هل تستعيد أمريكا نفوذها في أفريقيا؟.. هكذا تطارد الصين وروسيا
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
بعد ثلاثة عقود من التعامل مع أفريقيا باعتبارها مجرد ساحة ثانوية، تعمل الولايات المتحدة على تعديل استراتيجيتها لاستعادة النفوذ الذي خسرته أمام أكبر منافسيها وهما الصين وروسيا.
ذلك ما خلص إليه رونان وردزورث في تحليل بمركز "جيوبوليتيكال فيوتشرز" الأمريكي (Geopolitical Futures) ترجمه "الخليج الجديد"، مضيفا أنه "تم تفصيل النهج الجديد في تقرير صدر في أغسطس (آب) 2022 بعنوان "الولايات المتحدة.
وأوضح أن الاستراتيجية "وصفت خططا لسياسة أكثر واقعية تجاه أفريقيا ومشاركة أكبر في مجالات الأمن والاقتصاد. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2022، استضاف الرئيس الأمريكي جو بايدن قادة ومسؤولين كبار من 49 دولة أفريقية في واشنطن".
وأضاف أنه "بعد أن أدت الموجة الأولى من إنهاء الاستعمار إلى طرد القوى الأوروبية من أفريقيا من منتصف الخمسينيات حتى أوائل الستينيات، ألقت المنافسة العالمية بين قوتين عظميين جديدتين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، بظلالها على القارة".
و"لاحتواء النفوذ السوفيتي والأيديولوجية الشيوعية، شكلت الولايات المتحدة شراكات وقدمت مساعدات مالية وأمنية للحكومات الأفريقية الصديقة والمجموعات المعارضة للأنظمة الموالية للسوفييت"، كما زاد وردزورث.
وتابع: "عندما انتهت الحرب الباردة (1947-1991)، تراجعت أفريقيا إلى أسفل قائمة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية".
اقرأ أيضاً
بالأمن والاقتصاد.. فاجنر تسيطر على أفريقيا الوسطى وولاؤها لروسيا وليس بريجوزين
استثمار وأسلحة
و"في هذا الفراغ دخلت روسيا والصين، إذ عرض الصينيون (على الأفارقة) الاستثمار، فيما عرض الروس الأسلحة"، وفقا لوردزورث.
وأوضح أنه "عبر مجموعة فاجنر المرتزقة، انتشرت القوات الروسية في منطقة الساحل وما حولها، في مالي وبوركينا فاسو وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان، وتحصنت في البنية التحتية للأمن الوطني".
وأضاف أن "الجهود التي قادها الغرب لعزل روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، دفعت موسكو إلى تكريس المزيد من الاهتمام والموارد لأفريقيا".
وتبرر روسيا حربها المستمرة في أوكرانيا بأن خطط جارتها، المدعومة من الغرب، للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بقيادة الولايات المتحدة، تمثل تهديدا للأمن القومي الروسي.
وشدد ردزورث على أن "الحكومات (الأفريقية) الصديقة تساعد روسيا على مقاومة الضغوط السياسية الدولية والتهرب من العقوبات، وتهديد حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا بالهجرة الجماعية (غير النظامية) وانعدام أمن الطاقة. وكان من الواضح أن الولايات المتحدة بحاجة ماسة إلى استراتيجية جديدة".
اقرأ أيضاً
فرنسا تعلن استئناف أنشطتها العسكرية بوسط أفريقيا: انقلاب الجابون مختلف عن النيجر
تجارة ودبلوماسية
"تم تحديد التغيير الرئيسي الأول خلال القمة الأمريكية الأفريقية في عام 2022، وهو التزام الولايات المتحدة باستثمار 55 مليار دولار في القارة على مدى السنوات الثلاث التالية"، كما لفت وردزورث.
وتابع: "وفي العام الأول، وقَّعت الولايات المتحدة وأفريقيا مئات الصفقات بقيمة لا تقل عن 14.2 مليار دولار، وشملت الاستثمارات الأمريكية مشاريع البنية التحتية الصغيرة والتنمية الصناعية المحلية ومشاريع الطاقة الخضراء. كما أنشأت واشنطن مبادرة "ازدهار أفريقيا"، وهي تربط بين الشركات الأمريكية والأفريقية لتسهيل التجارة والاستثمار".
وأفاد بأنه "من الأمثلة القوية على تحول سياسة الولايات المتحدة ما حدث في جنوب أفريقيا، حيث تتطلع الولايات المتحدة، بدعم من الاتحاد الأوروبي، إلى مواجهة الهيمنة الصينية في قطاع المعادن الحيوي".
وزاد بأنه "لأكثر من عقد من الزمن، وبأقل قدر من المنافسة، ظلت بكين تستفيد من حقوق التعدين الأفريقية وتضخ الأموال في البنية التحتية الأفريقية. ولكن الآن تحاول الولايات المتحدة اللحق بالركب".
و"إلى جانب التجارة والاستثمار، سافر مسؤولو إدارة بايدن بشكل متكرر إلى أفريقيا، فمثلا زارت نائبة الرئيس كامالا هاريس غانا وتنزانيا وزامبيا، وذهبت السيدة الأولى جيل بايدن إلى ناميبيا وكينيا"، كما أشار ردزورث.
وتابع: "والتقى وزير الخارجية أنتوني بلينكن بمسؤولين في جنوب أفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا في غسطس/ آب (الماضي)، وزار وزير الدفاع لويد أوستن جيبوتي وكينيا وأنجولا في سبتمبر/أيلول".
اقرأ أيضاً قمة أمريكية للقادة الأفارقة.. الصين وروسيا في الأفق والقارة السمراء تجني الثمار
خدمات أمنية
ردزورث قال إن "إدارة العلاقات الأمنية شكلت اختبارا أصعب، لكن البراجماتية الجديدة لواشنطن ظهرت هنا أيضا".
وأردف أنه "عندما تعرضت النيجر لانقلاب عسكري (يوليو/ تموز الماضي)، قاومت الولايات المتحدة الضغوط من حلفائها، وخاصة فرنسا، لإدانة تصرفات المجلس العسكري الجديد (...) وما حدث مثَّل انتكاسة أخرى لباريس".
وأضاف أن هذا "الحذر (الأمريكي) أتى بثماره، إذ تم إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية في البلاد وطرد القوات الفرنسية، بينما بقيت القوات الأمريكية في قاعدة أمريكية للطائرات بدون طيار".
و"في جمهورية أفريقيا الوسطى، وعبر فاجنر، ربطت المؤسسة الأمنية الروسية نفسها بإحكام بنظام الرئيس فوستين آركانج تواديرا، وتمارس سيطرة كبيرة على اقتصاد البلاد"، كما تابع ردزورث.
واستدرك: "لكن، من الواضح أن الحكومة في بانجي لم تغلق الباب في وجه الولايات المتحدة، إذ يُقال إنها تجري مناقشات مع شركة "بانكروفت" الأمريكية الخاصة للخدمات الأمنية بشأن إنشاء قاعدة عسكرية وتدريب قوات أفريقيا الوسطى وحماية مواقع التعدين وتوفير الأمن ضد الجماعات المسلحة. والعديد من هذه المهام تقوم بها فاجنر حاليا، مما يجعل الصفقة المحتملة تحديا مباشرا لنفوذ موسكو في بانجي".
وخلص إلى أنه "بعد سنوات عديدة من العزلة، بدأت الولايات المتحدة تجعل أفريقيا أولوية مرة أخرى، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى مناورات الصين للسيطرة على المعادن الاستراتيجية في القارة".
وكذلك إلى "محاولات روسيا لتحل محل الدول الغربية كمقدم للأمن والتحايل على العقوبات الغربية. وبالفعل، بدأت الاستراتيجية الأمريكية الأكثر واقعية تؤتي ثمارها، ولكن من غير الواضح مدى نجاحها على المدى الطويل، وفقا ردزورث.
اقرأ أيضاً
العملاق الصيني في أفريقيا.. من السيطرة الاقتصادية للنفوذ السياسي والعسكري
المصدر | رونان وردزورث/ جيوبوليتيكال فيوتشرز- ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الولایات المتحدة أفریقیا الوسطى اقرأ أیضا
إقرأ أيضاً:
ترامب يعلن حربًا على قوانين الذكاء الاصطناعي في الولايات الأمريكية
نيويورك: إسلام الشافعي
في خطوة تعيد رسم خريطة تنظيم الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا جديدًا بعنوان «ضمان إطار وطني للسياسة الخاصة بالذكاء الاصطناعي»، يهدف إلى ترسيخ هيمنة واشنطن في هذا القطاع عبر تقليص سلطة الولايات في سنّ قوانينها المنفردة. يأتي الأمر استكمالًا لمسار بدأه ترامب في يناير 2025 بالأمر التنفيذي 14179 «إزالة العوائق أمام قيادة أمريكا في الذكاء الاصطناعي»، الذي ألغى عددًا من سياسات الإدارة السابقة واعتبر أنها تعرقل صناعة الذكاء الاصطناعي وتكبّل الابتكار.
يقدّم الأمر التنفيذي الجديد رؤية واضحة: الولايات المتحدة تخوض سباقًا عالميًا على الريادة في الذكاء الاصطناعي، وأي «ترقيع تنظيمي» على مستوى الولايات من شأنه إضعاف الشركات الأميركية في مواجهة منافسيها الدوليين. الإدارة ترى أن تعدد القوانين بين ٥٠ ولاية يخلق عبئًا تنظيميًا معقدًا، خاصة على الشركات الناشئة، ويحوّل الامتثال القانوني إلى متاهة مكلفة تهدد الاستثمارات التي تقول الإدارة إنها بلغت تريليونات الدولارات في هذا القطاع داخل الولايات المتحدة.
يلفت الأمر التنفيذي النظر بشكل خاص إلى تشريعات بعض الولايات، وعلى رأسها قانون في كولورادو يستهدف «التمييز الخوارزمي» في أنظمة الذكاء الاصطناعي. ترامب يهاجم هذا النوع من القوانين بوصفه محاولة لفرض «انحياز أيديولوجي» على النماذج، بل يذهب إلى القول إن متطلبات تجنّب «الأثر التفاضلي» على الفئات المحمية قد تجبر الأنظمة على تقديم نتائج خاطئة أو غير دقيقة من أجل استيفاء الاعتبارات القانونية.
لتنفيذ هذه الرؤية، يكلّف الأمر التنفيذي وزارة العدل بإنشاء «فريق تقاضٍ للذكاء الاصطناعي» تكون مهمته الوحيدة الطعن في قوانين الولايات التي تتعارض مع السياسة الفدرالية الجديدة، سواء بحجة انتهاك سلطة الحكومة الاتحادية في تنظيم التجارة بين الولايات، أو بحجة تعارضها مع اللوائح الفدرالية القائمة، أو أي أسباب قانونية أخرى تراها الوزارة مناسبة. بالتوازي، يطلب من وزارة التجارة إعداد تقييم شامل لقوانين الذكاء الاصطناعي في الولايات، مع تحديد تلك التي تُلزم النماذج بتعديل مخرجاتها الصحيحة أو تجبر المطورين على إفصاحات يُحتمل أن تصطدم بالتعديل الأول للدستور الأمريكي وحماية حرية التعبير.
أحد أكثر بنود الأمر إثارة للجدل هو ربطه بين موقف الولايات التشريعي من الذكاء الاصطناعي وبين إمكانية حصولها على تمويل اتحادي في مجالات حيوية، مثل برنامج «الإنصاف في النطاق العريض وإتاحته ونشره» (BEAD) المخصص لتوسيع الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة. فالأمر التنفيذي يفتح الباب أمام حرمان الولايات ذات القوانين «المُرهِقة» من بعض التمويل غير المخصص للبنية التحتية المباشرة، بذريعة أن البيئة التنظيمية المجزأة تهدد انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي المعتمدة على الشبكات فائقة السرعة وتعطّل هدف تحقيق اتصال شامل للمواطنين.
ويمضي الأمر أبعد من ذلك، إذ يدعو هيئات فدرالية مثل لجنة الاتصالات الفدرالية ولجنة التجارة الفدرالية إلى بحث وضع معايير وطنية ملزمة للإبلاغ والإفصاح عن نماذج الذكاء الاصطناعي، تكون لها الأسبقية على القوانين المتعارضة في الولايات، وإلى توضيح متى تُعتبر قوانين الولايات التي تفرض تعديل المخرجات «الحقيقية» للنماذج نوعًا من الإلزام بالسلوك المضلِّل المحظور بموجب قانون التجارة الفيدرالي.
في الخلفية، تلوّح الإدارة أيضًا بمسار تشريعي طويل الأمد؛ إذ يوجّه الأمر المستشار الخاص بالذكاء الاصطناعي والتشفير، ومستشار الرئيس للعلوم والتكنولوجيا، لإعداد مشروع قانون يضع إطارًا فدراليًا موحدًا للذكاء الاصطناعي يَسمو على قوانين الولايات المتعارضة مع هذه السياسة، مع استثناءات تتعلق بحماية الأطفال، والبنية التحتية للحوسبة، واستخدام الحكومات المحلية للذكاء الاصطناعي.
بهذا، لا يقتصر الأمر التنفيذي على كونه وثيقة تنظيمية تقنية، بل يتحول إلى محطة جديدة في الصراع بين الحكومة الفدرالية والولايات حول من يملك الكلمة العليا في رسم مستقبل الذكاء الاصطناعي في أميركا، بين من يرى أن التساهل التنظيمي شرطٌ للحاق بالسباق العالمي، ومن يخشى أن يتحول ذلك إلى فراغ رقابي يترك الحقوق المدنية والبيانات الحساسة دون حماية كافية.
و بينما تصف إدارة ترامب هذه الخطوة بأنها ضرورية لحماية الابتكار الأميركي وتفادي “فسيفساء تنظيمية” تعطل الاستثمار، ترى حكومات ولايات ومجموعات حقوقية أن الأمر التنفيذي يضعف طبقة الحماية المحلية التي فُرضت استجابة لمخاوف حقيقية تتعلق بالتمييز الخوارزمي والخصوصية، ما يفتح جولة جديدة من الجدل القانوني والسياسي حول من يملك حق رسم قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة.
حذّرت حكومات عدد من الولايات من أن الأمر التنفيذي يعتدي على سلطاتها الدستورية في تنظيم شؤون مواطنيها، خصوصًا في مجالات حماية الخصوصية والتمييز في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويؤكد مسؤولون في هذه الولايات أن القوانين المحلية لا تستهدف عرقلة الابتكار، بل وضع حدّ لاستخدامات قد تضر بالحقوق المدنية أو تعزز التحيّز ضد مجموعات بعينها.
ومن جانبها، سارعت المجموعات الحقوقية إلى انتقاد القرار، معتبرة أنه يمنح الشركات التكنولوجية حرية واسعة على حساب آليات المساءلة والشفافية، ويُضعف قدرة الضحايا المحتملين على مواجهة الأضرار الناجمة عن أنظمة خوارزمية متحيزة أو غير شفافة.
وترى هذه المنظمات أن ربط التمويل الفيدرالي بمواقف الولايات التشريعية قد يتحوّل إلى أداة ضغط سياسي تُستخدم لثني المشرّعين المحليين عن سنّ قوانين لحماية المستهلكين.