انهيار الحضارة الغربية في غزة
تاريخ النشر: 9th, February 2024 GMT
انهيار الحضارة الغربية في غزة
هذا الانهيار الكبير للحضارة الغربية، يعطي بشرى جديدة للإنسانية جمعاء!
ترتكب إسرائيل اليوم أكبر إبادة جماعية في التاريخ في غزة، بدعم مادي ومعنوي من أمريكا ودول الغرب.
أظهرت لنا غزة أن الحضارة الغربية التي تحولت إلى حضارة سلاح وبارود، قد انهارت تماما من جميع الجوانب.
«إن غزة لا تتسبب في إيقاظ العالم الإسلامي فحسب، بل البشرية جمعاء»، وهذا بالضبط ما نشهده في العالم الآن.
من الذي سينشئ حضارة جديدة قادرة على إقامة العدل والسلام ضمن النظام العالمي الذي سيعاد تشكيله في العالم؟
هل يمكن لعالم إسلامي يدرك أهمية دينه وموارده الطبيعية وقوته البشرية أن يكون أملا ونورا ومرشدا للعالم أجمع رغم كل الأزمات التي يعاني منها؟
«ألا ترون! الغرب الآن يعني الفجور بالنسبة إلى شعوب العالم. نحن لا نعِدْ بمستقبل للإنسانية! أنهوا الحرب اللاإنسانية في غزة على الفور! لقد طفح الكيل!».
عقدت 18 دولة غربية شراكة كاملة مع إسرائيل لتجويع الفلسطينيين في غزة، عبر تعليق مساعداتها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
«نحن الأمريكيون القتلة الأكثر قسوة وتأثيرا على هذا الكوكب، ولهذا السبب وحده نفرض حكمنا على مساكين العالم. هذا الأمر لا يتعلق بالديمقراطية، أو الحرية أو التحرير».
«لم يعد للإنسانية مستقبل سلمي في ظل المنطق الغربي المتوحش، فـ«أنتم بحاجة إلى مقاتلات F-35 لاستهداف مبنى سكني أو مدرسة أو مستشفى في منطقة صغيرة، أليس كذلك يا سادة؟».
* * *
ترتكب إسرائيل اليوم أكبر إبادة جماعية في التاريخ في غزة، بدعم مادي ومعنوي من أمريكا والدول الأوروبية. وقررت 18 دولة غربية عقد شراكة كاملة مع إسرائيل من أجل ترك الفلسطينيين يتضورون جوعا في غزة، عبر تعليق مساعداتها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).
الغرب الذي ينادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي، يغض الطرف ويدعم قتل الأطفال والنساء والأطباء والصحافيين وقصف المستشفيات والمدارس ودور العبادة، أمام مرأى ومسمع من العالم كله.
وجميع المؤسسات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، التي من المفترض أن تكون ضامنة السلام في العالم، أصبحت غير فعالة تماما، وهي مع شعوب العالم تقف متفرجة على المذبحة اللاإنسانية.
في خضم ذلك، تواصل جميع شعوب العالم المظاهرات في الشوارع منذ أشهر، وسط مشاعر من الخجل أمام هذه المأساة الإنسانية والمشاهد المروعة في غزة.
وقد كتب الصحافي البريطاني جوليان بورجر، أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تخليا عن جهود التدخل لوقف الفظائع الجماعية التي تحدث في جميع أنحاء العالم، وأن مثل هذه الأحداث بصدد التحول إلى ما هو أشبه بالأعراف على مستوى عالمي.
بدوره أكد جوناثان كوك الكاتب في صحيفة «الغارديان» البريطانية، أن المشكلة لا تكمن في «التقاعس العالمي» وإنما في الدعم المكثف الذي تقدمه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للفظائع الجماعية.
من جهته، وجه الكاتب البريطاني البارز ماكس بورتر، انتقادات لاذعة للدول الغربية، التي تلتزم الصمت تجاه قضية غزة. وقال بورتر، إنه لم يعد هناك مستقبل سلمي للإنسانية في ظل هذا المنطق الغربي المتوحش، مضيفا «أنتم بحاجة إلى مقاتلات F-35 لاستهداف مبنى سكني أو مدرسة أو مستشفى في منطقة صغيرة، أليس كذلك يا سادة؟».
ولفت بورتر بسخرية إلى المنطق المادي الوحشي للغرب، منتقدا خلق الدول الغربية للمآسي، ومن ثم استغلالها لتلك المآسي بمنطق الربح والانتهازية. وقال ماكس بورتر: «ألا ترون! الغرب الآن يعني الفجور بالنسبة إلى شعوب العالم. نحن لا نعِدْ بمستقبل للإنسانية! أنهوا الحرب اللاإنسانية في غزة على الفور! لقد طفح الكيل!».
الصحافي الأمريكي البارز كريس هيدجز، قال أيضا خلال خطاب انتقد فيه الولايات المتحدة: «نحن الأمريكيون القتلة الأكثر قسوة وتأثيرا على هذا الكوكب، ولهذا السبب وحده نفرض حكمنا على مساكين العالم. هذا الأمر لا يتعلق بالديمقراطية، أو الحرية أو التحرير».
وتابع كريس هيدجيز قائلا: «إن إسرائيل والولايات المتحدة تبعثان برسالة مخيفة إلى بقية العالم. نصوص القانون الدولي والقانون الإنساني، بما في ذلك اتفاقية جنيف، هي مجرد قطع من الورق لا معنى لها. وهي لم تطبق في العراق، وليست صالحة في غزة أيضا».
وذكر هيدجيز أن الرسالة التي وجهتها الولايات المتحدة وإسرائيل للعالم بهجمات غزة كانت كما يلي:
«سندمر أحياءكم ومدنكم بالقنابل والصواريخ. سوف نذبح نساءكم وأطفالكم وشيوخكم ومرضاكم دون خجل. سنفرض الحصار لخلق الجوع وضمان انتشار الأمراض المعدية. يا أبناء «الأعراق الثانوية» في العالم؛ أنتم لا أهمية لكم. بالنسبة لنا، أنتم حشرات يجب القضاء عليها. نحن نمتلك كل شيء. إذا حاولتم أن تأخذوا منا أيا مما نملك، فسوف نقتلكم. ولا ندفع ثمن ذلك أبدا».
كل ذلك أصبح يدل على أن الحضارة الغربية لم يبق لديها ما تقدمه للإنسانية سوى المرض والدمار والمذابح. لقد أهمل الغرب كل ما هو معنوي لسنوات طويلة وقدم الأشياء المادية للبشرية، وهذه الأشياء المادية أصبحت الآن تفوح منها رائحة الموت، وباتت رائحة البارود والقنابل الكيماوية والأسلحة النووية والأمراض البيولوجية أحدث المنتجات التي قدمها الغرب الحديث لشعوب العالم.
ورغم التقدم الكبير الذي أحرزته العلوم الطبيعية في الماضي، إلا أن حضارة الطاقة والآلات لم تعد تعِدْ بأي شيء للناس الذين يسعون وراء رفاهيتهم ورغباتهم. هذه الحضارة المتوحشة لا تجعل لله مكانا في عالمها الفكري، ولا تقدم للإنسانية إلا الخوف والقلق والظلام.
الحضارة الغربية التي أهملت في القرون الماضية الجانب المعنوي واتجهت فقط إلى الجانب المادي للإنسان، كانت في الماضي تبشر بالأمل والمرح والمستقبل المشرق. وفي القرن الحادي والعشرين، تخلت الحضارة الغربية عن هذه الأمور أيضا.
لم يعد لدى الغرب شخصيات من العمالقة العظماء، مثل أوغست كونت، وسان سيمون، وماكس فيبر، ونيتشه، وسبنسر، وهيغل، وماركس، وكانط، وفرويد، ويونغ. كل هؤلاء معلقون اليوم على رفوف التاريخ الغربي المغبرة.
وبالطبع لن يولي مجرم كالزعيم الصهيوني بنيامين نتنياهو، أي اهتمام بالقانون، أو السياسة، أو الفلسفة، أو علم الاجتماع، أو الديمقراطية، أو حقوق الإنسان في عالم يحكم فيه ريشي سوناك بريطانيا، وجو بايدن الولايات المتحدة، وإيمانويل ماكرون فرنسا، وفرانك – فالتر شتاينماير ألمانيا.
لكن هذا الانهيار الكبير للحضارة الغربية، يعطي بشرى جديدة للإنسانية جمعاء. وكما يقال: «إن غزة لا تتسبب في إيقاظ العالم الإسلامي فحسب، بل البشرية جمعاء»، وهذا بالضبط ما نشهده في العالم الآن.
خلاصة الكلام؛ أظهرت لنا غزة أن الحضارة الغربية التي تحولت إلى حضارة سلاح وبارود، انهارت تماما من جميع الجوانب. حسنا! من الذي سينشئ حضارة جديدة قادرة على إقامة العدل والسلام ضمن النظام العالمي الذي سيعاد تشكيله في العالم؟ وهل يمكن لعالم إسلامي يدرك أهمية دينه وموارده الطبيعية وقوته البشرية أن يكون أملا ونورا ومرشدا للعالم أجمع رغم كل الأزمات التي يعاني منها؟
*توران قشلاقجي كاتب تركي
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أمريكا بريطانيا غزة الغرب انهيار إنسانية الحضارة الغربية عالم إسلامي النظام العالمي الولایات المتحدة الحضارة الغربیة الأمم المتحدة شعوب العالم فی العالم فی غزة
إقرأ أيضاً:
شكل جديد للعولمة - وجهة نظر صينية
ظلت الولايات المتحدة تحسب تكاليف ومكاسب العولمة بهدف حماية هيمنتها ومصالحها الوطنية. وإعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة مؤشر على اتباعها سياسات «أمريكا أولا» لذلك ستواجه العولمةُ تحدياتٍ أكبر.
خروج الولايات المتحدة من الأنظمة الدولية والمنظمات متعددة الأطراف خلال فترة ترامب الرئاسية الأولى أعاد تشكيل العولمة سلفا. لكن ذلك لم يوقف أو يبطئ التفاعلات الاقتصادية والتكامل بين الاقتصادات الأخرى. بل ظهر شكل جديد من التبادلات أو نوع جديد من العولمة.
تهدف استراتيجية الحكومة الأمريكية في تفكيك العولمة إلى تأمين امتياز ووضع خاص للولايات المتحدة في النظام الاقتصادي العالمي تنوي من خلالهما التمتع بنفس المزايا أو أفضل منها مع تحمل تكاليف ومسئوليات أقل.
أولا: تستخدم الإدارة الأمريكية الرسوم الجمركية كأداة للضغط على البلدان الأخرى. وبفرضها رسوما متفاوتة تحاول التلاعب بالتجارة ودق أسافين بين بلدان جنوب العالم التي تسعى لتعزيز هذا النوع الجديد من العولمة. تفعل ذلك بالحفاظ على العلاقات التجارية مع بلدانه التي تخضع لرسومٍ منخفضة وفرض تكاليف باهظة على تلك التي تخضع لرسوم مرتفعة. تهدف الولايات المتحدة من خلال قيامها بذلك إلى عرقلة تقدم هذه العولمة الجديدة.
تظل الولايات المتحدة باعتبارها بلد أكبر سوق في العالم شريكا تجاريا جذابا لبلدان جنوب العالم. وبفرضها معدلات رسوم جمركية متفاوتة تواجه هذه البلدان حظوظا متباينة في السوق الأمريكية. وقد يغير ذلك دينامية التجارة (قواها المحركة) ويوجد انقسامات في المصالح والمواقف وسط هذه البلدان.
ثانيا: تعتبر الولاياتُ المتحدة التقنيةَ والابتكارَ عاملَين بالغي الأهمية لقدرتها على المنافسة ونموها الاقتصادي. نتيجة لذلك تستمر في تطبيق سياسات «تقنية قومية» صارمة تهدف إلى الحد من التقدم التقني للبلدان الأخرى.
وإذا عجزت بلدان جنوب العالم عن الاستفادة من التقنية بتعزيز الإنتاجية وتحريك التنمية قد تفقد العولمةُ الجديدة زخمها وتعرِّض هذه البلدان نفسَها إلى مخاطر التهميش في النظام العالمي.
من بين بلدان جنوب العالم، لدى الصين القدرة الأكبر لفك الحصار التقني الأمريكي نظرا إلى إمكاناتها التقنية الكبيرة وتقدمها المهم في مجالات تقنية عديدة. لذلك جعلت الولايات المتحدة الصين هدفَها الأول. فبعدما وضعت في اعتبارها المشهد المتغير للتطور التقني ومكامن القوة النسبية لكلا البلدين شددت الولايات المتحدة من القيود على التصدير وحدَّت من الاستثمارات التقنية في الصين وقلصت التبادلات التقنية العادية، فعلت كل ذلك في محاولة لعرقلة تقدم الصين التقني.
تعتقد الولايات المتحدة أنها بتقييد تطوير وتطبيق التقنيات المفتاحية الجديدة في الصين وبلدان جنوب العالم الأخرى يمكنها إضعاف الأساس التقني للعولمة الجديدة وبالتالي وقف زخمها بشكل عام.
ثالثا: تسعى الولايات المتحدة لتحويل الدولار إلى سلاح. لقد تأسست العولمة التي تقودها الولايات المتحدة على نموذج «الدولار مقابل السلع المصنَّعة» والذي ظل قائما بفضل الهيمنة العالمية للدولار. (بموجب هذا النموذج تزوِّد الولاياتُ المتحدة البلدانَ الأخرى بعملة الدولار وبالتالي تسجل عجزا تجاريا وذلك مقابل تزويدها بالسلع من قبل هذه البلدان التي تحقق بذلك فائضا تجاريا، وهو النموذج الذي ساد بعد فك ارتباط قيمة الدولار بالذهب في بداية السبعينيات- المترجم) .
الإدارات الأمريكية المتعاقبة تؤكد دائما وتدافع عن هيمنة الدولار ليس فقط فيما يتعلق بقيمته المتزايدة ولكن وهذا هو الأهم عن دوره المركزي في النظام النقدي العالمي. فطالما حافظ الدولار على هذا الوضع المسيطر يمكن للولايات المتحدة الاستمرار في التأثير على النظام الاقتصادي العالمي.
من بين المخاوف الرئيسية للولايات المتحدة احتمال أن يقود الشكل الجديد للعولمة إلى تفكيك الدولرة وإضعاف الوضع المهيمن للعملة الأمريكية حتى إذا لم يكن ذلك هدفا لهذه العولمة. في الواقع أكبر تهديد لمكانة الدولار كثيرا ما ينشأ عن السياسات الخاطئة للولايات المتحدة مثل الاقتراض المفرط أو تحويل عملتها إلى سلاح لأغراض سياسية. لكن الولايات المتحدة لا ترغب في الإقرار بذلك. بل تفترض أن الدولار سيحافظ على وضعه المهيمن في النظام العالمي طالما استمرت البلدان الأخرى في استخدامه.
نتيجة لذلك عبَّرت الولايات المتحدة عن قلقها العميق بشأن موقف بلدان جنوب العالم إزاء الاستمرار في استخدام الدولار مع ظهور العولمة الجديدة. لقد طالبت الإدارة الأمريكية صراحة بلدان البريكس بالإبقاء على ارتباطها بالنظام المالي المرتكز على الدولار وعدم إيجاد أو دعم أية عملة عالمية بديلة. كما هددت بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على البلدان التي تختار خلاف ذلك. في الحقيقة تستخدم الولايات المتحدة تدابير عقابية لإكراه البلدان الأخرى على الاستمرار في الاعتماد على الدولار.
وفي حين قد تكون آثار «الرسوم التبادلية» الأمريكية قصيرة الأمد على بلدان جنوب العالم إلا أن مثل هذه السياسات الحمائية تفاقم التشظي الاقتصادي العالمي وسيكون لها في نهاية المطاف رد فعل عكسي وتضرّ بمصالح الولايات المتحدة نفسها.
لنأخذ على سبيل المثال القيود التقنية الأمريكية على الصين. ففي حين شكل الحصار التقني تحدياتٍ لتقدم الصين تقنيّا إلا أنه بالمقابل قَوّى عزيمتها على تحقيق الاعتماد الذاتي في التقنية وعزز تطوير نظام بيئي تقني مستقل باطراد عن الولايات المتحدة. واستمرار الولايات في فرض قيودها التقنية على الصين وتصعيد استراتيجيتها من «ساحة صغيرة وسياج عالٍ» إلى «ساحة أكبر وسياج أعلى» مؤشر على فشل احتوائها التقني للصين. (تحاول مقاربة الساحة الصغيرة والسياج العالي عزل الصين عن الغرب بزعامة الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على القيادة التقنية لأمريكا. تدعو هذه المقاربة إلى التحديد الدقيق للتقنيات المفتاحية للمصلحة القومية الأمريكية مثل تقنية الجيل الخامس وأشباه الموصلات واتخاذ اللازم لحمايتها من هيمنة الصين. ويعد بعض المحللين الصينيين هذه المقاربة أحد جانبي ما أسموه سياسة تقليل المخاطر أو فك الارتباط التدريجي والانتقائي بالصين في عهد الرئيس الأمريكي السابق بايدن - المترجم).
على نحو مماثل، سياسةُ الولايات المتحدة بفرض هيمنة الدولار متناقضة في جوهرها. فهي تسعى إلى تقليل العجوزات التجارية وفي ذات الوقت الحفاظ على التفوق العالمي للدولار. وهذان هدفان متعارضان اقتصاديا. فالعجز التجاري الأمريكي شرط مسبق لاحتفاظ الدولار بمكانته العالمية.
من منظور دبلوماسي، المقاربة الأمريكية المتشددة بإجبار البلدان الأخرى على استخدام الدولار لها أثر عكسي، فبلدان عديدة في جنوب العالم متوجسة من الدولار وتعتبره رمزا للهيمنة الأمريكية، واستخدام الولايات المتحدة الدولار كسلاح لأغراض سياسية عزز الاستياء حول العالم، ولن يفعل تهديد الإدارة الأمريكية شيئا سوى تسريع جهود هذه البلدان للتخلص من «الدولرة».
سياسات الإدارة الأمريكية الحالية توجه ضربة خطرة لحرية التجارة التي تشكل حجر الزاوية للعولمة.
وفي المستقبل من المتوقع تعايش وتنافس العولمة التي تقودها الولايات المتحدة مع العولمة الجديدة التي شيَّدتها معا بلدانُ جنوب العالم الأمر الذي يستلزم من كل البلدان تعديل اقتصاداتها وتكييفها مع الديناميات (القوى المحركة) الجديدة.
بصرف النظر عن نموذج العولمة، يجب معالجة القضايا بالغة الأهمية بما في ذلك الشمول (إشراك البلدان في الاستفادة من الموارد العالمية) وتأمين السلع العامة (التي تفيد جميع الدول كالهواء النقي مثلا) والتنسيق بين القوي الكبرى.
السياساتُ الأمريكية الحالية لا تمضي قُدُما في معالجة هذه القضايا. ونظرا إلى أن مسار تطور العولمة الجديدة لا يتطابق مع تفضيلات الولايات المتحدة قد تتخذ واشنطن تدابير مختلفة لتقويض تطوره.
على أية حال، لقد ظهر نوع العولمة الجديد وكشف عن قدر كبير من الحيوية. وردا على نموذج «أمريكا أولا» يجب على بلدان جنوب العالم والتي هي الراعية الرئيسية لهذا النوع الجديد من العولمة تعزيز زخمها الداخلي لزيادة جاذبيته وتقوية تأثيره في المشهد العالمي المتغير.