البوابة نيوز:
2024-06-02@23:26:33 GMT

ثلاثة أيام في الجنة!

تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT

 

بوسع الإنسان أن يصنع جنته على الأرض رغم كل هذه الحروب ومشاهد القتل والدمار واستباحة الدماء البشرية، فقط إذا صدق فى إيمانه برسالته وهى إنجاز عمله بحب وتسامح القلب وموضوعية وحياد العقل بما يساعد على إخراج هذا العمل أيًا ما كان فى أقرب صورة للجمال الكامل، فإذا أحاط هذا الجمال حياتنا نجحنا كبشر فى مقاومة الشر الذى بداخلنا والأنانية التى تسكننا ومن ثم تقل مشاهد الدمار ويتضاءل حجم الدماء المسفوكة.

وسط حرب غزة الدامية، وأوضاعنا التى تكاد تغتال الأمل فينا، كانت ثلاثة أيام عشتها فى جنة صنعها مخلصون صادقون داخل المركز الكاثوليكى المصرى للسينما، تعلمت فيها أن العمل المؤسسى الملتزم بالمعايير والقوانين المتفق عليها والتى يكفل الحرية لكل أعضائه فى أداء عملهم وإبداء آرائهم وطرح وجهات نظرهم باختلاف خبراتهم ومعارفهم ومشاربهم وانتماءاتهم الاجتماعية والمهنية هو الضامن الوحيد لتتحول هذه المؤسسة إلى خلية نحل هى بالنسبة لكل من ينضم إليها جنة الإنسان فى الأرض.

كانت تجربة جديدة وفريدة بالنسبة لكاتب هذه السطور وتستحق الكتابة عنها ونقلها إليك قارئى العزيز فكم تمنيت لو أن كل ركن فى بلادنا التزم بتلك القيم؟! المؤكد أن كل شىء سيصبح مختلفًا.

صحيح كانت لى بعض الكتابات الصحفية فى نقد الأعمال السينمائية منذ سنوات طويلة لكنها تبقى تجربة محدودة لذلك كان قرار المخرجة السينمائية ساندرا نشأت بضمى كعضو بلجنة تحكيم مهرجان المركز الكاثوليكى المصرى للسينما فى دورته الـ٧٢ مفاجأة، فالمهرجان من أقدم وأعرق المهرجانات السينمائية فى الشرق الأوسط حيث كانت انطلاقته الأولى فى عام ١٩٥٢.

كيف لكفيف مثلى أمضى جل حياته الصحفية فى كتابة التحقيقات والتقارير الإخبارية والمقالات السياسية أن يشارك فى تحكيم ٦ أفلام سينمائية وترشيح المستحقين للجوائز المختلفة فى المهرجان؟!

نعم.. المعالجة السينمائية للقصة عبر السيناريو والحوار مع الموسيقى التصويرية وأداء الممثلين والأصوات التى قد يستخدمها المخرج لرسم انطباع معين لمشاهده فى ذهن المتلقى قد تساعد المكفوفين من عشاق السينما على استيعاب الصورة العميقة التى تقدمها العدسة السينمائية، لكن هل يكفى كل ذلك ليشترك من اعتاد الاعتماد على أذنيه فقط لرؤية كل الأشياء؟!.

حرية أن تقول ما عندك وأن تبدى وجهة نظرك كما هى، واستقبال الآخرين لها بسماحة وتسامح ثم انخراطك فى نقاش هادىء يتلمس الموضوعية والحياد يساعدك على تصحيح وجهات نظرك وتعديلها أو حتى تغييرها بمرونة فوق أنه يمنحك الثقة فيما أجمع عليه الآخرون مما قلت أو عبرت عنه من أفكار.

هكذا كان نهج كل أعضاء اللجنة وهكذا كان أبونا بطرس دانيال مدير المركز الكاثوليكى للسينما عندما كان يلفت انتباه الجميع برقة إلى العناصر التى يتعين علينا الإلتفات إليها وعدم إغفالها.

وكأن الجميع قرأ مقولة الكاتب الصحفى والروائى محمد شعير فى روايته “مصنع السكر” على لسان أحد أبطاله والتى أنقلها بتصرف “تريد أن تحب بسماح وسماحة، أما السماح فأن تخطىء وتصيب، وأما السماحة فأن يقبل الحبيب خطأك ويغفره".

بهكذا مبدأ يمكن لكل مؤسسة أن تحافظ على بنيانها متماسكًا قويًا طالما أن الجميع يسمح بالخطأ والصواب بحرية مطلقة ويسامح فيعدل المخطىء من خطأه.

هذا هو المهرجان الرابع عشر الذى يديره أبونا بطرس دانيال فقد تسلم إدارة المركز فى الدورة ٦٨ بمهرجانه السينمائى عام ٢٠١٠ وقد عكست مداخلاته اللطيفة الهادئة السمحة خبرته العريضة حتى أننى رحت أتخيل لو أن القدر قاده إلى مجال العمل السينمائى والفنى، لكنه وعلى أية حال ورغم اتجاهه إلى الرهبنة فى سن مبكرة وهو ابن الحادية عشر قدم للفن السابع ما لم يستطع كثيرون تقديمه بحفاظه على معايير أخلاقية وقيمية فى اختيار الأفلام المرشحة للفوز بجوائز المهرجان، لذلك كانت هذه الإدارة الرشيدة الهادئة الديمقراطية إن جاز التعبير، وقد شاركه فى اختيار الأفلام الستة المتسابقة على جوائز المهرجان ميشيل ماهر مدير قاعة النيل بالمركز الكاثوليكى السينمائى ومجدى سامى المشرف على مكتبة المركز التى تحوى أرشيف السينما المصرية بكل ما أنتجته من أفلام منذ عام ١٩٥٢ وحتى اليوم بخلاف آلاف الكتب والمراجع المتخصصة فى النقد السينمائى.

أعضاء اللجنة جميعهم قامات فنية وسينمائية يعلمها الجميع بدءًا من المخرجة ساندرا نشأت رئيس لجنة التحكيم، ومرورًا بالكاتب الروائى والسيناريست القدير عبدالرحيم كمال، والفنان القدير أحمد شاكر عبداللطيف مدير المسرح القومى السابق، والمونتير الكبير كمال الملاخ، والمصور السينمائى الكبير إيهاب محمد على، وصولًا إلى الفنانة القديرة حنان مطاوع والفنانة القديرة داليا مصطفى والموسيقار الكبير مصطفى الحلوانى.

الكل كان حريصًا على الإنصات للكل وبعين الصحفى لم ألحظ أى محاولة للاستعراض أو فرض الرأى بل كان التواضع سمت الجميع لذلك جاءت جميع الجوائز بتوافق هادىء موضوعى.

كانت تجربة فريدة فيما تعلمته ورصدته من تعدد الآراء ووجهات النظر وتنوع الخبرات والخلفيات لذلك لم يكن صعبًا التقاط الشعيرات الفاصلة فى تميز الأفلام الستة بكل عناصرها السينمائية، هكذا يكون كل عمل سهل وممتع عندما تكون فى حضرة أهل الاختصاص.

بعين المخرجة وصفت لى ساندرا نشأت مشاهد الأفلام وبعين المصور السينمائى شرح لى إيهاب محمد على تفاصيل المشاهد وبأذن الموسيقار نقل إلى مصطفى الحلوانى إيقاع الأعمال، كان ذلك أثناء مشاهدة الأفلام وهى: أنف وثلاثة عيون للمخرج أمير رمزى، أنا لحبيبى للمخرج هادى الباجورى، ١٩ب للمخرج أحمد عبدالله السيد، بيت الروبى للمخرج بيتر ميمى، وش فى وش للمخرج وليد الحلفاوى، ڤوى ڤوى ڤوى للمخرج عمر هلال.

أخيرًا وليس آخرًا.. ما تعلمته فى رحاب المركز الكاثوليكى للسينما وحضرة هذه القامات الرفيعة لا تسع هذه السطور الكتابة عنه، لكن يبقى القول أن الأرشيف السينمائى الذى يعمل المركز على حفظه ورقيًا منذ ٧٢ عاما يحتاج إلى من يدعم المركز الكاثوليكى المصرى للسينما لحفظه الكترونيًا حتى يظل متاحًا كما هو الآن وبصورة أفضل وأيسر للباحثين والمتخصصين والصحفيين والجمهور العام ذلك أن كلفة هذه العملية كبيرة وكل حريص على احتفاظ مصر بأحد أهم مصادر قوتها الناعمة مدعو للمشاركة فى هذه العملية.

*كاتب صحفى

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: القتل والدمار حرب غزة الدامية

إقرأ أيضاً:

4: قراءة الفيلم

قراءة الفيلم تعني ببساطة الوعي بجماليات الفيلم، أعني: القدرة على إدراك المفردات أو العناصر التي تشكل جماليات الفيلم. هذه القدرة- كما في سائر الفنون- تتطلب امتلاك المتلقي مهارات خاصة في الإدراك الجمالي تتعلق بالخبرة الجمالية بالسينما، فضلًا عن مهارات الإدراك والخبرة الجمالية بوجه عام التي ينبغي أن تتوافر لدى كل متلق: فالحقيقة أن مَن يحسن قراءة فن ما من الفنون (كاللوحة على سبيل المثال) هو شخص يكون مؤهلًا أيضًا لقراءة الفنون الأخرى. ولكن ما نريد أن نتوقف عنده في هذا المقال هو الكشف عن تلك المهارات الخاصة التي تكون مطلوبة لإدراك جماليات الفيلم:

بوسعنا القول إن فن السينما هو فن جامع، أعني أنه يستلهم الأساليب الجمالية للفنون الأخرى التي وصل إليها الفن في عصرنا عبر أكثر من قرن من الزمان؛ وكأن فن السينما يستعيد الدور التاريخي لنشأة الفنون في عصر القدماء، حينما كان يمثل المسرح الفن الجامع في عصره، فهو يجمع بين الشعر والتمثيل والموسيقى والرقص؛ ولهذا سُمي المسرح «أبو الفنون»، بينما أُطلِق على السينما اسم «الفن السابع»، باعتباره الفن الأخير في سلسلة الفنون الجميلة الكبرى المعروفة. ولكن هذا الفن قد تطور عبر قرن من الزمان تطورا مذهلًا من حيث الأساليب الفنية في التعبير؛ نظرًا للتطور المذهل في تقنيات الكاميرا وإمكانيات التصوير.

لقد أصبحت الصورة السينمائية بالتدريج مناط التكوين الجمالي المهيمن على هذا الفن. وهذا ما ينبغي أن يفطن إليه قارئ الفيلم. وليس معنى ذلك أن الحوار في الفيلم تكون له أهمية ثانوية: فالحقيقة أن الحوار تكون له قيمة جمالية كبرى، خاصة في تلك الأفلام التي يكون الحوار فيها من إبداع كاتب سيناريو أو مستمدًا من نص أدبي لأديب عظيم. ولكننا نتعلم ونكتشف دائما أن الأعمال السينمائية الكبرى هي تلك التي تسيطر فيها الصورة السينمائية على الحوار وعلى المشهد برمته.

ما شكل خبرتي الجمالية بفن السينما منذ فترة مبكرة هو حضوري العروض السينمائية الأسبوعية التي تقيمها مراكز الثقافة الفرنسية في البلدان العربية التي أقمت فيها حينًا من الزمان. كنت ألاحظ أن الأفلام الفرنسية التي تُعرَض، يقل فيها الحوار بصورة ملحوظة، وكأن المخرج يريد أن يجبرنا على قراءة الفيلم وفهم دلالاته الجمالية من خلال الصورة السينمائية أولًا (تمامًا مثلما أن الفنان التجريدي يريد أن يجبرنا على تأمل اللوحة من خلال الخطوط والألوان والتكوينات). وأذكر أنني شاهدت فيلمًا- لا أذكر اسمه- مستمدا من نص للفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: لم يَرِد الحوار في الفيلم إلا قرب نهايته في صورة مقتضبة، وكأن المخرج يريد أن يقول لنا إن كل ما يمكن قوله قد قالته الصورة السينمائية بوضوح أكبر وأكثر تعبيرًا. وربما تذكرنا العلاقة بين الصورة السينمائية والكلمات أو النص الحواري بالعلاقة- التي سبق أن تناولناها في مقالنا عن قراءة الموسيقى- بالعلاقة بين الموسيقى والكلمات كما في الأغنية والأوبرا وغير ذلك: فالأعمال العظمى من هذا النوع هي تلك التي تكون فيها الموسيقى قادرة على أن تُعزَف وحدها بشكل مستقل عن الكلمات، وأن تنال مع ذلك إعجابنا ومتعتنا بها.

وفي ضوء هذا الأمر نفسه يمكننا المقارنة بين السينما الأمريكية والسينما الأوروبية: فالأفلام الأمريكية - باستثناءات قليلة - لا تقوم على جماليات الصورة السينمائية كما هو الحال في السينما الأوروبية عموما، وإنما تقوم على إبهار الأحداث المتلاحقة المشوِّقة، وعلى إبهار الصورة التي تستخدم تقنيات متقدمة؛ ولذلك نجد أن هذا النوع من السينما يحقق نجاحًا في التسويق التجاري للأفلام التي تتعلق بالحروب والأحداث التاريخية الجسام، والتي تتطلب ميزانيات ضخمة؛ بينما حظ هذه السينما قليل في الأفلام التي تتعلق بتناول خبرات العالم المعيش كما تتبدى في حياة الناس، وهي غالبًا لا تتناول أحداث الناس العاديين، وإنما تتناول حياة الأبطال في الحروب والحياة، وغالبًا ما يتمثل هذا البطل (أو الأبطال) في صورة الأمريكي المنتصر على الدوام.

وما ينبغي أن يلتفت إليه أيضًا قارئ الفيلم هو العلاقة بين الصورة والصوت في الفيلم. والصوت هنا يتبدى -في بعض منه- من خلال مواءمة الصورة والأداء التمثيلي لفعل الكلام؛ ولهذا السبب نفسه، فإننا لا نستمتع بالأفلام المدبلجة، خاصة تلك التي يتم دبلجتها بشكل رديء. غير أن علاقة الصورة بالصوت تتبدى على نحو آخر من خلال علاقة الصورة السينمائية بموسيقى الفيلم.

وهذا ينقلنا إلى التأكيد على أهمية المونتاج الذي ربما يكون أهم العناصر الجمالية في الصورة السينمائية. والمونتاج ببساطة هو فن تقطيع ووصل اللقطات والمشاهد السينمائية، وهذا فن عميق دقيق في صناعة الصورة السينمائية، وله دور كبير مع الأدوات الفنية الأخرى في تحديد دخول الصوت على الصورة؛ وهذا يتبدى بوضوح في عملية دخول مقاطع من الموسيقى التصويرية في توقيت بعينه لمشاهد معينة، كما أنه يتبدى أيضًا في تقطيع لقطات المشهد، ليشغل كل منها زمنا معينا. وفي هذا الصدد يقول أحد علماء جماليات السينما: «حينما تشاهد فيلمًا ما، حاول أن تخمن اللحظة التي ينبغي أن تنتهي فيها اللقطة السينمائية إما بتغيير كادر التصوير أو الزاوية أو المجال». ويزداد الأمر تعقيدا، ومن ثم يزداد جمالًا، حينما يحدث هذا المونتاج على مستوى الصورة والصوت في الوقت ذاته.

د. سعيد توفيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة

مقالات مشابهة

  • الأربعاء.. عرض أول فيلم كرتون مصري ثلاثي الأبعاد بمركز الثقافة السينمائية
  • عين من عيون الجنة يغفل عنها الكثيرون.. فرصة اغتنمها في موسم الحج
  • 4: قراءة الفيلم
  • أهالى الجعفرية بالشرقية يشيعون جنازة صبي عُثر عليه مقتولاً داخل حظيرة مواشي
  • تعرف على إجمالي إيرادات الأفلام السينمائية في دور العرض أمس الجمعة
  • موجة حارة وأتربة.. تفاصيل طقس الشرقية في أول أيام الصيف بالمملكة
  • 1.7 مليون جنيه إيرادات الأفلام السينمائية في دور العرض خلال 24 ساعة
  • بعد تغيبه ثلاثة أيام.. العثور على جثة صبي داخل حظيرة مواشي فى الشرقية
  • سعد الصغير ناعيا والدة محمود الليثي: «في الجنة يا أمي» (صورة)
  • جندي أوكراني يرقد بين جثث رفاقه في مقاطعة خاركوف لمدة ثلاثة أيام