شهد رحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، يومه الخميس 8 فبراير، مناقشة أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية، تقدم بها الطالب الباحث توفيق عطيفي، تحت اشراف الأستاذ محمد بنطلحة الدكالي في موضوع: » السياسات العمومية التعليمية في المغرب – حالة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين مراكش.

وقد ناقش الطالب الباحث هذه الأطروحة أمام لجنة علمية ضمت في عضويتها الدكتور محمد الغالي رئيسا وعضوا، والدكتور محمد بنطلحة الدكالي مشرفا وعضوا، والدكتور الحسين أعبوشي عضوا، والدكتور عبد الرحيم المنار اسليمي مقررا وعضوا، والدكتور إدريس لكريني مقررا وعضوا، والدكتورة نجاة العماري عضوا، والدكتور محمد العابدة مقررا وعضوا.

وبعد مناقشة علمية رصينة للأطروحة، قررت اللجنة منح الطالب الباحث درجة الدكتوراه بميزة مشرف جدا وتوصية بالنشر وتنويه اللجنة.

وفي كلمته التقديمية للباحث والعمل العلمي الذي أنجزه، أكد الدكتور محمد بنطلحة بصفته مشرفا على هذا العمل، أن هذه الأطروحة إضافة علمية في مجال السياسات العمومية، اعتمد فيها الباحث آليات وبارديغمات تمتح من علم السياسة، واستطاع تفكيك بنى السياسات العمومية التعليمية سواء على مستوى المرجعيات الناظمة لها عبر ثنائية الدولي والوطني من جهة، وبنية الفاعلين من جهة أخرى، معتبرا اعتماد الباحث لدراسة حالة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين مراكش آسفي، تدشينا لجيل جديد من الدراسات الأكاديمية التي تتخذ من المصفوفات والمؤشرات التقييمية لأثر السياسات العمومية على المجتمع أدوات قياسية لها.

إن هذا المجهود العلمي للباحث يقول الدكتور بنطلحة، تكمن أهميته كذلك في راهينيته، باعتبار المسألة التعليمية هاجسا آنيا للدولة والمجتمع، وفي غناه الاحصائي والتحليلي، لأبعاد محورية في السياسة العمومية التعليمية، خاصة تلك المتعلقة منها بمدى نجاعة وفعالية وضمان شرط الاستدامة في الاختيارات العمومية الموجهة للتعليم، بما يحقق مبادئ الانصاف وتكافؤ الفرص باعتبارها قيما أساسية للمدرسة المغربية.

ونوه أعضاء اللجنة بأخلاق الباحث وبالعمل الأكاديمي الذي أنجزه، لما طبعه من الجدة والجدية والجرأة والأمانة العلمية، من موقع الممارسة المهنية، معتبرين أن تناول أطاريح علمية تقارب السياسات العمومية في أبعدها الجهوية بالاستناد الى براديغمات علمية يعكس حرص المؤطر الدكتور محمد بنطلحة على ترجمة خطاب انفتاح الجامعة المغربية على محيطها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وبالتالي تقديم والإسهام بوثيقة علمية أمام الفاعلين بمختلف مستوياتهم عند كل تفكير في المسألة التعليمية.

الباحث توفيق عطيفي، بنى مقاربته لموضوع أطروحته انطلاقا من الإشكالية التالية: « وعياً بضرورة وضع السياسات التعليمية في صلب التنمية المستدامة والمندمجة، والحاجة الماسّة إلى اعتماد حكامة جديدة للمؤسسات العمومية، سيبقى القلق المعرفي الذي يساورنا كامنا في تأثير الفاعل في الإطار المرجعي للسياسات العمومية التعليمية ومختلف برامجها من خلال تحليل دور الأكاديمية الجهوية مراكش آسفي وقياس مدى فعالية ونجاعة عملها في تحقيق الأهداف والنتائج المرجوة من السياسة التعليمية؟ « . وتناول موضوعه في قسمين، الأول خصه بالدراسة والتحليل ل: « السياسات التعليمية: الإطار المرجعي والفاعل »، فيما القسم الثاني ل: « دور الأكاديميات في تحقيق أهداف السياسة التعليمية ».

واستنتج الباحث خلاصات جوهرية، يمكن اجمالها في:

– أن فهم كيفية صناعة القرار في السياسة العمومية التعليمية في المغرب – كما في غيره من البلدان- لا يمكن فهمه في حدود اختيارات الدولة من خلال فاعليها الرسميين وغير الرسميين؛ بل إن الأمر يمتد إلى ضرورة فهم مسألة عولمة السياسات التعليمية عبر آلية المؤسسات الدولية الممولة والموجهة؛ وأن منطق الصراع والتنافس هو الذي يحكم منطق الفاعلين في السياسات العمومية بغض النظر عن حجم الشرعية الدستورية والقانونية والسياسية لكل واحد منهم على حدة. وأن هذه السياسات تستمد شرعيتها القانونية والسياسية في السياق المغربي من نظاميتها وفلسفتها المحددة في المبادئ الدستورية.

– إن التحديات والرهانات المطروحة اليوم أمام المدرسة العمومية المغربية تعكسها كتلة من الأعطاب البنيوية التي قد تحول مستقبلا دون قدرة السياسة التعليمية على مواكبة متطلبات الانخراط في الجيل الجديد من التحولات المعرفية، وذلك على مجموعة من المستويات التي تتمثل في العوامل المرتبطة بمخاطر عدم ربح رهان مجتمع الذكاء الاصطناعي الذي بات يشكل أساسا لمختلف السياسات التعليمية مستقبلا.

– إن الانتقال السلس للسياسة التعليمية بإكراهاتها الحالية نحو سياسة تجعل اقتصاد المعرفة القادر على خلق القيمة والثروة، يفرض الحاجة لتحول شامل في مسارات السياسات العمومية التعليمية، انطلاقا من إصلاحات عميقة للتعليم الأولي والأساسي المبني على العقلنة الرقمية وثقافة المشروع للأجيال القادمة، وذلك عبر الإدراج المدروس والفعال للتخصصات الرقمية والذكاء الاصطناعي في جميع البرامج والمقررات التعليمية.

– إن مظاهر الأعطاب المستشرية في السياسة التعليمية تفرض علينا تجاوزها عبر تجديد بيداغوجي ومعرفي استشرافي يرنو إلى مستقبل المعرفة، عبر الانخراط في مجتمع الابتكار والإبداع في إطار تضافر الجهود بين منظومة مؤسسات الأكاديمية الجهوية لمنظومة التربية والتكوين والمؤسسات الجامعية المغربية؛ من أجل الوصول إلى سياسة تعليمية في أبعادها الشمولية.

– أن الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة مراكش آسفي استطاعت تحقيق مكتسبات مهمة على مستوى حصيلة أداء بناء على مؤشر الجودة في بعدي الإنصاف وتكافؤ الفرص؛ سواء من جهة التمكين للأطفال في وضعية إعاقة عبر سياسة التربية الدامجة، وكذا التمكين التعليمي لفائدة الفتاة القروية، غير أنه ورغم المجهودات المبذولة في العقدين الأخيرين؛ لا زالت الأكاديمية موضوع دراسة الحالة تحتاج لتكاتف جهود الفاعلين لترسيخ البنيات الأساسية للإنصاف وتكافؤ الفرص باعتبارها الغايةَ المؤطرةَ للفعل العمومي التعليمي جهويا ووطنيا.

– الحصيلة الكمية في المكتسبات التعليمية لأكاديمية مراكش آسفي، لم تواكب على مستوى جودة مؤشرات التحصيل الدراسي في التعلمات الأساس، رغم ما تسجله من مؤشرات أداء متوسطة في بعض المواد التعليمية المعتمدة في التقييم على مستوى مؤشر الاتجاهات في الرياضيات والعلوم TIMSS، ومؤشر تقدم القراءاتية PIRLS؛ مما يجعل مطلب الرفع من جودة المكتسبات تحديا قائما أمام الفاعلين التربويين في جهة مراكش آسفي، وهذا ما يقتضي بلورة خطة عمل ممأسسة تستند على مؤشرات قابلة للقياس والتتبع والتقييم لدعم التعثرات المدرسية القائمة، ووضع نظام تحفيزات أمام الموارد البشرية المعنية بتنزيلها على أساس المردودية في الأداء.

– مواكبة المشرع المغربي تعزيز اللامركزية واللاتمركز التعليمي بجهد تشريعي وتنظيمي لتقوية سلطة الأكاديميات الجهوية لمنظومة التربية والتكوين خلال العشرين سنة الماضية، لم يوازيه على مستوى المحصلة تحقيق هذه المؤسسات لمعيارية المؤسسة العمومية بدل التدبير التقني اليومي للشأن التعليمي.

– تكافؤ الفرص يشكل مبدأ أساسيا للمدرسة العمومية وبانعدامه تفقد هذه الأخيرة شرعية وجودها؛ وهو ما يعني ضرورة حضوره في دراسة وتحليل كل السياسات العمومية باعتباره باراديغما خفيا يؤطر ويوجه كل صناعة للقرار العمومي التعليمي، وبالتالي فإن قياس مدى نجاعة هذه الأخيرة متوقف معياريا على الأثر ومقارنته بعقد نجاعة الأداء الخاص بالأكاديمية.

المصدر: مراكش الان

كلمات دلالية: الأکادیمیة الجهویة الدکتور محمد التعلیمیة فی محمد بنطلحة مراکش آسفی على مستوى

إقرأ أيضاً:

دماء الأطفال الفلسطينيين في ميزان السياسة الدولية!

لم يعد ما يحدث في غزة مجرد حربٍ أو عملية عسكرية، بل هو جريمة مستمرة بموافقة دولية، تُرتكب على مرأى ومسمع من العالم، تحت حماية دبلوماسية، وبأدوات تمويل وتسليح غربية. ومع استمرار المجازر، وتعاظم أرقام القتلى من الأطفال والنساء، لا يبدو أن العالم ينوي الضغط الجدي على إسرائيل، بل على العكس، يتحرك باتجاه شرعنة القتل وشيطنة الضحية.

ومع تصاعد الأصوات الأوروبية المطالبة بوقف إطلاق النار ومحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائم الحرب، خرجت فجأة إلى الواجهة حادثة مقتل "دبلوماسيين أجانب"، وبدأ الإعلام الغربي، كعادته، في توظيف الحادثة لخدمة الرواية الإسرائيلية. دون تحقق أو أدلة واضحة، بدأت الحناجر تعلو من جديد: "إسرائيل تحت التهديد"، و"الكيان في خطر"، وكأن العشرات من أطفال غزة الذين يقتلون يوميا لم يكن لهم وجود.

هذه الحادثة استُغلت بدقة لتغيير مسار النقاش الدولي، فبدلا من الحديث عن الجرائم اليومية في غزة، بات العالم مشغولا بملاحقة "المتورطين في الحادث"، وتراجع الحديث عن المساعدات الإنسانية، بل وتوقف الضغط الدبلوماسي لبعض الوقت. لقد كانت هذه الحادثة بمثابة طوق نجاة سياسي لإسرائيل، كي تفلت مؤقتا من لحظة المساءلة الأوروبية.

في خضم هذه الفوضى، أصدرت لجنة فرنسية ما قُدم على أنه "تقرير مستقل" يهاجم جماعة الإخوان المسلمين، ويتهمها بمعاداة السامية، والتطرف. ولأن توقيت التقرير لا يمكن فصله عن السياق السياسي، فإنه بدا كمحاولة واضحة لتقويض أي دعم شعبي أو مدني للقضية الفلسطينية
بل في خضم هذه الفوضى، أصدرت لجنة فرنسية ما قُدم على أنه "تقرير مستقل" يهاجم جماعة الإخوان المسلمين، ويتهمها بمعاداة السامية، والتطرف. ولأن توقيت التقرير لا يمكن فصله عن السياق السياسي، فإنه بدا كمحاولة واضحة لتقويض أي دعم شعبي أو مدني للقضية الفلسطينية، خاصة في فرنسا التي شهدت موجات احتجاج ضخمة ضد المجازر في غزة.

التقرير لم يتحدث عن الإبادة، ولا عن منع المساعدات، ولا عن قتل الأطفال، بل ركز على تصوير الإخوان -كأكبر حركات المقاومة المدنية- كتهديد داخلي للغرب، في مسعى لخلط الأوراق، وتحويل قضية فلسطين إلى ملف أمني محلي يخص مكافحة الإرهاب. وهكذا، صار الدفاع عن غزة تهمة، وصار الصمت عن القتل فضيلة سياسية.

الصمت الغربي جريمة مكتملة الأركان.. والمساعدات الانسانية سلاح في يد القاتل

في القانون الدولي، يُعد التواطؤ في جرائم الحرب، سواء بالصمت أو المساعدة اللوجستية أو الاستخباراتية أو المالية، جريمة بحد ذاتها. وبناء على تقارير منظمة العفو الدولية (Amnesty International) وهيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch)، فإن ما تقوم به إسرائيل من تدمير منهجي للبنية التحتية، واستهداف المدنيين، ومنع دخول المساعدات، يرقى إلى جريمة إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية.

وإذا كان القانون واضحا، فإن المواقف الغربية أكثر وضوحا في التناقض، فالدول التي تصدر يوميا بيانات "قلق" و"دعوات للتهدئة"، هي ذاتها التي تبيع السلاح، وتوفر الغطاء السياسي في الأمم المتحدة، وتمنع صدور قرارات دولية ملزمة. هذا الصمت ليس بريئا، هو مشاركة فعلية في الجريمة، عبر التسليح والدعم السياسي والاقتصادي والدبلوماسي.

يقف الغرب مدعيا الحياد، بينما يشارك فعليا في إبادة جماعية عبر التجويع. وهنا لا بد من الإشارة إلى ما قالته لجنة التحقيق المستقلة التابعة للأمم المتحدة: "التجويع الممنهج يُعد جريمة حرب". إذا، فالصمت عنها مشاركة، والتواطؤ معها جريمة
تمنع إسرائيل دخول المساعدات الغذائية والطبية إلى غزة منذ شهور، في حصار خانق يشمل حتى الماء والوقود. المنظمات الدولية -ومن بينها برنامج الغذاء العالمي- حذرت من مجاعة وشيكة، خاصة في شمال غزة. ومع ذلك، لا نرى أي تحرك حقيقي لفرض دخول المساعدات، بل تُمنع القوافل وتُقصف الشاحنات، وتُستخدم ورقة الغذاء كسلاح حرب لابتزاز السكان المدنيين.

أمام هذا المشهد، يقف الغرب مدعيا الحياد، بينما يشارك فعليا في إبادة جماعية عبر التجويع. وهنا لا بد من الإشارة إلى ما قالته لجنة التحقيق المستقلة التابعة للأمم المتحدة: "التجويع الممنهج يُعد جريمة حرب". إذا، فالصمت عنها مشاركة، والتواطؤ معها جريمة.

بين الجريمة والصمت.. أين يقف العالم؟

إن ما نراه اليوم هو جريمة إبادة موثقة، تُرتكب أمام عدسات الكاميرات، وتُبرر تحت شعارات كاذبة عن "حق الدفاع عن النفس"، بينما الضحية تُقتل وتُحاصر وتُتهم في الوقت ذاته بالإرهاب.

لا يقف العالم على الحياد، بل هو طرف فاعل. فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة تموّل وتبرر، وتمنع المساءلة، وتشوه كل من يقاوم أو يدافع عن القضية الفلسطينية. إنهم شركاء حقيقيون، لا مجرد متفرجين.

بكل تأكيد لن يُغفر هذا الصمت، قد تنجح إسرائيل في تأخير العدالة، وقد تتمكن من ترويج سردياتها، لكن الحقيقة لن تُدفن. العالم، بمؤسساته و"حضارته"، سيتحمل وزر هذا الصمت، وستظل غزة شاهدة على لحظة فارقة في التاريخ، حين اختار العالم أن يكون في صف القاتل، وترك الضحية تنزف وحيدة. العالم شريك في الإبادة عندما تصبح دماء الأطفال الفلسطينيين رخيصة في ميزان السياسة الدولية.

مقالات مشابهة

  • «المالية» تنظم ورشة عمل حول إعداد الميزانية العمومية الحكومية
  • رسالة ماجستير حول مسؤولية الإضرار بالفضاء
  • وزارة المالية تنظم ورشة حول إعداد الميزانية العمومية الحكومية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي
  • دماء الأطفال الفلسطينيين في ميزان السياسة الدولية!
  • وزير الاستثمار: استقرار السياسات الاقتصادية ركيزة لجذب الاستثمارات الأجنبية
  • مدبولي يشارك في الجلسة الافتتاحية لمنتدى قادة السياسات بين مصر وأمريكا
  • أبواب منازل مراكش.. بهجة الفن والتاريخ والتقاليد
  • تعيين الفريق أحمد الجنابي خلفاً للغنام في الأكاديمية العسكرية
  • الردع اليمني يهزم النووي الأمريكي: كيف أفحَمت المسيرة القرآنية جنرالات الهروب الكبير؟
  • الأكاديمي باسم الشمايلة يحمل الدكتوراه ويقدم الشاي والقهوة في المناسبات الاجتماعية