جاء دورنا كشعب فى حماية المكتسبات التى أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسى من زيادات فى الأجور تغطى فئات واسعة من الشعب، وأن نحبط المتربصين والجشعين وصناع الشائعات وتجار الأزمات.
لكن قبل أن نتعرف على سبل حماية قوت يومنا ومستوى معيشتنا، علينا معرفة كيف يصنعون الأزمات، ومن المستفيدون منها؟
كان العالم قد تعرض لأزمتين اقتصاديتين متتاليتين عقب تفشى جائحة كورونا واندلاع الحرب الأوكرانية، وكانت مصر مثل باقى دول العالم قد تأثرت بهما، إلا أن الاقتصاد المصرى كان قد حقق نموا مرضيا رغم الأزمتين، ومضت مصر فى استكمال مشروعاتها القومية العملاقة، إلا أن تنافس الدول الكبرى على اجتذاب رءوس الأموال، وسحب الأموال الساخنة عقب الأزمتين كان الأكثر تأثيرا، خصوصا مع حاجة مصر إلى استكمال مشروعاتها الكبرى الطموح، ولم يقف التحدى عند تلك الأزمة، فقد جرى استغلال النقص الناجم عن الإنفاق الاستثمارى الكبير، وما واكبه من نقص العملات الأجنبية، لتظهر مجموعة من الضغوط المصطنعة الجديدة، أهمها الإقبال غير العادى على شراء الدولار وباقى العملات الأجنبية، وسط انطلاق وابل من الشائعات عن قرب إعلان إفلاس مصر، وتعثرها عن سداد أقساط الديون، وتأثر قطاع أخذ يتسع بتلك الشائعات، وانخفضت تحويلات المصريين فى الخارج عبر القنوات الرسمية، مع ظهور السوق الموازية، ووجود سعرين للدولار، سعر رسمى فى البنوك، وآخر فى سوق موازية أخذت فى الانتعاش كلما اتسعت الشائعات وراجت، وتحولت الأزمة الصغيرة العابرة إلى أزمة حقيقية مع حالة القلق التى تسببت فيها الشائعات، وغذتها مجموعات من المضاربين الذين دأبوا على سحب النقد الأجنبي.
الفئة الثانية تعمل بتوجيهات خارجية لتعميق الأزمة، والضغط على مصر فى ملفات سياسية واقتصادية، من أبرزها إجبار مصر على تقديم تنازلات أو تغيير سياسات، أبرزها الموقف المصرى من القضية الفلسطينية وحماية سكان غزة، وهى نفس الجهات التى لا تريد أن تتمتع مصر بالقوة الاقتصادية والتماسك السياسى والاجتماعي، وأن تصبح قطبا إقليميا ودوليا بارزا، يؤثر على مجريات الأحداث بفاعلية، وتحمى مصالحها وسيادتها وقرارها الوطني، وتشد أزر أشقائها العرب.
أما الفئة الثالثة التى شاركت دون أن تدرى فى تعميق الأزمة فكانت شرائح من المصريين العاديين الذين يحبون وطنهم، لكنهم انجروا وراء الشائعات، وعندما وجدوا أن الأزمة المصطنعة لها انعكاساتها فى الواقع، وأن السوق الموازية تنتعش، ويرتفع فيها سعر الدولار وباقى العملات الأجنبية بمعدلات سريعة وغير عادية، وخافوا على مدخراتهم الصغيرة، اشتركوا فى شراء الدولار والذهب بدلا من الجنيه المصرى كملجأ مأمون للقيمة، ليدخلوا فرادى وجماعات إلى جانب المضاربين، وهذا ما أدى إلى الارتفاعات السريعة وغير المسبوقة فى أسعار السلع، ليتوجه المستهلكون العاديون، ومن لم يستطع شراء الدولارات، إلى تخزين السلع التى يرتفع أسعارها، فنتج عن هذا السلوك اختفاء أو إخفاء الكثير من السلع، وتخزينها، لتصبح المضاربة على السلع أداة جديدة فى إشعال الغلاء، الذى بلغ حد تهديد الأمن القومي، وتهديد المجتمع فى لقمة عيشه.
الفئة الرابعة من صناع الأزمة هى صناع الشائعات، الذين برعوا فى فبركة الأخبار، واستغلوا حالة الاضطراب والقلق فى تمرير أخبار وصور وفيديوهات مزيفة تزيد من حدة الأزمة، أو على الأقل تجعلها مستمرة، وهؤلاء من المحترفين القادرين على تزييف الصورة والصوت، وبث شائعاتهم بكل الطرق التقليدية والمستحدثة، وعلى رأسها منصات التواصل الاجتماعي، وأنشأوا حسابات مزيفة، ومواقع إلكترونية تبث تلك الأخبار العالية التقنية، والمعروفة بالكذب العميق، الذى لا يمكن للقارئ أو المشاهد العادى أن يعرف أنه مزيف، ويحتاج إلى خبراء لكشف التزييف.
كان هناك سيل من تلك الأخبار المزيفة، وإظهار مسئولين كبار يقولون كلاما غير مقنع عبر برامج تقلد الأصوات، تعتمد على تقنيات عالية، وهدفها نسف الثقة بين الشعب والقيادة، وإظهار الحكومة بالعجز والتخبط وعدم الكفاءة، واتباع سياسات خاطئة، عبر إلصاق أقوال بهم غير معقولة، بعيدة عن المنطق، لتظهرهم وكأنهم فى عالم آخر، أو بعيدون عن الواقع.
هذا الوضع الذى عاشته مصر فى الأسابيع والشهور الأخيرة كان من أخطر التحديات، لأنه صنع الأزمة، ووسع من نطاقها وزاد عدد المشاركين فيها، ولو استمرت تلك الحالة لكان الاقتصاد المصرى قد تدهور بشكل خطير وحقيقي، لأن قطاعات واسعة من الشعب صدقت تلك الشائعات، ثم بدأت تتصرف على أنها حقيقة، ثم شاركت فى تعميق الأزمة بالتوجه الجماعى نحو شراء الدولار والعملات الأجنبية وتخزين السلع.
جاء القرار الأخير للرئيس عبد الفتاح السيسى برفع الأجور والمعاشات، وتعيين أعداد كبيرة من المعلمين والأطباء والممرضين، ضمن جملة من الإجراءات التى تعيد الانضباط والاستقرار الاقتصادي، وتوقف شبح الغلاء، وتضع حدا للمضاربات، وتعيد الثقة فى النظام المالى الرسمي، وتنهى السوق الموازية. فهناك حملات لضبط المضاربين على الأسعار، وجامعى العملات الأجنبية بهدف إحداث ندرة فى السوق، وفى الوقت نفسه توفيرها للمستوردين الذين يشترون متطلبات الإنتاج والسلع الضرورية، لكن هذه الإجراءات المهمة والضرورية تحتاج إلى مهام أخرى من الشعب، لتجعلها أكثر فاعلية واستقرارا، وتتسم بالديمومة، أهمها ألا ننساق وراء الشائعات، وأن نتوقف عن الشراء من أجل التخزين، لأن الإقبال المتزايد على التخزين سوف يؤدى حتما إلى ارتفاع الأسعار، كما أنه سلوك سيئ، لأن تخزين المواد الغذائية يحتاج أماكن مجهزة تحميها من التعفن والتسمم، ولهذا سنجد إصابات كثيرة بالتسمم وغيره من الأمراض الناجمة عن تخزين المواد الغذائية وفسادها وتعفنها بدرجات متفاوتة، أى أننا سنسهم فى إضرار بلدنا، أى أنفسنا، اقتصاديا، وكذلك نضر بصحتنا وصحة أبنائنا، سواء من المواد الغذائية المخزنة فى المنزل، أو المشتراة من تجار يخزنونها فى أماكن غير ملائمة، ولمدد أطول من فترة الصلاحية.
أما الخطوة الأخرى الضرورية أيضا فهى أن نعمل على إنتاج ما نحتاجه، وأن نركز على النشاط الإنتاجي، سواء للاستهلاك المحلى البديل عن الاستيراد، أو الإنتاج من أجل التصدير وتوفير عملات أجنبية، ولدينا مؤشرات إيجابية مهمة تؤكد انخفاضا كبيرا فى عجز الميزان التجاري، وتراجع الواردات ونمو الصادرات بنسب كبيرة ومبشرة، وهو الاتجاه الذى يجعل من الاقتصاد المصرى قوة حقيقية، ويرفع مستويات المعيشة، ويخفض الأسعار، ويحقق حلمنا بجمهورية جديدة يسود فيها الازدهار والثقة والأمل لكل أبناء مصر .. عاشت مصر قوية بشعبها وقيادتها ووعى أبنائها وقدرتهم على مواجهة التحديات وإسقاط المتربصين ومروجى الشائعات.
علاء ثابت – بوابة الأهرام
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: العملات الأجنبیة شراء الدولار
إقرأ أيضاً:
الغارديان: قادة الغرب الذين دعموا المذبحة لا يمكنهم صنع سلام لفلسطين
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالا للصحفية نسرين مالك، رأت فيه أن قادة الغرب المشاركين في قمة شرم الشيخ هم أنفسهم من "مكّنوا ورعوا المذبحة في غزة"، ولهذا بحسب قولها لا يمكنهم بناء مستقبل فلسطيني حقيقي".
وقالت مالك في مقالها إن شرم الشيخ استضافت أبرز تجمع لقادة العالم في الشرق الأوسط منذ سنوات، حيث يشارك في القمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، وآخرون، تحت شعار "إنهاء الحرب في قطاع غزة وتعزيز جهود السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وبدء عهد جديد من الأمن الإقليمي".
ورأت الكاتبة أن "هذه اللغة تنذر بمستقبل خالٍ من المحاسبة أو معالجة الأسباب الجذرية للصراع"، معتبرة أن الهدنة، إن صمدت، ستؤدي إلى "تطبيع نتائج المذبحة"، بينما يستمر الاحتلال الإسرائيلي بلا مساءلة، ويُطوى فصل آخر من انتهاكات إسرائيل سرا، ليس فقط ضد الفلسطينيين بل ضد مَن دعموها أيضا.
وأضافت مالك أن تعبيرا عربيا يتبادر إلى الذهن في هذا السياق هو "حاميها حراميها"، في إشارة إلى أن الدول التي سلحت إسرائيل هي ذاتها التي تبحث الآن عن طريق لتحقيق السلام في غزة.
وتابعت أن الصور القادمة من القطاع تكشف دمارا غير مسبوق، حيث يعود السكان إلى منازلهم ليجدوا "أرضا قاحلة سوتها القنابل والجرافات بالأرض"، مؤكدة أن حتى ضوء الشمس في الصور يبدو "خارقا للطبيعة" لأن المباني التي كانت تخلق الظلال اختفت تماما. وأشارت إلى أن الناجين يعودون ليقيموا خياما جديدة بانتظار المساعدات، لكن هذه المرة "بخطر أقل للتعرض للقصف أثناء النوم".
وتساءلت الكاتبة عن مصير الحياة بعد الموت في غزة، وعن الأطفال الأيتام والمشوهين الذين فقدوا أسرهم، موضحة أن "الدمار لم يطل البنية التحتية فقط، بل محا أيضا النسيج الاجتماعي، إذ أُبيدت عائلات كاملة على مدى أجيال". ونقلت عن أحد سكان غزة قوله عن شقيقه الذي فقد عائلته في غارة واحدة: "يتجول باستمرار حول الأنقاض التي ماتوا فيها".
وقالت إن أعداد القتلى مرشحة للارتفاع مع استمرار انتشال الجثث من تحت الأنقاض، مشيرة إلى أن "ما لا يقل عن 10 بالمئة من سكان غزة قُتلوا أو جُرحوا، وهو تقدير متحفظ".
وأضافت أن تجاهل هذه الحقائق والتعامل معها كتكاليف للحرب "يشكل جريمة أخلاقية وسياسية"، مشددة على أن "الهجوم يجب أن يتوقف، لكن الأهم هو معالجة الظروف التي سمحت بوقوعه واستمراره".
وأكدت مالك أن حجم الدمار يجعل من الصعب التركيز على أي شيء سوى وقف القتل، "لكن هذا التركيز ذاته يحمل في طياته خطر التبرئة"، مشيرة إلى أن ترامب "يستعد للاحتفال بنصره في صنع السلام"، رغم أنه ساهم في تمكين ما حدث، فيما أشاد جاريد كوشنر بـ"سلوك إسرائيل"، قائلا: "بدلا من تكرار همجية العدو، اخترتم أن تكونوا استثنائيين".
وأضافت أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أثنى على ترامب لدوره في تأمين الصفقة، بينما ركز على السماح بإدخال المساعدات الإنسانية، وذكرت أن مكتب رئيس الوزراء أعلن أنه سيشيد "بشكل خاص" بالرئيس الأمريكي في قمة شرم الشيخ.
وعلقت قائلة: "هكذا أصبح لدينا جريمة بلا مجرمين، وإبادة جماعية بلا مرتكبي إبادة جماعية، وشعب بائس يُقال إن حماس هي من أذلته، ويُتعامل معه الآن كمن يحتاج إلى الإطعام والرعاية بينما يُمحى من جديد تاريخه وهويته".
وأوضحت مالك أن هذه التبرئة ستكون هذه المرة أكثر إلحاحا، لأن مسؤولية الدول التي سلحت إسرائيل وقمعت الاحتجاجات ضدها "باتت أوضح من أي وقت مضى"، مشيرة إلى أن تلك الدول "ستسارع إلى شرم الشيخ لتبرئة نفسها"، لأنها زودت إسرائيل بالسلاح، ورفضت الالتزام بأحكام المحكمة الجنائية الدولية حين أصدرت مذكرة توقيف بحق بنيامين نتنياهو.
وقالت الكاتبة إن "الحديث عن السلام في غزة" تحول إلى فرصة للنسيان، ومحاولة لمحو مرحلة من الوعي الجماعي التي كشفت تواطؤ بعض الحكومات الغربية في تدمير غزة، مضيفة أن ما حدث "لن يُنسى بسهولة"، وأن "المستقبل الآمن لسكان غزة لا يمكن أن يصنعه من تلطخت أيديهم بدمائهم".
واختتمت مقالها بالتأكيد على أن وقف القتل لا يعني نهاية المأساة، مشيرة إلى أن الفلسطينيين سيظلون يواجهون القتل ومصادرة الأراضي والاعتقال دون محاكمة عادلة، وأن "ما تعلمه العالم خلال العامين الماضيين لا يمكن تجاهله".
وقالت نسرين مالك في ختام مقالها في "الغارديان": "لقد تخلى مرتكبو هذا الدمار منذ زمن طويل عن أي ولاية على الشعب الذي ساعدوا في قتله وتحطيمه"، مضيفة أن ما يُكشف الآن من أعداد القتلى والدمار في غزة يجعل إنكار الحقيقة مستحيلا، وختمت بعبارة مستوحاة من قصيدة "جيرونشين" للشاعر تي. إس. إليوت: "بعد هذه المعرفة، أي غفران؟".