موقع النيلين:
2025-12-11@16:21:29 GMT

لماذا يُغيّرون عقائدهم العسكرية؟

تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT


فى الأسبوع الماضى، أطلقت بيلاروسيا نسخة محدّثة من العقيدة العسكرية للبلاد، وقد أتى هذا التغيير بعد تغييرات مماثلة جرت فى جيوش دول عدة؛ مثل: روسيا الاتحادية، واليابان، وألمانيا.

لا يستهدف هذا المقال تحليل العقيدة العسكرية الجديدة لبيلاروسيا، أو مقارنتها بالعقيدة السابقة، كما لا يناقش التغييرات التى جرت على العقائد العسكرية لجيوش أخرى، ظلت عقوداً تعتمد نهجاً عسكرياً محدّداً، قبل أن تجد أنه من المناسب تعديله لتحقيق مصالح وطنية مُلحة أو لمواجهة تهديدات جديدة.

ولكن ما يستهدفه هذا المقال هو إلقاء الضوء على الطبيعة الديناميكية للعقيدة العسكرية فى أى بلد من البلدان، باعتبارها نهجاً ودليلاً قابلاً للتعديل من جانب، وعلى ضرورة أن تحدث التعديلات عندما تتغيّر موازين القوى الإقليمية والدولية، أو تستجد تحديات جدية من جانب آخر.

والعقيدة العسكرية يمكن تعريفها ببساطة بأنها «جميع المبادئ والأساليب التى تُمكّن القوات المسلحة من إدارة أعمالها فى السلم والحرب، والتى يتم استخلاصها من الأفكار والممارسات المختلفة النابعة من الخبرة العملية والدراسات النظرية»، كما يقول بعض المُنظّرين الاستراتيجيين.

وعندما نُدقّق فى التغييرات التى طرأت على العقائد العسكرية لدول مثل روسيا وألمانيا واليابان، فإننا نجدها تُمثل استجابة مطلوبة لتهديدات جديدة من جانب، أو محاولة لتغيير النهج العسكرى، بما يتضمّنه من آليات التسليح والانتشار، لمواجهة التطورات الاستراتيجية والأمنية الجديدة.

وفى حالة اليابان وألمانيا، سيُمكن أن نلحظ أن تغيير العقيدة العسكرية فى هذين البلدين إنما ارتكز فى جوهره على حتمية الخروج من «عُقدة تاريخية» معينة، وهى عُقدة مرتبطة بهزيمة البلدين فى الحرب العالمية الثانية، والنهج الذى اتبعه كلا الجيشين خلال تلك الحرب.

فيبدو أن البلدين وجدا أن إهمال تطوير القدرة القتالية لجيشيهما، والتعويل على «التحالفات» الدولية للنهوض بجانب كبير من مقتضيات الدفاع الوطنى، اتقاءً للشكوك القديمة، وانصرافاً إلى الاستثمار فى التنمية، أدى إلى خلل فى توازن القوى فى محيطيهما؛ سواء بسبب التهديدات الأمنية فى شرق آسيا فى حالة اليابان، أو بسبب التهديد الروسى فى ظل الحرب ضد أوكرانيا فى حالة ألمانيا.

ويعرف تاريخ الحروب بين الأمم ميراثاً من التنظير الذى يمكن تلخيصه فى مصطلح «عُقد التاريخ العسكرى»، الذى يتناول بدوره سجلاً من الانتصارات أو الهزائم المرتبطة بقرارات واستراتيجيات محدّدة، تتحول فيه السياسة التى أثمرت نجاحاً إلى عنصر تفاؤل واستبشار، بينما تنزوى السياسات التى جلبت هزائم فى صورة «عقدة تاريخية» أو نذر شؤم.

ولتبسيط الأمر، فإن النزعة الاستعمارية والهجومية للجيشين الألمانى واليابانى خلال الحرب العالمية الثانية، وما نجم عنها لاحقاً من هزيمة مريرة للبلدين، أثرت فى سيادة كل منهما واستقلاله أو وحدته، شكلت «عُقدة عسكرية» تاريخية، ظلت تهيمن على العقيدة العسكرية للبلدين، وتؤطر نهجهما العسكرى، وتحدد مساراته.

ولا يقتصر تاريخ «العُقد العسكرية» على الدول التى تعرّضت لهزائم عسكرية قاسية أثّرت فى سيادتها أو وحدة أراضيها فقط، لكنه يمتد إلى دول أخرى تعرّضت لتجارب عسكرية قاسية خارج حدودها.

ففى هذا الصدد مثلاً يتناول البعض تاريخ الانتشار العسكرى الأمريكى الخارجى من زاوية «فيتنام» فقط، فيما يُغض الطرف عن 18 تدخّلاً أمريكياً ظافراً على مدى القرن العشرين، وهو الأمر الذى كرّس ما عُرف بـ«عُقدة فيتنام» فى الأدبيات السياسية والعسكرية الأمريكية.

لكن على العكس من ذلك تماماً، وفى مواجهة المدافعين عن نهج الانسحاب الأمريكى من العالم، يبرز قادة ومنظرون استراتيجيون يرون أن الانسحاب امتثالاً لعُقدة تاريخية ما ليس الحل الأمثل فى جميع الأحوال. ويشرح المؤرخ الأمريكى روبرت كيجان، فى كتابه «الغابة تعود إلى النمو»، أهمية بقاء الجيش الأمريكى منتشراً فى المناطق التى ترى واشنطن أنها مهمة لتحقيق أمنها القومى وصيانة مصالحها، معتبراً أن «نشر الجنود خارج الديار هو أمر سيئ، لكنه يحدث تجنّباً للأكثر سوءاً، وبقاؤهم داخل الحدود آمنين هو أمر جيد، لكن يجب ألا ينطوى ذلك على خسارة أمننا القومى وتعريض حياتنا للخطر».

لقد خلص الفكر الاستراتيجى العالمى إلى ضرورة المرونة فى تحديد نطاق الانتشار العسكرى والعمليات العسكرية، وفقاً لطبيعة التهديد، وميزان القوى بين الأطراف المتصارعة، وتكلفة الكمون.

وفى إقليمنا، وجدنا أن الأمريكيين والروس والأتراك والإيرانيين وبعض أشقائنا العرب، وغيرهم، قاتلوا أو انتشروا عسكرياً خارج أراضيهم، وهم ينتصرون أو يتعرّضون للخسائر، لكنهم يحقّقون مصالح وطنية، ولا يمكن تجاوزهم عند محاولة الوصول إلى حلول سلمية، أو عند تفادى المغارم وتوزيع المغانم.

وفى هذا السياق، يخبرنا تاريخ العقائد العسكرية، وأساليب استخدام القوة الصلبة للأمم، أنه من الضرورى أن تخضع تلك العقائد والأساليب لاعتبارات المصلحة الوطنية المتغيرة، وللحسابات الدقيقة التى تتعلق بالتكاليف والعوائد، وليس الارتهان للعُقد التاريخية.

ياسر عبدالعزيز – الوطن نيوز

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

لماذا يعدّ قيام ليل الشتاء فرصة لا تُعوّض؟

تعيش مصر هذه الأيام أجواء شتاء قارس ودرجات حرارة تلامس الصفر، ما يجعل الخروج من الفراش تحديًا حقيقيًا، وفي خضم هذا البرد الشديد، يبرز جمال عبادةٍ لا يقدرها إلا من ذاق لذّتها: قيام الليل وصلاة الفجر.

ورغم صعوبة القيام في الصقيع، فإن النصوص الشرعية وأقوال السلف تكشف عن عجائب هذا الوقت، وكيف يغمر الله عباده بالعطاء والطمأنينة، ويكتب لهم من الأجور ما لا يخطر ببال.

الشتاء.. «ربيع المؤمن»

وصف النبي ﷺ الشتاء بأنه ربيع المؤمن، كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:«الشتاء ربيع المؤمن»، وسُمي ربيعًا لأن ليله طويل يساعد على القيام، ونهاره قصير يعين على الصيام، كما ورد في قول النبي ﷺ:
«الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة».

 

ضحك الله لعبده القائم في البرد

من أعجب ما ورد في فضل قيام الليل في البرد، ما رواه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه:«إن الله ليضحك إلى رجلين: رجلٌ قام في ليلةٍ باردة من فراشه ولحافه ودثاره فتوضأ، ثم قام إلى الصلاة…»
وفيه أن الله يسأل ملائكته: ما حمل عبدي على ما صنع؟فيقولون: رجاء ما عندك وخوفٌ مما عندك، فيقول سبحانه:«قد أعطيته ما رجا، وأمنته مما يخاف».

 

 

أمرٌ رباني وسُنّة لا يتركها النبي ﷺ

يأمر الله تعالى نبيَّه في القرآن بقوله:﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ سورة المزمل.

وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:«لا تَدَع قيامَ الليل؛ فإن رسول الله ﷺ كان لا يَدَعُه، وكان إذا مرض أو كسل صلّى قاعدًا» رواه أبو داود.

 

الغنيمة الباردة

كان الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه يقول:
«ألا أدلكم على الغنيمة الباردة؟» قالوا: بلى. قال: «الصيام في الشتاء».
ووصفت “باردة” لكونها تُنال بلا مشقة عالية، فحرارة الصيف ليست حاضرة، والليل طويل للقيام، والنفس تأخذ نصيبها من الراحة.

 

لماذا يعدّ قيام ليل الشتاء فرصة لا تُعوّض؟

يشرح الإمام ابن رجب أن الليل الطويل يعطي المؤمن:
 وقتًا كافيًا للنوم
ثم وقتًا للقيام وقراءة القرآن
فيجتمع للمؤمن راحةُ البدن وغذاءُ القلب.

وقال يحيى بن معاذ:«الليل طويل فلا تُقصِره بمنامك، والإسلام نقي فلا تدنسه بآثامك».

ويروى عن ابن مسعود قوله:«مرحبا بالشتاء؛ تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر النهار للصيام».

 

فضل القيام رغم البرد القارس

قيام الليل في شدة البرد له مشقتان عظيمتان تزيدان الأجر:

1. القيام من الفراش في الصقيع

ذكر أبو نعيم أن أحدهم قام ليله في ليلة شديدة البرد وهو يرتجف، فسمع هاتفًا يقول:
«أقمناك وأنمناهم، وتبكي علينا؟!»
في إشارة إلى عِظَم مقام من يقوم الليل بينما ينام غيره.

2. إسباغ الوضوء في البرد

قال النبي ﷺ:«ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره…»
رواه مسلم.

وفي حديث معاذ رضي الله عنه:«الكفّارات: إسباغ الوضوء في الكريهات…» أحمد والترمذي.

وكان عمر رضي الله عنه يوصي ابنه قبل موته بقوله:«عليك بإسباغ الوضوء في اليوم الشاتي».

قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيف

لذلك بكى معاذ بن جبل رضي الله عنه عند موته، وقال:
«إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب».
فهذه عبادات لا ينالها إلا من جاهد نفسه.

 

دعاء قيام الليل المستجاب

من الأدعية التي وردت عن السلف وذكرها العلماء في فضل السحر:
«يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث».
فمن ناجى ربه به في الليل، أعطاه الله من العطاء والتمكين ما لا يعلمه إلا هو.

ومن دعاء النبي ﷺ:
«اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت…»
وهو من أعظم ما يقال في جوف الليل.

مقالات مشابهة

  • بسام راضي : الاكاديمية المصرية للفنون بروما تستضيف الموسيقى العسكرية الإيطالية
  • الاستدراج للمستنقع: لماذا يتجنب حلفاء واشنطن دعم عمليتها العسكرية في الكاريبي؟
  • لذة لا تُباع ولا تُشترى
  • سعادة لا تُشترى!
  • البرلمان الفنزويلى: أكثر من 80 قتيلا بالبحر الكاريبى بسبب العمل العسكرى للولايات المتحدة
  • ليس تهديداً ولا أولوية.. لماذا غاب العراق عن استراتيجية ترمب 2025؟
  • زيارة طلبة جامعة القاهرة ومدارس التأسيس العسكرى لمستشفى أبو الريش للأطفال
  • وزير الدفاع يشهد مناقشة البحث الرئيسى للأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية
  • وزير الدفاع يشهد مناقشة البحث الرئيسي للأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية
  • لماذا يعدّ قيام ليل الشتاء فرصة لا تُعوّض؟