لا يزال سكان الداخل الفلسطيني (الخط الأخضر) يخرجون للمطالبة بوقف العدوان على قطاع غزة رغم القبضة الأمنية غير المسبوقة التي تفرضها عليهم السلطات الإسرائيلية، في مسعى منها لتهجيرهم قسرا من أرضهم أو لإسكات أصواتهم على أقل تقدير.

ودأب سكان الداخل على تنظيم مظاهرات منذ بدء الحرب قبل أكثر من 4 أشهر للمطالبة بوقف العدوان والتنديد بالمجازر التي يقترفها جيش الاحتلال بحق المدنيين في القطاع.

لكن أجهزة الأمن الإسرائيلية بمختلف أنواعها أبدت -ولا تزال- رد فعل عنيفا إزاء هذه التحركات، في إطار سياسة القمع والتنكيل التي تنتهجها في الأراضي المحتلة منذ بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ففي يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قمعت قوات الاحتلال مظاهرة مناهضة للعدوان في أم الفحم، حيث اعتقلت عددا من المشاركين فيها، بينهم نساء، بتهم تتلخص في دعم وتأييد جماعة إرهابية، في إشارة إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وطيلة الشهور الأربعة الماضية، واصلت الحكومة الإسرائيلية -التي يسيطر عليها المتطرفون من أمثال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير– حملة ترهيب واسعة على فلسطينيي الداخل والضفة الغربية المحتلة شملت اعتداءات ومداهمات واعتقالات وفصلا من العمل، فضلا عن القتل والتصفية داخل البيوت أو على قارعة الطرق.

وممن تم اعتقالهم في الأيام الأولى للعدوان المحامي أحمد خليفة، وذلك بتهمة ترديد شعارات تدعم منظمة إرهابية، إذ كان يهتف دعما لسكان غزة في مظاهرة أم الفحم، وفق ما قالته زوجته لينا أبو رعد في تقرير أعدته مراسلة الجزيرة نجوان سمري.

اعتقال 6 آلاف منذ بدء الحرب

وتشير بيانات صادرة عن مركزي "عدالة" و"مساواة" الفلسطينيين إلى اعتقال 6 آلاف من سكان الضفة والداخل إداريا منذ بدء الحرب.

وقال مدير مركز "عدالة" حسن جبارين إن سكان الداخل عموما يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وإنهم يناضلون من أجل المساواة، لكنهم اليوم يشعرون حقيقة بأنهم شعب تحت الاحتلال.

وأكد جبارين أن إسرائيل تبعث برسائل لا تقبل الشك بأن أي عملية احتجاج سيكون الرد عليها بالقتل المباشر.

واعتقلت إسرائيل 160 طالبا من داخل المؤسسات التعليمية والحرم الجامعي، وأخضعت بعضهم للتحقيق، وأبعدت آخرين عن مقاعد الدراسة.

كما قُدّم عشرات إلى لجان الطاعة، أغلبهم بسبب منشورات على منصات التواصل الاجتماعي.

تنكيل بالطلاب والأكاديميين والعمال

وقالت إحدى الطالبات -من دون أن تظهر وجهها- إنها لا تستطيع الكشف عن نفسها، لأنها تلقت ملاحظة من الجامعة في الأيام الأولى للحرب على خلفية توقيفها من جانب شرطة الاحتلال بسبب منشور.

وقضت هذه الطالبة فترة في السجن، وتم إبعادها لفترة عن الجامعة ولا تزال تواجه إجراءات إدارية رغم انتهاء محاكمتها.

وقالت الطالبة إن هذه الإجراءات العقابية "ربما جاءت لتذكيرنا بأننا جزء من هذا الشعب المكتوب عليه الظلم".

وأضافت أن ما عانته لا يقارن بما يعانيه الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال، مؤكدة أنها شاهدت بعينها ظروفا سيئة جدا.

وتشمل الملاحقات والتهديدات الإسرائيلية أساتذة جامعيين أيضا، من بينهم نادرة شلهوب أستاذة علم الإجرام في الجامعة العبرية، التي أجرت لسنوات بحوثا في الإجرام والإبادة الجماعية.

وعندما شاركت شلهوب في توقيع عريضة ضد قتل وإبادة الأطفال في غزة، صُدمت برسالة تحذير وتهذيب وصلتها من إدارة الجامعة.

وقالت شلهوب إنها توقعت من أساتذة الجامعات الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والأطفال -على الأقل- أن يطالبوا بوقف عمليات قتل الأطفال التي يشاهدونها، لكنها صُدمت عندما لم تجد من يتخذ موقفا من هذه الجرائم حتى من يدعون انتماءهم لليسار الإسرائيلي.

ووصفت شلهوب هذه التهديدات بأنها محاولة إذلال، مؤكدة "لا أحد يمكنه إذلال صوت وطني قوي".

وفي بعض الحالات، تجاوزت الملاحقة حدود التهديدات والمحاكمات القضائية إلى حد الفصل من العمل ضمن محاكمات ميدانية من دون مساءلة أو مراجعة، وهو ما حدث مع الطبيب عبد الرحيم سمارة.

فقد أقيل سمارة من مستشفى عمل فيه لسنوات بسبب نشره -قبل عام ونصف العام- صورة لعلم إسلامي كُتب عليه "لا إله إلا الله محمد رسول الله" مع حمامة سلام.

وقال سمارة إن هذه الصورة قديمة ولا علاقة لها بالأحداث، وإنها كانت الأساس الذي بُني عليه اتهامه بدعم حركة حماس وعملية طوفان الأقصى.

وبالعودة إلى تاريخ نشر الصورة على موقع فيسبوك، يظهر أنها نُشرت في الثامن من يونيو/حزيران 2022.

فصل من العمل

وتشير معطيات نقابة العمال العرب في الناصرة إلى أن 218 موظفا وعاملا أقيلوا من أعمالهم منذ بدء الحرب، لأسباب تتعلق إما بنشر موقف سياسي أو تضامن وتعاطف مع غزة أو أحيانا بسبب تحدث العمال فيما بينهم باللغة العربية.

وفي تسجيل صوتي للجزيرة، قالت امرأة تعرضت للفصل من عملها إنها سُرّحت من "سوبر ماركت" كانت تعمل به منذ 3 سنوات، لأنها كانت تتحدث بالعربية خلال العمل.

وأكدت أن مديرها كان يغضب منها، وحينما أكدت له أن من حقها التحدث باللغة العربية، قام بطردها من العمل.

وقال فلسطيني آخر من الداخل إنه فصل من العمل في تل أبيب بسبب منشور على إنستغرام أبدى فيه تضامنه مع شعبه الفلسطيني وانتقد تصرفات الجيش الإسرائيلي.

ورافقت هذه الإجراءات الانتقامية حملة تحريض واسعة على الفلسطينيين داخل الخط الأخضر شارك فيها سياسيون ورجال دين.

ومن بين هؤلاء المحرضين الحاخام مئير شموئيلي الذي قال في تسجيل مصور: "هل تعلمون كم طبيبا مسلما -لعنهم الله- يعملون في المستشفيات؟ إنهم يبترون أيدي وأقدام الجنود، لأنهم يريدون قتلهم".

وأضاف شموئيلي "إنهم لا يريدون قتل الجنود فقط، بل قتل كل اليهود.. الأطباء المسلمون يقتلون يوميا يهودا أكثر مما تقتل حماس".

وإلى جانب ذلك، زادت عمليات تسليح المستوطنين الإسرائيليين بواقع 64 ألف قطعة سلاح منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث بات المدنيون يُرَون وهم يحملون الأسلحة في الشوارع خلال تجولهم في الشوارع وداخل المؤسسات الأكاديمية وأماكن العمل، مما يوحي بأنهم في جاهزية دائمة للضغط على الزناد.

ولا تخفي المؤسسة الأمنية الإسرائيلية خشيتها من اندلاع احتجاجات ومواجهات داخل الخط الأخضر على غرار ما حدث عام 2021، لكن ما تخشاه أكثر -وسعت إلى إسكاته وقمعه منذ بداية الحرب- هو الصوت الفلسطيني الموحد ضد الحرب والقتل وسفك الدماء.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: منذ بدء الحرب من العمل

إقرأ أيضاً:

الدفاع المدني الفلسطيني: قد نشهد الفترة المقبلة وفيات بين الأطفال بسبب انتشار المجاعة

أكد المتحدث باسم الدفاع المدني الفلسطيني، محمود بصل، أن مستشفيات قطاع غزة غير قادرة على تقديم الخدمة الطبية للجرحى والمصابين، والوضع الإنساني في قطاع غزة مأساوي بسبب انتشار المجاعة ونقص المواد الغذائية.

فلسطين: ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 36284 شهيدًا لا تنسى أهل غزة ورفح.. أدعية في ساعة الاستجابة يوم الجمعة

وتابع “بصل” خلال تصريحاته عبر فضائية “القاهرة الأإخبارية”، اليوم الجمعة،  أن الاحتلال الإسرائيلي دمر المربعات السكنية في جباليا، شمال قطاع غزة، بشكل كامل، فالمربعات السكنية بمنطقة جباليا لا تصلح للحياة وغير قابلة للعيش.

 

وأشار إلى أنه بسبب انتشار المجاعة فقد نشهد الفترة المقبلة حالات وفاة بين الأطفال، لا سيما في شمال قطاع غزة.

 

 

وفي سياق متصل، أفادت وسائل اعلام، بأن الاحتلال دمر أكثر من 1000 منزل في منطقة مخيم جباليا شمال القطاع خلال عدوانه المتواصل، مشيرةً إلى أن قوات الاحتلال انسحبت من المخيم ومن مناطق في شمال القطاع بعد 20 يوم من اجتياحها برًا، بالتزامن مع القصف المكثف من الطيران الحربي والمدفعية.

وأعلن مستشفى العودة استئناف استقبال الجرحى والمرضى، بعد 13 يوما من حصار الاحتلال المطبق، والذي ألحق مزيدا من الدمار في المستشفى ومحيطه.

وفجر الجمعة، استشهد ثمانية مواطنين من عائلة الصوص بعد قصف الاحتلال منزلهم في مخيم البريج وسط القطاع، وجرى نقل جثامينهم إلى مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح.

كما استشهد ثلاثة مواطنين من عائلة درويش عقب قصف الاحتلال المركبة التي كانوا يستقلونها في مخيم النصيرات وسط القطاع، وجرى نقل جثامينهم إلى مستشفى العودة.

وشن طيران الاحتلال غارات على منازل شرق مدينة رفح جنوب القطاع، بالتزامن مع قصف مدفعي مكثف على منطقة "مصبح" شمال المدينة.

كما تعرضت أحياء تل الهوا والشيخ عجلين والزيتون والصبرة في مدينة غزة، لقصف مدفعي وإطلاق نار من آليات الاحتلال المتمركزة جنوب حي تل الهوا جنوب غرب المدينة.

وشن طيران الاحتلال غارات عنيف على مناطق شمال قطاع غزة.

مقالات مشابهة

  • ما سبب عدم انضمام سوريا لحلفائها في حرب غزة؟.. مستشرقة إسرائيلية تجيب
  • أوبن إيه آي تكشف: حملة إسرائيلية سرية تستخدم الذكاء الاصطناعي للتأثير على الرأي العام
  • "الجارديان": أطفال غزة يموتون جوعا بسبب الاجتياح الإسرائيلي لمدينة رفح
  • وزير إسرائيلي سابق: “إسرائيل” على حافة هزيمة استراتيجية غير مسبوقة
  • خبير شئون إسرائيلية: خطة بايدن صعب تنفيذها من جانب حكومة الاحتلال
  • مذيع بقناة إماراتية يدعو سكان عدن إلى هذا الأمر بعد الوفيات بسبب الحر
  • الدفاع المدني الفلسطيني: قد نشهد الفترة المقبلة وفيات بين الأطفال بسبب انتشار المجاعة
  • سكان غزة يضيقون ملابسهم لتناسب أجسامهم بعد تجويعهم (فيديو)
  • المكتب الإعلامي بغزة: 98% من المخابز توقفت عن العمل بسبب نفاد الوقود
  • غراندي: لا يجوز لسلطة الاحتلال أن تجبر سكان غزة على الفرار