أميرة دولة النرويج: يصعب علينا عدم التفكير في الوضع اليائس قرب حدود مصر
تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT
قالتأميرة النرويج ميت ماريت، اليوم يصعب علينا عدم التفكير في الوضع اليائس قرب حدود مصر، أشعر بأسف عميق لفقدان الأرواح البريئة والمعاناة المستمرة. إنه محزن للغاية.ولكن في الأوقات الصعبة مثل هذه، تمكّننا الفنون والأدب والحرية في التعبير من فهم أفضل لما نمتلكه من مشتركات،قراءة قصص حياة الآخرين تعمق فهمنا، وتزيد من قدرتنا على التعاطف، وتظهر لنا أن الآخرين يشاركوننا أفكارنا ومشاعرنا.
واشارت الأميرة، بكلمتها في افتتاح وقائع البرنامج الأدبي بقاعه ضيف الشرف، ضمن فاعليات الدورة الـ55 لمعرض الكتاب، على أن حقنا في التعبير الحر عن الآراء والأفكار من خلال الأدب والشعر والفن هو جوهر حق الحرية في التعبير. سيزور العديد من أبرز الكتّاب في النرويج المعرض في الأيام القادمة.
يحكي هؤلاء الكتّاب قصصًا قوية حول قضايا مهمة في عصرنا، من تغير المناخ إلى المساواة والتنوع. والشيء المذهل في الكتب هو أنه إذا كنت طفلًا صغيرًا أو فتاة تعجبك محمد صلاح، أو تكون مصرولوجيًا أو عاشقًا للجريمة حريصًا على الحصول على أحدث رواية لليونسكو، فإن هناك كتابًا لك.
يمكننا جميعًا العثور على أدب يلهمنا، ويروي عطشنا للمعرفة، ويقدم التسلية، أو يعزز فهمنا للحالة الإنسانية من خلال الكلمة المكتوبة. ولهذا السبب أحب الكتب، إذ تذكرنا بمن نحن.
فعاليات البرنامج الثقافي
حيث تقام فعاليات البرنامج الثقافي خلال 7 قاعات عرض، تشهد طرح قضايا هادفة في كافة المجالات، وتقام فعالياته بقاعات المعرض المتعددة، ويحتفي المعرض هذا العام بالعديد من المشروعات الثقافية الجديدة التي أطلقتها الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهي: «ديوان الشعر المصري»، «استعادة طه حسين»، و«حكايات النصر»، و«عقول» الموجهة إلى مخاطبة فئة الشباب الشريحة المصرية الواعدة، لإبراز أصحاب التجارب الرصينة في الفكر والأدب والعلوم الإنسانية.
كما أن المعرض هذا العام قد استحدث محورًا جديدًا بعنوان "مؤتمر اليوم الواحد"، الذي يضم 6 مؤتمرات، منها: مؤتمر "تقنيات الذكاء الاصطناعي"، بالتعاون مع جامعة مصر المعلوماتية، ومؤتمر "الترجمة عن العربية- جسر للحضارة"، بمشاركة وزارات الثقافة والأوقاف، ويشارك فيه عدد من المؤسسات المصرية والعربية، ومؤتمر "الملكية الفكرية.. حماية الإبداع في الجمهورية الجديدة"، ومؤتمر "طه حسين"، ومؤتمر "نازك الملائكة".
شعار الدورة الـ55 لمعرض الكتاب
تأتي هذه الدورة تحت شعار: «نصنع المعرفة... نصون الكلمة»، وتُقام فعالياتها الثقافية في الفترة من 25 يناير الجاري حتى 6 فبراير المُقبل، وذلك بمركز مصر للمعارض الدولية، وتحل عليها مملكة النرويج ضيف شرف، وتم اختيار اسم عالم المصريات الدكتور سليم حسن "شخصية المعرض"، واسم الكاتب يعقوب الشاروني "شخصية معرض كتاب الطفل".
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الدورة الـ55 لمعرض الكتاب نصنع المعرفة نصون الكلمة معرض كتاب الطفل الهيئة المصرية العامة الهيئة المصرية العامة للكتاب معرض كتاب المصرية العامة للكتاب
إقرأ أيضاً:
التفكير العلمي. . المُنجَز الحقيقي للتجربة البشرية
أ. د. حيدر أحمد اللواتي **
من أهم الإنجازات التي حققتها البشرية عبر مسيرتها الطويلة هو ما يُعرف بالتفكير العلمي، ذلك الأسلوب الفريد في التفكير الذي لا يقتصر على المتخصصين وحدهم؛ بل هو أداة مشتركة يستخدمها العلماء من مختلف التخصصات لتفسير نتائج تجاربهم وفهم الظواهر التي يدرسونها.
التفكير العلمي هو ذلك النسيج المشترك الذي يربط العلوم ببعضها، وهو القوة التي تمكن الإنسان من التفاعل مع عالمٍ مليء بالمعلومات المتنوعة والمعقدة، ليتمكن من اتخاذ قراراته اليومية بناءً على معايير واضحة ومنهجية سليمة.
ليس التفكير العلمي ظاهرة حديثة نشأت مع التطور العلمي، لكنه أصبح ضرورة مُلحّة في عصرنا الحالي؛ حيث غدت المعرفة أشبه ببحرٍ هائج من المعلومات التي تتدفق بسرعة غير مسبوقة. هذه الوفرة في العلوم والتقنيات زادت من حاجة الإنسان إلى أدوات تساعده على التمييز بين الصحيح والمضلل، بين المعرفة الحقيقية والآراء المتحيزة أو المغلوطة. هذا التحدي اليوم لا يواجه فقط العلماء أو المختصين؛ بل يطال كلّ شخص يسعى لفهم ما حوله بشكل موضوعي وواقعي.
خذ مثلًا قصة غاليليو غاليليّ، الذي تحدى في القرن السابع عشر العقائد السائدة حينما قال إن الأرض تدور حول الشمس، ليست مركز الكون كما كان يعتقد الجميع. لم يكن غاليليو مجرد ناقل رأي؛ بل اعتمد على ملاحظات دقيقة وأدوات متطورة آنذاك، واستطاع أن يدعم فكرته بأدلة تجريبية. رغم معارضة الكنيسة وصراعاته الشخصية، ظل منتميًا لمنهجية التفكير العلمي، مما مهد الطريق لفهمنا الحالي للكون. هذه القصة تُبرز أهمية التفكير العلمي كأداة للتحرر من الأفكار الجاهزة والدخول في عالم الحقيقة المدعومة بالأدلة.
في ظل تعقيد العلوم وتداخل تخصصاتها، يصبح من المستحيل لأي فرد أن يُلمّ بكل تفاصيلها أو يتقنها جميعًا. لكن هناك مهارة أساسية يمكن لأي إنسان امتلاكها: القدرة على التحقق من صحة طريقة التفكير نفسها. هذه القدرة تمنحه القوة ليكون ناقدًا واعيًا، قادرًا على رفض المعلومات والنظريات التي لا تستند إلى منهجية سليمة، حتى وإن جاءت من مصادر علمية أو متخصصة ذات مكانة مرموقة، فليس كلّ ما يُقال أو يُكتبُ يستحقّ القبول، خصوصًا إذا كان الأساس الفكري الذي بُني عليه ضعيفًا أو مليئًا بالثغرات.
تخيل مثلًا أنك قرأت دراسة تدّعي أن تناول نوعٍ معين من الأعشاب يمكن أن يعالج مرضًا خطيرًا. قد تبدو الفكرة جذّابة، لكن التفكير العلمي يدفعك لأن تسأل: كم عدد المشاركين في هذه الدراسة؟ هل كانت الدراسة مزدوجة التعمية؟ هل هناك تجارب أخرى تدعم هذه النتيجة؟ هل تم نشر نتائج الدراسة في مجلة علمية محكّمة؟ بهذه الأسئلة، تحمي نفسك من الوقوع في فخ الادعاءات غير المدعومة بأدلة قوية.
التفكير العلمي – إذن – ليس مجرد أداة لفهم الأفكار؛ بل هو درع يحمي العقل من الانزلاق خلف الخداع أو التحيز. إنه يسمح للإنسان بأن يُقيِّم الأفكار المطروحة ويجعلها تمر عبر مصفاة دقيقة من النقد والتمحيص. ولا يعني هذا التشكيك أو الرفض الأعمى؛ بل يعني البحث الجاد عن المنهجية التي استُخدمت، والتحقق من سلامة خطوات التفكير، وفضح أي خلل قد يؤدي إلى استنتاجات مغلوطة.
في حياتنا اليومية، نواجه مواقف كثيرة تستدعي منا استخدام التفكير العلمي، عندما نقرأ تقارير عن أطعمة "سحرية" تحرق الدهون أو تساعد في إنقاص الوزن بسرعة، أو عندما نشاهد إعلانًا يُروّج لمنتج معين بوصفه "معجزة" في حل مشكلة صحية أو تقنية، أو نستمع لمحاضر يقدم تفسيرًا معقدًا لظاهرة اجتماعية دون أن يذكر كيف توصّل إلى هذه النتائج، هنا يظهر التفكير العلمي كأداة تمكننا من التمييز بين المعلومات الموثوقة وتلك التي تستند إلى انطباعات شخصية أو بيانات ضعيفة.
في هذا السياق، يصبح الإنسان قادرًا على اكتشاف أخطاء منهجية قد لا يلحظها البعض، حتى من أصحاب الاختصاص، بمجرد أن يبذل قليلًا من الجهد والتأمل. هذه الأخطاء ليست بالضرورة مقصودة، لكنها تظهر نتيجة لقصور في تطبيق قواعد التفكير العلمي أو انزلاق نحو الأحكام المسبقة أو التفسيرات السطحية، ومن خلال التعرّف على هذه الأخطاء، يمكننا تعزيز قدرتنا على التمييز بين ما هو علمي ومنهجي، وما هو عشوائي أو غير موثوق.
على سبيل المثال، في إحدى الدراسات الاجتماعية التي تناولت أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في مجتمعٍ معين، قد يميل الباحث إلى الاعتماد على عدد قليل جدًا من الحالات دون تمثيل عادل لأصناف المجتمع المختلفة، مما يؤدي إلى نتائج غير دقيقة ومضللة. التفكير العلمي يدعونا هنا أن نبحث عن حجم العينة، تنوعها، وطبيعة الأسئلة المطروحة، لنقرر مدى صحة الاستنتاجات.
إنَّ مهارة التفكير العلمي ليست حكرًا على العلماء أو الأكاديميين؛ بل هي حق لكل إنسان يسعى إلى معرفة حقيقة الأشياء وفهم العالم من حوله، فالتفكير العلمي يمنحنا القدرة على مواجهة التعقيدات والتحديات التي فرضها عصر المعرفة، لنعيش حياة أكثر وعيًا ونجاحًا، ونُسهم في بناء مجتمع يرتكز على العلم والمنطق، لا على الأوهام والانطباعات الخاطئة.
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصر