التغيرات المتصاعدة للوعي السياسي
تاريخ النشر: 8th, January 2024 GMT
أن الحرب التي أندلعت في 15إبريل 2023م كانت نتيجة لجمود العقل السياسي، و الذي عجز أن يتجاوز أسباب الفشل في العهود السابقة، و أيضا فشل أن يحدث تغييرات جوهرية في الثقافة السياسية للإرث السياسي ما قبل ثورة ديسمبر 2018 م حيث تبنت النخب السياسية ذات الإرث الثقافي السابق مع شعارات متناقضة له من حيث الفكرة و الأدوات، لذلك لم تستطيع أن تنزل الشعارت للواقع.
بعد الحرب تصاعدت الأحداث، و أصبحت القوى العسكرية " الجيش – الميليشيا" هما اللذان يصنعا الحدث، و أصبح دور القوى السياسية هو التعليق على الحدث، كان أمام القوى السياسية تحدي.. كيف تستطيع أن تعيد إصلاح المعادلة السياسية، أن تصبح هي المناط بها صناعة الحدث بهدف تغيير طريقة التفكير في المجتمع، ثم بعد ذلك الضغط من أجل وقف الحرب. لكن إنحراف الميليشيا في الحرب من مواجهة الجيش إلي حرب على المواطنين في مساكنهم و طردهم منها و نهب ممتلكاتهم و هتك الأعراض، و ممارسة التهجير و الإبادة الجماعية في دارفور. أخرجت الجماهير من موقف الحياد في الحرب لدعم الجيش. أن التطورات التي حدثت في الحرب، و إستيلاء الميليشيا على ولاية الجزيرة و الخوف من الزحف للولايات الأخرى، هو الذي خلق واقعا جديدا، حيث رفعت الجماهير شعار المقاومة الشعبية، أي أن تحمل السلاح بنفسها تحمي ممتلكاتها و أعراضها. أن فكرة النفرة الجماهيرية المسلحة كان لابد أن تجعل العقل السياسي أن يستيقظ من ثباته.
أن جولات حميدتي التي قام بها في عدد من الدول الأفريقية، و التي تقف وراءها دولة الأمارات التي جعلت له طائرة خاصة تحت تصرفهن يؤكد أن فكرة النفرة الشعبية قد أرسلت إشارتها الحمراء إلي الميليشيا، و القوى الخارجية التي تدعمها. و قد أخفق الدكتور عبد الله حمدوك رئيس " تقدم" عندما وقع إعلانا سياسيا مع رئيس الميليشيا الذي أظهر تقدم بأنها أصبحت بمثابة الحاضنة السياسية للميليشيا، و بالتالي لا تستطيع أن تنجز ما دعت إليه لأنها أصبحت غير محايدة في الوساطة. هذا يؤكد أن العقلية التي تدير بها " قحت المركزي" و التي تحولت إلي "تقدم" لكي تداري أخفاقاتها السابقة وقعت في ذات الفخ لأن العقلية لم يحدث فيها تطور يتماشى مع المتغيرات الحادثة في الواقع، هي تريد أن تعيد ذات الحلف الذي كان قبل 15 إبريل 2023م، و هو حلف يحمل في أحشائه الكثير من المتناقضات التي قادت للحرب.
في جانب أخر للمشهد كتب المفكر اليساري صديق الزيلعي مقالا في صحيفة " سودانيل" بعنوان "ما نوع التغيير الجذري الذي أومن به" يقول في إحدى فقراته أن صديقا له زمن الدراسة في جامعة الخرطوم علق على نقده للجذرية، و سأله هل أنت جننت رد صديق الزيلعي بالقول (نعم جنيت، وجن كلكي كمان ولابس عقلانية. والعقلانية مبنية على سلطة العقل. العقل يتبني مقولة جوته الشهيرة: " النظرية رمادية وشجرة الحياة في اخضرار دائم". وهذا هو جوهر الديالكتيك، حيث لا شيء ثابت، والكل في حالة حركة مستمرة. فالعالم يتغير باستمرار، وكذلك الدول، والأحزاب، ووسائل التواصل، ومناهج المعرفة. الحياة تقدم لنا تحديات يومية ومستمرة. والعقل يجتهد ويبحث لتقديم أجوبة لها. وكلما تخطينا عقبات ظهرت أخرى جديدة. هذا المنهج لا يقبل السكون، ولا يقبل القوالب النظرية الجاهزة. ويتبنى التجديد والتجدد باستمرار، لا نهائي.) هذا تحول جديد في عقل الزملاء، أن يخرجوا من حالة التقديس للنصوص التي هي ولادة الظواهر في المجتمعات. كما تذكر الزيلعي قول جوته (أن شجرة الحياة في إخضرار دائم) و بالتالي تتطلب تغيرا متواصلا يواكب متغرات الحياة. أن القيادات الاستالينية بالفعل قد جمدت العقول تماما و يجب عليها أن تخرج من الشرنقة التي وضعت فيها.إذا استطاع الزيلعي أن ينقل جنه الكلكي للأخرين في الحزب سينتصر للسودان.
أن بيان المكتب السياسي للحزب الشيوعي للرد على " الإعلان السياسي" الذي وقعته " تقدم" مع المليليشا و تريد أن تعيد بها تحالفات قادت للحرب، يؤكد أن هناك حركة لخروج العقل من الثبات المضروب عليه. و نقد الإعلان من الزملاء يؤكد أن الفكرة عاجزة أن تجد قبولا في الشارع السياسي، إلا وسط فئة ضيقة جدا ربطت مصالحها مع الميليشيا. و على الزملاء يجب أن لا يجمدوا عقولهم في بناء تحالف لم تشاركهم فيه أي قوى سياسية غير واجهاتهم التي صنعوها، يهدفون بها أختراق أجساما بعينها في المجتمع، أو محاولة تمرير أجندة يعتقدون أن الناس لا يقبلونها إذا خرجت بأسم الحزب الشيوعي. و التاريخ النضالي الطويل للحزب الشيوعي يؤهلهم أن يطرحوا مشروعا سياسيا للحوار الوطني الجامع يخرج البلاد من الحرب و أزمتها السياسية، و أيضا يتأكدوا أن أي مشروع قابل للتعديل و التبديل وفقا للمطروح في الحوار، أن التعصب في الرأي لا يخلق إلا أزمة جديدة. هناك مشتركات يتفق عليها أغلبية السودانيين تتمثل في الأتي " تفكيك دولة الحزب إلي التعددية السياسية – العدالة الناجزة – محاربة الفساد و محاكمة المفسدين – انعقاد المؤتمر الدستوري – خلو البلاد من أي مليشيا و حركات مسلحة حيث يصبح الجيش وحده المؤسسة التي تمتلك السلاح - تكوين المؤسسة العدلية - إصلاح الخدمة المدنية وفقا للقانون و ليس الهوى السياسي- القيام بإحصاء عام في البلاد – تكوين المفوضية العامة للانتخابات و مفوضية السلام" و بعد الانتخابات على القوى السياسية المنتخب أن تشرع في "إصلاح المؤسسة العسكرية و المؤسسات شبه العسكرية" هذه القضايا متفق عليه و لا تجد أي اعتراض شرط أن لا تحاول أي قوى سياسية أن تجيرها بشروط تعجيزية. مثل هذه المبادرات التي تحول التفكير من أدوات النزاع و العنف إلي العقل هي التي تخلق الواقع الجديد للبلاد. فهل الزملاء قادرين على الخروج من حالة التعصب و مغادرة محطة 1965 . بهدف وقف الحرب و فرد اشرعة السلام.. نسأل الله حسن البصيرة.
[email protected]
/////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: یؤکد أن
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي والتعلم.. متى يكون مساعدًا ومتى يحتاج العقل البشري للتدخل؟
منذ إطلاق "تشات جي بي تي" في نهاية عام 2022، اتجه ملايين المستخدمين إلى نماذج اللغة المتقدمة للحصول على المعلومات بسرعة وسهولة. ولا عجب في ذلك؛ فمجرد طرح سؤال واحد يمنحك إجابة جاهزة ومصاغة بعناية، لتواصل يومك وكأنك تعلّمت دون أي عناء.
وبحسب تقرير نشره موقع "ScienceAlert" فإن هذه السهولة التي توفرها نماذج الذكاء الاصطناعي قد تكون سلاحًا ذا حدّين. إذ تكشف ورقة بحثية جديدة، أعدّها باحثون من جامعة بنسلفانيا، عن أدلة تجريبية تُظهر أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تلخيص المعلومات يؤدي إلى تكوين معرفة أقل عمقًا مقارنة بالتعلم عبر البحث التقليدي في جوجل.
وتستند نتائج الدراسة إلى سلسلة من سبع تجارب علمية شارك فيها أكثر من 10 آلاف شخص. طُلب من المشاركين تعلّم موضوع محدد، مثل كيفية إنشاء حديقة منزلية، ثم جرى توزيعهم عشوائيًا على مجموعتين:
الأولى استخدمت "تشات جي بي تي" أو نماذج لغوية مشابهة للحصول على المعلومات، بينما اعتمدت الثانية على أسلوب البحث التقليدي عبر "جوجل" والتنقل بين الروابط.
ولم يفرض الباحثون أي قيود على طريقة استخدام كل مجموعة لأدواتها؛ فالمشاركون الذين يستخدمون "جوجل" كانوا أحرارًا في استكشاف الروابط كما يشاؤون، بينما كان بإمكان مستخدمي "تشات جي بي تي" متابعة طرح الأسئلة والحصول على المزيد من التوليفات دون أي حدود.
بعد انتهاء عملية التعلم، طُلب من المشاركين كتابة نصائح لصديق حول الموضوع. أظهرت البيانات نمطًا ثابتًا: الذين تعلموا عبر نماذج الذكاء الاصطناعي شعروا أنهم تعلموا أقل، بذلوا جهدًا أقل في كتابة النصائح، وكتبوا نصوصًا أقصر، أقل دقة، وأكثر عمومية. وعندما عُرضت هذه النصائح على عينة أخرى من القراء الذين لم يعرفوا مصدر التعلم، قيّموا نصائح مستخدمي LLM بأنها أقل فائدة وأقل إقناعًا.
وللتأكد من أن المشكلة لا تتعلق فقط بنوعية المعلومات المعروضة، أجرى الباحثون تجربة إضافية قدّموا فيها للمجموعتين المعلومات نفسها حرفيًا، سواء عبر "جوجل" أو "تشات جي بي تي"، وكانت النتيجة ذاتها: التعلم من إجابة مُخلّصة وسهلة يقود إلى معرفة أضعف من تلك التي تُبنى من خلال البحث والقراءة والتحليل.
ويُفسّر الباحثون هذه الظاهرة بالعودة إلى مبدأ جوهري في عملية التعلم: كلما ازداد الجهد المبذول، تعمّق الفهم. فالبحث عبر "جوجل" يتطلب تصفح بعض الروابط، وقراءة مصادر متنوعة، والمقارنة بينها لتكوين فهم شخصي.
هذا القدر من "الاحتكاك" المعرفي ينتج معرفة أكثر رسوخًا. أما عند استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي، فإن هذه المراحل كلها تُنجز تلقائيًا، ما يحوّل التعلم إلى تجربة سلبية وسريعة لكنها أقل عمقًا.
ومع ذلك، لا يرى الباحثون أن الحل يكمن في التخلي عن نماذج الذكاء الاصطناعي. بل يشددون على ضرورة استخدامها بحسب الهدف. فإذا كان المطلوب إجابة سريعة أو معلومات مباشرة، فإن الذكاء الاصطناعي يعدّ خيارًا مناسبًا. أما في حال كان الهدف تطوير فهم عميق وقابل للتطبيق، فإن الاعتماد على ملخصات جاهزة لن يكون الطريق الأمثل.
كما حاولت الدراسة استكشاف إمكانية جعل التعلم عبر النماذج اللغوية أكثر تفاعلية. ففي تجربة إضافية، استخدم المشاركون نموذجًا متخصصًا يعرض روابط للمصادر الأصلية إلى جانب الإجابة. لكن المفاجأة كانت أن وجود الملخص الجاهز جعل معظم المشاركين أقل رغبة في استكشاف تلك الروابط، وانتهى بهم الأمر إلى اكتساب معرفة سطحية مشابهة للنتائج السابقة.
وتشير الباحثة شيري ميلوماد إلى أنها تعمل على تطوير أدوات ذكاء اصطناعي تفرض نوعًا من "الاحتكاك الصحي" داخل عملية التعلم مثل خطوات تحليلية أو مهام تفاعلية تدفع المستخدم للغوص أعمق بدل الاعتماد على الإجابات الجاهزة. وتؤكد أن هذه الأدوات ستكون حاسمة في التعليم المدرسي، حيث يحتاج الطلاب إلى تنمية مهارات أساسية في القراءة والكتابة والتحليل، في عالم سيغدو فيه الذكاء الاصطناعي جزءًا يوميًا من واقعهم.
إسلام العبادي(أبوظبي)