مرتضى الغالي
اصطياد اللوامع (Subtle References) من أشعار الحردلو مهمة ممتعة شائقة ولكنها ذات نَصَب..! حيث أنها تتطلب التهيؤ اليقظ والاحتشاد النفسي ومد أشرعة الخيال..فللرجل بواطن وأغوار وشغف بالجمال عجيب وله (كاميرا خفية) تلتقط الأطياف السائرة واللحظة الكونية التي ينطوي عليها العالم المرئي في التو والحين.

..!
وهو شاعر عظيم من غير مغالاة..! حيث أن المقصود عظمة إبداعه وما أنتجه ولامسه من آفاق كونية وأبعاد إنسانية، وإنعام النظر في ذلك الانجاز الإبداعي وبيان نسبته إلى نفائس الذخيرة الإنسانيةو(خزانة الإبداع العالمي) وإمكان مضاهاة الحردلو بالشعراء العِظام الذين مرّوا على الدنيا واحتلوا موضعاً مرموقاً في مراقي الإبداع الإنساني مثل شكسبير وامرؤ القيس وميلتون ودانتي والمتنبي وهوميروس وإليوت...فالحردلو من هذه الطبقة وبين هؤلاء الكبار من غير وساطة أو استئذان..ومن غير(جمائل) لأي كان..!!.
لن ندع سهوَنا عن عظمة بعض مواطنينا السودانيين يلهينا عن سبيلنا في هذا الاستشراف؛ حيث إننا كثيراً ما نهمل (ما لدينا)جرياً على بعض عاداتنا في (طمر الجواهر بالتراب) وتبخيس كل ما هو ثمين..والمتنبي يقول (إنّ النفيس غريبٌ حيثما كانا) وينسبون للإمام الشافعي قوله:
التبر كالتُرب مُلقى في أماكنه
والعود في أرضِه نوعٌ من الحطبِ..!
والحردلو هذا لا نريد تضخيمه من حيث هو (فلان أو علّان) أو من خلال سيرته الذاتية وماذا كان يأخذ وماذا يدع..ولكن من باب النظر إلى شعره الذي وصل إلى قمم سوامق وذرىً شواهق لم تطأها أقدام سابقين..!
وقد نجد بعض الصعوبة في حصر أو تأكيد صحة بعض ما يُروى أو ينُسب للحردلو بسبب أن شعره كان موضوعاً للتداول الشفاهي حسب طبيعة الشعر البدوي-إن جاز التعبير- ووفق طبيعة إنشاء هذا النوع من الشعر الشعبي وطرق تداوله وروايته ووفق مواضعات البيئة الحاضنة له.
هذا ما يصفه "عادل بابكر" المترجم الرصين والأديب الإبداعي الذي تتزاوج عنده ملكة الترجمة الناصعة مع الحس الأدبي الشفيف في كتابه بالانجليزية (الحردلو: صائد الجمال) في مدخل رؤيته لحياة وبيئة وأشعار الحردلو..وقد كان مدخله الأول لعالم الحردلو كما قال هو استماعه في مرحلة باكرة من صباه إلى دندنة الدوبيت من عمه الراحل "صديق العمدة" ثم لاحقاً استماعه إلى مقاطع من شعر الحردلو منغومة بلهاة الفنان الكبير عبد الكريم الكابلي..!
ومن هنا تكشّفت له كنوز الحردلو واستوقفته الأخيلة الغنية واستغرقته الغنائية الباذخة...وأدهشه الاستخدام العجيب للغة..ثم الأفكار الكبيرة المدفونة في تعبيراته البدوية التي تتحلّى بالوصف المُعجز والحصافة الشعبية والوجدان العاشق للجمال حيثما كان:
قلبي المن نشوهو للبنات هوّاي
داب من زاد عليا وغلّب الداواي
من مسكة خنيصرو المو شديد لاواي
بتفهق بلا كبد الحُقن ناواي
خلفولها الشتيم شاشايها جاي ..جاي.. جاي
وجات بتشلعو.. الفوقها النجيم ضواي
ست تبري أب نقش والداير الباراي
.. يا ستار عليّ من غيّها السراي..!
(عند الإمساك بأصبعها الصغير(الخنصر) اللين المطاوع تتأود وتتلوى وتتمايس جميعها مثل تمايل الفرع الرويان في مجرى المياه حيث "مدالق السيل")..!
twisting like a supple branch on the mouth of a watercourse
يا ستار عليّ من غيّها السرّاي
Your protection,
O Lord from a passion running deep in my bloodstream
ومع هذه أخذت بصاحبنا مقاطع أخرى غناها الكابلي من رسالة الحردلو إلى أخيه عبدلله (عِبدله) يخطره فيها بغيابه عن شهود العيد معهم هذه المرّة:
الزول السمح فات الكُبار والقدرو
كان شافوهو ناس عِبدله كان يعذرو
السبب الحماني العيد هناك احضرو
درديق الشبيكي البنّتو في صدرو
نعم..لقد فات الزول (الكبار والقدرو):
Among her age or older,she’s peerless
ثم يعرّج إلى ذكر مكرمة الباحث الشعبي الكبير جليل الأثر (الطيب محمد الطيب) وثلة من باحثي الفولكلور والأدباء والفنانين، وإسهامهم في تمهيد الطريق لكشف مخايل ومحاسن وتجليات الشعر البدوي، ونقل المعرفة به إلى قطاع عريض من الجمهور السوداني، مما أتاح لهذا الشعر في بداية الألفية الثالثة أن يكسب (أراضٍ جديدة) عزّزها انتشاره عبر الوسائط الاتصالية الحديثة، مما أفضى إلى ذيوع فنون الدوبيت وتسجيلها حضوراً قوياً في المدن وحتى العاصمة.
لقد استطاع فن الدوبيت - وأنماط أخرى من الشعر البدوي- أن يجتذب الأجيال الشابة من الجنسين مما أحدث ثغرات واسعة في جدار الحواجز اللغوية والثقافية التي جعلت هذا الضرب من الشعر حبيس حدوده الطبيعية (البطانة والبوادي السودانية)..تلك الحدود والسدود التي بدأت في التراجع حالياً..!
عنوان كتاب عادل بابكر هو (صائدو الجمال: الشعر البدوي السوداني: التطوّر والتأثير - بتركيز على إقليم البطانة)
The Beauty Hunters
Sudanese Bedouin Poetry: Evolution and Impact
With a focus on the Butana Region
نعم..شعر الحردلو هو انعكاس لعصره ومزاجه على حد السواء؛ وهو رائد الشعر البدوي السوداني بلا منازع.. الذي منح هذا الفن روحه وكينونته، ولا جدال ولا مِراء في أن شعر كان الحردلو ولا يزال غضاً وحاضراً..متساوقاً مع الزمن..يتحدث عن رؤية هذا الشاعر لدنياه وكلمته للكون والحياة..ويتم حفظه وروايته والاستشهاد به لأكثر من قرن من الزمان بعد رحيله عن الدنيا..!
ما سر عظمة الحردلو..الباحث عن الجمال الذي يقول إنه (هوّاي للبنات) منذ أن خلقه الله وأودع قلبه في صدره..؟!!

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

اطلاق طائر العقاب النسارى بعد علاجه بمحمية وادى الجمال

تلقت محميات البحر الأحمر بلاغًا بوجود طائر مصاب في منطقة أبو غصون – محمية وادي الجمال – حماطة جنوب محافظة البحر الأحمر، وبناءً على توجيهات وزارة البيئة، قامت محميات البحر الأحمر بتشكيل لجنة متخصصة لفحص البلاغ، وسرعة اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة لاستلام وعلاج الطائر، والذي تبيّن أنه من نوع العقاب النساري.

 

وبالتعاون مع إحدى العيادات البيطرية بمرسى علم، تم إجراء: فحوصات سريرية، وأشعة X-Ray .

 

وأظهرت الفحوصات عدم وجود كسور، بينما تبيّن إصابة الطائر بـ طفيليات جلدية استدعت تلقي علاجًا متخصصًا.

 

وخلال فترة المتابعة داخل العيادة، شهدت حالة الطائر تحسنًا ملحوظًا، وبعد استكمال العلاج والشفاء التام،
تم إطلاق العقاب النساري بنجاح في بيئته الطبيعية داخل نطاق المحمية، ليعود إلى موطنه الأصلي بأمان.

 

عن العقاب النساري 

يُعد  طائر العقاب النساري من الطيور الجارحة الفريدة، ويعيش بالقرب من السواحل، حيث يعتمد في غذائه بشكل شبه كامل على الأسماك.
 

ويتميز بقدرته المذهلة على الغوص بدقة وسرعة لاصطياد فرائسه، كما يبني أعشاشه الكبيرة غالبًا على الأشجار أو الأعمدة المرتفعة القريبة من المياه.
ويُعتبر وجوده مؤشرًا حيويًا على صحة النظم البيئية الساحلية.

 

وتتقدم محميات البحر الأحمر بخالص الشكر والتقدير إلى: أحمد محمد عبد الغني عامل بميناء أبو غصون، على سرعة الإبلاغ، والدكتور عبد الرحمن طارق، والدكتورة يوستينا خليل، على دورهم المهم في إنقاذ الطائر وإعادته إلى بيئته الطبيعية.

 

وتواصل وزارة البيئة - قطاع حماية الطبيعة – محميات البحر الأحمر جهودها في حماية الحياة البرية وصون التنوع البيولوجي، بدعم من المجتمع المحلي وشركاء العمل الميداني، إيمانًا بأن الحفاظ على البيئة مسئولية مشتركة، وأن حماية الأنواع والنظم البيئية ركيزة أساسية لضمان استدامة مواردنا الطبيعية للأجيال القادمة .

مقالات مشابهة

  • صيدا.. حاضرة البحر وعنفوان الجمال والتراث في لبنان
  • اطلاق طائر العقاب النسارى بعد علاجه بمحمية وادى الجمال
  • زيت جوز الهند: فوائد مذهلة للجسم والشعر والبشرة
  • غداً .. بيت الشعر العربي ينظم أمسية شعرية لشعراء وفناني فلسطين
  • تعرف على شرح حديث "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"
  • أسباب ظهور الشيب المبكر .. وطرق العلاج والوقاية
  • نشرة المرأة والمنوعات | أجهزة منزلية تهدد صحة الرئة .. مشروبات تساعد على نمو الشعر
  • هدايا صغيرة وابتسامات كبيرة.. أسرار حياة رائدة أعمال بريطانية
  • بدون أدوية.. مشروبات تساعد على نمو الشعر
  • "بين القاهرة وفلسطين".. أمسية ببيت الشعر العربي الأحد