هل تنجح الصين في إنعاش اقتصادها؟
تاريخ النشر: 31st, January 2024 GMT
كثّفت الصين إجراءاتها في الأسابيع الأخيرة لدعم الاقتصاد وتراجع الأسواق، ما يسلّط الضوء على مخاوف التعافي الذي تعرقله أزمة العقارات والانكماش وضعف ثقة المستهلكين، حسبما ذكرت بلومبيرغ.
تضمنت الإجراءات ضخ المزيد من النقد لأجل طويل لصالح البنوك، وتشديد قواعد البيع على المكشوف، وتوسيع نطاق حصول المطوّرين العقاريين على القروض، لكن المستثمرين قد يحتاجون رؤية المزيد من الإجراءات لاستعادة ثقتهم في الأسواق الصينية، وفق الوكالة.
تراجع مؤشر سي إس آي 300 القياسي بنحو 4% إلى الآن في 2024، ويتداول بالقرب من أدنى مستوى له في 5 سنوات، وانضم اليوان إلى معظم العملات الآسيوية الأخرى المتراجعة هذه السنة، في حين انخفض العائد على السندات الحكومية القياسية إلى أدنى مستوياته في ما يقرب من 22 سنة اليوم، وسط رهانات على مزيد من التيسير النقدي.
وقد تكون المساعدة الإضافية للاقتصاد ضرورية إذا أرادت الحكومة الصينية إعلان هدف طموح للتوسع هذا العام، عند انعقاد الهيئة التشريعية الوطنية في مارس/آذار المقبل، وتستهدف العديد من المقاطعات الصينية نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5% أو أكثر في 2024، ويتوقع الاقتصاديون بالفعل هدفا طموحا إلى حد ما، وهذه الإجراءات أعلنتها الصين لدعم اقتصادها وتهدئة المستثمرين، منذ بداية السنة، وفق بلومبيرغ:
28 يناير: قيود على إقراض الأوراق الماليةقال ناظمو الأوراق المالية إنهم سيوقفون إقراض بعض الأسهم للبيع على المكشوف، في أحدث محاولة لوضع حد لتراجع سوق الأسهم، لذا لن يُسمح للمستثمرين الإستراتيجيين، الذين يشيرون عادة إلى حاملي الأسهم المقيدة، بإقراض الأسهم خلال فترات التأمين المتفق عليها.
27 يناير: تيسير عقاريوخففت قوانغتشو، إحدى أكبر المدن الصينية، القيود على شراء المنازل في محاولة لوقف انخفاض الأسعار، وخفضت بكين وشانغهاي وشنتشن متطلبات الدفعة الأولى (المُقَدّم) منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
26 يناير: مساعدات للمطوّرين العقاريينقالت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية والريفية إنها ستقدم قائمة بمشروعات الإسكان المؤهلة للحصول على دعم تمويلي بحلول نهاية الشهر الجاري، في أحدث محاولة لتعزيز الإقراض للعقارات لإبطاء تراجع القطاع.
وحثت إدارة التنظيم المالي الوطنية البنوك على دعم طلبات المطورين المؤهلين بما في ذلك تمديد القروض الحالية وتعديل ترتيبات السداد.
24 يناير: خفض نسبة الاحتياطي المطلوب، والقروض العقاريةقال محافظ بنك الشعب الصيني، بان قونغ شنغ، إن البنك المركزي سيخفض نسبة متطلبات الاحتياطي (مقدار النقد الواجب على البنوك الاحتفاظ به في كالاحتياطي) بنسبة 0.5% في 5 فبراير/شباط المقبل، للإفراج عن تريليون يوان (139 مليار دولار) من السيولة طويلة الأجل إلى السوق.
جاء هذا الإعلان بعد أن أظهرت بيانات رسمية أن اقتصاد البلاد لا يزال يواجه تحديات كبيرة، وهو أكبر خفض في نسبة الاحتياطي المطلوب منذ 2021.
وفي اليوم نفسه، أعلنت السلطات في الصين وهونغ كونغ خطوات لتعميق العلاقات المالية، بما في ذلك تسهيل شراء العقارات وتوسيع برنامج يسمح بالاستثمارات الشخصية في منطقة الخليج الكبرى، وهي منطقة يبلغ عدد سكانها 70 مليون نسمة، وتضم هونغ كونغ والمدن الكبرى في البر الرئيس الجنوبي؛ مثل: شنتشن وقوانغتشو.
23 يناير: حزمة إنقاذ الأسهموذكرت بلومبيرغ أن المسؤولين يدرسون استخدام حوالي تريليوني يوان (281.6 مليار دولار)، معظمها من الحسابات الخارجية للشركات الصينية المملوكة للدولة، كجزء من صندوق استقرار لشراء الأسهم المحلية عبر بورصة هونغ كونغ.
وخصصوا ما لا يقل عن 300 مليار يوان (42.24 مليار دولار) من الأموال المحلية للاستثمار في الأسهم المحلية.
19 يناير: علامات شراء الدولة
بلغ إجمالي حجم التداول في بعض أكبر الصناديق المتداولة في البلاد، التي تُراقب عادة بحثا عن علامات الشراء التي تقودها الدولة، ثالث أكبر إجمالي أسبوعي على الإطلاق، وكان هذا هو الأكبر منذ يوليو/تموز 2015.
16 يناير: السندات الخاصةذكرت بلومبيرغ أن الصين تدرس إصدار ديون جديدة بقيمة تريليون يوان (140.8 مليار دولار) بموجب ما يسمى بخطة السندات السيادية الخاصة، وسيتضمن الاقتراح الذي ناقشه كبار صناع السياسات بيع سندات سيادية طويلة الأجل، لتمويل المشروعات المتعلقة بالغذاء والطاقة وسلاسل التوريد والتوسع الحضري.
5 يناير: استئجار المساكننشر بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) والهيئة الوطنية الصينية للعلاقات العامة مبادئ توجيهية للدعم المالي لتطوير سوق المساكن المستأجرة، وشمل ذلك سياسة لتشجيع البنوك على تقديم القروض للمطورين والمناطق الصناعية وبعض المنظمات والشركات الريفية، لبناء منازل جديدة للإيجار طويل الأجل.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
كيف حققت الصين فائضا تجاريا مع العالم بقيمة تريليون دولار؟
سلّط تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" الضوء على نجاح الصين في تحقيق فائض تجاري قياسي بلغ نحو تريليون دولار خلال عام 2025، في عام هيمنت عليه حرب الرسوم الجمركية المتبادلة مع الولايات المتحدة، وما رافقها من توترات اقتصادية وتجارية واسعة النطاق.
وقال الكاتبان توماس هيل وهاوشيانغ كو، إن تحقيق الصين هذا الفائض غير المسبوق، على الرغم من تصاعد الضغوط والتوترات مع أميركا، يؤكد صمودها كقوة تجارية كبرى يصعب كبح جماحها، وقدرتها على إعادة توجيه تجارتها نحو أسواق بديلة.
وأوضح الكاتبان أن الفائض التجاري الصيني مع الولايات المتحدة انخفض بأكثر من 100 مليار دولار مقارنة بالعام الماضي، إلا أن هذا التراجع قابله ارتفاع ملحوظ في أسواق أخرى تمتد من جنوب شرقي آسيا إلى أوروبا. ونتج عن ذلك تسجيل فائض قياسي في الميزان التجاري للسلع بلغ 1.08 تريليون دولار حتى نوفمبر/تشرين الثاني، مدفوعا بصادرات بلغت 3.41 تريليونات دولار.
وفي هذا الأسبوع، حذّرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا من وجود "اختلالات" في العلاقات التجارية للصين، وهو توصيف سبق أن وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أيام بأنه أصبح "لا يُحتمل".
ويعكس هذا الفارق التجاري، وفقا لكاتبي التقرير، تقدّم الصين في سلسلة القيمة الصناعية، لا سيما في قطاع السيارات، إلى جانب هيمنتها طويلة الأمد في مجالات مثل الهواتف الذكية والحواسيب، فضلا عن السلع منخفضة القيمة.
ونقلت الصحيفة عن ميشيل لام، كبيرة خبراء اقتصاد الصين الكبرى في بنك سوسيتيه جنرال: "على الأمد القريب، أعتقد أن الفائض التجاري سيستمر في النمو. إنها مشكلة لن تختفي في وقت قريب".
إعلانلكن قوة الصادرات الصينية تخفي، بحسب التقرير، صورة اقتصادية أكثر هشاشة في الداخل، حيث يواجه صانعو السياسات تحديات متزايدة عن ضعف ثقة المستهلكين واستمرار انكماش الأسعار، في وقت يضغط فيه تراجع الواردات على علاقات الصين مع شركائها التجاريين ويزيد من احتمالات اتخاذ إجراءات انتقامية.
طفرة في الميزان التجاري مع جنوب شرقي آسياوأشار كاتبا التقرير إلى أن نمو صادرات الصين إلى دول جنوب شرقي آسيا يُعد من أبرز ملامح المشهد التجاري العالمي الجديد، وهو مشهد تحظى تطوراته بمتابعة دقيقة في ظل ارتباطه بالحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وقد سجّلت الصين فائضا تجاريا مع دول جنوب شرقي آسيا بلغ 245 مليار دولار خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام الحالي، وهو رقم يتجاوز بفارق كبير إجمالي الفائض المسجّل خلال عام 2024 بالكامل، والبالغ 191 مليار دولار.
ويقود هذا النمو ارتفاع الفائض مع دول مثل فيتنام وتايلند، إضافة إلى ماليزيا التي تحوّل العجز التجاري معها العام الماضي إلى فائض خلال العام الجاري.
وتُظهر البيانات أيضا توسّع الصين في عدد من الأسواق الأخرى، إذ ارتفع فائضها التجاري خلال 11 شهرا مع أفريقيا بمقدار 27 مليار دولار مقارنة بأرقام عام 2024 كاملة، مدفوعا بزيادة الصادرات إلى نيجيريا وليبيريا ومصر، إضافة إلى مبيعات السفن لدول القارة.
كما ارتفع فائض الصين مع الاتحاد الأوروبي بنحو 20 مليار دولار، ومع أميركا اللاتينية بمقدار 9 مليارات دولار.
أرقام استثنائية في قطاع السياراتوأوضح الكاتبان أن أكبر زيادة في الفائض التجاري خلال العام جاءت من قطاع السيارات، إذ ارتفع فائض الصين في هذا القطاع بمقدار 22 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ليصل إجمالي الفائض إلى 66 مليار دولار.
ويمثّل هذا الرقم تحوّلا استثنائيا، حيث كانت الصين تسجّل عجزا تجاريا في قطاع السيارات مع العالم قبل 3 سنوات فقط، وفق ما تشير إليه بيانات فايننشال تايمز.
كما تحوّلت تجارة السيارات بين الصين والاتحاد الأوروبي هذا العام من عجز إلى فائض، في حين أسهمت صادرات السيارات في تعزيز فائض الميزان التجاري مع القارة الأفريقية.
وإلى جانب ذلك، حققت الصين فائضا عالميا في تجارة البطاريات بلغ 64 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، في انعكاس مباشر لتوجهها المتسارع نحو المركبات الكهربائية، والذي جعل شركات صينية مثل "بي واي دي" أسماء عالمية بارزة.
الاستثمارات الأجنبية ودورها في الفائضوأشار الكاتبان إلى أن القطاع الصناعي الضخم في الصين لا يزال يشكّل قاعدة حيوية للشركات متعددة الجنسيات، من آبل إلى فولكس فاغن، إلى جانب المصنعين المحليين.
وتُظهر بيانات الجمارك أن صادرات الصين من الشركات ذات الاستثمارات الأجنبية بلغت 837 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2025، أي ما يزيد على ربع إجمالي الصادرات.
وكانت الهواتف ومنتجات الاتصالات من أكثر السلع مساهمة في الفائض التجاري، بقيمة 151 مليار دولار، تلتها أجهزة الكمبيوتر التي أضافت نحو 70 مليار دولار.
إعلانكما لفت التقرير إلى أن قطاع الطرود منخفضة القيمة -وهو النموذج الذي تتبعه شركات التجارة الإلكترونية مثل "شي إن" و"تيمو"- أضاف 22 مليار دولار إلى الفائض التجاري خلال الأشهر العشرة الأولى من العام، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مدفوعا بزيادة كبيرة في الشحنات المتوجهة إلى أوروبا، على الرغم من الانتقادات الأميركية والأوروبية لهذا النموذج بسبب استغلاله ثغرات الإعفاءات الجمركية.
عملة أضعف وأسعار منخفضةوأوضح كاتبا التقرير أن سعر صرف الرنمينبي (اليوان) ارتفع خلال الفترة الماضية مقابل الدولار، إلا أن العملة الصينية لا تزال عند مستويات أضعف مقارنة بالعقد الماضي.
وعلى عكس الاقتصادات الكبرى الأخرى، تواجه الصين انكماشا في أسعار المستهلكين والمنتجين داخليا، وهو انكماش يرتبط بمعدلات الإنتاج المرتفعة التي تغذي طفرة الصادرات.
ونقلت الصحيفة عن الخبير الاقتصادي آدم وولف: إن حصة الصين من الصادرات العالمية ترتفع بأسرع وتيرة منذ "صدمة الصين" الأولى في العقد الأول من الألفية بعد انضمام البلاد إلى منظمة التجارة العالمية.
ويؤكد خبراء أن ضغوط الانكماش تمنح المنتجين الصينيين قدرة تنافسية إضافية في الأسواق العالمية. ويوضح شوانغ دينغ، كبير الاقتصاديين للصين الكبرى وشمال آسيا في بنك ستاندرد تشارترد: "كل عام، يمنح فارق التضخم الصين ميزة إضافية في التسعير".
مشتريات الصينفي مقابل نمو الصادرات، تراجعت الواردات الصينية بالقيمة الدولارية إلى 2.3 تريليون دولار.
ومن أبرز السلع التي تستوردها البلاد خام الحديد والنحاس وفول الصويا والبتروكيمائيات، إضافة إلى أنها مستورد رئيسي لأشباه الموصلات، وهي محور أساسي للضغوط التجارية التي تمارسها الولايات المتحدة.
وقال شوانغ دينغ، إن هناك بعض "المؤشرات على تعويض الواردات"، أي أن عددا من المنتجات التي كانت الصين تستوردها سابقا -مثل الآلات والروبوتات الصناعية- بات يُصنّع محليا.
ويتوقّع الخبير آدم وولف أن يستمر الفائض التجاري في الارتفاع ليقترب من 1.5 تريليون دولار، في حال بقي الاستثمار في الأصول الثابتة ضعيفا، لا سيما في قطاع البناء الذي يعتمد بدرجة أكبر على السلع الأساسية ويُسهم عادة في زيادة الواردات.