك النادي الدولي، وربما كانت هذه الحقيقة التي لا شك بأنها تنغص حياة الإسرائيليين، أحد الدوافع التي تجعل منها شعاراً لمن يطمح في الحكم، وقد كان شعار السلام منذ ما بعد إعلان قيامها عام 48 طريقاً للأحزاب التي تنافست على الحكم خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات حتى توقيع معاهدة كامب ديفيد مع مصر، أما شعار الشرق الأوسط الجديد، فقد تلا انتهاء الحرب الباردة، ورافق مفاوضات مدريد التي أجبر عليها اليمين الليكودي الحاكم عام 1991، وإعلان اتفاق أوسلو من قبل آخر حكومات اليسار، وبالتحديد من عراب أوسلو الإسرائيلي شمعون بيريس، الذي حرص على ان تشمل مفاوضات الحل النهائي مع (م ت ف) مفاوصات متعددة الأطراف، إقليمية بالطبع، لتقديم ما يغري الجانب الإسرائيلي بقيام شرق أوسط جديد، كنادٍ اقتصادي تكون لها فيه عضوية فاعلة، بالتوازي مع المفاوضات الثنائية مع الجانب الفلسطيني التي ستفضي الى الانسحاب الجغرافي.
أي أن الشرق الأوسط الجديد بمفهوم بيريس الذي بشّر به قبل أكثر من ثلاثة عقود، آخذاً بعين الاعتبار المتغير الكوني بعد انتهاء الحرب الباردة، ونشوء العلاقات بين الدول على أساس الشراكة الاقتصادية، اعتمد على أن نفوذ الدول بات مرهوناً باقتصادها وليس بتوسعها الجغرافي أو قوتها العسكرية، بينما شرق أوسط بنيامين نتنياهو، هو نقيض ذلك تماماً، حتى أن السلام عند بيريس كان يستند لمبدأ الأرض مقابل السلام، بينما عند نتنياهو يعني فرض الأمن بالقوة العسكرية، وقد كان يمكن أن يتحقق شرق أوسط جديد على أساس شراكة دوله وشعوبه في الأمن والسلام والرخاء الاقتصادي، ضمن نظام عالمي قائم على هذا المفهوم أساساً، ومثل هذا الشرق الأوسط ليس بعيداً، مع ملاحظة العلاقات البينية بين دوله، العربية والإسلامية، اي دول الخليج ومصر وكل من تركيا وايران، لكن ما حال دون ذلك هو إسرائيل بحكوماتها اليمينية التي تقول بتغيير الشرق الأوسط كله ليتوافق مع طبيعتها الاستعمارية، بينما المنطقي هو ان تتغير هي لتتوافق مع شرق أوسط طبيعي متوافق مع النظام العالمي.
هذه الوجهة هي التي ستفرض على إسرائيل التغيير الداخلي، وأهم سماته لفظ اليمين المتطرف، وإعادة التأكيد على دولة المؤسسات الديموقراطية، وذلك بالشروع فوراً في تحقيق جملة من الشروط هي: الانسحاب من ارض دولة فلسطين ومن الأراضي العربية المحتلة، وتصفية كل المناطق الأمنية، وإن كان لا بد من مناطق أمنية فعلى الجانبين، ثم تطبيق حق العودة والتعويض، مع تقديم ضمانات أمنية لدول الجوار، لأن إسرائيل هي الأقوى عسكرياً وهي التي تعتدي وتحتل، كذلك نزع الصفة الدينية عنها وبث رسالة سلام وتعايش للجوار.
وأهم أمر على إسرائيل أن تُقْدم عليه او إعلان الحدود الجغرافية النهائية للدولة، وكذلك دستورها الذي يثبت بأنها دولة طبيعية مدنية تعيش مع جيرانها وفق منطق حسن الجوار، كل ذلك يتطلب أولاً إحالة نتنياهو، عراب إسرائيل الكبرى الى المعاش السياسي، ثم إسقاط اليمين المتطرف، حتى يمكن التوصل لحل الدولتين.
الأيام الفلسطينية