إيكونوميست تستعرض تأييد ألمانيا المطلق للاحتلال.. وتحذر من انعكاساته
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
ذكر تقرير لمجلة "الإيكونوميست" البريطانية أن بعض اليهود الألمان يقولون إن بلدهم يبالغ في الدفاع عن "إسرائيل" ويجدون أنفسهم عرضة للهجوم المعادي للسامية.
واستعرضت المجلة مواقف الحكومة الألمانية من العدوان وتأييدها المطلق لسياسات الاحتلال.
وفي ما يأتي نص الترجمة:
ما هو المشترك بين جوقة مسرحية شعبية إيرلندية، ومهندس معماري بريطاني، ومصور بنغلاديشي، ومؤرخ هولوكوست أمريكي، وملحن موسيقي من تشيلي، وكاتب مسرحي إسرائيلي نمساوي، ولاعب كرة قدم هولندي، وصحفي نيجيري ألماني، وروائي فلسطيني، وفنان جنوب أفريقي، والسيناتور الأمريكي بيرني ساندرز؟
كل هؤلاء – وكثيرون غيرهم كذلك – اكتشفوا خلال الأشهر الثلاثة الماضية أنه تم إلغاؤهم في ألمانيا.
تنوع قليلاً السبب الذي ذكر لتبرير إلغاء عروضهم، أو منحهم، أو عقودهم، أو جوائزهم، أو اجتماعاتهم مع مسؤولين حكوميين.
إلا أن الإلغاءات جميعاً تتعلق بتخوف واحد، ألا وهو أن هؤلاء الأشخاص الذين قيل لهم إنه غير مرحب بهم، وعدد كبير منهم تبين أنهم يهود، لربما قالوا شيئاً ما فعل شخص ما اعتبره معاديا للسامية.
لم تبدأ الحساسية الألمانية المفرطة إزاء معاداة السامية يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وهو اليوم الذي شن فيه مسلحو حماس حملة أسفرت عن مقتل 1200 إسرائيلي.
ثمة سياق، وهذا يبدأ بكل وضوح بقتل النظام النازي لستة ملايين يهودي.
أحد الإجابات على الفظائع التي كانت ترتكبها الحكومات الألمانية المتعاقبة هو تأييد قيام دولة إسرائيل باعتباره "نهاية سعيدة" للكابوس الوطني الذي كانوا يعيشونه.
ثم عبر الزمن، كما يقول إيال وايزمان، البريطاني الإسرائيلي الذي يقود مجموعة بحثية اسمها فورينسيك أركيتكتشر (الهندسة المعمارية العدلية) مهمتها متابعة وتوثيق الهجمات المعادية للسامية في ألمانيا وكذلك الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، انتهى المطاف بالألمان إلى أن يعتبروا أي تحد لهذه الأسطورة من الخلاص بمثابة ارتكاب للخطيئة.
بدأ هذا التطور قبل عقود، وكان مبدؤه قرار ألمانيا تقديم تعويضات عن الحرب ليس فقط للناجين من المحرقة، ولكن أيضاً للدولة اليهودية الجديدة.
وفي أواخر ستينيات القرن العشرين، بدأت عملية استكشاف أحلك فصول التاريخ الألماني بموضوعية أكثر حدة. نمت هذه العملية الطويلة من التصالح مع الماضي لتصبح هوية وطنية ألمانية تقوم على طمس الذات.
ولقد كرست المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي شغلت ذلك المنصب من 2005 وحتى 2021، الإحساس بالمسؤولية الخاصة تجاه إسرائيل من خلال التأكيد على أن أمن إسرائيل جزء من "تفكير الدولة" الألمانية نفسها.
وفي عام 2019، وبتحريض من البديل من أجل ألمانيا، وهو الحزب الذي ينأى الكثيرون عنه باعتباره فاشيا، وهنا تكمن المفارقة، تبنى المشرعون الألمان اقتراحا يساوي بين الدعوات إلى مقاطعة إسرائيل ومعاداة السامية.
وانتشر هذا الدمج الرسمي، الذي ينظر إلى معارضة السياسة الإسرائيلية باعتباره عداء لليهود بشكل عام، على نطاق أوسع على إثر تعيين الحكومة الألمانية لما أطلق عليه اسم "مفوضي معاداة السامية".
ووجدت المنظمات التي تعتمد على تمويل الدولة، وهذا في ألمانيا يعني نسبة كبيرة جداً، نفسها تخضع بشكل متزايد للتدقيق إزاء شكوك بأنها قد تتجاوز هذه الخطوط ذات المعالم الضبابية، والتي رسمها الجهاز الإداري للدولة.
ولذلك لم يكن مستغربا أن يعم الخوف من التعرض لتقليص في الميزانيات أو التعرض لإقصاء عن الحيز العام – وهو ما بدا مفسراً للإلغاءات التي أشير إليها آنفاً، كما حصل مع مركز ثقافي اسمه عيون في برلين في شهر نوفمبر، حيث قررت المدينة فجأة قطع التمويل عن المقر بعد أن استضاف منظمة يهودية غير حكومية مناصرة للسلام، نظرا لأن أحد المفوضين الثقافيين رأى بأن ذلك النشاط قد يشجع "أشكالاً خفية" من معاداة السامية.
إلا أن الفظائع التي ارتكبت في غزة، حيث قتلت القوات الإسرائيلية حتى الآن من الفلسطينيين أكثر من 18 ضعفاً من عدد من قتله مسلحو حماس يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وكشفت سوءة التبني الألماني لإسرائيل من طرف واحد، وتسببت في إدخال يهود ألمانيا في مأزق.
ولقد بات البعض يخشى من أن المبالغة في الحماية الرسمية يمكن أن تفضي ذاتها إلى استثارة رد فعل معاكس ضد اليهود.
في المقابل، يرى ويلاند هوبان، الملحن الموسيقي والناشط اليهودي الذي يتخذ من فرانكفورت مقراً له، أن إصرار المؤسسة الألمانية على إملاء "كيف يكون المرء يهودياً" يمكن بحد ذاته أن يسمى معاداة للسامية.
ولكن لعل النصيحة التي قدمها في ندوة عقدت ببرلين في شهر كانون الأول/ ديسمبر الناشط الإسرائيلي آلون لي غرين تكون أسهل على الألمان أن يستوعبوها، "إذا أردت بالفعل أن تتصرف كصديق جيد لإسرائيل، كما قال، فلا بأس بالانتقاد، عندما يكون صديقك ثملاً، لا تقدم له كأساً آخر من المسكرات، بل تصحبه إلى بيته وتساعده على الإيواء إلى فراشه".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الاحتلال غزة المانيا غزة الاحتلال المواقف الغربية عدم الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة معاداة السامیة
إقرأ أيضاً:
كيف واجه ميلانشون اتهامه بمعاداة السامية والتحيز للمسلمين؟
باريس- في جلسة برلمانية اتسمت بالتوتر وتقاطعت فيها السياسة بالهوية، مثُل زعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي جان لوك ميلانشون أمام أعضاء التحقيق البرلماني في الروابط المزعومة بين الحركات السياسية والشبكات الإسلامية.
الجلسة التي عُقدت السبت الماضي، والتي تحولت إلى درس علني، جاءت في وقت يتصاعد فيه الجدل بشأن قضايا الهوية والدين والعلمنة، وفي ظل اتهامات متكررة لليسار الراديكالي بأنه يقترب أكثر مما ينبغي من الناخبين المسلمين وينشر خطابا متعاطفا مع غزة.
وعلى خلاف ما كان ينتظره خصومه، خرج ميلانشون منها مقنِعا وواضحا، حاول فيها إعادة تعريف موقع حزبه في مسألة العلمانية، مؤكدا أن التغلغل الديني لا يمكن أن يجد مكانا داخله. ورغم هذا الدفاع الحاد، لا تزال أسئلة معلقة: هل مثلت هذه الجلسة نهاية الاستجواب أم بداية فصل جديد من الاتهامات؟
قد لا يكون ميلانشون رياضيا، لكنه يمارس في السياسة قاعدة أساسية في الجودو، وهي استخدام قوة الخصم لإسقاطه أرضا. فعندما وُجهت له اتهامات بمعاداة السامية، أعرب عن "انزعاجه من اضطراره الدائم لإثبات جدارته أمام هؤلاء المفتشين الذين نصَّبوا أنفسهم". وأكد "لم تكونوا قد وُلِدتم بعد؛ كنتُ أساعد اليهود على مغادرة الاتحاد السوفياتي".
ومستشهدا بمراجع تاريخية عديدة، دافع مطولا عن رؤيته للعلمانية التي وصفها بأنها "حماية لحرية العبادة" ويضمنها قانون عام 1905. وأوضح أنه "تطوّر" في هذه القضية و"تخلى عن معاداة رجال الدين".
وأصر على الدفاع عن أستاذ جامعة ليون الثانية، الموقوف عن العمل لوصفه 20 شخصية، معظمهم من اليهود، بـ"مرتكبي إبادة جماعية يجب مقاطعتهم"، مؤكدا أنه "ليس معاديا للسامية".
وقد اعتبر توماس غينولي، الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية في مدرسة "سنترال سوبيليك"، أنه تم التلاعب بتحقيق برلماني من قِبَل نواب اليمين واليمين المتطرف لإجراء محاكمة كارثية للحزب اليساري حول موضوع التواطؤ المزعوم مع الإسلام السياسي والإرهاب.
إعلانوأوضح للجزيرة نت أن الغرض هو تقديم ميلانشون إلى قفص الاتهام، لكنه تمكن من إزاحة المدعين العامين الذين نصّبوا أنفسهم، وتبعثرت اتهاماتهم، و"حتى أكبر وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة في فرنسا قالت إنهم كانوا غير أَكْفاء وأنه كان بارعا ومقنعا".
أما عن سبب اختيار ميلانشون، يعتقد المحلل السياسي إيف سنتومير أن الهدف الأول كان تشويه سمعته وانتقاد حزبه "فرنسا الأبية" ومواقفه، سواء تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو التمييز المنهجي ضد المسلمين في فرنسا. "لكن ذلك ارتدّ عليهم في آخر المطاف، وقدّم أداء رائعا كبح جماح هذا التلاعب المُحتمل إلى حد كبير".
وأضاف سنتومير للجزيرة نت "لا أتفق دائما مع تصريحات ميلانشون لكنني أعتقد أنه وجد الكلمات المناسبة خلال الجلسة وبدأ أيضا نقدا ذاتيا لماضيه عندما كان مناهضا لرجال الدين، وخاصة للكاثوليك وللمسلمين أيضا"، معتبرا أن هذا النقد كان حركة ذكية في هذه القضية.
اليمينيون شنوا حملة ضده، معتبرين أنه ذراع أسلامية في فرنسا.. ميلونشون، زعيم المعارضة، يتصدر مشهد الدفاع عن المسلمين في أعقاب جريمة المسجد pic.twitter.com/BD5PnHohzN
— مجلة ميم.. مِرآتنا (@Meemmag) April 28, 2025
الوهم الفرنسيمن أبرز التصريحات التي صرح بها ميلانشون في الجلسة كان إعلان رفضه أي محاولة لاختراق حزبه من قِبل جهات دينية، قائلا "لا نقبل أبدا بالتسلل الديني".
وتابع "لقد أصدرت لجنتكم بالفعل وثائق تُبرئنا تماما، إذ لم يصرح أي من مسؤولي الاستخبارات الذين استمعتم إليهم بوجود أي صلة بيننا وبين الإسلاميين"، داعيا إلى التمييز بين "الإسلام والإسلاموية" و"الإسلاموية والإرهاب".
كما حذّر من "إغراء" اليمين واليمين المتطرف بتنظيم الممارسات الدينية ومنع الصيام أو ارتداء الحجاب في الشوارع. وقال "بالطبع، هناك من يرتديه كرمز ديني. في فرنسا، الدولة علمانية، وليس الشارع، والكبار يرتدون ما يحلو لهم". وفيما يتعلق بالقاصرين، أكد أن "القانون يعترف بحق كل والد في نقل قيمه إلى أبنائه"، متسائلا "ماذا عن الختان؟".
وتعليقا على ذلك، لفت سنتومير إلى وجود "وهم فرنسي" بأن الإسلاموية تُشكل تهديدا، وأن الإسلاميين يحاولون التغلغل في السياسة الفرنسية، معتبرا أن تصويرها على أنها الخطر الذي يهدد البلاد اليوم أسهل بكثير من معالجة التحديات الحقيقية التي تواجه المجتمع الفرنسي.
كما لفت إلى ما أشار إليه ميلانشون وهو أن "الشخص المسلم لا يعني بالضرورة أنه إسلامي، بل إن مصطلح إسلامي ليس واضحا تماما، هل هو إسلاموية متشددة وعنيفة؟ أم ببساطة تأكيد قوي على أهمية الدين الإسلامي؟".
ويعتقد المحلل سنتومير أن الزعيم السياسي فكك عددا من الأمور وبدد أي شكوك حول التعاطف المُحتمل بين حزبه والتيارات الإسلامية، سواء كانت "متشددة أو مُخربة للدستور الفرنسي أو متورطة في أعمال عنف". وبالتالي، نجح في تبرئته و"تبديد هذا الوهم الفرنسي الذي تتلاعب به النخب السياسية الآن".
رهانات سياسيةأُطلقت لجنة التحقيق برئاسة عضو حزب الجمهوريين كزافييه بريتون، وتم الاستماع إلى شهادات حوالي 30 شخصا، من بينهم أكاديميون، وخبراء استطلاعات رأي، ورئيس جهاز المخابرات في مقر شرطة باريس، ووزير الداخلية لوران نونيز.
إعلانويُواجه مكتب لجنة التحقيق انتقادات لاذعة لعدم ضمه أي أعضاء برلمانيين من جماعات يسارية، على الرغم من أن القواعد تنص على أن هذه التعيينات يجب أن "تعكس التركيبة السياسية للجمعية الوطنية". وتشمل صلاحيات اللجنة إصدار استدعاءات تُلزم الأفراد بالمثول أمامها، وإجراء التحقيقات، وعقد جلسات استماع تحت القسم.
ويرى سنتومير أن ما حدث لا يمكن فهمه إلا في السياق السياسي الحالي، موضحا "هناك انتخابات بلدية قادمة، وأخرى رئاسية حاسمة. ومع احتمال إجراء انتخابات تشريعية مبكرة إذا لم تُعتمد الميزانية، أو إذا سقطت الحكومة، تلعب جميع هذه الحسابات السياسية قصيرة المدى دورا في هذه القصة".
وتابع "فرنسا غارقة في أزمة هيكلية عميقة للغاية، لذا من الأسهل بكثير إيجاد مواضيع أخرى لتشتيت الانتباه والتركيز على الإسلام والهجرة. أما ميلانشون، فقد اتخذ نهجا معاكسا وراهن على قاعدة شعبية تشمل سكان الضواحي الذين يشكل المسلمون نسبة كبيرة منهم. إنها مقامرة انتخابية قد تنجح أو تفشل".
بدوره، يعتقد أستاذ العلوم السياسية توماس غينولي أن "هناك جانبا مُدبّرا لمحاولة إضعاف مرشح رئيسي، لكنْ هناك أيضا نوع من عقلية القطيع تصر على ضرورة إسقاط ميلانشون بأي طريقة".
وأضاف "ينتهي بنا المطاف في هذا المناخ المُقزز الذي يُحوّل الساحة العامة إلى مكب نفايات وهذه العدوى الحقيقية التي تلهث وراء الكراهية، وهي أهوال نراها اليوم في عدد من الدول التي وصل فيها اليمين المتطرف إلى السلطة".