بيروت- خلافا لما عهده اللبنانيون في السنوات السابقة، أقر البرلمان اللبناني قانون موازنة عام 2024، ضمن المهلة الدستورية. وبانتظار توقيع مرسومها في الحكومة، بأول جلسة تعقدها، يُجمع خبراء اقتصاديون على أنها موازنة بلا رؤية اقتصادية، ولا تتضمن إصلاحات جذرية تنقذ لبنان من قعر الانهيار، في ظل شلل مؤسسات الدولة وشغور رئاسي مستمر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، ومخاطر اندلاع الحرب تلوح من الجبهة الجنوبية بين حزب الله وإسرائيل.

ومجددا، تكرس موازنة 2024 "غياب العدالة الضريبية"، عبر ارتكاز معظم إيراداتها على الضرائب غير المباشرة التي تطال عموم المواطنين، خصوصا أن جزءا كبيرا من نفقات الموازنة يذهب لأجور وراتب موظفي القطاع العام. ويبلغ عدد هؤلاء نحو 210 آلاف عامل مدني، ونحو 120 ألفا عسكريا، وسبق أن طالب صندوق النقد الدولي بإعادة هيكلة القطاع العام، كأحد شروط نجاح المفاوضات مع لبنان، التي تعثرت منذ توقيع اتفاق على مستوى موظفين قبل عامين.

أبرز بنود الموازنة

جاء إقرار قانون موازنة 2024، في 26 يناير/كانون الثاني الجاري، من دون قطع حساب، بعد يومين من سجالات حادة داخل البرلمان بين النواب، وبعد إدخال تعديلات على المشروع المعدل من لجنة المال والموازنة البرلمانية.

الموازنة شكليا ساوت الإيرادات بالنفقات، ليكون عجزها 0% لكنها أبقت على تعددية واسعة بأسعار صرفها وفقا لمراقبين (الجزيرة)

يشير مراقبون إلى أن الموازنة شكليا ساوت الإيرادات بالنفقات، ليكون عجزها 0%، لكنها أبقت على تعددية واسعة بأسعار صرفها. ويبلغ سعر الصرف الرسمي 15 ألف ليرة منذ العام الماضي (بعدما كان لـ3 عقود 1507 ليرات)، في حين سعر الصرف في السوق السوداء يتجاوز 89 ألفا.

ويرى المراقبون أنه فيما لم تلحظ الموازنة كيفية معالجة الدين العام وإعادة هيكلته، وهو يتجاوز 100 مليار دولار، فإنها لم تتناول أيضا إجراءات تساعد بمعالجة خسائر الجهاز المصرفي، والذي قدره لبنان رسميا في 2021 بنحو 70 مليار دولار. ورمى البرلمان عند إقرار موازنة 2024 مسؤولية إعادة تحديد سعر صرف الودائع على حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري.

وركزت الموازنة على تعزيز إيراداتها من الضرائب غير المباشرة، حيث ارتفعت عشرات الأضعاف بالليرة لتتماشى مع سعر صرف الدولار بالسوق السوداء. وطالت معظم المعاملات الأساسية للمواطنين، مثل الرسوم البلدية والسفر وإخراجات القيد ومختلف ضرائب الاستهلاك والخدمات العامة.

وفيما فرضت الموازنة غرامات استثنائية بنسبة 17% على المستفيدين من منصة "صيرفة" من غير الأفراد، كان لافتا إقرار البرلمان لرفع الضريبة المفروضة على شركات الأموال من 17 إلى 25%، إضافة إلى فرض ضريبة على إيرادات رؤوس الأموال المنقولة مثل السندات والأسهم، التي يملكها مقيمون خارج لبنان.

خلفيات وتداعيات موازنة 2024

المفارقة الأهم في موازنة 2024، من وجهة نظر الصحفي والخبير الاقتصادي علي نور الدين، هي أنه لأول مرة منذ 20 عاما، تحيل الحكومة مشروع الموازنة إلى البرلمان ضمن المهلة الدستورية. لأنه في حالة الشغور الرئاسي والخلاف القانوني حول مشروعية التشريع، "إذا لم يصوت البرلمان عليها، أو أسقطها أو عدلها بحلول نهاية هذا الشهر، كان يمكن للحكومة إقرارها كما هي بموجب مرسوم".

التصحيح الضريبي لم يأت ضمن خطة إصلاحية ورؤية مالية بل هي رؤية محاسبية لتغطية الحد الأدنى من النفقات بالحد الأدنى من الواردات وفقا لخبير (الجزيرة)

ويقول نور الدين للجزيرة نت إن الحكومة أرسلت الموازنة بسلة ضريبية ضخمة، ثم أجرى البرلمان بعض التعديلات عليها "علما أن معظم القوى فيه ممثلة بالحكومة، فأخذت جلساتها طابعا استعراضيا وشعبويا".

ويعتبر نور الدين أنه رغم صعوبة وتداعيات رفع الضرائب غير المباشرة على الناس، كان هناك حاجة ماسة لمثل هذه الإجراءات تماشيا مع قيمة الليرة الفعلية بالسوق.

لكن المشكلة برأيه، أن التصحيح الضريبي لم يأت ضمن خطة إصلاحية ورؤية مالية، بل بدت الموازنة عبارة عن رؤية محاسبية لتغطية الحد الأدنى من النفقات بالحد الأدنى من الواردات.

وهنا، يعتبر المحامي والخبير الضرائبي كريم ضاهر، في حديث للجزيرة نت، أن لجوء السلطة لتعزيز وارداتها بالضرائب غير المباشرة، هي الوسيلة الأكثر كسلا والأكثر ضررا والأقل عدلا بحق عموم المواطنين، ولا تخدم مصلحتهم ما دامت أنها لا تترافق مع رفع مستوى الخدمات والحماية الاجتماعية. ويقول "إن الضرائب غير المباشرة تشكل أكثر من 75% من إجمالي الضرائب بلبنان، في حين الضرائب المباشرة لا تتجاوز 15%، وهذا يعني أنه إعفاء متعمد لأصحاب الثروة والرساميل من تسديد الضرائب بصورة عادلة مقابل تعزيز قدرتهم على التهرب الضريبي". كما يعتبر أن عدم إرفاق الموازنة بقطع حساب، سيسمح بغياب الشفافية عند تأمين إيراداتها وتسديد نفقاتها.

ومع ذلك، يجد ضاهر أن رفع الضريبة على شركات الأموال إلى 25%، كسر نوعا ما لـ"لوبي المصارف والصرافين"، خصوصا أنه ارتبط بفرض ضريبة على أرباح المستفيدين من منصة "صيرفة".

رفع الضريبة على شركات الأموال إلى 25% يشكل كسرا لـ"لوبي المصارف والصرافين" (الجزيرة)

والمشكلة بالموازنة، وفق ضاهر، أنها عبارة عن إجراءات بالقطعة، من دون دراسة ترتكز على أسس علمية، ويقول إن "دور الدولة يتمحور حول حماية المجتمع والاقتصاد، وزيادة الثروة وحسن توزيعها، وهذه 4 بنود لا تحققها الموازنة".

انعكاسات

ويعتبر الخبير الاقتصادي منير يونس أن رفع الضرائب بلغ نحو 46 ضعفا في هذه الموازنة، بغية تصحيح الرسوم القديمة قبل انهيار الليرة ولمجاراة التضخم. ومع ذلك، لا يمكن وصفها بالموازنة الإصلاحية، لأن تسديدها سيكون من جيوب المواطنين بعدما طال الفقر نسبة 85% منهم، وفق تقديرات أممية. ويفند يونس أثر الموازنة على الناس وفق التالي:

أصحاب المداخيل بالليرة، وهم عموم الشعب، ستزيد أعباؤهم الضريبة 46 ضعفا من دون تصحيح جوهري بالرواتب والأجور، وتحديدا لدى موظفي القطاع العام. أصحاب المداخيل المدولرة أو الذين يتقاضون بالدولار، وهم نسبة قليلة من اللبنانيين لن يتأثروا كثيرا بالزيادات الضريبية، مقابل تراجع قدرتهم على الادخار. المتهربون ضريبيا، هم الأكثر استفادة من هذه الموازنة كما سابقاتها.

وبالتوازي، يجد علي نور الدين أن الموازنة الحالية لا تستعيد فعالية وانتظام دور القطاع العام، كما أنها لم تتطرق لمصير المصارف والودائع، وتركت إدارتها للمركزي، مع ربطهما بقانونين منتظرين بالبرلمان، قانون استعادة الانتظام بالقطاع المالي، وقانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي.

في حين، يعتبر كريم ضاهر أن الحكومة والبرلمان لا يملكان أساسا خطة لرد الودائع، فيما "الموازنة لم تلب مختلف طلبات صندوق النقد الدولي، بعدما صار الاتفاق معه، في ظل الوضع الحالية، حدثا صعب المنال".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: القطاع العام موازنة 2024

إقرأ أيضاً:

توموكو أكاني قاضية يابانية ترأس المحكمة الجنائية الدولية

توموكو أكاني قاضية يابانية تخرجت من كلية الحقوق بجامعة طوكيو عام 1980، ثم حصلت على الماجستير في العدالة الجنائية من جامعة جاكسونفيل الحكومية بالولايات المتحدة عام 1990. رشحتها الحكومة اليابانية لتكون قاضية في المحكمة الجنائية الدولية عام 2016، وانتُخبت رسميا في 2018، وأصبحت عام 2024 رئيسة المحكمة.

بدأت مسيرتها المهنية مدعية عامة في اليابان عام 1982، وتولت مناصب متعددة في مكاتب النيابة العامة وشاركت في الأنشطة التشريعية والأكاديمية، بما في ذلك التدريس وإصلاح قانون الأحداث (مجموعة من التشريعات التي تنظم شؤون القاصرين عند ارتكابهم جرائم أو جنح).

اضطلعت بدور بارز في متابعة الجرائم الدولية، بما في ذلك قضايا جرائم الحرب في أوكرانيا، وواجهت ضغوطا سياسية دولية، مؤكدة على استقلالية المحكمة وحماية القانون الدولي العام.

المولد والدراسة

وُلدت توموكو أكاني يوم 28 يونيو/حزيران 1956 في مدينة ناغويا بمحافظة آيتشي. تخرجت من مدرسة أساهغاوكا الثانوية في مسقط رأسها، ثم التحقت بكلية الحقوق في جامعة طوكيو وأتمت تعليمها بها عام 1980.

انتقلت إلى الولايات المتحدة ودرست العدالة الجنائية في جامعة جاكسونفيل الحكومية وحصلت على الماجستير عام 1990.

توموكو أكاني حصلت على الماجستير في العدالة الجنائية عام 1990 (الفرنسية)التجربة العملية

بعد تخرجها من الجامعة أصبحت أكاني مدعية عامة عام 1982، وتولت مناصب متعددة على مستويات النظام القضائي الياباني. وقد اختارت أن تصبح مدعية عامة لأن الفرص المتاحة للنساء في القطاع الخاص كانت محدودة، ولرغبتها أيضا في العمل على تحقيق العدالة للضحايا والجناة.

اكتسبت أكاني خبرات واسعة في مكاتب النيابة في يوكوهاما وناغويا وسنداي وطوكيو، وتعاملت مع مجموعة واسعة من القضايا الجنائية عبر التحقيق والادعاء والمحاكمة والاستئناف، وشاركت في الأنشطة التشريعية، بما في ذلك تعديل قانون الأحداث في اليابان.

أصبحت أكاني أستاذة للعدالة الجنائية في كلية الحقوق بجامعة تشوكيو، وكذلك بجامعة ناغويا بين عامي 2005 و2009. وفي ناغويا أجرت بحوثا في م إصلاح العدالة الجنائية، كما تولت منصب مدير قسم التعاون الدولي بوزارة العدل بين عامي 2009 و2010.

إعلان

شغلت منصب المدعية العامة لمكتب ادعاء هاكوداته في محافظة هوكايو بين عامي 2010 و2012، ثم عُينت وكيلة للنيابة في مكتب الادعاء العام، وهو أعلى سلطة نيابية مختصة بالادعاء في الدولة.

كما شاركت أكاني في أنشطة معهد الأمم المتحدة الآسيوي لمنع الجريمة ومعاملة الجانحين أكثر من 7 سنوات، وتولت منصب مديرة المعهد بين يوليو/تموز 2013 وأكتوبر/تشرين الأول 2014.

ومن عام 2014 إلى 2016، شغلت منصب مديرة المعهد القومي لعلوم الجريمة بوزارة العدل، ثم لاحقا أصبحت سفيرة اليابان للتعاون القضائي الدولي.

توموكو أكاني أصبحت عام 2016 سفيرة اليابان للتعاون القضائي الدولي (الأناضول)قاضية بالجنائية الدولية

في أبريل/نيسان 2016 رشحت الحكومة اليابانية أكاني لتكون قاضية بالمحكمة الجنائية الدولية، وانتُخبت لذلك في اجتماع الدول الأطراف لاتفاقية روما في نيويورك بتاريخ 4 ديسمبر/كانون الأول 2017.

وفي مارس/آذار 2018 تولت المنصب رسميا في ولاية مدتها 9 سنوات، وكُلفت بالعمل بشكل رئيسي في الدائرة التمهيدية الثانية، التي أصدرت في 17 مارس/آذار 2023 مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشأن مزاعم ارتكابه جرائم حرب تتعلق بترحيل أطفال ونقلهم بصورة غير قانونية من أوكرانيا.

وفتحت روسيا في الشهر نفسه تحقيقا جنائيا ضد أكاني وكريم أحمد خان -المدعي العام السابق للمحكمة- وقاضيين آخرين، متهمة إياهم بإصدار مذكرات توقيف غير مبررة، وأصدرت في يوليو/تموز من العام نفسه أوامر باعتقالهم.

رئيسة المحكمة

وفي مارس/آذار 2024 انتُخبت أكاني لتولي منصب رئيسة المحكمة الجنائية الدولية حتى مارس/آذار 2027.

وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه أعربت أكاني في خطاب لها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن أسفها لأن المحكمة الجنائية الدولية "تعرضت لمستويات غير مسبوقة من التهديدات والضغوط والإجراءات القسرية التي تشكل تهديدا خطيرا لسير العدالة في المحكمة".

وقالت أكاني أمام أعضاء المحكمة في لاهاي في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، إن الهجمات التي تتعرض لها المحكمة منذ إصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت تشكل "خطرا وجوديا عليها"، وانتقدت تهديدات كل من الولايات المتحدة وروسيا للمحكمة وتدخلهما في التحقيقات.

توموكو أكاني أدرجتها روسيا عام 2023 على قائمة الملاحقة القانونية بتهمة مخالفة القانون الجنائي الروسي (الفرنسية)

وأوضحت أن الهيئة القضائية للمحكمة تواجه تدابير قسرية وتهديدات وضغوطا وأعمالا تخريبية، ورأت أنه "إذا انهارت المحكمة فإن هذا يعني حتما انهيار كل المواقف والقضايا"، مشددة على أن هناك "خطرا وجوديا" يهدد المحكمة.

وفي فبراير/شباط 2025 نددت أكاني بالعقوبات التي أصدرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على المحكمة، على خلفية مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت، ورأت فيها "هجوما خطرا" على النظام العالمي.

وأكدت أكاني أن الإجراء الذي اتخذه ترامب هو "الأحدث في إطار سلسلة غير مسبوقة ومتصاعدة من الهجمات التي تهدف إلى تقويض قدرة المحكمة على تحقيق العدالة في كل الحالات".

إعلان

وقالت أكاني، في افتتاح اجتماعات الجمعية العامة للدول الأعضاء بالمحكمة الجنائية الدولية أوائل ديسمبر/كانون الأول 2025، إن العقوبات الأميركية أثرت بشكل مباشر على الحياة الشخصية للقضاة والمسؤولين المستهدفين.

وشددت على أن الهيئة القضائية لن تقبل أي ضغط من أي نوع، مؤكدة على أن استقلالية وحياد المحكمة "ركيزتان لا مساومة فيهما"، وأضافت "ولاؤنا لنظام روما الأساسي والقانون الدولي".

مقالات مشابهة

  • نواب البرلمان: نجاح إيديكس 2025 وحزمة الحوافز الضريبية يعكسان قوة الدولة
  • "جهاز الضرائب" يستضيف طلاب جامعة السلطان قابوس للتعريف بالمنظومة الضريبية
  • رئيس الوزراء: ملف التسهيلات الضريبية يعد أولوية للحكومة «أبرز التصريحات»
  • توموكو أكاني قاضية يابانية ترأس المحكمة الجنائية الدولية
  • ميزانية 2025 العالقة تعيد طرح أسئلة الشفافية وحجم الإنفاق الحقيقي
  • مطر: التعليم الرسمي مهدّد والحلّ يبدأ من الموازنة
  • مالية النواب تستكمل مناقشات موازنة 2026
  • منتدى الاستراتيجيات يصدر تحليلاً موضوعيًا لمشروع قانون الموازنة العامة لعام 2026
  • خبراء الضرائب: توجيهات الرئيس السيسي بإطلاق الحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية ستُحدث طفرة بالاقتصاد القومي
  • "المرور" تكشف عن أبرز 3 مسببات للحوادث المرورية في منطقة نجران خلال 2024