لجريدة عمان:
2025-12-12@23:21:05 GMT

مانديلا في الرواية العُمانية

تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT

أمام الموقف الشجاع لجنوب إفريقيا بتقديم الكيان الصهيوني إلى محكمة العدل الدولية، نستحضر مواقف الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا، الذي لم يرحل النضال الإفريقي برحيله مثلما هو الحال في بعض الجمهوريات العربية التي رحلت مع مؤسسيها أو مناضليها إلى العالم الآخر، وعلى مدار التاريخ كانت إفريقيا السمراء نصيرة للقضايا العربية منذ هجرة المسلمين الأولى والثانية إلى الحبشة واللوذ بحماية الملك النجاشي وأمنه.

إذ لا يزال صدى المرافعات في قاعة محكمة العدل الدولية يرن في آذان العالم وعلى مسامع الصهاينة الذين ظنوا أنهم في منأى عن المحاكم وأنهم في كل مرة سيفلتون من العقاب. لن تبرح جنوب إفريقيا الذاكرة أبدا لعدة أسباب، منها أن الدولة التي رفعت الدعوى ضد الكيان الصهيوني هي دولة عانت الظلم والاضطهاد والفصل العنصري، وأن الكيان الغاصب للحق الفلسطيني استثمر معاناة اليهود وتاجر بالمحرقة وتحول الضحية إلى مجرم وظالم قولا وفعلا.

إن التضامن السلمي الذي أبدته جنوب إفريقيا نموذج يحتذى به في رفع الظلم عن المظلوم، بالفعل لا بالرغبات والأماني، وفي هذا الإطار قال جون لوك ميلونشون (72عاما) أمام محكمة العدل الدولية: «نريد أن نقول من كل قلوبنا مليون مرة شكرا لجنوب إفريقيا، إلى الحكومة التي أعادت الإنسانية إلى الواجهة في هذا الوضع المخجل. نحن هنا أمام محكمة العدل الدولية لنظام دولي غير عادل، وهذا مؤكد نظام دولي غير مكتمل البتة، ولكن نحن هنا أمام قانون الحق وليس قانون الاستقواء».

إن موقف جمهورية جنوب إفريقيا المُشرّف يقودنا إلى مسألة جوهرية تتعلق ببقاء الدولة التي لا ترحل برحيل زعمائها، بمعنى أن رحيل المناضل الإفريقي نيلسون مانديلا (1918-2013)، لم يُفقد جنوب إفريقيا مكانتها الدولية، فهو لم يتشبث بالكرسي بعد انتخابه رئيسا لمدة خمس سنوات (1994-1999)، ولم يتناحر رفاقه للحصول على السلطة، كما حدث في العديد من البلدان التي تقاتل أبناءها لأجل المناصب والجاه، فنيلسون مانديلا لم يُحرر جنوب إفريقيا من نظام الفصل العنصري فحسب، بل من التخلف والجشع وطموح السياسيين الصغار الذين دمروا بلدانهم لأجل غايات شخصية ومصالح فردية، كما لم يتوقف دعم جنوب إفريقيا للقضية الفلسطينية؛ ففي مقابلة تلفزيونية في حرم جامعة نيويورك - بعد خروج مانديلا من السجن - سأله (كين أديلمان) من معهد الدراسات المعاصرة قائلا: «هناك منا من يشاركونك كفاحك من أجل حقوق الإنسان وضد الفصل العنصري ومن ثم خاب أملهم إلى حد ما من نماذج حقوق الإنسان التي اخترتها، بعد خروجك من السجن، التقيت بياسر عرفات ثلاث مرات خلال الستة أشهر الأخيرة وأشدت به، وأخبرت القذافي أنك تشاركه في وجهة النظر وصفقت له ولسجله في حقوق الإنسان ودعمه للحرية والسلام حول العالم، وامتدحت فيدل كاسترو كقائد لحقوق الإنسان، وقلت إن كوبا هي إحدى الدول المتقدمة في حقوق الإنسان، وبالرغم من أن وثائق الأمم المتحدة ومصادر أخرى تظهرها واحدة من الأسوأ. أنا فقط أتساءل هل هؤلاء هم نماذجك لقادة حقوق الإنسان؟! وإذا كانوا كذلك، هل ترغب في أن يكون القذافي أو عرفات أو كاسترو رئيسا مستقبليا لجنوب إفريقيا؟».

رد عليه مانديلا:

«واحدة من الأخطاء التي يرتكبها بعض المحللين السياسيين هي أنهم يعتقدون أن أعداءهم يجب أن يكونوا أعداءً لنا. يمكننا فعل ذلك ولكن لن نفعله أبدا. لدينا نضالنا الخاص القائم، نحن شاكرون للعالم دعمهم لنضالنا، ولكن مع ذلك نحن منظمة مستقلة بسياساتها الخاصة، وموقفنا تجاه أي بلد يتحدد بموقف ذلك البلد تجاه نضالنا؛ ياسر عرفات والعقيد القذافي وفيديل كاسترو دعموا نضالنا حتى مقبض السيف. لا يوجد أي سبب على الإطلاق يجعلنا نتردد حول الإشادة بما فعلوه تجاه حقوق الإنسان كما فعلوا في جنوب إفريقيا. يستند موقفنا فقط على حقيقة أنهم يدعمون بشكل كامل النضال ضد الفصل العنصري، هم لم يدعموننا فقط بالخطابات إنهم يضعون الموارد تحت تصرفنا ومن أجلنا لانتصار القضية».

قادني وفاء مانديلا إلى البحث عن شخصية سردية تماثل كفاح المناضل الإفريقي العتيد في الأدب، لكني لم أعثر له على أثر في الرواية العُمانية على الأقل، إلا في رواية «سنوات النار» للكاتب والروائي أحمد الزبيدي (1945-2018):

«رحل فايل وأسرته إلى حارة مانديلا في وسط صلالة، تاركا خلفه فراغا واسعا في حياتنا الشخصية (أنا وسامر). كانت حارة مانديلا تضم تجمعا للعرب من ذوي الأصول الإفريقية، حيث سياسة الإقصاء والتهميش وثقافة العبودية دفعت الكثير من الأسر للإقامة في حارة مانديلا كملاذ شبه آمن».

كم أتمنى أن نجد سيرة المناضل الإنساني مانديلا في المناهج التعليمية وفي المقررات الدراسية؛ لتعريف الأجيال بمآثر المكافحين لأجل العدالة وحقوق الإنسان ورفع ظلم الإنسان عن أخيه الإنسان. كما أتمنى أن تقوم الجماهير العربية -حسب استطاعتها- ومؤسسات المجتمع المدني بالتوافد على سفارات جنوب إفريقيا في العواصم العربية وتسليم سفرائها رسائل الشكر والامتنان على موقف بلدهم تجاه القضية الفلسطينية.

محمد الشحري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محکمة العدل الدولیة جنوب إفریقیا حقوق الإنسان

إقرأ أيضاً:

مصر تحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان

تشارك مصر دول العالم الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، الذي يوافق العاشر من ديسمبر من كل عام، تخليدًا لذكرى اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، والتي تعد مناسبة للتأكيد على مبادئ المساواة والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية على الصعيدين الوطنى والدولي، وتعزيز الوعي بالحقوق والحريات الأساسية التي تشكل ركيزة للتقدم والتنمية الشاملة.

وقالت وزارة الخارجية، في بيان اليوم: «لقد شهدت مصر في السنوات الأخيرة طفرة في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان انطلاقاً من قناعة وطنية ذاتية بضرورة إعلاء وتنمية المواطن المصرى وضمان تمتعه بحقوقه الدستورية دون تمييز، وهو ما لم يكن ليتحقق لولا توافر الإرادة السياسية والرغبة الصادقة في استكمال مسيرة النهوض بأوضاع حقوق الإنسان على المستويين التشريعى والممارسة العملية، وذلك بتوجيهات مستدامة من الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية».

بيان وزارة الخارجية

وأضافت الخارجية: «قد حرصت مصر على مواصلة تفاعلها مع الآليات الإقليمية والدولية لحقوق الإنسان من خلال تقديم ومناقشة تقاريرها بصفة دورية أمام اللجان الأممية المعنية، فضلًا عن مشاركتها الإيجابية في المحافل ذات الصلة من أجل تعزيز حقوق الإنسان بمفهومها الشامل حول العالم للجميع وأينما كانت دون انتقاء أو تمييز وفى مقدمتها الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، حيث كثفت مصر جهودها الحثيثة على مدار العاميين الماضيين للمساهمة في وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في قطاع غزة ونفاذ المساعدات الإنسانية وتهيئة بيئة مواتية لاستئناف المسار السياسي وإطلاق جهود التعافي وإعادة الإعمار، بما يتسق مع قواعد القانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان، وفي مقدمتها الحق في الحياة والحق في تقرير المصير».

وتابع البيان: «جاء انتخاب مصر لعضوية مجلس حقوق الإنسان للفترة 2026-2028 تتويجًا للتقدم الذي تحقق على الصعيد الوطني، وتأكيدًا لثقة المجتمع الدولي في النهج الجاد الذي تتبناه الدولة المصرية في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة».

وواصل البيان: «كان إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان نقطة تحول في مسار العمل الوطنى باعتبارها بوصلة لمختلف الجهات والمؤسسات الوطنية بالتعاون مع كافة أصحاب المصلحة في مقدمتهم المجتمع المدنى والمجلس القومى لحقوق الإنسان. وقد أسهمت هذه الاستراتيجية في تطوير الأطر التشريعية والمؤسسية ذات الصلة، وإطلاق مبادرات طويلة المدى في مجالات الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلًا عن تعزيز حقوق المرأة والطفل والشباب وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، إلى جانب تكثيف جهود نشر ثقافة حقوق الإنسان وبناء القدرات».

واستطردت الخارجية: «قد شهد العام الجارى خطوات مضيئة على مستوى الإصلاحات التشريعية والمؤسسية، كان أبرزها إصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد، الذي يمثل نقلة مهمة في تطوير منظومة العدالة الجنائية وتوفير ضمانات المحاكمات العادلة، وإصدار قانون اللجوء لتنظيم أوضاعهم. كما تواصلت الجهود الوطنية لتحسين أوضاع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك توسيع برامج الرعاية الصحية، وتطوير العملية التعليمية، وتعزيز الحق في العمل، إلى جانب استمرار الجهود في تمكين المرأة وحماية حقوق الطفل ورعاية كبار السن ودعم الأشخاص ذوي الإعاقة».

بيان وزارة الخارجية

وقال البيان: «إنه تزامنا مع ما سبق، استمر تفعيل لجنة العفو الرئاسي ومراجعة ملفات المحكوم عليهم مع إطلاق سراح من تنطبق عليهم شروط العفو. كما جاء الحرص على إجراء الاستحقاقات الانتخابية وضمان سلامتها الإجرائية دليلاً على ضمان توفير الظروف المهيئة لتعزيز المشاركة في الحياة السياسية والشئون العامة».

ولفتت الوزارة، إلى أنه حرصاً على متابعة التقدم المحرز وتكثيف الجهود في المجالات التي لا تزال تحتاج لتطوير، يتم إعداد تقارير دورية بشأن تنفيذ مستهدفات الاستراتيجية لتقديمها إلى رئيس الجمهورية وكان آخرها التقرير التنفيذي الرابع والذى قام بتسليمه وزير الخارجية رئيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان في 30سبتمبر 2025. ومع اقتراب انتهاء المدة الزمنية المقررة للاستراتيجية، بدأت مصر، بتوجيه من رئيس الجمهورية، في التحضير لإعداد الاستراتيجية الوطنية الخمسية الثانية لحقوق الإنسان للفترة 2026-2031 على نحو تشاركي واسع، بما يضمن البناء على ما تحقق من إنجازات وترسيخ نهج مؤسسي مستدام في تعزيز الحقوق والحريات.

وأشارت وزارة الخارجية، إلى أنه بهذه المناسبة، تجدد مصر اعتزامها مواصلة تعزيز منظومة حقوق الإنسان على أسس راسخة من احترام الدستور والالتزامات الدولية، وتطوير السياسات والتشريعات الوطنية الداعمة للحقوق والحريات. كما تشدد على التزامها بالعمل المتواصل لضمان حياة كريمة لجميع المواطنين، وإتاحة بيئة آمنة لإعلاء قيم المواطنة وسيادة القانون والمساواة.

اقرأ أيضاًالخارجية: مصر شهدت طفرة في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة

النائب العام يستقبل الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي لتعزيز التعاون في مجال حقوق الإنسان

رئيسة «قومي الطفولة» تزور مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون ومستشفى الشرطة بالعجوزة

مقالات مشابهة

  • معكم حكومة بريطانيا.. المكالمة التي تلقتها الجنائية الدولية بشأن نتنياهو
  • حماس: تقرير العفو الدولية مغلوط ويتبنى الرواية الإسرائيلية
  • حماس ترفض تقرير العفو الدولية وتتهمه بتبني الرواية الإسرائيلية
  • تشكيل جنوب إفريقيا لبطولة كأس الأمم 2025
  • "الأحرار" تدين تقرير العفو الدولية لتبنيه الرواية الإسرائيلية واتهامه المقاومة بارتكاب جرائم في 7 أكتوبر
  • خلاف بين المفوضية الأوروبية والنمسا حول مراكز إعادة اللاجئين في إفريقيا بسبب حقوق الإنسان
  • ارتفاع مبيعات التجزئة في جنوب إفريقيا بنسبة 2.9% في أكتوبر
  • الاتحاد الأوروبي يؤكد التزامه بحقوق الإنسان
  • مصر تحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان
  • "القومي لحقوق الإنسان" يحصد منصب المنسق الإقليمي لشمال إفريقيا