إعادة ضبط إقليمية.. 3 نجاحات وإخفاقان لمصالحات تركيا في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT
سلط الباحث المشارك في مركز الدراسات التركية التطبيقية التابع لمؤسسة العلوم والسياسة في برلين، سليم تشيفيك، الضوء على العلاقات التركية الخليجية في سياق المصالحة الإقليمية الجديدة، مشيرا إلى أن أنقرة أعادة ضبط سياساتها في الشرق الأوسط منذ عام 2021، وبدأت في التصالح مع منافسيها: مصر وإسرائيل والسعودية وسوريا والإمارات.
وذكر تشيفيك، في تحليل نشره موقع المركز العربي بواشنطن وترجمه "الخليج الجديد"، أن إعادة الضبط التركي لم تكن العملية خطية، ففي بعض الحالات كانت هناك انتكاسات أو حتى إخفاقات تامة، لكن المصالحة بين تركيا والإمارات برزت بشكل خاص، ليس فقط بسبب سرعتها النسبية، ولكن أيضًا بسبب إمكاناتها.
فالعلاقات التركية الإماراتية تشبه في بعض النواحي العلاقات التركية القطرية الناجحة وطويلة الأمد، لكنها لا تزال أقل من المستوى الاستراتيجي لتلك العلاقات.
وفي المقابل، لم تصل جهود تركيا للمصالحة مع سوريا إلى مستوى التطبيع السياسي، ويرجح تشيفيك أنها متعثرة بسبب عدم إمكانية التوفيق بين مطالب كل جانب، مشيرا إلى أن القضية الوحيدة التي تتفق عليها أنقرة ودمشق هي معارضة الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا. ولذلك فإن السيناريو غير المحتمل، المتمثل في تقدم المصالحة التركية السورية، قد يخلق صعوبات للولايات المتحدة، وهو عامل "يميز المصالحة التركية السورية عن جهود المصالحة الإقليمية الأخرى التي تبذلها تركيا"، بحسب تشيفيك.
أما عملية المصالحة التركية مع مصر فكانت أكثر نجاحا بكثير، فقد استعادت أنقرة والقاهرة العلاقات الدبلوماسية الكاملة وتبادلتا السفراء، كما التقى زعيما البلدين: عبد الفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان، أكثر من مرة.
ومع ذلك، يبدو أن تحقيق المزيد من التقدم في العلاقات بين البلدين لايزال محدودا، حيث لا يزال لدى الجانبين وجهات نظر متعارضة بشأن ليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط.
وسمح الهدوء الحالي في مناطق الصراع الليبية لتركيا ومصر بتقسيم علاقتهما، والانخراط دبلوماسيا ومحاولة تعزيز العلاقات الاقتصادية على الرغم من المواقف المتباينة بشأن شرق البحر الأبيض المتوسط.
وقبل اندلاع الحرب في غزة، كانت المصالحة التركية الإسرائيلية قد مرت بنفس المراحل التي مرت بها العملية التركية المصرية، وجرى تحقيق التطبيع الدبلوماسي الكامل بين البلدين، وعقد أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اجتماعاً ثنائياً قبل أسابيع من 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكان من المتوقع أن يزور نتنياهو تركيا في نوفمبر/تشرين الثاني.
ولكن حتى ذلك الحين، لم يتم إحراز أي تقدم، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التردد الإسرائيلي وانعدام الثقة في أردوغان. وفي أعقاب الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة، يبدو أن إمكانية التعاون في مجال الطاقة بين أنقرة وتل أبيب قد اختفت.
اقرأ أيضاً
زيارة أردوغان للقاهرة.. لهذا تنهي مصر وتركيا خلافات 10 سنوات
وفي المقابل، سارت المصالحة التركية مع الثنائي الخليجي: السعودية والإمارات، بشكل أفضل بكثير، وإن كان بدرجات متفاوتة، ما يراه تشيفيك منطقيا بالنظر إلى أن دوافع المصالحة في تركيا اقتصادية وجيوسياسية.
فعلى المستوى الاقتصادي، سعت تركيا إلى ضخ أموال في اقتصادها الذي يعاني من عجز مالي، وعلى المستوى الجيوسياسي أرادت إنهاء عزلتها في العالم العربي وتقسيم التحالف المناهض لها في شرق البحر الأبيض المتوسط من خلال فصل منافسي تركيا السابقين: اليونان وقبرص، عن حلفائهم الجدد في الشرق الأوسط.
وبما أن العلاقات التركية اليونانية تشهد حاليًا فترة دافئة بشكل خاص، فقد تضاءلت الحاجة الملحة لتركيا للتصالح مع مصر وإسرائيل، مقابل حاجتها للتصالح مع دول الخليج، باعتبارها المالكة للمصادر اللازمة لمساعدة أنقرة اقتصادياً.
المصالحة مع الخليج
وفي هذا الإطار، تحركت مصالحة تركيا مع الإمارات بسرعة أكبر من المصالحة مع السعودية، إذ زار رئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان، تركيا في وقت مبكر من نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وكان اللقاء بمثابة الاجتماع الأول على مستوى القادة لجميع عمليات المصالحة بالمنطقة. وكان بن زايد أيضاً من بين أوائل القادة الذين هنأوا أردوغان بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية اليت أجريت في مايو/أيار 2023.
وسرعان ما أدت عملية التطبيع بين البلدين إلى توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي مهمة، وأبرزها اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، التي تم التوقيع عليها في مارس/آذار 2023 وتم التصديق عليها بعد 3 أيام من فوز أردوغان في الانتخابات، والتي تهدف إلى زيادة التجارة الثنائية إلى 40 مليار دولار.
وزادت التجارة الثنائية بالفعل بنسبة 40% في الفترة من 2021 إلى 2022، لتصل إلى 18.9 مليار دولار، كما قدمت الإمارات دعمًا قويًا لصناعة الدفاع المتنامية في تركيا من خلال طلب عدد كبير من الطائرات المسيرة.
وإضافة لذلك، يعمل البلدان على تعميق تعاونهما في مجال تحول الطاقة، وبالنظر إلى تحديد تركيا للإمارات، خلال انتفاضات الربيع العربي عام 2011، باعتبارها خصمها "الرئيسي"، وليس السعودية أو مصر، فقد يكون من المفاجئ مدى سرعة حدوث المصالحة.
ويرى تشيفيك أن عدة عوامل ساهمت في هذه المصالحة السريعة، منها إظهار كل من بن زايد وأردوغان البرجماتية والرغبة في إعطاء الأولوية للعلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، وتراجع النزاع الأيديولوجي بينهما، الذي كان نابعاً من ديناميكيات انتفاضات عام 2011.
ففي حين تنظر السعودية لإيران باعتبارها التهديد الإقليمي الرئيسي، تركزت مخاوف الإمارات على الإسلام السياسي، وخاصة الحركات المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت صاعدة إبان الربيع العربي في عدة دول عربية، وبدعم من تركيا.
وخلال انتفاضات 2011 وبعدها، نجحت القوى المضادة للثورة المدعومة من السعودية والإمارات في منع الإسلاميين من الوصول إلى السلطة أو الاستمرار بها، لكن الصراعات الأيديولوجية تراجعت في نهاية المطاف، ولم تخسر جماعة الإخوان المسلمين في نهاية المطاف في سعيها إلى السلطة فحسب، بل بدت جاذبية الحركة مشوهة بشدة بسبب عقد من الفشل والانشقاقات الداخلية على نطاق واسع.
اقرأ أيضاً
عودة العلاقات الدبلوماسية تعزز التجارة بين تركيا ومصر.. وليبيا والإخوان أبرز ملفات المصالحة
وإضافة لذلك، ومع فقدان الحركات المرتبطة بالإخوان المسلمين زخمها، تبنت القوى المحافظة والقوى المضادة للثورة في المنطقة، بقيادة الكتلة السعودية الإماراتية، نهجا أقل إثارة للقلق، وفتحت قنوات دبلوماسية جديدة مع تركيا وقطر.
وهنا يشير تشيفيك إلى أن تركيا لم تتخل تماماً عن حركة الإخوان المسلمين، لكن دعمها أثبت أنه مرن وعملي، وليس جامداً وذو دوافع أيديولوجية.
فعلى سبيل المثال، تحافظ تركيا على علاقات عمل مع الجماعات المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا وسوريا مع خفض الدعم للفرع المصري.
ودفع هذا النهج العملي، الذي اتبعته تركيا في علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين، إلأى مصالحة سريعة بين تركيا والإمارات.
وفي المقابل، اتبعت السعودية خلال العامين الماضيين، نهجا مخالفا للإمارات في مصالحتها مع تركيا، وكان ولي العهد الأمير، محمد بن سلمان آل سعود، أقل استعدادا للقاء أردوغان، وحتى وقت قريب لم تؤد الاجتماعات القليلة التي عقدت إلى تعاون اقتصادي كبير.
ويشير تشيفيك إلى أن هذا الموقف ليس مفاجئا من الناحية الاقتصادية، فقد كانت العلاقات الاقتصادية لتركيا مع الإمارات دائمًا أقوى من علاقاتها مع السعودية، والتي كانت في حدها الأدنى حتى قبل أن تذبل العلاقات الدبلوماسية بينهما.
ويعزو عديد المراقبين ذلك إلى العداء بين بن سلمان وأردوغان الناجم عن جريمة قتل الصحفي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، الذي قتله عملاء سعوديون داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
فرغم جهود المصالحة المستمرة، لم ينس بن سلمان الحملة الدبلوماسية التركية ضد السعودية وقت جريمة الاغتيال، واتضح ذلك بنهجه الدقيق في اجتماعاته الأخيرة مع أردوغان، إذ حاول دائمًا وضع نفسه كشخصية مهيمنة في لقاءاتهما.
وفي المقابل، أثبت محمد بن زايد أنه أكثر واقعية، حيث بدأ الزيارة الأولى إلى تركيا، وسمح لأردوغان بادعاء النصر في سياسته الداخلية وتقديم ذلك على أنه تراجع عن موقف الإمارات، بينما خرجت تركيا أقوى من قطيعة العلاقات التي استمرت عقدًا من الزمن.
ويلفت تشيفيك، في هذا الصدد إلى سبب هيكلي لتباين الموقف الإماراتي من تركيا عن نظيره السعودي، فبالنسبة لدولة أصغر، أثبتت الإمارات أنها أكثر مرونة بكثير من السعودية الأكبر حجمًا، حيث تتقدم على المملكة في علاقاتها مع إيران وإسرائيل، على سبيل المثال.
وعلى نحو متصل، لدى كل من تركيا والسعودية مطالبات معقولة بقيادة العالم الإسلامي السني، وبالتالي فإنهما ينخرطان حتماً في حالة من التنافس، بحسب تشيفيك.
وإضافة لذلك، فإن تعميق العلاقات بين أنقرة والرياض من شأنه أن يغير بشكل كبير ميزان القوى في المنطقة ويرسل رسالة تهديد إلى طهران بطريقة لا تفعلها المصالحة التركية الإماراتية.
ولأن جميع الأطراف تسعى جاهدة من أجل وقف التصعيد والاستقرار الإقليمي، فقد حرصت الرياض على تنسيق جهود المصالحة مع تركيا وإسرائيل وإيران، ولم تضع وزناً كبيراً في اتجاه واحد منها.
فصل البلدان
ويرى تشيفيك أن الاختلاف في سرعة ودرجة المصالحات التركية يعد علامة على فك الارتباط بين الكتل الإقليمية المختلفة التي تشكلت استجابة للربيع العربي، فبالإضافة إلى الكتلة الإقليمية التي شكلتها إيران ووكلائها، ظهرت كتلة سعودية إماراتية وأخرى تركية قطرية بعد انتفاضات 2011، لكن هذه البلدان بدأت في التصرف بشكل أكثر استقلالية نتيجة لعملية المصالحة الإقليمية.
فعلى سبيل المثال، اختلفت الإمارات والسعودية بشكل كبير في سياساتهما الخارجية، ونشأ التنافس بينهما، كما اتضح من التهافت على استضافة المقرات الإقليمية للشركات العالمية.
اقرأ أيضاً
تحديات هائلة.. أسطورة المصالحة الكاملة بين تركيا والنظام السوري
وهنا يشير تشيفيك إلى أن كلا من السعودية والإمارات تتمتعان بسلطات ورؤى مماثلة من شأنها أن تؤدي إلى تسريع وتيرة التنافس بينهما.
وفي حين أنه ليس من الممكن الحديث عن التنافس بين تركيا وقطر، فإن البلدين يتصرفان في بعض الأحيان بشكل أكثر استقلالية، إذ أدى رفع الحصار السعودي الإماراتي البحريني المصري عن قطر في يناير/كانون الثاني 2021 إلى تقليل اعتماد قطر على تركيا.
كما أن المصالحة التركية مع السعودية والإمارات تصب في إضعاف دور قطر الاقتصادي كأولوية بالنسبة لتركيا، وبالنظر إلى الوتيرة السريعة للمصالحة بين تركيا والإمارات، فقد تتفوق الإمارات على قطر في العلاقات الاقتصادية مع أنقرة.
الأبعاد الاقتصادية
وهنا ينوه تشيفيك إلى أن البعد الآخر للعلاقات الاقتصادية هو الاستثمار، لافتا إلى أن الإمارات أعلنت عزمها استثمار 15 مليار دولار في الاقتصاد التركي. وكانت قطر قد قدمت تعهدات مماثلة في الماضي، ولكن من غير الواضح ما إذا كانت قد تم الوفاء بها أم لا.
كما تقدم الإمارات خدمات مهمة على صعيد التمويل والقروض، ففي حين أن حجم اتفاقيات مبادلة العملات بين البنكين المركزيين في تركيا والإمارات يتضاءل مقارنة بتلك المبرمة بين قطر وتركيا، إلا أن الإمارات لعبت دورًا مهمًا في تقديم القروض للبنوك التركية.
وفي النصف الأول من عام 2023، قام بنكان إماراتيان بتوفير 61% من جميع القروض المشتركة لتركيا. ولا يزال تأمين التمويل الإماراتي مهمًا بالنسبة لتركيا، حيث أن المقرضين الغربيين أصبحوا حذرين بشكل متزايد بشأن إقراض أنقرة والبنوك التركية بسبب سياسات أردوغان النقدية غير التقليدية.
وفي حين أن البرجماتية التركية تجاه جماعة الإخوان المسلمين ورغبة الإمارات في مضاعفة شركائها الإقليميين ضمنت سير المصالحة بسلاسة، فإن هذا لا يعني أن هناك انسجامًا جيوسياسيًا كاملاً بين البلدين، حسبما يرى تشيفيك.
فرغم تراجع التوترات، يواصل كلا البلدين اتخاذ مواقف متعارضة في ليبيا، وعلى جبهة أخرى تبدو تركيا حريصة على عدم انتقاد الإمارات بسبب التزامها المستمر باتفاقات إبراهيم، إلا أنها كانت صريحة للغاية ضد الفظائع الإسرائيلية في غزة، بينما اصطفت تركيا وقطر بشكل ثابت في كل صراع إقليمي تقريبًا.
ورغم التحركات العملية التي اتخذها بن زايد لتسهيل عملية المصالحة، لا تزال الإمارات وقطر مختلفتين في علاقتهما مع أردوغان نفسه. وبينما بدأت المصالحة في عام 2021 وكان هناك العديد من الوعود بالتعاون الاقتصادي والاجتماعات الثنائية على مستوى القيادة طوال عام 2022، فإن أهم التطورات حدثت بعد فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية في مايو/أيار 2023.
فقد كانت الإمارات، مثل السعودية، تنتظر لترى ما إذا كان أردوغان سيبقى في السلطة، ونظراً لحاجة أردوغان الملحة إلى ضخ الأموال قبل الانتخابات، فإن المساعدة المحدودة من السعودية والإمارات بعثت برسالة مفادها أنهما على استعداد للعمل مع أردوغان دون تفضيل استمرار حكمه بقوة.
ويتناقض ذلك مع حلفاء أردوغان الأكثر ديمومة في الدوحة وموسكو، الذين بذلوا جهودا كبيرة لتزويده بالمساعدة المالية في وقت حرج، بحسب تشيفيك.
وفي ظل كل هذه العوامل، فحتى لو تفوقت الإمارات على قطر في علاقاتها الاقتصادية مع تركيا، فمن غير المرجح أن تصل علاقاتها مع أنقرة إلى مستوى التحالف التركي القطري بعلاقاتها الشخصية العميقة وتاريخها في اتخاذ مواقف مشتركة في الصراعات الإقليمية.
فالعلاقة التركية القطرية مجربة ومفيدة للطرفين وأثبتت مرونتها في أوقات الأزمات، ويعززها امتلاك تركيا لقاعدة عسكرية في قطر، توفر بعدًا مؤسسيًا قويًا وأساسًا للتعاون الأمني بين البلدين. وفي حين أن علاقات تركيا العميقة مع الإمارات قد لا ترحب بها قطر، في العصر الجديد من التحالفات المتعددة، قد لا يكون لدى الدوحة النفوذ، أو حتى الرغبة، لمنع أنقرة من تعميق علاقاتها مع أبوظبي.
رئاسة ترامب
ولطالما نظرت واشنطن إلى جهود المصالحة الإقليمية بشكل إيجابي، إلا أن اندلاع أعمال العنف الأخيرة يؤكد عجز هذه الجهود عن تعزيز السلام.
ودارت هذه المساعي التصالحية، التي تم تنظيمها في المقام الأول على مستويات النخبة، حول معالجة المشاكل الأساسية التي تعاني منها المنطقة، مثل القضية الفلسطينية، وانتشار الدول القمعية، والأزمات الاقتصادية، ومع ذلك فقد كشفت الأحداث التي تلت 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن تصميم واسع النطاق في جميع أنحاء المنطقة على حفظ المصالحة التي تم تحقيقها حتى الآن.
وبعيداً عن إسرائيل، تعمل كافة الجهات الفاعلة الرئيسية في المنطقة، فضلاً عن الولايات المتحدة، على احتواء الصراع في غزة، حتى مع تجاهلها للمستوى المروع من الشهداء بين الفلسطينيين في غزة. ويوضح هذا الواقع أهمية المصالحة الإقليمية بالنسبة للجهات الفاعلة المحلية ولأهداف السياسة الخارجية الأمريكية.
ومع ذلك، فإن احتمال عودة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2025 يلوح في الأفق كبديل، وهذا ليس لأن إدارة بايدن قطعت خطوات كبيرة في تعزيز السلام والاستقرار الإقليميين، ولكن لأنه ليس من المؤكد كيف ستتعامل السعودية والإمارات مع المصالحة في ظل رئاسة ترامب.
وفي ظل التفويض المطلق المتوقع من ترامب، هناك خطر عودة الولايات المتحدة إلى سياسة خارجية عدوانية ومواجهة في الشرق الأوسط، وهناك تساؤلات حول ما إذا كانت مثل هذه السياسات الأمريكية ستستهدف إيران فقط أم تمتد إلى تركيا وقطر. وتشير التوترات المتصاعدة بين تركيا وإيران إلى إمكانية اصطفاف تركيا في مواقف عدوانية ضد إيران، بحسب تشيفيك.
وعلى الرغم من مصالح تركيا الراسخة في الحفاظ على المصالحة مع دول الخليج وتعميق العلاقات في المنطقة، فإن الأعمال العدائية المحتملة من الشركاء في الشرق الأوسط قد تجبر تركيا على الرد بالمثل.
ويلفت تشيفيك إلى أن تاريخ تركيا في التخلي بسرعة عن جهود المصالحة، كما جرى في تقلبات علاقاتها مع إسرائيل على مدى العقود الأخيرة، يظهر كيف يتشكل نهجها العملي من خلال الديناميكيات المحلية والإقليمية.
غير أن الباحث المشارك في مركز الدراسات التركية التطبيقية يرجح أن لا تعترض تركيا على الجهود الأمريكية الرامية إلى المساعدة في استقرار المنطقة، في نهاية المطاف، وذلك من خلال مواجهة المشاكل البنيوية الأساسية التي ابتليت بها السياسة الخارجية الأمريكية والنجاح في منع الجهات الفاعلة من العودة إلى العدوان والصراع.
اقرأ أيضاً
صادرات تركيا إلى السعودية والإمارات خلال 2023 تفوق 11 مليار دولار
المصدر | سليم تشيفيك/المركز العربي بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: تركيا الإمارات السعودية مصر إسرائيل أردوغان محمد بن زايد محمد بن سلمان الإخوان المسلمين إيران جماعة الإخوان المسلمین السعودیة والإمارات العلاقات الترکیة ترکیا والإمارات فی الشرق الأوسط جهود المصالحة من السعودیة ملیار دولار المصالحة مع علاقاتها مع وفی المقابل بین البلدین ترکیا وقطر فی المنطقة بین ترکیا اقرأ أیضا مع ترکیا ترکیا فی بن زاید من خلال فی غزة حین أن
إقرأ أيضاً:
حرب الشرق الأوسط الجديد
في غاراتها الجوية التي شنّتها ضد أهداف في مختلف أنحاء إيران، أفادت التقارير أن إسرائيل قتلت قادة عسكريين كبارًا فضلًا عن شخصيات بارزة في البرنامج النووي الإيراني. يبدو أيضًا أن إسرائيل قد زادت الدفاعات الجوية الإيرانية ضَـعفا، وضربت أهدافا عسكرية إضافية، وهاجمت منشأة واحدة على الأقل ذات صلة بالبرنامج النووي - وربما أكثر من ذلك.
على الرغم من ادّعاء إسرائيل أنها كانت تتصرف بشكل استباقي، فإن الهجمات تشكل عملًا وقائيًا ردعيًا كلاسيكيًا شُـنّ ضد تهديدٍ متنامٍ، وليس ضد خطرٍ وشيكٍ. وهذا الاختلاف ينطوي على عواقب قانونية ودبلوماسية، حيث تميل الهجمات العسكرية الوقائية الردعية إلى أن تكون مثيرة للجدال بدرجة أكبر كثيرا، وتندرج تحت عنوان الحروب الاختيارية. أما الهجمات الاستباقية فيُنظر إليها على أنها شكل من أشكال الدفاع عن النفس، وتميل إلى أن تكون مقبولة باعتبارها ضرورية. هذه فروق دقيقة لا تنطوي على اختلافات حقيقية من منظور إسرائيل، التي نفّذت مثل هذه الضربات (وإن كانت محدودة) ضد برامج نووية عراقية وسورية وليدة في الماضي. والتحرك ضد إيران، فضلًا عن ذلك، له مردود إيجابي على المستوى المحلي: فهي واحدة من القضايا القليلة التي قد يتفق عليها معظم الإسرائيليين - المنقسمين بشدة حول الحرب في غزة، ودور المحاكم في ديمقراطيتهم، والتوازن العلماني-الديني في إسرائيل. لكن اختيار إسرائيل القيام بهذه العملية الآن يظل في احتياج إلى تفسير مُـرضٍ، وفقًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، «في الأشهر الأخيرة، اتخذت إيران خطوات غير مسبوقة، فسَـعَـت إلى تحويل اليورانيوم المخصب إلى سلاح». ولكن يظل من المهم أن نعرف ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية تلقت معلومات استخباراتية جديدة أو طورت تقييمًا جديدًا للقدرات والنوايا الإيرانية. نحن نعلم من الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) أن إيران كانت تنتج بنشاط يورانيوم عالي التخصيب ولم تكن صريحة بشأن أنشطتها المرتبطة بالبرنامج النووي، إلا أن مسؤولين في الاستخبارات الأمريكية أكدوا في الأسابيع الأخيرة أن تقييمهم يتلخص في أن إيران لم تقرر بعد إنتاج سلاح نووي، وفقًا لتقارير تستند إلى حد كبير إلى تصريحات مسؤولين إسرائيليين، كانت الولايات المتحدة على علم مسبق بالهجوم المزمع ولم تحاول إيقافه. وفي حين أننا سنعرف في الأرجح ما إذا كانت أعطت حقًا ضوءًا أخضر بدلا من الضوء الأصفر، فيبدو من المؤكد أنها لم تعطِ ضوءًا أحمر كما فعلت في أوقات أخرى على مر السنين.
بيد أن مسؤولين أمريكيين سعوا إلى النأي بأمريكا عن العمل الإسرائيلي، مشيرين إلى أن إسرائيل تصرفت من جانب واحد وأوضحوا أنه لا ينبغي لإيران أن تهاجم القوات الأمريكية ردا على ذلك. ومن غير الواضح مدى استعداد الولايات المتحدة لمساعدة إسرائيل في أي عمل عسكري ضد إيران في المستقبل، أو في دعم قدرتها على الدفاع عن نفسها في مواجهة عمل انتقامي من جانب إيران. والآن، تبدو احتمالات إحياء المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، التي اقترح الرئيس دونالد ترامب ضرورة استمرارها، نائية.
من السابق للأوان الآن تقديم تقييم نهائي لمدى نجاح هذه العملية. سوف يعتمد هذا التقييم على عدة عوامل، بدءًا من مدى الضرر والعواقب المترتبة عليه. فلا يزال من غير المعلوم حجم ما أُنـجِـز بالفعل، ومقدار الوقت الذي ستحتاج إليه إيران لإعادة بناء ما خسرته، ومدى عمق تعطل القيادة العسكرية والنووية في إيران. يتعلق سؤال آخر مهم بما إذا كان الهجوم ليؤثر على قبضة النظام الإيراني على البلاد، والتي ربما كان الهدف من الهجوم الإسرائيلي إضعافها، وكيف قد يكون حجم هذا التأثير.
يتمثل اعتبار ثانٍ في نطاق الرد الانتقامي الإيراني في المستقبل. كان رد إيران الأولي متواضعا نسبيا: حوالي مائة طائرة مُـسَـيَّـرة آليا أطلقتها إيران باتجاه إسرائيل، والتي كانت إسرائيل مجهزة لصدها. ولكن بعد ذلك أطلقت إيران عدة موجات من الصواريخ الباليستية (الذاتية الدفع). السؤال الواضح هو ماذا غير هذا قد تختار إيران القيام به ضد إسرائيل وأهداف إسرائيلية في مختلف أنحاء العالم. ولكن من غير الواضح على الإطلاق ما إذا كان لدى إيران مجموعة جذابة من الخيارات، نظرًا لنقاط ضعفها الواضحة. يتبقى لنا أن نرى أيضا ما إذا كانت إيران لتتحرك ضد الولايات المتحدة، التي سحبت عددا كبيرا من أفرادها من المنطقة تحسبًا لأي عمل انتقامي ضدها، أو ضد واحد أو أكثر من جيرانها العرب. على الرغم من جهود إيران المستمرة لتحسين العلاقات مع دول الخليج، فلا يجوز لنا أن نستبعد محاولة إيرانية لإعاقة صناعة الطاقة في المنطقة. هذا من شأنه أن يعرّض مكانتها في الخليج للخطر لكنه سيرفع سعر النفط (الذي ارتفع بالفعل في أعقاب الهجوم الإسرائيلي)، فيتسبب هذا في إلحاق الضرر بالغرب وربما زيادة الإيرادات الإيرانية في وقت حيث لم يعد رفع العقوبات، وهو موضوع المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، وشيكا. ينطوي الأمر أيضا على احتمال توجيه ضربات عسكرية إسرائيلية إضافية ضد مواقع نووية معروفة ومشتبه بها، وهي الخطوة التي حَـذَّر كل من نتنياهو وترامب من أنها قادمة. وهذا، أيضا، يتطلب تقييمًا لما جرى إنجازه وما هي العواقب التي قد تترتب عليه. سيكون لزاما على إيران، التي تسعى إلى ردع هجوم مماثل لذلك الذي وقع للتو، أن تقرر ما إذا كانت لتضاعف جهودها النووية، وتعيد بناء برنامجها في منشآت يكون تدميرها أصعب، وتواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ما يزيد الأمر تعقيدا هو ما إذا كان شركاء خارجيون - مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية، وجميعهم لديهم خبرة في تطوير الأسلحة النووية - ليقدموا يد العون، وكيف قد ترد الولايات المتحدة وإسرائيل إذا ما فعلوا. قبل تحديد ما إذا كان العمل العسكري هو أفضل سياسة متاحة، نحتاج أيضًا إلى معرفة المزيد حول ما كان من الممكن التفاوض عليه والتحقق منه بين الولايات المتحدة وإيران. فقد يؤثر هذا على ردود الفعل السياسية في كل من إسرائيل وإيران فيما يتعلق بما إذا كان من الممكن أو كان ينبغي تجنب الهجمات.
في الوقت الحالي، التساؤلات أكثر من الإجابات حول ما حدث أو قد يحدث بعد ذلك. الأمر الوحيد المؤكد هو أن هذا الفصل الأحدث في الشرق الأوسط الذي مزقه الصراع ما زال في بدايته.