الخليج الجديد:
2025-05-16@13:58:39 GMT

قتل السياسة في تونس

تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT

قتل السياسة في تونس

قتل السياسة في تونس

بعد عامين ونصف من انقلاب سعيّد على الدستور الذي أقسم على احترامه، تشهد تونس قتل السياسة الممنهج والكامل.

لم يكن غريبا أن يفعل الرئيس التونسي ما فعل، فخطته واضحة ومتدرّجة، للقضاء على كل ما تم بناؤه بالسنوات الماضية لكن الغريب هشاشة المجتمع.

تغييب ذكرى الثورة لم يكن صدفة فوراءه تكمن عقلية رسمية جديدة لا تريد أي ذكر لهبّة الجماهير الغاضبة ضد الاستبداد والمنادية بالحرية والكرامة.

عقلية نظام قيس سعيّد تريد ترسيخ أن تاريخ تونس الجديدة الحقيقي بدأ في 25 يوليو 2021، تاريخ «تصحيح المسار» واستحواذ سعيّد على كل السلطات.

أرسى انقلاب سعيّد نظاما دستوريا وسياسيا جديدا على مقاسه، بالتوازي مع حل كل المؤسسات التي أرسيت لضمان تجربة ديمقراطية كم كانت واعدة رغم عثراتها.

* * *

عاديا مر يوم 14 يناير في تونس، عدا إحياء خجول لبعض القوى السياسية، فلا احتفالات ولا خطب ولا مسيرات في الذكرى 13 للثورة التونسية حين غادر الرئيس الراحل زين العابدين بن علي تونس دون رجعة..

وحتى بعد أن قرر الرئيس قيس سعيّد إلغاء 14 يناير كعيد للثورة وعوّضه بـ 17 ديسمبر، اليوم الذي أشعل فيه محمد البوعزيزي النار في نفسه مما شكّل شرارة الثورة التي عمّت البلاد تدريجيا، فإن ذلك التاريخ البديل لم يشهد هو الآخر أيا من الفعاليات، الرسمية على الأقل، باعتبار أن سعيّد يرى فيه عيد الثورة «الحقيقي» وأن التاريخ الأول الملغى كان تاريخ «الالتفاف عليها».

هذا التغييب لم يكن صدفة فوراءه تكمن عقلية رسمية جديدة لا تريد أي ذكر لتلك الهبّة الجماهيرية الغاضبة ضد الاستبداد والمنادية وقتها بالحرية والكرامة، عقلية تريد أن ترسّخ أن التاريخ الحقيقي لتونس الجديدة إنما بدأ في 25 يوليو/تموز 2021، تاريخ «تصحيح المسار».

بعد أن استحوذ سعيّد على كل السلطات وصولا إلى إرساء نظام دستوري وسياسي جديد على مقاسه، بالتوازي مع حل كل المؤسسات التي أرسيت لضمان تجربة ديمقراطية كم كانت واعدة رغم عثراتها.

لم تقف الأمور عند هذا الحد، بل تشهد تونس حاليا بعد أكثر من عامين ونصف من انقلاب سعيّد على الدستور الذي أقسم على احترامه، وبعد استفتاء ومواعيد انتخابية شهدت أرقاما قياسية في ضعف الإقبال لم تدع الرئيس إلى أي تأمل أو مراجعة، هو قتل السياسة الممنهج والكامل.

فقد جرى على امتداد أشهر ترويع السياسيين واعتقالهم وترويع القضاة والصحافيين ورجال الأعمال والنقابيين بحيث لم يبق في الساحة سوى رجل واحد يفعل ما يريد دون حسيب ولا رقيب.

آخر فصول هذا التمشي ما أعلن مؤخرا من أن النيابة العامة التونسية فتحت تحقيقا قضائيا في حق أكثر من عشرين شخصية، من بينها قيادات سياسية أعلنت منذ أشهر نيتها الترشح للانتخابات الرئاسية، التي يُفترض أن تجري نهاية هذا العام، وكذلك صحافيون ووزراء سابقون.

ويأتي هذا التطور بينما يقبع عدد من القيادات السياسية المعارضة في السجن، من مشارب سياسية مختلفة، في ما يعرف بقضية «تآمر على أمن الدولة» لكن هؤلاء لم يقدّموا بعد إلى المحاكمة، وبعضهم لم يجر حتى التحقيق معهم ومنع الإعلام من الخوض فيها، بل ولوحق بعض المحامين المدافعين عنهم الذين أكّدوا مرارا على أن ملف القضية فارغ تماما بل ومخجل.

ولا يستبعد بعض المراقبين أن كل ما جرى ويجري منذ أشهر لا يعدو أن يكون تجريفا مقصودا للحياة السياسية والإعلامية والنقابية والحقوقية حتى تصبح الساحة مقفرة تماما إلا من شخص الرئيس الذي سيتقدم وقتها للانتخابات الرئاسية، إن جرت طبعا، ولا شيء يكدّر عليه صفو هذه المناسبة التي سيكون فيها بلا منافس، ولا يهم كم ستكون نسبة الإقبال الشعبي ولا كم نسبة الفوز لأن التجربة أظهرت أن قيس سعيّد لا يعبأ بذلك أبدا ويجد له تفسيرا غريبا.

ربما لم يكن الغريب أن يفعل الرئيس التونسي ما فعل، فقد كانت خطته واضحة ومتدرّجة، للقضاء على كل معالم ما تم بناؤه طوال السنوات الماضية والبدء من جديد وفق تصوراته الخاصة، التي لم يشرحها للناس ولو مرة لمرة واحدة ولم يمنحوه هم تفويضا شعبيا للمضي فيها، لكن الغريب هو هذه الهشاشة التي بدا عليها المجتمع وقواه المختلفة، إلا من قلة قليلة.

لقد برهنت تجربة العامين ونصف الماضية أن الكثير من القوى هي فعلا نمور من ورق فلا حركة «النهضة» التي يقبع زعيمها راشد الغنوشي وراء القضبان أثبتت أنها «الحزب الأقوى» في البلاد، ولا «الحزب الحر الدستوري» بتلك القوة التي تصوّرها البعض وزعيمته عبير موسى معتقلة هي الأخرى، ولا «الاتحاد العام التونسي للشغل» بتلك «القوة الأولى في البلاد» كما يردد قادته مفتخرين لا سيما بعد أن قال أمينه العام نورالدين الطبوبي إن «السكوت في بعض الأحيان نضال»(!!)

ولا القضاة الذين تعرّضوا إلى مجزرة حقيقية ظلّوا على صمودهم الأول، ولا المحامون بقوا قلعة مدافعة عن القانون كما كانوا حتى في أحلك سنوات الاستبداد السابقة، ولا الصحافيون الذين صالوا وجالوا بآرائهم الناقدة في السنوات الماضية ظلوا كما هم.

قلة قليلة من كل هذه الفئات ما زالت تصدح برأيها بكل جرأة ولا تخشى أحدا وهي تكاد تكون معروفة وهي جديرة بكل الاحترام.

أما «الشعب الكريم» كما يسمى في تونس، الواضح خيبته من الجميع ومدى الإرهاق الذي يعانيه من غلاء وطوابير يومية طويلة للحصول على الخبز والسكر والقهوة والطحين وغير ذلك، فسلّم أمره لله.

صدق الصحافي والمراسل الحربي الأمريكي الشهير إدوارد مورو (1908 ـ 1965) حين قال «لا أحد بإمكانه أن يُرهب أمة بأكملها إلا إذا كنا جميعا شركاء له».

*محمد كريشان كاتب وإعلامي تونسي

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: تونس هشاشة المجتمع انقلاب سعيد راشد الغنوشي عبير موسي قيس سعيد الاتحاد العام التونسي للشغل سعی د على فی تونس لم یکن على کل

إقرأ أيضاً:

الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربي جاسم بن محمد البديوي خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: نشكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قراره رفع العقوبات عن سوريا وننوه بجهود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في هذا القرار الذي سينعكس إيجا

2025-05-14Zeinaسابق أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: ضرورة تعزيز جهود المجتمع الدولي للحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها ومنع التدخلات الخارجية في شؤونها انظر ايضاًأمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: ضرورة تعزيز جهود المجتمع الدولي للحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها ومنع التدخلات الخارجية في شؤونها

آخر الأخبار 2025-05-14الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربي جاسم بن محمد البديوي خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: نشكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قراره رفع العقوبات عن سوريا وننوه بجهود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في هذا القرار الذي سينعكس إيجاباً على الاستقرار في سوريا 2025-05-14أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: ضرورة تعزيز جهود المجتمع الدولي للحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها ومنع التدخلات الخارجية في شؤونها 2025-05-14وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X) 2025-05-14ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: نشكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قراره رفع العقوبات عن سوريا ونتطلع لمزيد من التعاون 2025-05-14ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: نؤكد دعمنا لوحدة سوريا واستقرارها ونشيد بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عنها 2025-05-14ترامب: قرارنا برفع العقوبات عن سوريا سيمنحها فرصة عظيمة وقوبل بترحيب عالمي 2025-05-14الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: نبحث تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية والتقيت الرئيس أحمد الشرع بعد رفع العقوبات عن سوريا 2025-05-14الدكتور حصرية: رفع العقوبات عن سوريا خطوة بالغة الأهمية لاستعادة الاستقرار الاقتصادي وتعافي البلاد 2025-05-14وزير المالية: رفع العقوبات عن سوريا يسهم بتوفير البيئة المواتية لعودة اللاجئين وتأمين الخدمات لهم 2025-05-14السياحة: رفع العقوبات عن سوريا يدعم ‏عودة الاستثمار السياحي إليها

صور من سورية منوعات اكتشاف آلية غير متوقعة وراء تلف القلب بعد النوبات 2025-05-09 تطبيق موبايل يوصل صوت الصم للحصول على خدمات الإسعاف 2025-04-27فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة