نتابع المثلثات الحمراء والصفراء في غزة، لكن صار يلازمنا السؤال البغيض وخاصة بعدما حوصر نحو 1.2 مليون إنسان في مربع رفح ووضعوا ظهورهم للجدار والأسلاك: ماذا لو انكسرت المقاومة وخسرت حاضنتها وانكشف ظهرها؟ والسؤال الذي يتوالد من السؤال السابق: كيف ستفاوض المقاومة وشعبها واقف على حاجز العبور جائعا وعاريا وجروحه تنزف؟ هذا السؤال المليء بالخوف والشك مثله مثل الإيمان بالانتصار؛ كلامهما يكشف الأهمية الاستراتيجية لحرب الطوفان وأثرها الفعال في الاتجاهين.
تفاوض قاس مع عدو غادر
كُتب الكثير عن أهمية معركة الطوفان وتأثيراتها الواسعة على المنطقة، لكن أغلب ما كُتب صدر عن عرب متعاطفين مع المقاومة لا تطاوعهم قلوبهم على توقعات سيئة. بعض العقل البارد ضروري في هذه المرحلة التي بدأ فيها تفاوض قاس على إنهاء الحرب، وفي التفاوض تبدو لنا المقاومة عزلاء إلا من وسيط قطري متعاطف لكنه غير مسلح، أي أن ثقله العسكري لا يساوي الكثير في ميزان التفاوض. أما الثقل العسكري المصري فلا يزن في كفة المقاومة بل في كفة العدو، بما يجعله سببا للضغط على المقاومة وليس الضغط لصالحها.
المقاومة جزمت بثقة بأن ما لم يحصل عليه العدو بالسلاح لن يحصل عليه بالتفاوض، ورغم هذه الثقة فإن معرفتنا بطول نفس العدو المدعوم بكل الوسائل سيرفع الثمن على المقاومة، أي يقلل مكاسبها من الحرب ويجبرها على تنازلات موجعة. وفي تفاوض طويل يصير كل تنازل كما كل تصلب عبئا على المقاومة، إذ يرفع آلام الحاضنة التي إذا توقفت الحرب ستعيد حساب خسارتها في الأهل والرزق وتنفتح أبواب المزايدة والتحريض والمنّ على المقاومة حتى بحفاظات الأطفال
نتذكر جيدا أن المقاومة جزمت بثقة بأن ما لم يحصل عليه العدو بالسلاح لن يحصل عليه بالتفاوض، ورغم هذه الثقة فإن معرفتنا بطول نفس العدو المدعوم بكل الوسائل سيرفع الثمن على المقاومة، أي يقلل مكاسبها من الحرب ويجبرها على تنازلات موجعة. وفي تفاوض طويل يصير كل تنازل كما كل تصلب عبئا على المقاومة، إذ يرفع آلام الحاضنة التي إذا توقفت الحرب ستعيد حساب خسارتها في الأهل والرزق وتنفتح أبواب المزايدة والتحريض والمنّ على المقاومة حتى بحفاظات الأطفال.
نظريا، الوصول إلى مرحلة تفاوض يعني نصرا للمقاومة، لكن هذا التفاوض يجري مع عدو بلا شرف عسكري ولا أخلاق حرب لذلك نراقب ونضع يدا على القلب. قلوبنا المتعاطفة تنتظر ضربات تفاوضية لا تقل أثرا في العدو من ضربات الياسين 105.
هل ملكت المقاومة توازن الردع؟
بعد حرب 2006 مع حزب الله حصلت حالة هدوء على جبهة جنوب لبنان / شمال فلسطين، وهذا مثير للتفاؤل إذ يكشف أن العدو يخاف ويتقهقر ويخشى العودة إلى موطن هزيمته، لكن نتذكر أيضا مفاوضات الكيلو 101 (أو مفاوضات طابا) مع الجانب المصري، والتي دامت سنوات طويلة وأمكن للعدو أن يحيَّد مصر نهائيا، بل يفوز بمكاسب أنسته خساراته العسكرية في حرب أكتوبر، لقد كسب في تلك المفاوضات ما خسره بالحرب. والمقاومة الآن بين نموذجين من التفاوض مع نفس العدو، فهل ملكت الردع الذي ملكه حزب الله بحيث تجعل العدو يفكر طويلا قبل التفكير في العودة إلى غزة، وهو ما نسميه توازن الردع؟
قراءات عسكرية كثيرة تقول إن حرب الطوفان فعلت بالعدو أكثر مما فعلت به المقاومة اللبنانية عام 2006، لكن يوجد فرق بين مقاومة خارج الأرض المحتلة وبين مقاومة في منطقة في خاصرة العدو. لقد صمتت جبهة شمال فلسطين منذ 2006، وواصل العدو غطرسته في المنطقة وتوجه إلى حركة تطبيع واسعة فحوّل الهزيمة إلى نصر، فكأنه كبّل المقاومة هناك باتفاق. وهذا الاحتمال وارد بخصوص غزة، كأن يصل إلى اتفاق يعزل غزة عن الضفة وعن القدس، وإذا حقق ذلك فإنه يكون حقق نصرا خارج غزة يكون ثمنه أقسى مما دفع في غزة. وتكون آثاره على غزة بعدية، فهي لا تود أن تكون دولة وجدها معزولة عن بقية الأرض/ الجسد الفلسطيني.
نطرح هذه الأسئلة/ الانشغالات ونود أن نعتذر للمقاومة فنحن لا نتعالم عليها أو نقدم لها دروسا من مكان مريح، فهي من يمسك جمرة فلسطين وما نحن إلا قلوب خافقة من حولها.
نتفاءل من داخل الخوف
لقد قدمت المقاومة في الحرب أكثر مما توقعنا منها (لقد تجاوزت خيالنا الكسيح)، ولذلك اكتفينا في الشهرين الأخيرين بحساب المثلثات الحمراء والصفراء. ويعود خوفنا عليها في بداية التفاوض حول وضع نهائي إلى فقدانها لسند سياسي أو حزام فعال يضع ثقله إلى جانب المفاوض القطري.
تعود لنا الأسئلة حول الدور التركي الغائب (وقد زعم إسناد المقاومة)، وليس لدينا أية صورة مطمئنة عن الدور الإيراني (وله أجندته الخاصة)، في المقابل نعرف يقينا أن مصر والنظام السعودي والأردني (وحزام التطبيع العربي) ينتظرون الحصول على مكاسب في غزة مقابل الحصار الذي فرضوه على المقاومة زمن المعركة. ومكاسبهم أن لا تقوم في غزة معركة أخرى تُقلق راحتهم حيث هم، فضلا عن أن يولد في غزة نصر (أو حتى نصف نصر) قد تنتقل عدواه إلى مرابعهم المطمئنة.
كيف ستصرف حماس إنجازها العسكري؟ سنتابع جولات التفاوض القاسية بقلوب واجفة مثلما تابعنا مجريات المعركة التي أدت إلى التفاوض ولا قدرة لنا كأفراد عزّل في التأثير فيه، مثلما لم نؤثر في المعركة بإسناد الحاضنة بالقليل الممكن.
إذا كانت معركة الطوفان قد ربحت الجولة العسكرية فإن جولتها التفاوضية لن تقل خطورة، ولن يكون أثرها في غزة وحدها.. ومن يدري لعل في مواجهة غزة لمصيرها وحدها دون حزام منافق نصر آخر لا نراه اللحظة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المقاومة مفاوضات غزة مفاوضات الاحتلال المقاومة مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على المقاومة یحصل علیه فی غزة
إقرأ أيضاً:
نتنياهو بين مطرقة “أبواب الجحيم” في غزة وسندان التآكل الداخلي
يمانيون../
أثار إعلانُ جيش الاحتلال عن استعداده لعمليةٍ جديدةٍ في قطاع غزة، وإطلاق اسم توراتي عليها موجةً من السُّخرية، من يستمع إليه يعتقد أن الكيان لم يحتل ويدمّـر ويحاصر ويجوِّع، ليبدو أنهُ وبعد 19 شهرًا يدور حول نفسه ليعود إلى النفطة صفر.
وفيما مجرم الحرب نتنياهو ما يزال متوهمًا أنه يستكمل احتلال غزة وإبادة أهلِها وترحيل من نجا، بمخطّط أعدّته هيئة الأركان في جيش العدو، بتنسيق مع الأمريكيين.
أدوات الضغط الخمسة على المقاومة:
من كواليس الاستراتيجيات الأمريكية استحضر المخطّط أدواتِ الضغط على المقاومة، بدءًا باحتلال مناطق جديدة، لقطعِ الاتصال بين كتائب وسرايا المقاومة، وتدمير ممنهج للبنية التحتية المدنية والقتالية.
عملية ليست جديدة هدفُها توسيعُ مناطق العَزْل على أطراف القطاع لحماية مغتصبات غلاف غزة، ومن ثم تحريك السكان عبر نقاط تفتيش “نتساريم” إلى مناطق خالية من نفوذ المقاومة؛ ما يمنعها من التجنيد أَو السيطرة على المدنيين، كما يعتقد المخطّط.
استمرار منع تدفق المساعدات إلى غزة، ضمن أولوية العملية، مع الضغط النفسي والإعلامي “المعرفي”، والذي يريد كيان العدوّ من خلاله الوصول إلى تسويةٍ وفق شروطه لما يسميه “اليوم التالي”.
المخطّط الصهيوني وتفرعاته المزمنة -وفقًا للنظريات العسكرية التكتيكية- يشيء بوجود خلل بنيوي تتناقض فيه تفاصيل العمل الميداني مع مضامين الأهداف، حتى وإن جاءت تدريجية، إلا أنها ستمنح المقاومة مخارجَ عدة في كُـلّ مرحلة.
المخطّط الذي امتدحه وزير الحرب الصهيوني “كاتس”، لافتًا إلى أنه “منذ بداية المناورة، لن نتوقف حتى نحقّق جميع الأهداف، بما في ذلك خطة الهجرة الطوعية لسكان غزة، وسيتم إجلاء كافة سكان غزة إلى مناطق جنوب غزة”، حَــدّ زعمه.
تقارير عبرية وصفت المخطّط “بالغبي”؛ كونه لم يصمم بعناية حذرة جِـدًّا بشأن مصير الأسرى، وبالتالي لا تستبعد العائلات الصهيونية فقدان ما تبقى من جنودها الأسرى الأحياء في غزة.
ورغم التحذيرات الصهيونية المتكرّرة، بدا جيش الاحتلال مقتصدًا في استخدام قوات الاحتياط لعدم كفايته من القوى البشرية التي يعول عليها الكثير من الأعمال الميدانية، ما أوقع قواته اليوم الأربعاء، في شراك عمليات المقاومة التي فتحت عليها “أبواب الجحيم”.
سلسلة “أبواب الجحيم”:
وضمن سلسلة عمليات “أبواب الجحيم”، أعلنت القسام تمكّنها من استدراج قوة صهيونية راجلة إلى كمين جهّز مسبقًا بعددٍ من العبوات الناسفة، وغيرها من العمليات التي جاء الإعلان عنها تباعًا.
لم تنتظر المقاومة طويلًا، بل بثت مشاهد لكمين مركب ضد قوات الاحتلال، وخلال أحد كمائن سلسلة “أبواب الجحيم”، ضد جنود العدوّ شرقي رفح، ظهر أحد مجاهدي القسام قائلًا: “أصدرت قيادة القسام أمر العمليات التالي: “بدء انطلاق سلسلة عمليات “أبواب الجحيم”.
وبدا مخاطبًا كيان العدوّ، السلسلة جاءت، “لتؤكّـد أن رفح وبعد عام على القتال، كانت وما زالت تبدد وهمكم، وتقطف أرواح جندكم، فلتفتح أبواب الجحيم على مصراعيها، وليكن كُـلّ بيت وزقاق في رفح بمثابة قنبلة موقوتة، تختطف أرواح قوات نخبتكم”، متعهدًا “أننا باقون هنا في أرضنا، ندافع عنكم، وعن ديننا ووطنا الحبيب”.