قليلة هي اللحظات التي شهدت فيها العلاقات بين مصر وتركيا تقاربا سياسيا كبيرا كما هو الحال في هذه الأيام خاصة بعد توترات وصلت حد القطيعة في أعقاب ثورة المصريين ضد جماعة الإخوان في العام 2013.

ويزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القاهرة اليوم في سابقة هي الأول له منذ أن كان رئيسا للحكومة بناء على دعوة من الرئاسة المصرية، “سبق وأن زار أردوغان القاهرة في العام 2012 على رأس وفد حكومي رفيع المستوى ضم 14 وزيرا و200 رجل أعمال”.

ويعلق شعوب البلدين آمالا عريضة على الزيارة لطي صفحة شابها الكثير من الشحن السياسي الزائد خاصة من جانب أنقرة، وبداية مرحلة تقارب جديدة يصل فيها البلدان لتسوية بشأن عدد من الملفات الشائكة بينهما سواء داخل المتوسط أو في ليبيا وسوريا، إضافة لعدد من القضايا الإقليمية والتي تهدد استقرار المنطقة.

وتأتي زيارة الرئيس التركي إلى مصر في وقت بالغ الأهمية والخطورة، فالمنطقة على شفا حرب إقليمية تسعى لها دولة الاحتلال الإسرائيلي بقوة من خلال رفضها الانصياع للدعوات التي يطلقها قادة العالم ومن بينهم الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة وقف العدوان على قطاع غزة والتي دخلت شهرها الخامس.

والمفارقة الغريبة أن زيارة أردوغان للقاهرة تأتي في وقت تشهد فيه الأوضاع داخل قطاع غزة توترا شديدا وحربا أتت على الأخضر واليابس داخل القطاع، وهو ما حدث إبان زيارته الأخيرة لمصر في نوفمبر 2012، “جاءت عقب أيام قليلة من بدء إسرائيل عملية عسكرية داخل غزة عرفت حينها بـ (عامود السحاب)”،

وتحظى مصر بأهمية كبيرة لدى صناع القرار في تركيا، وقد حرصت أنقرة على تفعيل وتقوية علاقاتها مع القاهرة من خلال الزيارات رفيعة المستوى التي يقوم بها مسؤولون أتراك لمصر والتي تقابلها زيارات أخرى لمسؤولين مصريين إلى تركيا، وصولا لما تم توقيعه وعقده من اتفاقيات وبرتوكولات للتعاون المشترك، والتي تتم بين الطرفين بغرض تحسين العلاقات بينهما في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

يشار إلى أن الرئيس أردوغان والذي كان في خلاف سياسي مع مصر قبل لقاء الرئيس السيسي في قطر نوفمبر 2022، سبق له أن خالف عرفا في الدبلوماسية التركية عندما كان يشغل منصب رئيس الوزراء من أجل مصر، “قرر زيارة القاهرة في 12 سبتمبر 2011، عقب فوزه مجددًا في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في يونيو 2011، وهو على خلاف المعمول به في بلاده، حيث تكون قبرص أول زيارات رئيس الوزراء الخارجية، ثم يتجه إلى أذربيجان”، قدم نصيحة للمصريين حينها – بأن يتخذوا من النموذج التركي في الحكم قدوة.

من جانبه أكد سفير مصر السابق لدى أنقرة، السفير عبد الرحمن صلاح، أن زيارة الرئيس التركي، إلى القاهرة تمثل فرصة لخلق تحالف جديد لمواجهة مشاكل المنطقة، وتهدف لإعادة العلاقات مع مصر لما كانت عليه قبل عشر سنوات، وهو ما لاقى كل ترحيب من القيادة المصرية؛ لتعظيم توافق المصالح بين البلدين ثنائيًا وإقليميًا.

وأضاف السفير عبد الرحمن صلاح، في تصريح خاص لوكالة “أنباء الشرق الأوسط”، اليوم الأربعاء، أن تلك الزيارة التي طال انتظارها تأتي في توقيت يحتاج فيه كل من البلدين للآخر لمواجهة ما يدور حولهما من إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة سواء بفعل تطورات الصراع والمنافسة داخل النظام الدولي أو المنافسة الإقليمية على إعادة رسم خريطة توزيع القوة بالشرق الأوسط والتي تتجاهل أحيانا المصالح الاقتصادية لكل من مصر وتركيا.

وتابع أن حرب غزة الحالية أدت إلى تعقيد التفاعلات الإقليمية، وقد تفضي إلى تحقيق وعود أمريكية مستقبلية بالاعتراف المباشر بالدولة الفلسطينية دون الحاجة إلى بلورة اتفاق سلام من الصعب الوصول إليه في الوقت الراهن، قائلا “وهنا يحتاج أردوغان للتنسيق مع مصر للعب دور مؤثر في تلك التفاعلات للحفاظ على صورة تركيا كقوة إقليمية”.

وأشار إلى نفوذ مصر الإقليمي ودورها كقوى متوسطة مؤثرة تصلح لأن تكون همزة الوصل بين الشرق الأوسط ومراكز صنع القرار الدولي، معتبرًا أن عودة التعاون بين القاهرة وأنقرة يمكن أن تتيح لمصر مصادر إضافية لزيادة قدراتها ونفوذها أيضًا كقوة إقليمية ودولية متوسطة.

ورأى أن المرحلة الراهنة من تطور العلاقات بين البلدين تطرح عده قضايا ثنائية وإقليمية تستدعي مناقشتها ودراستها وبحث تداعياتها، مشددًا على ضرور تعظيم الاستفادة المصرية من زيارة الرئيس التركي للقاهرة وما يمكن أن يطرحه الجانب المصري الحكومي والتجاري والثقافي على بساط البحث خلال تلك الزيارة الهامة للبلدين في المجالين الإقليمي والثنائي.

واختتم السفير عبد الرحمن صلاح بأن هناك العديد من فرص التعاون المشترك بين البلدين إقليميًا وثنائيًا والتي تفوق بكثير مجالات المنافسة، معربًا عن أمله في أن تكون زيارة أردوغان لمصر شهادة ميلاد لمرحة جديدة من العلاقات الوثيقة بين القاهرة وأنقرة تبنى على المشتركات وتستفيد من أخطاء الماضي.

من جانبها اعتبرت بعض الصحف التركية، أن زيارة الرئيس أردوغان إلى مصر بمثابة نقطة تحول جديدة في العلاقات بين البلدين، فهي أول زيارة على المستوى الرئاسي بين البلدين منذ عام 2013، فيما يهدف الرئيس التركي في لقاءه “التاريخي” مع الرئيس السيسي إلى فتح صفحة جديدة مع مصر وتعزيز التعاون الإقليمي بين البلدين.

وأكدت الصحافة التركية، أن الحوار بين القاهرة وأنقرة له أهمية كبيرة لحل المشاكل في العديد من مناطق الأزمات بالمنطقة، خاصة غزة وليبيا والسودان والصومال والبحر الأحمر وشرق البحر المتوسط، فيما تتضمن البنود الرئيسية في جدول أعمال الزيارة، تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة والخطوات التي يجب اتخاذها لإنهاء الصراع.

ونقلت صحيفة “الصباح” التركية عن شبكة بلومبرج الأمريكية، أنه من المتوقع أن يناقش الرئيسان مسألة تعزيز التعاون في شرق البحر المتوسط، كما اعتبرت أن إمكانات التعاون بين البلدين في مجال موارد الطاقة، والمناطق البحرية، والقضايا الأمنية، تفتح الباب أمام بعض الفرص لكل من المنطقة والبلدين.

صدى البلد

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الرئیس الترکی العلاقات بین زیارة الرئیس بین البلدین مع مصر

إقرأ أيضاً:

زيارة وزير الخارجية إلى نواكشوط.. انطلاقة استراتيجية جديدة في العلاقات المصرية-الموريتانية

القاهرة ونواكشوط تسعيان لبناء شراكة ترتكز على المصالح المشتركة والانفتاح المتبادل13 اتفاقية ومذكرة تفاهم في زيارة تاريخية تُعيد الزخم للعلاقات المصرية الموريتانيةمن نواكشوط إلى القاهرة.. خارطة طريق جديدة للتعاون في السياسة والاقتصاد والثقافةاللجنة المشتركة والمنتدى الاقتصادي.. انطلاقة جديدة نحو شراكة شاملة بين مصر وموريتانيا

في زيارة حملت أبعادًا دبلوماسية واستراتيجية، بدأ الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة، الثلاثاء، جولة رسمية إلى العاصمة نواكشوط. 

الزيارة تعد خطوة تعكس حرص الدولة المصرية على دفع العلاقات الثنائية مع الجمهورية الإسلامية الموريتانية نحو آفاق أكثر شمولًا وفعالية.

وزير الخارجية يبحث مع وزير الصحة الموريتاني دعم التعاون الدوائي وتوطين الصناعات الطبيةوزير الخارجية يتوجه إلى موريتانيا

رسالة رئاسية تجسد عمق العلاقات

حملت زيارة وزير الخارجية والهجرة في مستهلها بعدًا رئاسيًا مهمًا، حيث سلّم الوزير عبد العاطي رسالة خطية من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى نظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.

تضمنت الرسالة الرئاسية تأكيدًا على متانة العلاقات الأخوية، والتطلع إلى تطويرها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية في كافة المجالات، ولا سيما الاقتصادية. وقد أعرب الرئيس الغزواني عن تقديره لمواقف مصر وجهودها من أجل الاستقرار في المنطقة، مثمنًا دورها الريادي عربيًا وإفريقيًا.

 اللجنة المشتركة: استئناف بعد 19 عامًا ونتائج ملموسة
 

تُعد أبرز محطات الزيارة ترؤس الوزير عبد العاطي للجانب المصري في الدورة الثانية للجنة المصرية/الموريتانية المشتركة، والتي عُقدت بعد انقطاع دام 19 عامًا منذ دورتها الأولى في 2006. 

وأسفرت اللجنة عن التوقيع على 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم شملت مجالات التعليم، القوى العاملة، الاستثمار، الصيد البحري، الشؤون الإسلامية، الإعلام، الشباب، والمياه، إلى جانب التفاهم حول تمديد مشروع "ترامواي نواكشوط".

وتم الاتفاق على جعل انعقاد اللجنة المشتركة سنويًا بالتبادل بين البلدين، تأكيدًا على جدية التوجه نحو تعزيز التعاون المؤسسي، مع اعتماد خطة تنفيذية لمتابعة نتائج الدورة.

المنتدى الاقتصادي: منصة انطلاق لتكامل اقتصادي حقيقي

افتُتحت النسخة الأولى من المنتدى الاقتصادي المصري-الموريتاني بالتزامن مع أعمال اللجنة المشتركة، بحضور كبار المسؤولين ورجال الأعمال من الجانبين. 

عبد العاطي: الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضرورة ملحة ومؤتمر نيويورك فرصة لإحياء حل الدولتينتحركات دبلوماسية مكثفة لدعم فلسطين .. عبد العاطي في مدريد لبحث سبل إنهاء حرب غزة وحل الدولتين

وأكد الوزير عبد العاطي خلاله على أهمية تعزيز التعاون التجاري والاستثماري، مشيرًا إلى الإمكانيات الكبيرة التي تتمتع بها الشركات المصرية، وتطلع مصر إلى تنفيذ مشروعات تنموية مشتركة في موريتانيا، خاصة في مجالات الزراعة، الصيد، التعدين، الطاقة، والخدمات اللوجستية.

لقاءات وزارية شاملة: خارطة طريق للتعاون الثنائي

شهدت الزيارة سلسلة من اللقاءات الوزارية التي أكدت على التكامل في الرؤى والتوجهات:

لقاء وزير الخارجية الموريتاني

 تناول اللقاء تنسيق المواقف إزاء القضايا الإقليمية، وعلى رأسها غزة، ليبيا، السودان، والساحل الإفريقي، مع التأكيد على دعم الدولة الوطنية.

عبد العاطي: الوزراء العرب اتفقوا على مشاريع قرارات تتعلق بغزة وسد النهضة وسورياتعاون جديد بين مصر وألمانيا .. عبد العاطي يهنئ فاديفول ويبحثان ملفات التجارة والهجرة

لقاء وزيرة التجارة والسياحة

 بحث الجانبان آليات زيادة التبادل التجاري وتوسيع التعاون في مجالات الصيد والطاقة والبنية التحتية.

عبد العاطي ونظيره القبرصي يبحثان تفعيل الاتفاقيات ودعم الشراكة الاستراتيجية والأمن الإقليميعبد العاطي يؤكد لـ جويتريش: لا إعمار لغزة دون وقف النار ورفع الحصار

لقاء وزير التعليم العالي

 أُعلن عن زيادة المنح المصرية من 97 إلى 202 منحة سنويًا، مع دعم تفعيل المركز الثقافي المصري.

عبد العاطي: الوزراء العرب اتفقوا على مشاريع قرارات تتعلق بغزة وسد النهضة وسورياتعاون جديد بين مصر وألمانيا .. عبد العاطي يهنئ فاديفول ويبحثان ملفات التجارة والهجرة

لقاء مع وزير الصحة

 طرُحت مبادرات لتوريد الأدوية المصرية وتوطين صناعاتها في موريتانيا بالتعاون مع القطاع الخاص.

في ظل التحديات.. بدر عبد العاطي: التعاون الأفريقي الأوروبي المستمر هام للغايةعبد العاطي: مصر تنتهج مبدأ الاتزان الاستراتيجي في إدارة علاقتها الخارجيةعبد العاطي ونظيره القبرصي يبحثان تفعيل الاتفاقيات ودعم الشراكة الاستراتيجية والأمن الإقليميعبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه

لقاء مع وزير الطاقة

 نوقشت فرص التعاون في مجال الطاقة والغاز الطبيعي، واستثمار خبرات الشركات المصرية.

لقاء مع وزير الثقافة

 تم الاتفاق على إعادة تنشيط المركز الثقافي المصري في نواكشوط، ودعم مبادرة إنشاء "مجموعة الصداقة البرلمانية".

لقاءات سيادية تعزز الإرادة السياسية

وفي لقائه مع الوزير الأول الموريتاني المختار ولد أجاي، شدد عبد العاطي على أهمية الدفع بالعلاقات الاقتصادية، والاستفادة من الإمكانيات التكاملية بين البلدين. 

كما بحث الوزير الدكتور بدر عبد العاطي مع رئيس البرلمان محمد ولد مكت دعم العلاقات البرلمانية، الذي أشاد بالدور المصري في دعم الاستقرار بالمنطقة.

خلاصة النتائج: رؤية متكاملة لعلاقات استراتيجية

جاءت زيارة الدكتور بدر عبد العاطي لتشكل نقطة تحول في مسار العلاقات المصرية-الموريتانية، حيث أثمرت عن إعادة تفعيل آليات التعاون المؤسسي، وتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري، فضلا عن ترسيخ الدعم الثقافي والتعليمي، وتنسيق المواقف السياسية إزاء القضايا الإقليمية.

وتؤكد هذه الزيارة أن القاهرة ونواكشوط تسعيان لبناء شراكة ترتكز على المصالح المشتركة والانفتاح المتبادل، في ظل توجيهات القيادة السياسية في كلا البلدين.

طباعة شارك الدكتور بدر عبد العاطي مصر وموريتانيا الرئيس عبد الفتاح السيسي محمد ولد الشيخ الغزواني متانة العلاقات الأخوية الشركات المصرية موريتانيا وزير الخارجية الموريتاني الأدوية المصرية

مقالات مشابهة

  • الرئيس السيسي ورئيس وزراء اليونان يؤكدان دفع العلاقات الاستراتيجية بين البلدين
  • قراءة في زيارة الرئيس إلى موسكو
  • أردوغان: يجب الحفاظ على الوحدة الوطنية في سوريا
  • وزير الخارجية يبحث مع القائم بالأعمال الياباني العلاقات الثنائية بين البلدين
  • جلالة السُّلطان وفخامة الرئيس الإيراني يؤكّدان على الدور الإيجابي والمُثمر الذي يقوم به القطاع الخاص في البلدين
  • وزارة الاقتصاد والصناعة تبحث مع وفد صناعي أردني تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين
  • استعرضا العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الصديقين.. وزير الدفاع يلتقي مستشار الأمن القومي البريطاني
  • العراق وعُمان يؤكدان على تعزيز العلاقات بين البلدين
  • بعثة من الخارجية المغربية في دمشق لاستكمال إجراءات فتح السفارة وإحياء العلاقات بين البلدين
  • زيارة وزير الخارجية إلى نواكشوط.. انطلاقة استراتيجية جديدة في العلاقات المصرية-الموريتانية