محللون: فيديو القسام يمس الكرامة الإسرائيلية ورسالة تفاوض بالنار
تاريخ النشر: 11th, July 2025 GMT
بات قطاع غزة على صفيح ساخن بعدما رفعت المقاومة من وتيرة عملياتها ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، في وقت تتواصل فيه مفاوضات الدوحة للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وبثت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مشاهد توثق محاولة أسر جندي إسرائيلي قبل قتله والاستحواذ على سلاحه في كمين مركب شرقي خان يونس (جنوبي قطاع غزة).
ووصفت وسائل إعلام إسرائيلية فيديو القسام بأنه مرعب وصعب وغير مناسب لذوي القلوب الضعيفة، كما أنه يكذب رواية الإعلام الإسرائيلي، إذ لم يقاتل الجندي بشراسة بل فر من أرض المعركة، في حين اختار مقاتلو حماس ترك جثته وأخذ سلاحه فقط.
ويمس هذا الفيديو "الكرامة الوطنية الإسرائيلية" في ظل الأسطورة التي بناها جيش الاحتلال بشأن جنوده، مما يكسر الثقة بينه وبين المجتمع الإسرائيلي، وفق حديث الخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى لبرنامج "مسار الأحداث".
ويؤكد فيديو القسام أن ثمة حربا صعبة تدور في غزة رغم استمرار مفاوضات وقف إطلاق النار، حسب المستشار السابق للأمن القومي الأميركي مايكل فايفل.
ومن هذا المنطلق، تبرز مخاوف في إسرائيل بعد هدنة الـ60 يوما المفترضة من أن تعيد حماس ترميم قواتها وتستعيد قدراتها العسكرية، مما قد يعرقل سير مفاوضات وقف الحرب.
أما عسكريا، لم تنجح الإستراتيجية التي أتى بها رئيس الأركان الجديد إيال زامير، إذ زادت عمليات المقاومة بوتيرة دموية أعلى وخسائر بشرية أكثر.
ويعني هذا أن جيش الاحتلال لم يأخذ إرادة القتال في عين الاعتبار، وفق الخبير العسكري إلياس حنا، بعدما استطاعت المقاومة التأقلم وإنتاج قيادات جديدة ذات خبرة.
رسالة تفاوض بالنار
وكذلك، يأتي تصاعد عمليات المقاومة في سياق حرب استنزاف، إذ زادت وتيرتها بعد وقف حرب إيران، في رسالة مفادها بأن غزة ستبقى عقدة وثقبا ينزف بذاكرة المجتمع الإسرائيلي، كما يقول الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة.
إعلانوتمثل هذه العمليات أيضا رسالة تفاوض بالنار، ومستوى عاليا من الضغط العسكري ينعكس على طاولة المفاوضات، وكذلك على زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن.
وبناء على هذا الوضع، لا يوجد خيار أمام إسرائيل سوى إيقاف عدوانها والانسحاب بعد فشل المقاربة العسكرية، في حين هناك خبث وسوء نية واضح لدى نتنياهو المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب في غزة.
ويشير الحيلة إلى أحدث تصريحات نتنياهو التي حذر فيها من العودة للقتال "إذا لم يتم نزع سلاح حماس وتفكيك الحركة خلال فترة 60 يوما".
بقاء أم انسحاب؟
وأعرب الخبير العسكري عن قناعته بأن ما تقوم به المقاومة له أبعاد مختلفة في مرحلة ما بعد نهاية الحرب تتعلق بمصير المقاومة وسلاحها والقيادات السياسية والعسكرية.
ويؤكد حنا أن رفض المقاومة قبول خرائط جديدة للانسحاب الإسرائيلي يشير إلى أن المرحلة المقبلة سيكون فيها القتال دمويا والثمن مرتفعا.
ويعني بقاء جيش الاحتلال في محور موراغ جنوبا أنه "قادر على البدء من حيث انتهى بعد هدنة الـ60 يوما"، في حين تريد المقاومة انسحابه للعمل على مساحة أكبر وتكبيد إسرائيل أثمانا كبرى، فضلا عن إمكانية الحصول على استعلام تكتيكي تحضيرا للفترة المقبلة.
أما سياسيا، لا يريد نتنياهو التعهد بالانسحاب من قطاع غزة وليس وقف الحرب، إذ يعتقد بأن هذه ورقة ضغط قوية على حماس، وفق مصطفى، كما أن عدم الانسحاب يمكن إسرائيل من الاحتفاظ بمنطقة تبني فيها ما تسمى بـ"مدينة إنسانية"، مما يبقي فكرة التهجير قائمة.
في المقابل، لا يريد جيش الاحتلال هذه المنطقة لكونها مكلفة ماديا، كما أنه لا يستطيع تنفيذها، وتحوله عمليا إلى شرطة مدنية في غزة، وتؤكد غياب أي أفق سياسي وإستراتيجي للحكومة الإسرائيلية.
وفي هذا السياق، قالت هيئة البث الإسرائيلية إن كلفة إنشاء "المدينة الإنسانية" بغزة تقدر بـ20 مليار شيكل (6 مليارات دولار)، مما يعادل نصف ميزانية وزارة الدفاع.
وبين هذا وذاك، يحاول زامير رسم صورة نصر رقمية، مع رسالة مبطنة مفادها بأنها لا يمكن تحقيق أهداف إسرائيل بتدمير حماس ونزع سلاحها، مع ضرورة الذهاب للحل السياسي كأفضل خيار لكي يرتاح الجيش ويعيد بناء نفسه وذخيرته، حسب حنا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات جیش الاحتلال
إقرأ أيضاً:
محللون إسرائيليون: لم ننتصر في غزة والقضاء على حماس يحتاج سنوات
القدس المحتلة- في الوقت الذي تواصل فيه واشنطن ممارسة ضغوط مكثفة على الحكومة الإسرائيلية من أجل التوصل إلى هدنة شاملة وصفقة تبادل أسرى تمهّد لإنهاء الحرب المستمرة في غزة، تؤكد التقديرات الإسرائيلية أن حركة حماس لا تزال تحتفظ بقدراتها العسكرية ولم تفقد السيطرة على القطاع، رغم مرور نحو عامين من القتال العنيف.
وخلال زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى الولايات المتحدة ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اتضح بجلاء أن واشنطن ترى في الحرب الحالية عبثًا مستمرًّا، وأنها تمارس ضغطا مباشرا على نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- كي يقبل بوقف إطلاق النار والتوصل إلى اتفاق تبادل يفرج عن المحتجزين.
لكن في المقابل، تظهر مواقف نتنياهو أنه ليس في عجلة من أمره لإبرام اتفاق قد ينظر إليه في إسرائيل على أنه تنازل لحماس، وتشير تحليلات إسرائيلية متقاطعة إلى أن الجيش الإسرائيلي لم ينجح في تحقيق هدفه المركزي المعلن، وهو القضاء على حكم حماس في غزة.
بل إن المؤسسة العسكرية، وفق تسريبات وتقارير، تعترف ضمنًا بأن إنهاء حكم الحركة بالكامل قد يتطلب سنوات طويلة من القتال البريّ المتواصل داخل القطاع، في مواجهة شبكة أنفاق معقدة وقدرة مقاتلي حماس على إعادة تنظيم صفوفهم.
وبينما تطالب الإدارة الأميركية بوقف لإطلاق النار يتيح الإفراج عنهم ويخفف المأساة الإنسانية، تبدو القيادة الإسرائيلية ممزقة بين الرضوخ للضغوط الدولية وخطر فقدان القدرة على التأثير العسكري في القطاع.
وبحسب هذه التقديرات، فإن الجيش الإسرائيلي لا يزال مذهولا من حجم التحدي الذي تمثله الأنفاق، ومن صعوبة تدميرها بشكل كامل، بينما يواجه صناع القرار معضلة شديدة التعقيد، تتمثل بأن أي عملية انسحاب الآن ستسمح لحماس بإعادة ترتيب قواها والتعافي سريعا، لكن في المقابل فإن الوقت ينفد بالنسبة للمحتجزين، ويُخشى أن يؤدي استمرار العمليات العسكرية إلى تعريضهم لمزيد من الخطر.
إعلانوتتقاطع معظم القراءات الإسرائيلية في خلاصة واحدة، مفادها أن هذه حرب فقدت معناها الواضح، وتحصد المزيد والمزيد من الأرواح بلا أفق سياسي واضح أو حسم عسكري قريب، بينما تحتاج الأهداف التي طُرحت في بدايتها إلى سنوات من القتال المكلف والمضني لتحقيقها، إذا أمكن تحقيقها أصلا.
يقول المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل إن "التطورات الأخيرة تظهر أن الحرب في غزة دخلت مرحلة معقدة من التوازن الهش بين الرغبة الدولية بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار والواقع العسكري والسياسي الداخلي الإسرائيلي الذي يعكس ترددا واضحا في الحسم".
وأوضح هرئيل أن زيارة نتنياهو إلى واشنطن أظهرت ازدواجية الموقف الأميركي، بين دعم مطالب إسرائيل والضغط لقبول تنازلات، وهو ما يعكس ترددا في البيت الأبيض، ويمنح نتنياهو فرصة للمماطلة في المفاوضات.
وأشار المحلل العسكري إلى أن نتنياهو يواجه ضغوطا داخلية تدفعه لإبرام اتفاق يعيد المحتجزين، لكنها تتعارض مع اعتبارات أمنية وسياسية تمنعه من الانسحاب الكامل من محاور إستراتيجية، أبرزها محور موراغ، الذي يتيح السيطرة على توزيع المساعدات ومحاولة منع حماس من تعزيز نفوذها.
ويقول هرئيل إن هذا التمسك "لا يقتصر على الحسابات العسكرية"، بل يرتبط بخطة أوسع ترمي إلى إنشاء "جيب محصن" في رفح يعزَل فيه سكان غزة، ويُسهم في إضعاف قدرة حماس على إعادة تنظيم صفوفها، في خطوة تعكس في جوهرها التهجير القسري.
من جانب آخر، يضيف المحلل العسكري أن "الحرب أدت إلى خسائر بشرية جسيمة بين الجنود الإسرائيليين، إضافة إلى معاناة نفسية مدمرة"، وهو ما ينعكس في تصريحات قادة عسكريين تُبرز استنزاف الجيش الإسرائيلي وحاجته إلى الاستمرار في القتال لسنوات إذا أُريد تحقيق أهداف الحرب المعلنة.
معركة استنزاف
وحول حقيقة الأهداف المعلنة، استعرضت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في تقرير ميداني من داخل قطاع غزة مشاهدات وانطباعات من الخطوط الأمامية، بعد مرافقة وحدات من الجيش ولقاء ضباط وجنود.
وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم أن الانتقال العسكري من قاعدة "نحال عوز" إلى حي التفاح لا يستغرق سوى دقائق، إلا أن زمن الحرب هناك مختلف تماما، إذ يخوض الجنود منذ 21 شهرا قتالا شاقا داخل شبكة أنفاق معقدة ومتشعبة، وصفوها بـ"معركة سيزيفية"، أي أنها لا تنتهي وتفاجئهم دائما بامتدادها وعمقها.
يقول المقدم "أ"، قائد كتيبة "غرانيت 932" للصحيفة: "فوق الأرض نصل إلى البحر بسرعة، لكن تحتنا مدينة كاملة يحتاج تفكيكها إلى استخبارات وتخطيط ووسائل خاصة، والأهم: الوقت، وهو المشكلة الأصعب".
وفي ظل الضغوط لإبرام اتفاق يعيد المحتجزين، يجد الجيش صعوبة في إيصال رسالته بأن هذه مهمة معقدة وخطيرة وتتطلب صبرا طويلا.
ويشير ضباط ميدانيون إلى تحديات كبيرة في العمليات، مثل محدودية آلات الحفر والمتفجرات وصعوبة توفيرها، بينما تواصل حماس تطوير أساليبها لمواجهة القوات الإسرائيلية المتوغلة.
وتؤكد تقديرات الجيش أن تفكيك كيلو متر واحد من الأنفاق قد يستغرق أسابيع من العمل المعقّد والخطير، وسط تهديدات بالكمائن والاختطاف، وفي ظل وجود 60 إلى 80 مقاتلا لحماس في أنفاق بيت حانون بانتظار الفرصة للهجوم والاختباء مجددا.
وبحسب محلل الشؤون العسكرية في "يديعوت أحرونوت" يوسي يهوشوع، فإنه إذا تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار -وهي خطوة قال رئيس الأركان إيال زامير إن "الظروف باتت مهيأة لها"- فسيواجه الجيش معضلة حقيقية، بسبب خطر الأنفاق الذي لم يُستأصل بعد.
إعلانويشير المحلل العسكري إلى أنه "بإمكان حماس إعادة فتح هذه الأنفاق أو حفر ممرات جديدة، وهي تحاول ذلك بالفعل، وتشكل هذه الشبكات تهديدا دائما، إذ يمكن استخدامها لشن هجمات أو تنفيذ عمليات خطف".
وأشار المحلل العسكري إلى خطر العبوات الناسفة المصنوعة من أسلحة الجيش التي وقعت بيد حماس، محذرًا من أنه إذا انسحب الجيش من مناطق واسعة في إطار اتفاق جزئي، فلن تهدأ الأوضاع هناك، بل ستسعى حماس لإعادة بناء قدراتها العسكرية.
وفي النهاية، يؤكد يهوشوع أن "القضاء على حماس هدف قد يستغرق سنوات من القتال الشاق داخل غزة"، محذّرا من أن "من يدعي غير ذلك لا يدرك حجم التحدي"، وأضاف أن "غزة تملك الوقت، وهذا هو أخطر ما فيها".