قالت "لوبس" إن شكوى الإبادة الجماعية التي قدمتها جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد إسرائيل تأمل كذلك من خلالها أن تأمر المحكمة تل أبيب باتخاذ إجراءات احترازية لحماية المدنيين "لكن هيهات هيهات" إذ ترجح المجلة ألا يغير ذلك من سياسة إسرائيل العسكرية في غزة، متسائلة عن كيفية تصنيف ما حدث في غزة وطريقة تكييفه قانونيا.

وأيا كان الحكم، فإن المجلة أبرزت -في البداية- أن حكومة بنيامين نتنياهو لن تغير خطة معركتها قيد أنملة، تماما كما فعلت روسيا عندما طالبتها نفس المحكمة "بالامتناع عن أي عمل من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم النزاع أو إطالة أمده".

وكانت جنوب أفريقيا قد تقدمت بشكوى للمحكمة التي تدين الدول في حالة عدم امتثالها للمعاهدات الدولية، تتهم فيها تل أبيب بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وها هي إسرائيل التي أنشئت بقرار من الأمم المتحدة عام 1948 في أعقاب أكبر إبادة جماعية في التاريخ، تجد نفسها متهمة "بجريمة الجرائم" حسب صيغة أستاذ القانون الأميركي البولندي اليهودي الأصل رافائيل ليمكين مخترع هذا المفهوم في أعقاب المحرقة.

وقد قتلت إسرائيل -حسب المجلة- 25 ألف شخص، معظمهم نساء وأطفال، وجرحت 70 ألفا، وفرضت النزوح على 1.9 مليون يمثلون 85% من سكان غزة، وقصفت المستشفيات والمدارس، وقننت وصول المساعدات الإنسانية، مما زاد من مخاطر المجاعة والأوبئة، فهل هذه جرائم حرب أم جرائم ضد الإنسانية أم إبادة جماعية؟

هناك جرائم حرب

على هذه التساؤلات ردت لوبس بما قاله -في مقابلة مع قناة الجزيرة- لويس مورينو أوكامبو، المدعي العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية، التي أنشئت عام 1998 والمسؤولة عن محاكمة الأفراد، من أن الحصار على غزة وحده يشكل إبادة جماعية.

وأشارت المجلة إلى أن مصطلح "الإبادة الجماعية" محل نقاش قانوني لأن "نية التدمير المتعمد والمنهجي للسكان ضروري الإثبات" في هذه الحالة، كما يشير سيرج سور الأستاذ الفخري للقانون الدولي.

وأوضح سور أن الوضع الإنساني مهما كان فظيعا وكارثيا لا يكفي للحديث عن الإبادة الجماعية، بل يجب إثبات النية والاتفاق على تدمير الجماعة لذاتها.

وفي سياق الرد الإسرائيلي في غزة الذي لا يتناسب مع الهجوم الذي تعرضت له إسرائيل والذي لا يوفر حماية كافية للمدنيين، يقول سور "لا شك أن هناك جرائم حرب، ولكن حقيقة تحويل غزة إلى مكان غير صالح للسكن، أو تهجير السكان دون ضمان أمنهم، ربما يصل حد جرائم ضد الإنسانية، ولا يبدو لي أن الإبادة الجماعية قد تم إثباتها بشكل مسبق، وذلك بسبب عدم وجود أدلة على وجود خطة منظمة ومنهجية للتدمير".

وقد سلطت وثيقة جنوب أفريقيا، المؤلفة من 84 صفحة، الضوء من بين أمور أخرى على تعليقات بعض القادة الإسرائيليين، مثل إشارة نتنياهو إلى تدمير "عماليق" وإلى "الشر المطلق". ووصف وزير الدفاع يوآف غالانت الفلسطينيين بأنهم "حيوانات بشرية" يجب محاصرتها "لا كهرباء، لا ماء، لا غاز، كل شيء مغلق".

تأثير رمزي

وفي إشارة إلى أن إسرائيل لا تأخذ هذه الشكوى باستخفاف، أرسلت أفضل محاميها إلى جلسات الاستماع الأولى يومي 11 و12 يناير/كانون الثاني الجاري، واقترحت أهارون باراك، أحد الناجين من المحرقة، والرئيس السابق للمحكمة العليا، قاضيا يمثلها -في تشكيلة المحكمة التي تضم 15 قاضيا- إضافة إلى قاض يمثل جنوب أفريقيا، وقد قال تال بيكر مستشار وزير الخارجية الإسرائيلي "إذا كانت هناك أعمال إبادة جماعية، فقد تم ارتكابها ضد إسرائيل".

ومن المتوقع أن تقضي محكمة العدل الدولية غدا بشأن التدابير المؤقتة التي تطالب فيها بريتوريا تل أبيب بوقف "القتل والتسبب في إصابات عقلية وجسدية خطيرة للشعب الفلسطيني في غزة، وفرض ظروف معيشية يمكن أن تؤدي إلى تدميرهم ماديا".

أما قرار المحكمة النهائي -فلا يتوقع حسب المجلة- أن يستغرق أقل عامين حتى تتمكن من إعلان اختصاصها في هذه المسألة، وسنتين أخريين للحكم في احتمال ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.

وفي هذه الحالة، يصعب تنفيذ التحقيقات في غزة المغلقة أمام المراقبين الدوليين، خاصة أن المحامين لا يستطيعون الذهاب إلى الموقع حتى الآن، ناهيك عن جمع الأدلة المحتملة على الجرائم، فضلا عن أن إسرائيل لم توقع على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية، ولذلك يمكنها أن ترفض دخول المحققين إلى أراضيها وكذلك استجواب جنودها.

ويقول مدير مركز نانتير للقانون الدولي بيير بودو- ليفينك إن "قرارات المحكمة نهائية وملزمة قانونا، لكنها لا تملك صلاحية لتنفيذها، ومع ذلك فإن التأثير سيكون كبيرا جدا، على المستوى الرمزي والقانوني، على مكانة إسرائيل في المعركة الدبلوماسية والاتصالات".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الإبادة الجماعیة جنوب أفریقیا إبادة جماعیة فی غزة

إقرأ أيضاً:

إبادة لا تستوفي شرط التضامن العربي

مؤلم وشاق العثور على موقف وسلوك عربي رسمي، باستطاعته لجم فاشية صهيونية تتصاعد في غزة وبقية مدن فلسطين المحتلة، طوال عشرين شهرا من العدوان والجرائم والعربدة الإسرائيلية. لم يطرأ تغيير يقلب المشهد، تُنسف مربعات سكنية ويتكرر تدمير القطاع الصحي وحرق المستشفيات وتقصف خيام النازحين ويُستهدف آلاف المتجهين للبحث عن مساعدات، والسياسة العربية ثابتة في طلبها من "الغير" (المجتمع الدولي) بضرورة التحرك، تعفي نفسها من هذه الأولوية وضرورة التحرك، وفق قناعة تكبيل القدرة الذاتية بعدم الانتماء لمجتمع دولي، وتأثيرها ناجع فقط في حدود سيطرتها على مجتمعات عربية.

ومن السهولة تحري مواقف غربية ودولية، تستجيب لنداء ومطالب شعوبها الغاضبة من سياسات إسرائيل ومن جرائم الحرب وضد الإنسانية، فحشود المظاهرات من روما ولندن ومدريد ولاهاي وباريس وغيرها من مدن حول العالم، المطالبة بوقف العدوان وتحقيق العدالة لفلسطين وقطع العلاقة مع الاحتلال والغاضبة من مشاهد جرائم الإبادة في غزة، تعني أن تغييرا ما طرأ في رفض السردية الصهيونية، وصعوبة بهضم وتبرير فاشية الاحتلال على شعبٍ يكافح للتحرر منه، ويرفض محاولة نزع الصفة الإنسانية والوطنية عنه.

بالتزامن مع هذا الرفض، تعيد سلسلة بشرية ضخمة محاصرة البرلمان البريطاني وتطالب بفرض عقوبات على إسرائيل وبوقف تصدير السلاح لها، وسفينة أسطول الحرية "مادلين" التي تقل نشطاء دوليين، تبحر من ميناء كاتانيا في جزيرة صقلية، جنوبي إيطاليا في محاولة لكسر الحصار المفروض على غزة، رغم التهديد الذي تعرض له المركب ومن فيه من جيش الاحتلال الذي سيطر عليه ومنع وصوله، إلا أن الخطوة والسلوك والشجاعة والإخلاص لمبدأ الوقوف إلى جانب الضحية لم يكن سلوكا عربيا.

فقد سبق كل ذلك سلسلة من مواقف وتحركات ومظاهرات غضب من إسرائيل، لم تتوقف عند حرم الجامعات حول العالم، فالتعاطف مع غزة وشعب فلسطين بوصلة إيمان بعدالة قضية وكرامة وحق شعب بحريته من الاحتلال، ورفض لسياسات الفصل العنصري التي ندد بها مؤخرا وزير خارجية فرنسا السابق جان إيف لودريان.

لم يعد غريبا على المطلعين والمهتمين ببعض المواقف الدولية من جرائم الإبادة الجماعية في غزة، أن يلاحظوا تطورا كبيرا في بعض المواقف من جهة وصف سياسات إسرائيل في الأراضي المحتلة بالفصل العنصري، أو التنديد بجرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة، ونعت هذه السياسة بالمخزية. لم يتوقف الأمر هنا، بل كانت هناك إجراءات من بعض العواصم والمدن الغربية، بقطع العلاقة مع إسرائيل ناهيك عن الضغط الذي تقوم به شعوب حول العالم، لدفع حكوماتها للضغط على الاحتلال لوقف جرائم إسرائيل ومحاكمة قادتها عن جرائم الحرب والتطهير العرقي. لكن الغريب استمرار الصمت والعجز العربي المخزي والمهين في كل شيء، وإذا تعمق الإنسان العربي فيما يتفوه به نتنياهو وبن غفير وسموتريتش منذ عشرين شهرا، باستعارة عبارات وشعارات تلمودية صهيونية تدعو للقضاء على العرب وتنفيذ الإبادة الجماعية، ورسم خطط الاستيطان والتهويد وضم الأرض وتهجير سكانها وتدمير شمال الضفة وخطط هدم الأحياء العربية في القدس، فلا يجد في المقابل العربي أي رد سوى استمرار العلاقة والتطبيع مع هذه المؤسسة الصهيونية وعقليتها الفاشية.

في كل ذلك، يغيب الفاعل العربي، حتى في خطوة ورمزية السفينة "مادلين" لمحاولة كسر الحصار، فهي لم تنطلق من موانئ عربية قريبة من غزة، والنشطاء على متنها "دوليون"، بغض النظر عن أصول بعضهم، والمساعدات أيضا. لا يذكر الشارع العربي ولا يحفظ كل الكلام العربي الذي قيل عن فلسطين عموما، ولا يأبه بكل القرارات التي اتخذت في القمم والاجتماعات التي لم ينفذ منها شيء بخصوص غزة وإنقاذها من الإبادة، فالعربي يدرك مصير آلاف شاحنات المساعدات المكدسة على حدود غزة، وقد أصابها التلف وانتهت صلاحيتها مع مسرحية إسقاط مساعدة عربية بالمظلات قبل أكثر من عام.

تغيب أيضا حالة الغضب في الشارع العربي، فالأحزاب والقوى السياسية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني والنخب وغيرها؛ فاعليتها تتطابق تماما مع سلوك أنظمتها المطبعة أو الخانعة للأوامر الأمريكية، لا بل إن العديد من الأصوات والمواقف العربية الرسمية تؤكد على "فائدة" استسلام الشعب الفلسطيني والتخلي عن المقاومة باعتبارها سبب بلاء الفلسطينيين لا المشروع الصهيوني، والخضوع له كخلاص منتظر لإسرائيل والنظام العربي.

التعويل على مواقف دولية لوقف الإبادة -رغم أهميتها- لا يكفي، ما لم يكن مقترنا بإسناد عربي وفلسطيني رسمي، فتسليط الضوء على مواقف غربية من إسرائيل، وحفظ شوارع عربية ما يقوله رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز والموقف الذي اتخذه بلده من الاحتلال، كذلك مواقف أيرلندا وبوليفيا ونيكاراغوا وكولومبيا وتشيلي ومملكة بليز، التي سارعت كلها لقطع العلاقة مع الاحتلال ووصفت سلوكه بالإجرامي، مع تقدير موقف جنوب أفريقيا في محكمتي العدل والجنائية الدولية، وما تعرب عنه نخب سياسية وفنية وثقافية ورياضية وأكاديمية حول العالم؛ من رفض لسياسات إسرائيل الاستعمارية، وانهيار سردية الخوف من كذبة معاداة السامية.. كل ذلك لم يدفع باتجاه بلورة مواقف عربية وبخطوات تسجل في تاريخ المذبحة الفلسطينية من باب الإنصاف للضحايا وللقضية وللمشتركات العربية، على الأقل منها إنسانيا وأخلاقيا لتنسجم وتكمل مواقف دولية.

وعلى ما يبدو، أن شرط التضامن العربي مع غزة والموقف من جرائم إسرائيل لم يستوف بعد، وإجرام المحتل ووضوح فاشيته نابع من موت الصلابة العربية والفلسطينية وسقوط شروط بديهية، وجلال موت البشر جوعا وقصفا وتحطيم كل حياتهم لم يبدل قاموس البلادة العربي بمواجهة جرائم الإبادة الجماعية وتحديات التطهير العرقي في غزة وبقية فلسطين. فمن يشهد مأساة غزة لأكثر من 600 يوم، وما أفرزته من نتائج أفصحت بوضوح عن مكنونات صهيونية فاشية، يمكنه القول إن إسرائيل حققت قسطا من أهدافها بالعدوان والجرائم، وأسقطت شرط التآزر العربي الرسمي والشعبي الفعلي لإسناد غزة ورفع الحصار عنها والضغط لوقف جرائم الإبادة الجماعية ومنع مشروع التهجير. وليس القصد من إثبات ما قدمناه الإيحاء بأن عوامل الفعل والقوة والتأثير على إسرائيل هي غربية وأمريكية فقط، بل القول بأنها صارت كذلك بفعل تخل عربي وفلسطيني رسمي عن ثقل ووزن قدراتهما وتأثيرهما، ورهن كل ما لديهما لصالح أمريكا وأمن المحتل بشروط يتم استيفاؤها من النظام العربي، وتتعلق بمفاهيم وفوائد متبادلة مع المحتل على حساب القضية الفلسطينية.

x.com/nizar_sahli

مقالات مشابهة

  • خلال لقائه رئيس مجلس الشورى في دولة قطر: رئيس البرلمان العربي يشيد بالجهود التي يقوم بها أمير دولة قطر لوقف حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني
  • لجنة أممية: هجمات إسرائيل على المدارس والمواقع الثقافية في غزة إبادة جماعية
  • لجنة أممية: إسرائيل ارتكبت جريمة إبادة باستهداف المدنيين في مدارس غزة
  • إبادة لا تستوفي شرط التضامن العربي
  • تفاصيل تحقيق قضائي بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية بغزة في فرنسا
  • فرنسا.. تفاصيل تحقيق قضائي بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية بغزة
  • حين تتحول الإبادة الجماعية في غزة إلى سياحة الصمود في إسرائيل
  • حرب إسرائيل الأبدية ومنطق الإبادة الجماعية في غزة
  • نائب ترامب: إسرائيل لا ترتكب إبادة جماعية في غزة
  • جوني مور.. قس أميركي موال لإسرائيل يقود مؤسسة غزة الإنسانية