لجريدة عمان:
2025-05-31@10:15:10 GMT

«بيت العجائب» إنْ حكى أسراره

تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT

«بيت العجائب» إنْ حكى أسراره

التاريخ العماني كائن ديناميكي لا ينتهي، ثري وغني بالأحداث، يولّدها في اللحظة التي يريد، يستطيع أن يفاجئ الجميع بالكثير من الحقائق عندما يفتح سجلاته أو الطرق والمسالك التي سار عبرها خلال قرون غابرة ولكنها عامرة بالأحداث والتأثير. قوة حضور هذا التاريخ تجعلك تشعر وكأن القصة قد بدأت للتو، أو أن الراوي ما زال لم ينته بعد من روايته لحدث كان قد وقع البارحة؛ ولذلك هو ممسك بكل تفاصيله، ممسك باللحظة نفسها التي وقع فيها الحدث فيحضرها بكل تفاصيلها وشخوصها.

. فيما التاريخ نفسه مستمر نحو المستقبل في مسيرة سرمدية لا تتوقف أبدا.

كان هذا الشعور بقوة حضور التاريخ العماني وسطوة تأثيره وبنائه الحضاري حاضرا في أحداث الفيلم العالمي الوثائقي الذي أنتجته وزارة الإعلام الذي حمل عنوان «بيت العجائب». ورغم أن الجزء الأول من الفيلم يدور حول شخصية السيد سعيد بن سلطان فإن المخرج الألماني قد اختار «بيت العجائب» ليكون هو الراوي لتفاصيل الفيلم وقصة الإسهام الحضاري للعمانيين في زنجبار وشرق إفريقيا.

إن أهمية الفيلم تكمن في عدة نقاط، وإذا كان المتابع لا يستطيع تجاوز الإمكانيات العالية والعالمية التي أُنتج بها الفيلم من جميع النواحي وتلك جوانب فنية، فإن الأهمية الكبرى تكمن في المضمون الذي سعى جاهدا لإبراز قصة المساهمة الحضارية للعمانيين في زنجبار وفي عموم شرق إفريقيا عبر قرون طويلة في التاريخ كان ذروته خلال حكم السيد سعيد بن سلطان.

لقد قاد الازدهار الاقتصادي الذي أنتجته عبقرية العمانيين في زنجبار وشرق إفريقيا إلى نفوذ سياسي عماني واسع حول شرق إفريقيا إلى جنة من جنان الأرض، وبنى فيها ثقافة قوية ودولا شامخة بكل المعطيات قبل ظهور التدخل الاستعماري الأوروبي، الذي لا يدخل منطقة إلا فتتها ونهب خيراتها.

يعيد الكثيرُ من المؤرخين العلاقات بين عُمان وشرق إفريقيا إلى القرون الأولى للإسلام، وبالتحديد إلى القرن السابع حيث كانت البدايات الأولى للتواصل بين عُمان وشرق إفريقيا، ولكن خلال القرن التاسع عشر أصبح الوجود العماني هناك واضحا بشكل يطغى على كل شيء عداه، خاصة عندما اتخذ السيد سعيد بن سلطان زنجبار عاصمة ثانية لسلطنته المترامية الأطراف وبالتحديد في عام 1832. لم تكن تلك الخطوة الاستثنائية للسيد سعيد سياسية فقط، ولكنها كانت استراتيجية أيضا؛ حيث كانت زنجبار مركزًا لطرق التجارة التي تربط المحيط الهندي، ما جعلها منطقة لا تقدَّر بثمن لعُمان في مرحلة مجد الإمبراطورية العمانية.

وفي ذلك الزمن العماني الجميل شهدت زنجبار وساحل شرق إفريقيا أكبر ازدهار اقتصادي في تاريخها على الإطلاق، حيث كانت زراعة وتجارة القرنفل والعاج مربحة بصورة كبيرة، وأدخل العمانيون طرق ريّ جديدة ومزروعات جديدة تحولت لاحقا إلى سبب في ثراء زنجبار كلها.

ولم تكن زنجبار هي المنطقة الوحيدة التي شهدت ازدهارا اقتصاديا في ظل الحكم العماني بل سرى الأمر على البر كله وساعد النفوذ العماني في تطوير شبكات التجارة الممتدة إلى الداخل الإفريقي.

ويمكن أن يُفهم ذلك الازدهار ليس فقط من الإدارة العمانية الفعّالة وتعزيز التجارة وطرقها.. ولكن أيضا من استقرار الدولة والعدل الذي كان يسود تحت ظلها.

إن حكاية الوجود العماني في زنجبار وشرق إفريقيا تاريخ قادر على أن يكون ملهما للجميع ويملك سبل أن يبقى حيا وخالدا أبدا.. وما زال الكثير من فصوله قادرا على أن يلهم كتّاب التاريخ وصنّاع السينما وصنّاع السياحة، إنه ببساطة حضارة متكاملة صنعها العمانيون بوهج وتألق.. وإذا كان بيت العجائب قد بدأ السرد في الفصل الأول من الفيلم فإن هناك فصولا كثيرة قابلة لأنْ تكون أكثر إثارة في المرحلة القادمة، وما زال هناك الكثير من الشواهد التي يمكن أن تحكي تفاصيل أكبر من موقعها كشاهد على التاريخ.

وإذا كان الفيلم قد أبهر الحضور خلال عرضه الأول فمن الحق أن توجَّه التحية لوزارة الإعلام التي بذلت كل طاقاتها على مدى المرحلة الماضية من أجل أن توثّق جزءا مهما من التاريخ العماني وتسهم في تعظيمه وإبرازه عبر فيلم خرج من محليته ليتحوَّل إلى فيلم عالمي قادر على المنافسة في كل مكان يُعرض فيه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وشرق إفریقیا بیت العجائب فی زنجبار

إقرأ أيضاً:

سيكتب التاريخ: اليمن لم تخُن غزة وصواريخ الوفاء لم تُخطئ الهدف

 

 

سيكتب التاريخ أن اليمن لم تَخُنْ غزة بل كانت جهاز الإنعاش لها لمساندتها ولتحمي قلب الأمة النابض، فكان اليمن النجم الساطع الذي أضاء سماء غزة المعتم، ليقول لها بصدق الأفعال لا الشعارات (صواريخ الوفاء لن تخطئ الهدف).
في ظل أسوأ حرب إبادة جماعية في العصر الحديث يشنها الاحتلال الصهيوني بدعم أمريكي وبمباركة لعدة دول عربية وإسلامية، وفي ظل أزمة الأخلاق والقيم وانزلاق العديد من الدول العربية والإسلامية في مستنقع التطبيع بل الشراكة العلنية ودون خجل من دماء الأبرياء وأشلاء الأطفال والنساء والشيوخ، حيث فضحت الإبادة الجماعية في غزة أكذوبة القومية والعروبة، وكشفت النفاق السياسي المغلف بأكذوبة الدبلوماسية والعلاقات العامة والاتفاقيات.
لكنه اليمن الصديق الصدوق المخلص في زمن عز فيه الصدق والوفاء، كان شعلة الإسناد لغزة رغم معاناته الداخلية برز كواحد من أكثر الشعوب التي وقفت موقفا مشرفا اتجاه القضية الفلسطينية، مُسطِّراً بذلك أروع صور التضامن العربي والإسلامي، حيث أظهر اليمن بشعبه وقيادته الرسمية موقفا صادقا ورمزا للكرامة والعزة التي انقرضت في ظل التخاذل العربي المؤلم.
فقد خرجت الجماهير اليمنية في مظاهرات حاشدة في صنعاء، وصعدة، والحديدة، وغيرها من المحافظات، رافعين رايات فلسطين ومرددين شعارات النصر والصمود منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، ولم تكن مسيراتهم حدثاً عابراً بل تجسيداً لعقيدة راسخة في وجدان اليمنيين، بأن فلسطين ليست وحيدة، بل هي جزء من كرامتهم وهويتهم.
وبينما تواطأ البعض وتأرنب الآخرون أمام (البالون الأمريكي) زأر اليمن مزمجرا رغم الحصار وقلة الإمكانيات والحرب والضغوط الدولية ليرسل رسائل مفادها (لبيك غزة، تشَارَكْنا سويا حصار القريب، ورشقات العز، وتَشَارَكْنا بذْل الدم والمال فإما نصر أو شهادة). و بينما كانت تُعرض مجازر الإبادة الوحشية على قطاع غزة عبر البث المباشر و شاهدها العالم أجمع الذي لم يحرك ساكنا لمدة طويلة كان اليمن العربي الأصيل يشاهد بقلب نازف يحاول رأب الصدع والمساعدة شعبا ورئاسة، فالمظاهرات التي عمّت شوارع صنعاء وتعز وصعدة ومأرب، أعادت بوصلة العروبة لطريقها التائه عن باقي الدول، والهتافات التي خرجت من حناجر اليمنيين وصلت إلى قلوب الثكالى والأرامل والأيتام وأصحاب الفقد، ووصلت لأولئك النازحين الذين هُجّروا من بيوتهم التي دمرها الاحتلال بالصواريخ الثقيلة التي تزن ألفي رطل و المحرمة دوليا، وصلت قلوبهم المكسورة من الخذلان العربي و الإسلامي الذي رأوه وعايشوه بأم العين.. وصلت هتافات حناجرهم المتعبة إلى الجرحى الذين بُترت أجزاء من أجسادهم بفعل آلة الحرب الفتاكة فلامست أرواحهم المتعبة وأسَرَوا لبعضهم البعض في أحاديثهم الموجوعة بأن لا يزال الخير فينا وفي أمتنا فاليمن تشُد من عضدنا ولم يرهبها أحد. وما يجعل من مؤازرة اليمن للقضية الفلسطينية موقفا مذهلا هو أنه يصدر عن شعب يعاني من ويلات الحرب والحصار والتجويع. ومع ذلك، لم تمنعهم ظروفهم من دعم وإسناد غزة وأهلها وفاءً لقضية العرب والمسلمين الأولى.
وعلى خلاف باقي الدول العربية لم يكن إسنادها شعبيا فقط بل على صعيد الموقف الرسمي صدرت العديد من البيانات من جهات متعددة في اليمن تدين الإبادة الجماعية وتدعو الدول والشعوب العربية والإسلامية بالوقوف أمام ترسانة الحرب الصهيونية وتدعو دول العالم الحر الذي يؤمن بالعدالة الدولية لوقف المجازر الصهيوينة بحق أهل غزة، مُسخِّرة لذلك جميع وسائل إعلامها الحرة والناشطة لنقل المجازر الصهيونية بحق المدنيين العُزل. وعلى صعيد العمل المؤازر كانت الصواريخ والرشقات اليمنية هي الحاضرة وسط غياب كامل لأي دعم عربي وإسلامي أمام هذه الإبادة ، حيث ينفذ الحوثيون في اليمن الشقيق هجمات بالصواريخ والمسيّرات على «إسرائيل» والسفن المرتبطة بها، إسنادا لغزة منذ نوفمبر 2023، في مشهد لم يتخيله الكثيرون قبل سنوات حيث أن صواريخها الباليستية والطائرات المسيّرة عبرت البحار والصحارى، واخترقت عمق الأراضي المحتلة، لتدك مواقع حيوية في تل أبيب ومحيطها في لحظة فارقة أرسلت فيها اليمن رسالة سياسية وأخلاقية من طراز نادر» أن فلسطين ليست وحدها، وأن من يظن أن انشغال الشعوب العربية بمآسيها الداخلية قد أبعدها عن جوهر الصراع، فهو واهم، و أرسل اليمن عبر صواريخه البالستية: «هنا قلب العروبة النابض، هنا من ما زال يرى القدس بوصلته، وفلسطين قضيته».
سيكتب التاريخ أن اليمن لم يُخُن غزة وسط الخذلان الذي عايشت آلامه بل كان الصديق الصدوق الذي ساند غزة وكتب تاريخ مساندته لها بمداد الدم. وحينما صرخت غزة، سمعتها صنعاء. وحينما انهمرت القنابل على أطفال فلسطين، نهضت صواريخ اليمن لتقول للعالم إن في هذه الأمة من لم يمت بعد، ومن لا يزال يؤمن أن النصر ليس أمنية، وسيقرأ الأجيال عبر محطات البلاد الفارقة يوم أن غيرت غزة وجه العالم، أن هناك شعاع ضوء أنار عتمة غزة الحالكة ولم يتركها تواجه مصيرها وحدها بل عاند معها وواجه أقوى الدول ليقول لغزة (أنتِ لست وحيدة) هذا الشعاع كان اسمه اليمن.

*كاتبة فلسطينية

مقالات مشابهة

  • أقوى امرأة في التاريخ الحديث
  • لويس إنريكي: أريد صناعة التاريخ مع سان جيرمان
  • سيكتب التاريخ: اليمن لم تخُن غزة وصواريخ الوفاء لم تُخطئ الهدف
  • مستنقعات الصرف الصحي في زنجبار بـ أبين تهدد سكان المدينة بالأوبئة
  • المشاط: نتمنى التوفيق للرئيس الجديد للبنك لدعم مسيرة التنمية في إفريقيا التي تمرُّ بمرحلة حاسمة
  • الأمة.. إشكالية هوية ما بعد التاريخ (4)
  • كريم الوقاية من أشعة الشمس.. المستحضر الأكثر أهمية والغالبية تجهل أسراره
  • بولتون الذي تجاوزه التاريخ يواصل دعم دعاية البوليساريو
  • لأول مرة في التاريخ.. مشاهد فائقة الدقة للهالة الشمسية (صور وفيديوهات)
  • العالم على موعد مع أخطر 5 أعوام مناخياً في التاريخ