دافوس: الاقتصاد العالمي لن يستعيد وضعه الطبيعي في 2024
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
اتفقت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، وأقرانها على أن احتمالات تراجع معدل التضخم، وحدوث انتعاش للتجارة العالمية يشجع المستثمرين نوعاً ما رغم ظروف الحرب والنهج الشعبوي.
قالت "لاغارد" أمام الحضور في المنتجع السويسري: "الوضع الطبيعي، هذا ما بدأنا نشاهده".
وأضافت موضحة: "لكن لا يعني ذلك أننا على وشك العودة للحالة الاعتيادية التي كنا نعرفها".
ويمر العالم بحالة من التوازن غير المستقر وسط ظروف اقتصادية أكثر اعتدالاً طغت عليها مجموعة مخاطر جيوسياسية، حسب الجلسة النهائية لمنتدى دافوس 2024.
وتم تكليف الجلسة المكونة من 6 أعضاء بتلخيص المزاج السائد في منتدى دافوس بعد مضي أسبوع من النقاشات، إذ يميل المشاركون إلى تبني توقعات عالمية شجاعة، ما يبرز احتمالية تفادي الوقوع في ركود حاد على الأرجح رغم تشديد السياسية النقدية بطريقة غير مسبوقة للسيطرة على معدلات التضخم.
وقوضت المخاوف الجيوسياسية هذا التفاؤل في بعض الأحيان، إذ تلوح في الأفق حروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، وتوترات أزمة البحر الأحمر أيضاً. كما استقبل العديد من الحاضرين بقلق فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بولاية آيوا الإثنين الماضي، ما وضعه على طريق ترشيحه للانتخابات الرئاسية المقبلة عن الحزب الجمهوري.
من جانبها، أعربت المديرة العام لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو إيوالا، عن أسفها، قائلة إنه "توجد شكوك كثيرة، بالطبع، حول كل الانتخابات التي نراها عبر كافة أنحاء العالم وما قد تتمخض عنه".
اقرأ أيضاً
هجمات الحوثيين البحرية.. أزمة طريق السويس الجديدة تهدد الاقتصاد العالمي
واتفقت مع وجهة نظر لاغارد حول أن العالم "ربما يتجه نحو استعادة وضعه الطبيعي"، لكن تلك العملية، في نفس الوقت بالتأكيد، "ليست الطبيعية كما كنا نعلمها".
تم الاستدلال بصوة متكررة باحتمال فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية للمرة الثانية خلال حلقة نقاشية ترأستها فرانسين لاكوا من تلفزيون "بلومبرج".
واتخذت لاغارد موقفاً متفائلاً، قائلة إن "أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم"، وحثت على الضغط من أجل تدعيم أوروبا بواسطة تأسيس "سوق موحدة حقيقية"، فيما كان وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر أكثر تحفظاً.
وتابع: "نتكلم كثيراً عن دونالد ترمب في أوروبا، إلا أن القيام بواجبنا يمثل الطريقة الأفضل للإعداد لفوزه بولاية ثانية محتملة، وهذا يتضمن قدراتنا على الدفاع عن أنفسنا".
وبالنسبة لديفيد روبنشتاين، المؤسس المشارك والرئيس المشارك لشركة "كارلايل غروب"، فإن الحقيقة هي أنه بصرف النظر عن الفائز في الانتخابات المقررة نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فإن الولايات المتحدة تواجه ركوداً سياسياً، في ظل كل المخاطر التي تنطوي عليها بقية دول العالم.
وأضاف روبنشتاين: "جميع ما يصدر عن كل مرشح تقريباً ربما لن يكون صحيحاً فيما يتعلق بما سيجري مستقبلاً، لأنهم ربما لن يتمكنوا من الوفاء بما يزعمون أنهم سيقومون به".
وجاءت الظروف المالية في الولايات المتحدة من بين المخاوف التي كثيراً ما جرى التعبير عنها خلال أسبوع الفعاليات.
اقرأ أيضاً
3 سيناريوهات للحرب بين إسرائيل وحماس.. بلومبرج تتوقع الآثار الاقتصادية العالمية لكل واحد
وربما ألمح رئيس سنغافورة ثارمان شانموغاراتنام، إلى ذلك عندما صرح بأن "أهم مجالات السياسات الاقتصادية العامة وأكثرها تجاهلاً هو الإصلاح المالي".
وذكر روبنشتاين تحديداً الصعوبات التي تواجه الولايات المتحدة.
وأضاف: "إذا لم نحل هذا الأمر، فسيحدث أمر ما للدولار الأمريكي.. وإذا لم تتمكن الولايات المتحدة من تحسين عملية تنظيم تصرفاتها المالية، في مرحلة ما، سيفعل الناس ما فعلوه بالجنيه الإسترليني البريطاني والغيلدر الهولندي منذ أعوام".
في وقت سابق من أسبوع المنتدى، وصف المدير المالي لبنك "دويتشه بنك" جيمس فون مولتكه، الوضع بأنه لحظة "مذهلة له" بسبب دهشته من صمود الاقتصادات والأسواق المالية.
بينما كان الأستاذ بجامعة "هارفارد" كين روغوف، قلقاً من أن "الوضع الجيوسياسي لم أشاهد له مثيلاً على مدى حياتي المهنية".
واختار ليندنر أن يأخذ الاتجاه الأكثر إيجابية، ووصف بلاده بأنها تعاني من بعض المتاعب على عكس تشبيهها بـ"الرجل المريض" التي ارتبط بوصفها من جديد في الآونة الأخيرة.
وكان أيضاً أكثر تفاؤلاً بشأن الاقتصاد العالمي، حين قال إنه "وضع طبيعي جديد ينبغي لنا أن نكون جاهزين له.. لقد منحتني 2023 الأمل".
اقرأ أيضاً
تبسيط الاقتصاد العالمي المُعقد
المصدر | بلومبرجالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الاقتصاد العالمي ركود التضخم ترامب أزمة اقتصادية الاقتصاد العالمی الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
شرط الحرية وجماهير مصر الثائرة.. والصامتة أيضا
وصل المناضل اللبناني جورج عبد الله إلى مطار رفيق الحريري في بيروت، يوم 25 تموز/ يوليو، وبينما كان يحدّث ويحمّس الجماهير حول استمرارية المقاومة ضد إسرائيل، ذكر مصر، فلم يتكلم عن النظام المصري، فهو ربما لا يعرف عنه الكثير بسبب سجنه، بل تكلم إلى من يرى نفسه جزءا منهم، عن الجماهير، الجماهير المصرية التي ربط شرط الحرية لنا جميعا بتحرّكها ونزولها إلى الشوارع.
الجماهير المصرية تحديدا لها تأثير بالغ وعميق في وجدان الشعوب العربية كافة، ولا سيما أهل غزة، إذ لا يمضي يوم إلا وأرى فيه منشورا كتبه ابن لمدينة غزة المُدمّرة، وهو يتحدث بأن خذلان العرب، بالنسبة له، كلّه في كفّة وخذلان المصريين وحده في أُخرى. إن أهل غزة والمصريين بينهم ترابط تاريخي، نسبَي وثقافي، ومهما حاولت سرديات ما بعد كامب ديفيد فصلها أو محوها لن تنجح كلية، ربما نجحت نسبيا، لكن سرعان ما يأتي حدث عنيف، مثل الإبادة، ليذكّرنا نحن المصريين بأن غزة وشعبها جزء منَّا، ونحن منه أيضا.
لكن، لماذا تخلّينا عن هذا الجزء؟ ليس صحيحا أن الشعب المصري تخلّى عن أهل غزة، كذلك ليس صحيحا أنه تحرك بشكل كاف من أجلها، إذ وقف في المنتصف، ثار ولم يثُر، حاول ولم يحاول بشكل كاف، لأن محاولاته كانت ضعيفة مقارنة بحجم الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة، وكذلك بحجم القمع الذي فرضه النظام المصري بقيادة السيسي.
ليس صحيحا أن الشعب المصري تخلّى عن أهل غزة، كذلك ليس صحيحا أنه تحرك بشكل كاف من أجلها، إذ وقف في المنتصف، ثار ولم يثُر، حاول ولم يحاول بشكل كاف، لأن محاولاته كانت ضعيفة مقارنة بحجم الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة، وكذلك بحجم القمع الذي فرضه النظام المصري بقيادة السيسي
هذه المحاولات كانت من خلال مظاهرات جماعية بالآلاف كما حدث يوم 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أي بعد أقل من أسبوعين من بدء الإبادة، فانتفض الآلاف من المصريين واقتحموا ميدان التحرير رغما عن القوى الأمنية، واستمر الهتاف لساعات. لكن سرعان ما تجمّعت قوات الأمن وفُضت المظاهرة بالقوة، واعتُقل العشرات. من بعد هذا اليوم، بدأت حملة مسعورة لاعتقال المئات من المصريين بسبب دعمهم لفلسطين بشكل حركي لا كلامي على منصات التواصل فحسب، وهم سجناء إلى الآن. اعتقل الطلاب من الجامعات، والرجال والنساء من البيوت بسبب جمعهم تبرعات لأهل غزة، وأيضا من الشوارع بسبب صرخاتهم فرادى من أجل غزة، وكذلك من قاموا بعمليات مسلحة ضد إسرائيليين في مصر طاردتهم قوات الأمن، كما اعتقلت كل من يشتبه بمعرفتهم.
كل هذه المحاولات لم تكن كافية للضغط على النظام -الذي يملك قوة أمنية كبيرة- لوقف تواطئه وتنسيقه مع إسرائيل والضغط عليها لوقف الإبادة وإدخال المساعدات، وأخذ مواقف سياسية ودبلوماسية أكثر صلابة. لكن من المهم معرفة ما هو التشخيص الموضوعي الذي جعل هذه المحاولات ضعيفة وغير كافية!
بإيجاز، توجد أسباب متباينة ومتداخلة للإجابة، أولها، أن الشعب المصري منذ عام 2011 حتى 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قد مورس عليه عنف لم يشهده من قبل في تاريخه الحديث. آلاف القتلى في الشوارع بدءا من ثورة يناير مرورا بأحداث ثورية عنيفة جدا مثل أحداث محمد محمود (تشرين الثاني/ نوفمبر 2011) واستاد بورسعيد (شباط/ فبراير 2012) وفض اعتصامي رابعة والنهضة (آب/ أغسطس 2013)، هذا بجانب التصفيات الجسدية والقتل تحت التعذيب في مقرات الاحتجاز والسجون، فالمصريون منذ كانون الثاني/ يناير 2011 وصولا إلى عام 2016، لم يتركوا الشوارع، وكانوا في ثورة وقمع دائمين.
نتج عن هذا العنف آلاف القتلى ومئات المختفين قسريا، فضلا عن مئات الآلاف من المعتقلين، إذ منذ تموز/ يوليو 2013، دخل وخرج مئات الآلاف من المواطنين السجون بتهم سياسية، واستقر منهم بشكل كبير قرابة 40 ألف سجين سياسي، وعشرات الآلاف من "المنفيين"، فمصر تحتل المراتب الأولى في مؤشرات القمع العالمي، هذا فضلا عن تمثلات أُخرى من القمع عبر المراقبة والمتابعة الدائمة لأجساد المواطنين.
هذا العنف، بجانب الإفقار المعيشي، تسبب في إنهاك المصريين بشكل كبير، جعلهم في حالة موات مشاعري تجاه أنفسهم، وتجاه أي حدث، فضلا عن غياب أي تنظيمات سياسية أو اجتماعية، ما تسببَّ في نفي أي تحرك جماعي كبير سواء من أجل مطالبات داخلية أو خارجية مثل وقف الحرب على غزة. ومع هذا، دائما ما وُجدت صرخات ثورية فردية، في دلالة على تغيير الحالة الثورية المصرية من الجماعية إلى الفردية، فتجد شابا أو امرأة تصرخ وحدها في الشارع من أجل فلسطين، والناس يرونها، لكنهم لا ينضمون إليها، مع حاجتهم الشديدة للصراخ مثلها، لكنهم لا يستطيعون بعد كل هذا الإنهاك أن يصرخوا، لمعرفتهم اليقينية بأن أجسادهم ستُقتل بشكل مباشر أو حتى ستقتل ببطء، حين تدخل في ظلامات السجون لسنوات طويلة، وسينساها الناس، ويدفع الإنسان وحده الثمن والذي لا يستطيع تحمل تكلفته.
أيضا، تغيرت كثير من المفاهيم والتمثلات لدى المجتمع المصري، لا سيما عند الأجيال الجديدة، فلم تعد الثورة هي حدث يشغل بال المصريين، بكل أجيالهِم، فلا تأتي الثورة كل يوم، الثورة تحتاج إلى عمل ورؤى وأفكار، تبنى لسنوات كثيرة، كما أن المفاهيم الحياتية الحالية، والناعمة، باتت أيديولوجيا عند فئات كثيرة من الشعب، من الفردانية والإنجاز والنجاة الفردية والاستهلاك بكل تمظهراتِه. هذه هي الممارسات اليومية للمصريين؛ لا ممارسات تخص الفكر السياسي والعمل للتغيير، وهذه حالة عمّت المنطقة كلها وليست حصرا في مصر.
الضغط على النظام بالاحتجاجات أمام مقرات السفارات المصرية يسبب له مزيدا من الضغط، وربما يدفعه للتمرّد على الصمت تجاه الإبادة في غزة، مع الالتزام بأولوية الضغط على من يقومون بالإبادة ذاتها، إسرائيل ومن ورائها الولايات المُتحدة
أيضا، يتملّك المصريون الخوف من الفوضى. نعم، وصل جزء كبير من الشعب المصري، بشكل لا واع، إلى تبني فكرة العيش المُذلّ تحت الاستبداد أفضل من العيش المذل تحت الفوضى. يرى المصريون كل البلاد من حولهم وقد تحولت إلى ساحات اقتتال داخلي، مثل سوريا وليبيا واليمن والسودان، أو خارجي متمثل في حروب الاحتلال على غزة ولبنان. لذا، يخاف المصريون من الفوضى، والنزوح، واللجوء، والحروب الأهلية، وتفشي جماعات التطرف. وقد لعب النظام المصري الحالي على أوتار هذه السردية منذ توليه الحكم، ففي كلماته الشهيرة والمُكررة، يقول السيسي دائما "مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق". وقد تأثر الشعب وخاف كثيرا من تلك السردية.
إن النظام المصري خذل غزة، واستطاعت أمريكا وإسرائيل توظيفه، بإرادته، كمنسق وشاهد صامت على حرب الإبادة، بل وقامع لأي تحرك يضغط لوقف الحرب وكسر الحصار. لذا، الضغط على النظام بالاحتجاجات أمام مقرات السفارات المصرية يسبب له مزيدا من الضغط، وربما يدفعه للتمرّد على الصمت تجاه الإبادة في غزة، مع الالتزام بأولوية الضغط على من يقومون بالإبادة ذاتها، إسرائيل ومن ورائها الولايات المُتحدة، فلا يُصبُّ كل الضغط والحشد تجاه النظام المصري الذي لا يملك قرار وقف الحرب، ولا يملك إدخال المساعدات من الجانب الإسرائيلي، لكنه يملك إدخالها أو على الأقل حشدها، مع مؤسسات دولية، أمام معبر رفح من الجهة المصرية، وهذا ما يفترض أن يفعله.
الشعب المصري -لا النظام- لا يرضى بحرب الإبادة وكل تمثلاتها المأساوية التي نراها يوميا بحق أهلنا، لكنه شعب أُنهك وخُوّفَ وأُفقرَ وقُمع، بطريقة لن يدركها سوى من اختبر تمثلات القمع نفسها، وبات لا يحمل أي أيديولوجيا أو تنظيم يتحرك من خلاله لمنع أحداث مأساوية. إن التقاط الأنفاس للشعوب بعد سنوات من التدمير شيء طبيعي، ويأخذ سنوات وسنوات، كما الوصول إلى الإصلاح والثورة يأخذ سنوات من العمل والتنظيم وتراكم الاحتجاج، وقد وقع من أجل قضايا الحرية والتحرر، ومنها قضية فلسطين، خلال السنوات الماضية، عشرات الآلاف من الشهداء؛ لا شخص واحد! فكانت فلسطين حاضرة في كل المنعطفات الثورية المصرية.
ختاما، هذا التشخيص ليس دعوة أو تبريرا للصمت على الاستبداد بحجة التقاط الأنفاس، أو التيه والخوف والاستسلام، بل -عن نفسي- أتمنى أن يُكسر هذا الصمت، اليوم قبل الغد، لكنه تشخيص نفهم من خلاله ما وصلنا إليه، وأسبابه، ونحاول معالجته. فهكذا المُجتمعات تصمت أو تثور، بنسب متبانية، بسبب دوافع وشروط، تحيا وتموت وتختفي عبر العقود.