تتواصل الاشتباكات بين مقاتلي الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، في محاور التوغل بقطاع غزة، وسط إحباط إسرائيلي من عودة العمليات واحتدامها شمال القطاع.

وقالت الفصائل في بيانات منفصلة، إنها نفذت عمليات استهداف لجنود وآليات عسكرية إسرائيلية، أوقعت "إصابات وقتلى في صفوف الجنود".

وتتزامن هذه المعارك مع قصف إسرائيلي جوي ومدفعي عنيف في مناطق مختلفة من قطاع غزة خلف قتلى وجرحى بين المدنيين.



ويتواصل انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت عن معظم محافظات قطاع غزة، في أطول فترة انقطاع منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وفي وقت سابق الخميس، أعرب وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه يعلون عن شعوره "بالإحباط" حيال استعادة حركة "حماس" السيطرة على شمال القطاع وذلك بعد أيام من إعلان الجيش انتهاء عملياته البرية في الشمال.




والاثنين، أعلن وزير الدفاع يوآف غالانت انتهاء العمليات البرية شمال غزة، حيث تم رصد إطلاق صواريخ من هناك في الأيام الأخيرة.

فيما أعلن الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، عن عثوره على "100 منصة لإطلاق قذائف صاروخية في بيت لاهيا شمال القطاع".

المنطقة الشمالية

وأعاد جيش الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء، توغله في عدد من المناطق بمحافظتي غزة والشمال بعد عودة لافتة للعمليات العسكرية هناك.

مع هذه العودة، تندلع اشتباكات منذ ساعات الصباح بين المقاتلين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي في محاور التوغل بمحافظة الشمال وخاصة شرق بلدة جباليا.

وقالت "كتائب القسام"، الجناح المسلح لحركة "حماس"، في بيان، إن مقاتليها "اشتبكوا مع قوة صهيونية راجلة من 12 جنديا وأجهزوا على 4 منهم قرب المقبرة الشرقية، شرق جباليا".

وأضافت في بيان آخر أن مقاتليها تمكنوا من "استهداف قوة صهيونية خاصة تحصنت في عمارة سكنية بقذيفة TBG مضادة للتحصينات وأوقعوها بين قتيل وجريح شرق جباليا شمال قطاع غزة".

كما أعلنت استهداف "دبابة ميركافا، وتفجير ناقلة جند صهيونية بقذيفتي الياسين 105 قرب المقبرة الشرقية".

أما "سرايا القدس" الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، فقالت في بيان، إن مقاتليها "خاضوا اشتباكات ضارية بالأسلحة الرشاشة ضد جنود وآليات العدو الصهيوني في محاور التقدم شرق جباليا".

وفي السياق، شهدت مدينة غزة اشتباكات بين الطرفين، وقالت "كتائب القسام" في بيان إن مقاتليها "استهدفوا ناقلة جند شرق التفاح شرق مدينة غزة بقذيفة الياسين 105".

وأضافت: "كما اشتبكوا مع جنود تجمعوا حول تلك الناقلة وتم إيقاعهم بين قتيل وجريح".

الوسطى والجنوب

وفي المنطقة الوسطى، تتواصل الاشتباكات خاصة في محاور التوغل بمخيمي البريج والمغازي.

وقال المراسل إن اشتباكات دارت "شمال شرق مخيم البريج وسط القطاع"، حيث نشرت "كتائب القسام"، مشاهدا لاستهداف "دبابة ميركافا شرق البريج".

وفي بيان لها، قالت "سرايا القدس" إنها "تمكنت مع كتائب القسام، من تدمير جرافة بعبوة مضادة للدروع في المغازي".

وأضافت في بيان آخر، إنها "قصفت تجمعا لجنود العدو شرق البريج، وقصفت بقذائف الهاون تجمعا للجنود جنوب المخيم".

فيما زعم الجيش الإسرائيلي في بيان، أنه "دمر موقعا رئيسيا تابعا لصناعة الإنتاج (العسكري) لدى حماس، وعثر على مصانع وشبكة أنفاق استخدمت لصناعة الوسائل القتالية والقذائف الصاروخية في المغازي".

تزامن ذلك مع قصف مدفعي وجوي عنيف استهدف عدة مواقع في المغازي والبريج.

وفي مدينة خان يونس جنوب القطاع، تتواصل الاشتباكات الموسعة وسط محاولة الجيش التقدم لعمق المدينة من المحاور الجنوبية والشمالية.

وقالت "القسام" في بيان إن مقاتليها استهدفوا "قوة صهيونية متمركزة في منزل شرق مدينة خان يونس بقذيفة TBG وأوقعوا 5 من أفرادها".



وأضافت في بيان آخر إن مقاتليها فجروا منزلا "في قوة صهيونية راجلة مكونة من 30 جنديا في بني سهيلا شرق المدينة، ما أوقعهم بين قتيل وجريح".

وأوضحت في بيانين، أنها "استهدفت جرافتين بعبوتين مضادتين للدروع، وناقلة جند ودبابتي ميركافا بقذائف الياسين 105 في خان يونس".

بدورها، قالت "سرايا القدس"، إن مقاتليها خاضوا "اشتباكات ضارية مع قوات العدو الصهيوني بالأسلحة الرشاشة والقذائف المضادة للدروع في محاور التقدم وسط وشرق وجنوب مدينة خان يونس".

نتنياهو: الحرب مستمرة

من جانبه، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إنّ الحرب في قطاع غزة، ستستغرق شهورًا أخرى.

وأشار نتنياهو، في مؤتمر صحفي، إلى تخصيص ميزانية حرب ضخمة، "تسمح للجيش والقوات الأمنية بتحقيق أهداف الحرب، وذلك سيستغرق أشهرا عديدة أخرى، لكننا مصممون على تحقيقه".

وتابع حديثه: "خلافا لما يقال في وسائل الإعلام، فإن الحرب مستمرة في كل الجبهات، وستستمر الحرب في كل الجبهات، حتى تتحقق كل الأهداف التي وضعناها".

وأضاف "إنهاء الحرب قبل تحقيق أهدافنا سيضر بأمن إسرائيل لأجيال عديدة".

وتأتي تصريحات نتنياهو، في وقت يدور فيه الحديث عن حالة "إحباط" تعيشها إسرائيل من عودة العمليات واحتدامها شمال قطاع غزة، وذلك بعد أيام من إعلان الجيش انتهاء عملياته البرية في الشمال.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، إن "النصر الكامل في قطاع غزة، يتطلب القضاء على قادة حماس، وتدمير القدرات العسكرية والحكومية لها، بالإضافة إلى عودة الأسرى وأن تكون غزة منزوعة السلاح، وتحت السيطرة الأمنية الكاملة لإسرائيل، وسيطرة إسرائيلية على كل ما يدخل إلى غزة".

وتابع: "هذه أيضًا هي الشروط الأساسية لـ "اليوم التالي لما بعد الحرب".

خلاف أمريكي إسرائيلي

وظهرت إلى العلن مجددا الخميس الخلافات العميقة في الرأي بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن فترة ما بعد الحرب في قطاع غزة واحتمالية قيام دولة فلسطينية، الضامن الوحيد لأمن إسرائيل في نظر واشنطن على المدى الطويل.

وعندما سئل عن تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي "واضح أننا نرى الأمور بشكل مختلف".

وكان نتنياهو قال إنه "يجب أن تكون لإسرائيل سيطرة أمنية على كامل الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن. هذا شرط ضروري يتناقض مع فكرة السيادة الفلسطينية"، موضحا أنه قال ذلك مباشرة للأميركيين.

وأضاف نتانياهو "رئيس الوزراء الإسرائيلي يجب أن يكون قادرا على قول لا، حتى لأفضل أصدقائنا، أن يقول لا عندما يكون ذلك ضروريا، وأن يقول نعم إذا كان ذلك ممكنا".

وهذه الخلافات بين واشنطن وإسرائيل ليست جديدة، لكنها تظهر إلى العلن مجددا في وقت تمارس الولايات المتحدة ضغوطا كبيرة على حليفتها في ما يتعلق بسير الحرب في غزة ومرحلة ما بعد هذه الحرب التي أثارها هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر.

وكرر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأربعاء في منتدى دافوس الاقتصادي، دعوته إلى إيجاد "طريق نحو دولة فلسطينية"، معتبرا أنه "من دون ذلك سيكون مستحيلا الحصول على أمن حقيقي".

وخلال زيارته الشرق الأوسط الأسبوع الماضي، أبلغ بلينكن السلطات الإسرائيلية بأن دولا عربية، بينها السعودية، أبدت "التزامها" المساعدة خصوصا في إعادة إعمار غزة شرط أن ترسم إسرائيل طريقا ملموسا نحو إقامة دولة فلسطينية.

كما تحض واشنطن إسرائيل على مساعدة السلطة الفلسطينية بدلا من إعاقتها، وهي سلطة لا يمكنها العمل بفاعلية من دون هذا "الدعم"، وفق بلينكن.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر إن "لدى إسرائيل فرصة تاريخية للتصدي للتحديات التي واجهتها منذ تأسيسها، ونأمل في أن تغتنم البلاد هذه الفرصة"، مشيرا إلى أن "إسرائيل ستواجه خيارات صعبة جدا في الأشهر المقبلة".

وفي هذا السياق المتوتر، لم يحصل أي تبادل مباشر بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي منذ أسابيع عدة.

انتهاك القانون

واعتبرت خبيرة حقوقية تابعة للأمم المتحدة الخميس أن إسرائيل "انتهكت" القانون الدولي بقصفها "العنيف" لغزة الذي أدى إلى تسوية أحياء بالأرض وقتل آلاف الفلسطينيين.

وتأتي تصريحات فرانشيسكا ألبانيز، المحامية الإيطالية والمقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما تواجه إسرائيل تهمة ارتكاب إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية.

وقالت ألبانيز في مؤتمر صحافي في مدريد "لقد قامت إسرائيل بعدد من الأشياء غير القانونية إلى حد كبير".

وأضافت أنه بينما يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها، يجب احترام القانون الإنساني الدولي "لحماية الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال والمدنيين وأسرى الحرب والمرضى والجرحى".

وأوضحت ألبانيز أن هذا يعني التمييز بين المقاتلين والمدنيين وضمان أن تكون الهجمات العسكرية متناسبة لتجنب إلحاق الأذى المفرط بالمدنيين.

ولفتت إلى أنه "بدلا من ذلك، ما حدث هو أكثر من 100 يوم من القصف العنيف (...) في الأسبوعين الأولين تم استخدام 6 آلاف قنبلة في الأسبوع، قنابل تزن الواحدة منها ألفي باوند، في مناطق مكتظة جدا".

أضافت "تم تعطيل معظم المستشفيات. وعدد كبير منها، المستشفيات الرئيسية، جرى إغلاقها أو قصفها أو الاستيلاء عليها من قبل الجيش. الناس يموتون الآن ليس فقط بسبب القنابل ولكن بسبب عدم وجود بنية تحتية صحية كافية لعلاج جراحهم".

وتابعت "عدد الأطفال الذين يتم بتر أطراف لهم كل يوم أمر صادم، طرف أو طرفان. خلال الشهرين الأولين من هذه (الحرب) تم بتر  أطراف لألف طفل دون تخدير. إنه أمر مروع".

واندلعت الحرب التي دمرت القطاع الفلسطيني وشردت أكثر من 80% من سكانه، إثر شنّ حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر أسفر عن مقتل 1140 شخصا، معظمهم من المدنيين، بحسب تعداد لوكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية.

كما احتُجز خلال الهجوم نحو 250 شخصا رهائن ونقلوا إلى غزة، وتم إطلاق سراح حوالى 100 منهم خلال هدنة في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر. ووفق إسرائيل، لا يزال 132 منهم في غزة، ويُعتقد أن 27 منهم لقوا حتفهم.

وردا على هجوم حماس، تعهدت إسرائيل القضاء على الحركة التي تحكم غزة منذ عام 2007. ووفق وزارة الصحة التابعة لحماس، قُتل حتى الآن في الغارات الإسرائيلية 24620 شخصا، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال.

والمقررون الخاصون ليسوا موظفين لدى الأمم المتحدة، بل هم خبراء مستقلون تسميهم لجنة حقوق إنسان أممية.

وقالت ألبانيز إنها "تدين بشدة" أعمال العنف التي ترتكبها حماس وترقى إلى مستوى جرائم حرب وربما أيضا جرائم ضد الإنسانية، لكن "لا شيء يبرر ما تفعله إسرائيل".

ورفعت جنوب إفريقيا قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية الأسبوع الماضي، لكن الدولة العبرية واجهتها بشراسة بدعم من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين.

وشددت إسرائيل على أن ردها العسكري كان دفاعا عن النفس في وجه وحشية هجمات حماس.

كتاب وشعراء وفنانون

وقالت وزارة الثقافة الفلسطينية إن 41 فنانا وكاتبا وناشطا ثقافيا استشهدوا في الحرب على قطاع غزة، وذلك في أحدث تقرير عن خسائر قطاع الثقافة الفلسطيني بسبب الحرب التي بدأت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ‏.

وأضافت الوزارة في تقريرها "خسرت الثقافة العربية في فلسطين قامات أدبية وفنية كبيرة خلال هذه الحرب"، مشيرة إلى أن هؤلاء الكتاب والفنانين كان لهم "دور كبير في رفعة وتعزيز الثقافة الوطنية وحضور فلسطين في المحافل الأدبية والفنية".

وقال عاطف أبو سيف وزير الثقافة في ذات التقرير إن المشهد الثقافي في القطاع "تعرض لاعتداءات متعددة ومركبة النتائج".

وأضاف "الحرب التي يشنها الاحتلال على شعبنا تطال البشر والحجر والشجر والمكان والزمان بماضيه وحاضره ومستقبله في محاولة بائسة لطمس الهوية الوطنية ومحو الذاكرة الجمعية لشعبنا وتدمير كل شواهد وجوده وارتباطه بالأرض".

وقالت الوزارة إن "عشرات المؤسسات والمسارح والمكتبات ودور النشر والمتاحف والمباني التاريخية والمقدسات والقطع الفنية والتراثية خاصة الأثواب القديمة" تعرضت للتدمير خلال الحرب.

وجاء في التقرير أن الجيش الإسرائيلي يستهدف المباني التاريخية والمواقع التراثية والمتاحف والمساجد والكنائس التاريخية.

وأضاف التقرير أن هذه الحرب تستهدف "المؤسسات الثقافية من مراكز ومسارح ودور نشر ومكتبات... واغتيال الشعراء والكتاب والفنانين والمؤرخين".

ويقدر التقرير "العدد الأولي للبيوت والمباني التاريخية والأثرية التي تضررت بشكل جزئي أو كامل جراء القصف بمئة وخمسة وتسعين تتوزع بين البيوت والقالع والقصور... في أحياء الدرج والزيتون والشجاعية".

وأشار إلى تلف وفقد أثواب تاريخية تعود لما قبل النكبة، وهو المصطلح الذي يطلقه الفلسطينيون على يوم إعلان قيام دولة إسرائيل.

وتظهر لقطات مصورة حجم الدمار الكبير الذي لحق بالمباني المختلفة في قطاع غزة.

ويقدم التقرير صورا فوتوغرافية لعدد من هذه المواقع والبيوت كيف كانت قبل القصف وكيف أصبحت بعده، كما يقدم صورة ونبذة عن عدد من العلماء والفنانين والموسيقيين والممثلين والكتاب والشعراء الذين قتلوا خلال هذه الحرب.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية غزة حماس الاحتلال امريكا احتلال حماس غزة طوفان الاقصي المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رئیس الوزراء الإسرائیلی الجیش الإسرائیلی کتائب القسام تشرین الأول قوة صهیونیة فی قطاع غزة الحرب التی هذه الحرب فی محاور الحرب فی خان یونس

إقرأ أيضاً:

"عربات جدعون": هل يمكن لخطة إسرائيل لاحتلال قطاع غزة أن تقضي على حركة حماس؟

قراءة تحليلية لدراسة نُشرت في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. اعلان

مع تصاعد الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، تبلورت "خطة عربات جدعون" بوصفها محور الاستراتيجية الإسرائيلية للمرحلة المقبلة. وقدّمت تل أبيب هذه الخطة باعتبارها مشروعاً حاسماً لتفكيك البنية العسكرية والإدارية لحركة "حماس"، وفرض معادلة أمنية وسياسية جديدة في القطاع. غير أنّ الخطة، رغم ما تنطوي عليه من أدوات ضغط وتفوّق ناري، تُثير جدلاً واسعاً حول أهدافها الحقيقية، واحتمالات فشلها، بل وإمكانية أن تتحوّل إلى مدخل لتعزيز مكانة "حماس" بدلاً من إزاحتها.

في هذا السياق، تطرح نعومي نيومان، الزميلة الزائرة في معهد واشنطن والمختصة في الشؤون الفلسطينية، تحليلاً معمقاً يشكك في نجاعة الخطة ويعرض حدودها النظرية والتطبيقية، مستندة إلى خبرتها في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) ووزارة الخارجية، فضلاً عن دراستها الأكاديمية الجارية في جامعة تل أبيب.

مضمون الخطة: تفكيك "حماس" أم إعادة إنتاج السيطرة الإسرائيلية؟

في 6 أيار/مايو، صادق مجلس الأمن القومي الإسرائيلي على خطة "عربات جدعون"، محدداً ثلاثة أهداف محورية: القضاء على "حماس"، تحرير الرهائن، وترسيخ وجود عسكري دائم في غزة. هذه الأهداف، وإن ظهرت متكاملة، تعكس في واقع الأمر إشكالية بنيوية في الرؤية الإسرائيلية لمستقبل القطاع، لا سيما في ظل غياب أي تصور متماسك لما بعد الحرب، سواء على الصعيد المحلي أو بالشراكة مع الولايات المتحدة.

Relatedشاهد لحظة سقوط صاروخ إسرائيلي على مبنى في جباليا شمال غزةأطفال غزة يدفعون ثمن الحرب الأكثر دموية في العصر الحديثعلى وقع الحرب في غزة.. احتجاجات في بازل تدعو لطرد إسرائيل من مسابقة الأغنية الأوروبية

تتضمن الخطة ثلاث مراحل تنفيذية متسلسلة:

- مرحلة التمهيد والتفكيك الممنهج: استهداف البنى العسكرية والمؤسساتية التابعة لـ"حماس".

- مرحلةإعادة التمركز السكاني: نقل المدنيين إلى مناطق "منزوعة السلاح"جنوب القطاع، وعزل مقاتلي الحركة.

- مرحلة الاجتياح البري: دخول القوات الإسرائيلية إلى مناطق مصنّفة "مطهّرة" للسيطرة عليها وتعزيز احتلالها لتلك المناطق.

لكن هذه المراحل، كما تُبيّن نيومان، مصممة بمرونة تكتيكية تسمح لإسرائيل بتعديل المسار أو إيقاف العملية إذا لاحت في الأفق فرص تفاوضية جزئية مع "حماس"، وخصوصاً حول ملف الرهائن.

التوازن الأميركي: بين دعم إسرائيل ومخاوف من التصعيد

زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة أضافت بُعداً معقداً للمعادلة. فعلى الرغم من التماهي الظاهري بين تل أبيب وواشنطن، فإن الولايات المتحدة تتحرك على مسار موازٍ من خلال قنوات خلفية مع "حماس"، ساعيةً للإفراج عن الرهائن وبلورة تسوية تؤدي إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد.

يطرح هذا التباين تساؤلات حساسة: إلى أي مدى تستطيع إسرائيل الاستمرار في تنفيذ الخطة من دون غطاء سياسي من واشنطن؟ وهل الإدارة الأمريكية مستعدة لتقبّل إقصاء "حماس" كلياً من أي ترتيبات مستقبلية في غزة؟

آليات الضغط الإسرائيلي

تستند الخطة إلى خمس أدوات ضغط رئيسية:

- فرض الوجود العسكري في مناطق حساسة مثل الممرات المركزية.

- فصل المدنيين عن البنى التابعة لـ"حماس".

اعلان

- التحكم بالمساعدات الإنسانية لحرمان الحركة من استخدامها كورقة نفوذ.

- تفكيك القيادة الميدانية من خلال عمليات استهداف دقيقة.

- الحرب النفسية لترسيخ شعور الانهيار لدى السكان والمقاتلين.

لكن هذه الأدوات، كما توضح الدراسة، قد تؤدي إلى نتائج عكسية؛ فبدل من تقويض "حماس"، فإنها قد تُسهم في تعزيز موقعها الرمزي والسياسي كحركة مقاومة، في ظل "استمرار الاحتلال "وغياب البدائل الوطنية الفاعلة.

اعلانRelatedنتنياهو يبحث مستقبل وفد التفاوض في الدوحة وحماس تحذّر من نكث التفاهمات مع واشنطننتنياهو يُهاجم ماكرون ويتهمه بالانحياز إلى حركة حماسنتنياهو عن تهجير سكان غزة: 50% من سكان القطاع سيغادرون والعقبة الوحيدة عدم وجود دول تستقبلهم"حماس": ما بين التآكل المؤسسي والصعود الميداني

رغم الضربات الإسرائيلية المكثفة، لا تزال "حماس" تُظهر قدرة لافتة على التكيف. فقد تمكنت، وفق الاستخبارات الأمريكية، من تجنيد نحو 15 ألف عنصر جديد منذ بداية الحرب، واستمرت في إدارة الخدمات المدنية، بالتنسيق مع مؤسسات الإغاثة. كما أن تراجع قدراتها التقليدية لم يُنهِ قدرتها على تنفيذ عمليات نوعية، بما في ذلك زرع العبوات الناسفة، واستهداف الآليات، وشن هجمات قنص.

ويبدو أن "استمرار الاحتلال"، بما يحمله من معاناة وتدمير، يعيد إنتاج سردية "المقاومة" في وجدان الشارع الفلسطيني، ما يمنح "حماس" زخماً شعبياً قد يُصعّب إزاحتها على المدى الطويل.

هل هناك أفق لاتفاق؟

تطمح إسرائيل إلى "شطب حماس" كطرف سياسي وعسكري، غير أن ذلك يبدو أقرب إلى الأمنيات الاستراتيجية منه إلى الوقائع. فـ"حماس" تُدرك أنها ليست في موقع يسمح لها بالاستسلام، كما أن منطقها الأيديولوجي يستند إلى رفض الاعتراف بـ"العدو الصهيوني" أو الدخول في تسويات مفرّغة.

اعلان

ومع ذلك، قد تبدي الحركة مرونة تكتيكية، تقبل بموجبها بوقف إطلاق نار مقابل ترتيبات إنسانية أو تبادل أسرى، شرط وجود ضمانات دولية بانسحاب تدريجي لإسرائيل، وتشكيل سلطة مدنية تتقاسم فيها "حماس" النفوذ، وإن من خلف الستار.

معارضة دولية وتحديات لوجستية

منظمة الأمم المتحدة رفضت المشاركة في تنفيذ الخطة، واعتبرتها خرقاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني. كما أن دولاً عربية كالإمارات نأت بنفسها عن المشروع، ورفضت المشاركة في توزيع المساعدات، ما يُضعف من شرعية الجهد الإنساني الموازي، ويمنح "حماس" فرصة لمهاجمة الخطة باعتبارها "غطاء للاحتلال".

من الناحية العملية، تواجه الخطة تحديات لوجستية حقيقية:

كيف سيتم توزيع المساعدات في ظل العمليات العسكرية المستمرة؟

اعلان

هل تستطيع القوات الإسرائيلية، رغم التحفظات الداخلية، تولي هذه المهمة؟

وهل المراكز اللوجستية التي تقترحها الخطة -أربعة في رفح ونتساريم- قادرة فعلاً علىتلبية حاجات السكان؟ 

الاحتمالات المقبلة: نهاية "حماس" أم إعادة صياغتها؟

إذا تم تنفيذ الخطة بالكامل، فقد تتمكن إسرائيل من تقليص القدرات العسكرية لـ"حماس"، وزعزعة سلطتها الإدارية. إلا أن هذا لا يضمن نهاية الحركة، بل ربما يُدفع بها إلى تبنّي تكتيكات أكثر عنفاً، وتحويل القطاع إلى ساحة استنزاف طويلة الأمد.

اعلان

وفي المقابل، إذا رضخت إسرائيل للضغوط الدولية وخفّضت سقف أهدافها، فقد تجد نفسها أمام "حماس" ضعيفة تنظيمياً لكنها أعمق رسوخاً سياسياً، وربما جزءاً من هندسة ما بعد الحرب.

تكشف خطة "عربات جدعون" عن ذهنية صلبة تؤمن بإمكانية الحسم العسكري، لكنها تتجاهل حقيقة أن التوازنات السياسية والاجتماعية في غزة لا يُعاد تشكيلها بالقوة وحدها. ففي الوقت الذي تُسقط فيه إسرائيل المباني، تُبقي على فراغ سياسي يُهيئ لعودة "حماس" بشكل أكثر تعقيداً.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • حصيلة القصف الإسرائيلي على غزة الليلة ترتفع إلى 81 شهيدًا فلسطينيًا
  • القمة العربية تطالب بزيادة الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف الحرب في غزة
  • "عربات جدعون": هل يمكن لخطة إسرائيل لاحتلال قطاع غزة أن تقضي على حركة حماس؟
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يشن عدوانا جديدا على شمال قطاع غزة
  • إحباط إسرائيلي.. نموذج الحكم العسكري في غزة عبثي وبدون رؤية لأنه مكلف ومرهق
  • إسرائيل تعلن تكثيف الهجوم على غزة.. بـ"عربات جدعون"
  • غزة.. 136 قتيلا جراء القصف الإسرائيلي على مناطق بالقطاع
  • استشهاد 6 فلسطينيين في قصف إسرائيلي شمالي قطاع غزة
  • شاهد لحظة سقوط صاروخ إسرائيلي على مبنى في جباليا شمال غزة
  • عشرات الشهداء في قطاع غزة: “مجازر كأنها أيام الحرب الأولى”