قدر الأمم ومصيرها يبدأ من الفصل الدراسي، طموحات ما بعد الحرب – الجزء (11)
تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT
استراتيجية لإصلاح التعليم في السودان تماشياً مع شعارات ثورة ديسمبر 2018
بقلم
الدكتور أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الأزهري - جامعة الخرطوم
(الجزء الحادي عشر)
دور التعليم في تكوين وحماية الدولة المدنية والانتقال الديمقراطي في السودان
يتناول المقال:
- تعريف الدولة المدنية
- تأثير التعليم في تكوين وحماية الدولة المدنية
- ايراد مثاليين لتأثير التعليم في تكوين الدولة المدنية في افريقيا
مقدمة:
يسعى السودانيون عبر تنظيماتهم المدنية (ق ح ت - تقدم - الاحزاب السياسية والمنظمات النقابية الحرة الاخرى) ومنذ اندلاع الثورة في ديسمبر 2018 الى تحقيق الهدف الاول لهذه الثورة، وهو الانتقال الى الدولة المدنية الكاملة والتي تحميها المؤسسات وليس الافراد، ويقوم فيها القانون بدور المنظم والراعي للعلاقات بين الافراد والافراد والافراد والدولة في اطار حزمة من الواجبات والحقوق.
وقد اثبت السودانيون حبهم للحرية والانطلاق الى فضائها الواسع بالخروج في تلك المظاهرات المليونية - التي لم يشهدها التاريخ الانساني الحديث - بل وبذلوا فيها الارواح رخيصة لتذهب الى بارئها شهداء للحق والواجب.
خرج المتظاهرون يتدافعون للحرية فحصدهم رصاص العسكر بالغدر والخيانة، فقضى منهم من قضى نحبه شهيدا وعاني ومازال يعاني الكثيرون من اصابات مستديمة، ومنهم من فقدنا أثره حياً أو ميتاً ومنهم من ينتظر الى ان يتحقق الفرج ان شاء الله بتأسيس سودان جديد يقوم على المواطنة قبل كل شيء.
ومع استمرار الحرب منذ 15-4-2023 وبالرغم من فقدان الآلاف من الارواح والاصابات والتهجير القسري بالملايين- و لا يزال كل ذلك يجري حتى الآن؛ ما زال السودانيون يسعون في مفاوضات سلمية عسى أن تفضي الى اتفاق يقودنا الى تأسيس الدولة الحلم، الدولة المدنية الحرة.
ويعتبر تكوين هذه الدولة هو الشغل الشاغل الآن للافراد والجماعات من كل طيف اجتماعي وسياسي وثقافي الخ... ولكن مع هذه المشغوليات يقتضي التخطيط السليم الاحتياط بخطة تمكننا من السيطرة على هذه الدولة بعد تأسيها حتى لا يتبخر الحلم، فاننا نرى واجب الاعداد لهذا اليوم كل في مجاله المهني او الثقافي او الوظيفي لاعداد تصور في كيفية حماية هذه الدولة المدنية والحفاظ على وجودها.
فمن جانبي كمتخصص في التعليم عندي اعتقاد راسخ بان التعليم هو عماد التطور والتقدم في اي مكان في الدنيا وشعار هذه المقالات ان اقدار الامم ومصائرها تصنع في الفصول الدراسية . فالاشخاص المتنورين يدركون ما عليهم وما لهم. وفي هذا السياق فالمتوقع من اهل التربية والتعليم بث الوعي الفكري والمهني في تصور الدولة المدنية وكيفية صناعتها وادارتها والحفاظ عليها من خلال عملهم التربوي ومن خلال مناهجهم في هندسة السلوك البشري.
نعلم نحن التربويين ان برمجة الافراد تتم من خلال البرامج الدراسية وهذه البرامج عبارة عن اجندة قومية تسعى لتطوير القدرات البشرية من خلال مخرجات جيدة للتعليم. اذن كيف لنا ان نبنبي انسانا يؤمن بمفاهيم الحرية والعدالة والديموقراطية والسلام والمدنية. والاجابة على هذه السؤال هو ببناء مناهج تربوية تتضمن هذ المبادئ حتى يتشربها الاطفال في مراحل نموهم الطبيعي. وهذا يكون مدخلنا الى السؤال المطروح في بداية المقال: كيف للتعليم ان يدعم وجود الدولة المدنية؟
• الدولة المدنية
مصطلح الدولة المدنية يشير إلى هيكل حكومي تتعهد المؤسسات المدنية السلطة والسيطرة الأساسية بدلاً عن الجيش أو الشخصيات الاستبدادية، حيث تتم إدارة الحكم عادةً من قبل النواب المنتخبين أو المسؤولين المعينين الذين ليسوا أعضاء في الجيش. تعمل الدول المدنية على تحقيق أولويات القانون وحقوق الفرد والمبادئ الديمقراطية، مضمنةً أن يكون للسكان المدنيين صوت هام في عمليات اتخاذ القرار. وهذا المفهوم يتناقض مع الدول العسكرية أو النظم الاستبدادية حيث يمتلك الجيش أو زعيم واحد سلطة كبيرة. تسلط الدول المدنية غالباً الضوء على الحريات المدنية وحقوق الإنسان والتسوية السلمية للنزاعات من خلال الوسائل الدبلوماسية.
• تشكيل وحماية الدولة مدنية في السودان
يعاني السودان الكثير من التحديات المتعلقة بالانتقال من نظام حكم عسكري إلى نظام ديمقراطي. ويلعب التعليم دورًا حاسمًا في هذه العملية، حيث يعمل كمحفز للتحول الاجتماعي ومعزز للقيم الديمقراطية. ويحاول هذا المقال ان يستكشف الطرق المتعددة التي يمكن للتعليم عبرها تشكيل وحماية الدولة مدنية في السودان وتسهيل الانتقال إلى الحكم الديمقراطي. ويقترح المقال الإصلاحات التعليمية والتعليم المدني وايضا توجيه التعليم العسكري والنظامي بل والاشراف على مخرجاته وتمكين الشباب والسياسات التعليمية الشاملة في تعزيز المبادئ الديمقراطية والمشاركة المدنية. بالإضافة إلى ذلك، نؤكد على أهمية التعاون الدولي والاستثمار في التعليم كمكونات أساسية في رحلة السودان نحو الديمقراطية والتنمية المستدامة. باختصار نريد ان نمكن شعبنا من خلال المعرفة والمهارات والقيم التي تعزز الحكم الديمقراطي.
• المناهج الدراسية وحماية الدولة المدنية
وفي هذا السياق لابد من مناهجنا ان تتطرق لدراسة المحاور الاتية للافادة منها في تحقيق هذ الحلم.
1. السياق التاريخي لصراع السودان من أجل الديمقراطية:
- نظرة عامة على تاريخ السودان من الحكم العسكري والاستبداد.
- تحليل للأحداث والحركات الرئيسية التي تدعو إلى التغيير الديمقراطي.
- مناقشة التحديات والعراقيل في انتقال السودان إلى الديمقراطية.
2. أهمية التعليم في الانتقالات الديمقراطية:
- تصوير التعليم كدافع للقيم الديمقراطية والمواطنة المشاركة.
- استعراض الأدبيات العلمية حول العلاقة بين التعليم والديمقراطية.
- دراسات الحالة في البلدان التي لعب فيها التعليم دورًا محوريًا في الانتقالات الديمقراطية.
3. الإصلاحات التعليمية لتعزيز الديمقراطية:
- الحاجة إلى إصلاحات تعليمية شاملة لتوافق المبادئ الديمقراطية.
- تطوير المناهج التي تؤكد على التعليم المدني وحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية.
- برامج تدريب المعلمين لتعزيز المنهج الديمقراطي ومهارات التفكير النقدي.
4. التعليم المدني والثقافة السياسية:
- تحديد التعليم المدني وأهميته في تنمية مواطنين مستنيرين وملتزمين.
- دمج التعليم المدني في النظام التعليمي الرسمي والغير الرسمي.
- استراتيجيات لتعزيز الثقافة السياسية وزيادة الوعي بين الشباب والمجتمعات المهمشة.
5. تمكين الشباب للمشاركة الديمقراطية:
- الشباب كوكلاء التغيير في الانتقالات الديمقراطية.
- أهمية برامج تمكين الشباب وتطوير القيادات والمبادرات للمشاركة المدنية.
- دراسات الحالة حول الحركات التي قادها الشباب بنجاح وتأثيرها على الحكم الديمقراطي.
6. السياسات التعليمية الشاملة:
- التصدي للفجوات في الوصول إلى التعليم الجيد عبر المناطق والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية.
- سياسات العمل الإيجابي لتعزيز المساواة بين الجنسين والاندماج في التعليم.
- دمج المجتمعات المهمشة، بما في ذلك اللاجئين والنازحين داخليًا، في نظام التعليم.
7. التعاون الدولي والدعم:
- دور المنظمات الدولية والجهات المانحة والحكومات الأجنبية في دعم التعليم للتنمية الديمقراطية.
- أهمية المساعدة المالية والخبرة الفنية وبرامج تبادل المعرفة.
- أمثلة على الشراكات الدولية الناجحة في تعزيز أجندات إصلاح التعليم.
8. التحديات والفرص:
- تحديد العقبات أمام الإصلاح التعليمي والانتقال الديمقراطي في السودان.
- التدخل السياسي في التعليم، نقص الموارد، والمقاومة المؤسسية للتغيير.
- الفرص للتعاون بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص للتغلب على التحديات.
- إعادة النظر في الدور المحوري للتعليم في تعزيز تشكيل الدولة المدنية والممارسة الديمقراطية في السودان.
- تحديد المهام الدستورية للاجهزة النظامية من الجيش والشرطة والدفاع المدني الخ...وشرح مهامها بوضوح.
- اخلاء المناطق الحضرية من المظاهر العسكرية وصياغة قوانين بتحديد حركة القوات المسلحة وآلياتها داخل المدن.
- اشراك المؤسسات الاكاديمية في وضع المناهج الثقافية العسكرية بالتعاون مع الجامعات السودانية.
- التأكيد على الحاجة إلى جهود مستمرة وعمل جماعي لتحقيق الإمكانات التحولية للتعليم في الانتقال الديمقراطي في السودان.
- دعوة للفاعلين لإعطاء التعليم الأولوية كأساس للحكم الديمقراطي والتنمية المستدامة في السودان.
• الإصلاحات التعليمية وتطور الدولة المدنية في رواندا بعد الحرب الأهلية
خضعت رواندا، البلد الذي تضرر بشدة جراء الحرب الأهلية القاسية والإبادة الجماعية في عام 1994، لتحولات هامة في قطاعها التعليمي كجزء من جهودها لإعادة الإعمار والانتقال إلى دولة مدنية. يستكشف هذا الجزء من المقال الدور الحيوي للإصلاحات التعليمية في تعزيز تطور الدولة المدنية في رواندا بعد الحرب الأهلية بتوضيح بعض الاستراتيجيات المستخدمة والتحديات التي واجهتها، والنتائج التي تحققت من خلال هذه الإصلاحات من خلال تحليل الآثار المتعددة للتغييرات التعليمية على التماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي والهوية الوطنية، ونؤكد هنا ضرورة الربط بين التعليم وتأسيس دولة مدنية تعمل بشكل فعال في أعقاب الصراع.
كان تأسيس دولة مدنية في رواندا بعد الحرب الأهلية الدموية والإبادة الجماعية في عام 1994 تحدياً هائلاً. ومع ذلك، في وسط أطلال الصراع، انطلقت رواندا في رحلة إعادة الإعمار والمصالحة والإصلاح. فمن بين مجموعة من الإصلاحات التي تم اتخاذها، لعبت التحولات التعليمية دوراً حاسماً في تشكيل مسار البلاد نحو الاستقرار والوحدة والتقدم في تطور الدولة المدنية في رواندا بعد الحرب الأهلية.
الإصلاحات التعليمية: دافع لبناء الدولة المدنية:
1. خلفية تاريخية:
- خلفت الحرب الأهلية في رواندا والإبادة الجماعية البلاد في حالة خراب، مع تفكك التماسك الاجتماعي والانقسامات العرقية العميقة، والنظام التعليمي المتمزق.
- كان من الواضح ضرورة إجراء إصلاحات تعليمية شاملة للتعامل مع هذه التحديات وتوفير الأساس للسلام والتنمية المستدامة.
2. استراتيجيات الإصلاحات التعليمية:
- سياسات تعليمية شاملة: أولت رواندا سياسات تعليمية شاملة تهدف إلى تقديم الاندماج وتعزيز التماسك الاجتماعي. تم تنفيذ مبادرات مثل التعليم الابتدائي المجاني وأنظمة الحصص للفئات المهمشة.
- إعادة النظر في المناهج: خضعت المناهج لتغييرات كبيرة لتعزيز قيم التسامح والمصالحة والمواطنة. تم إعادة تشكيل تعليم التاريخ لتقديم سرد أكثر شمولاً ودقة لماضي رواندا، مع ان هذا المشروع لرؤية جديدة للتاريخ الراوندي لم يكتمل بشكل نهائي حتى الآن.
- تدريب المعلمين وبناء القدرات: استثمار في برامج تدريب المعلمين أسهم في تجهيز المربين بالمهارات اللازمة لتعزيز التعليم من أجل السلام، وحل النزاعات، وتنمية التفكير النقدي بين الطلاب.
3. التحديات والعقبات:
- قيود الموارد: أثارت الموارد المحدودة تحدياً لتنفيذ الإصلاحات التعليمية بشكل فعال، خاصة في المناطق النائية والريفية.
- المقاومة للتغيير: بسبب التوترات العرقية العميقة والقلق، تمثل بعض الفئات مقاومة للإصلاحات، لاسيما من الجماعات التي تخشى فقدان السلطة أو التأثير.
- نقص البنية التحتية: ادت التحديات بسبب البنية التحتية غير المناسبة- بما في ذلك المدارس والمواد التعليمية - الى نقص في تقديم التعليم ذو الجودة في جميع أنحاء البلاد.
4. النتائج والآثار:
- تعزيز الوحدة الوطنية: لعبت الإصلاحات التعليمية دوراً حيوياً في تعزيز الوحدة الوطنية من خلال تعزيز الهوية الرواندية المشتركة التي تتجاوز الانقسامات العرقية. تم دمج مبادرات مثل برامج الخدمة المجتمعية وجهود المصالحة الوطنية في النظام التعليمي.
- تمكين الفئات المهمشة: ساهمت السياسات التعليمية الشاملة في تمكين الفئات المهمشة، بما في ذلك النساء والأقليات العرقية، من خلال توفير فرص الحصول على التعليم والفرص للتقدم الاجتماعي والاقتصادي.
- المشاركة المدنية والقيم الديمقراطية: أكدت المناهج المعدلة تركيزها على التربية المدنية والقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، مما أسفر عن تربية جيل من المواطنين المستنيرين والملتزمين بمبادئ الديمقراطية وسيادة القانون.
- التنمية الاقتصادية: أصبحت السكان المؤهلين جيداً عاملاً دافعاً وراء التنمية الاقتصادية في رواندا، حيث ساهم رأس المال البشري المحسن في زيادة الإنتاجية والابتكار وريادة الأعمال.
لقد كانت الإصلاحات التعليمية حاسمة في تطور رواندا من دولة ممزقة بالحرب إلى دولة مدنية متطورة. من خلال معالجة الأسباب الجذرية للصراع، وتعزيز الاندماج، وتعزيز الوحدة الوطنية، وضعت هذه الإصلاحات الأساس للسلام المستدام والتنمية والحوكمة الديمقراطية. على الرغم من التحديات والانتكاسات، فإن التزام رواندا بالتحول التعليمي يشهد على القوة التحولية للتعليم في بناء مجتمعات متينة ومتماسكة في أعقاب الصراع. وبينما تواصل رواندا رحلتها نحو التقدم والمصالحة، فإن الدروس المستفادة من الإصلاحات التعليمية لها قيمة لا تقدر بثمن ليس فقط للبلد نفسه، ولكن أيضاً للمجتمع الدولي الأوسع الذي يتصارع مع التحديات المماثلة لإعادة الإعمار بعد الصراع وبناء الدولة.
• التعليم وتطور الدولة المدنية في جنوب أفريقيا بعد نظام الفصل العنصري
لقد كانت الإصلاحات التعليمية - أيضا - حاسمة في تشكيل تطور الدولة المدنية في جنوب أفريقيا بعد نظام الفصل العنصري. من خلال معالجة الظلم في الماضي، وتعزيز الشمولية والتنوع، وتعزيز ثقافة المواطنة الديمقراطية، وضعت هذه الإصلاحات الأساس لمجتمع أكثر عدالة وشمولًا وديمقراطيًا. ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة، وتستمر الجهود المستمرة لضمان أن فوائد التعليم متاحة لجميع الجنوب أفريقيين، بغض النظر عن العرق أو الطبقة أو الموقع الجغرافي. ومع استمرار جنوب أفريقيا في رحلتها نحو التحول وبناء الأمة، لا يمكن تجاوز أهمية التعليم كعامل دافع للتغيير الاجتماعي والتنمية.
فانتقال جنوب أفريقيا من نظام الفصل العنصري إلى الديمقراطية كان نقطة تحول هامة في تاريخ البلاد. وأحد المجالات الرئيسية التي خضعت للتحول خلال هذه الفترة كان القطاع التعليمي. لعبت الإصلاحات التعليمية دورًا حاسمًا في تعزيز تطور الدولة المدنية في جنوب أفريقيا بعد نظام الفصل العنصري من خلال دراسة الاستراتيجيات والتحديات والنتائج.
الإصلاحات التعليمية: كانت عامل دافع لبناء الدولة المدنية العنصري في جنوب أفريقيا
1. الخلفية:
- كان نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا يهمش السكان السود بشكل منهجي، خاصة فيما يتعلق بالتعليم. كانت المدارس المفصولة، وتوزيع الموارد غير المتساوي، والسياسات التمييزية سائدة.
- مع بزوغ الديمقراطية في عام 1994، أدركت الحكومة الحاجة الملحة لمعالجة الفجوات المترسبة في نظام التعليم وبناء مجتمع أكثر شمولاً وعدالة.
2. استراتيجيات الإصلاحات التعليمية:
- تحويل المناهج: خضعت المناهج لتغييرات كبيرة لتعزيز الشمولية والتنوع، وتمثيل أكثر دقة لتاريخ جنوب أفريقيا. شمل ذلك إدراج الأنظمة المعرفية الأصلية وتعليم اللغات الأفريقية.
- إعادة توزيع الموارد: بذلت جهود لإعادة توزيع الموارد بشكل أكثر عدالة، مما ضمن أن تتلقى المدارس المضطهدة تاريخيًا التمويل والبنية التحتية والدعم الكافي.
- تدريب وتطوير المعلمين: تم تنفيذ برامج لتعزيز تدريب وتطوير المعلمين، مع التركيز على تعزيز التعليم متعدد الثقافات، وعدم العنصرية، والقيم الديمقراطية.
- العمل الإيجابي: تم تقديم سياسات العمل الإيجابي لزيادة فرص الوصول إلى التعليم العالي للسكان السود في جنوب أفريقيا، ومعالجة التفاوتات التاريخية في قبول الجامعات وتوظيف الهيئات التدريسية.
3. التحديات والعقبات:
- تراث الفصل العنصري: كان تراث الفصل العنصري، بما في ذلك الفجوات العميقة المتجذرة والمقاومة للتغيير بين بعض فئات المجتمع، يشكل تحديات كبيرة لتنفيذ الإصلاحات التعليمية.
- قيود الموارد: توزيع وإدارة دقيقة للموارد داخل قطاع التعليم.
- جودة التعليم: على الرغم من الجهود المبذولة لمعالجة التفاوتات في الموارد، إلا أن التفاوتات في جودة التعليم استمرت، لاسيما بين المناطق الريفية والحضرية.
- تمكين الجماعات المهمشة: من خلال معالجة التفاوتات التاريخية في التعليم، قامت الإصلاحات بتمكين الجماعات المهمشة، خاصة السكان السود في جنوب أفريقيا، من خلال توفير الوصول إلى التعليم ذو الجودة والفرص للتقدم الاجتماعي والاقتصادي.
- المواطنة الديمقراطية: ساهم التركيز على القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والتفكير النقدي في النظام التعليمي في تطوير مواطنين مستنيرين وملتزمين بمبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
- التنمية الاقتصادية: ساهمت الاستثمارات في التعليم وتطوير المهارات في النمو الاقتصادي والتنمية من خلال تزويد الجنوب أفريقيين بالمعرفة والمهارات اللازمة للمشاركة بفعالية في سوق العمل والمساهمة في ازدهار البلاد، والمشاركة في قضايا على مستوى العالم فقد لمسنا قيمة التعليم في توجه المواطن الافريقي الى اهمية الدولة المدنية. وموقف جنوب افريقيا في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين ضد الاحتلال الاسرائيلي في الامم المتحدة كان موقفا مشرفاً لكل افريقيا قيادات وشعوب.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: نظام الفصل العنصری فی جنوب أفریقیا التعلیم المدنی وحمایة الدولة وحقوق الإنسان نظام التعلیم فی التعلیم فی السودان التعلیم فی دولة مدنیة بما فی ذلک فی تعزیز من خلال
إقرأ أيضاً:
أسئلة اليوم التالي ومستقبل السودان: معطى القبيلة وفخ القبلية1
أسئلة اليوم التالي ومستقبل السودان: معطى القبيلة وفخ القبلية
محمد الأمين عبد النبي
تفرض حرب الخامس عشر من أبريل 2023 على السودان أسئلة كبرى تتجاوز حدود الميدان العسكري إلى جوهر الدولة ومصيرها. فالحرب، بما أحدثته من انهيارات بنيوية وتحولات اجتماعية وسياسية، فتحت الباب لمراجعة شاملة تطال المؤسسة العسكرية، قوات الدعم السريع، الحركات المسلحة، الإسلامويين، الاقتصاد الوطني، المجتمع المدني، الأحزاب، النقابات، البنى القبلية، والكيانات الدينية، وصولًا إلى سؤال طبيعة الدولة ونظام الحكم والعدالة والوحدة الوطنية.
إن الوعي بهذه الأسئلة، والغوص في عمقها، وتناولها بتفكير استراتيجي بعيد عن الانفعال والسطحية، يشكّل الخطوة الأولى نحو تأسيس مشروع وطني وعقد اجتماعي جديد يعيد توجيه البوصلة السودانية. وتهدف هذه السلسلة إلى إبتدار حوار فكري رشيد، يستنهض طاقات العلماء والمفكرين والسياسيين وقيادات المجتمع، لاستعادة العقل النقدي السوداني وإطلاق رؤى مبتكرة تعيد بناء الدولة السودانية، وتؤسس لمستقبل لا يُدار فيه الوطن بردود الأفعال، بل بعقلانية ومسؤولية واستبصار.
مما لاشك فيه؛ انه حين تصمت البنادق في السودان لا ينتهي الصراع. فالحرب التي دمّرت المدن والقرى وشرّدت الملايين، فتحت في الوقت نفسه بوابات أعمق من ميدان القتال. إنها بوابات الهوية، وسؤال الشرعية، فقد تجاوزت الحرب حدود السياسة، واتسعت لتشمل النسيج الاجتماعي بأسره، فأعادت طرح سؤال جوهري: هل يستطيع السودان إعادة بناء ذاته دون الوقوع مجدداً في فخ القبلية؟ وهل يمكن للقبيلة أن تظل مكوّناً اجتماعياً طبيعياً ضمن دولة حديثة من دون أن تتحول إلى أداة صراع أو بوابة للسلطة من جديد؟.
السياق التاريخي:
تاريخياً، شكّلت القبيلة في السودان إطاراً للتنظيم الاجتماعي والتكافل الأهلي، فقد كانت الضامن للأمن والحقوق، ورافعة للتماسك الاجتماعي. فلم تكن طارئة على المشهد السوداني، بل رافقت الدولة منذ تأسيسها، عطفاً على ضعف بنية دولة ما بعد الاستعمار وتراجعها على حد قول الامام الصادق المهدي: “مؤسسات الدولة التي ورثناها من العهد الإمبريالي لم تكن ناضجة كما يجب وولاءات المواطنين الأولية الاثنية والقبلية والطائفية لم تتراجع بالقدر الكافي لصالح الولاء القومي، وفي ظل الحكم الوطني من عام 1956 في السودان تراجع نضج مؤسسات الدولة وبرزت الولاءات الاولية بصورة اضعفت الانتماء القومي هذه العوامل جعلت الشروط المطلوبة لنجاح الدولة الوطنية تتقاصر على المستويات المطلوبة، مفهوم الدولة الوطنية نفسه غير مؤصل بالقدر الكافي مما فتح المجال لولاءات فوق قطرية، الاهتمام بإنضاج مؤسسات الدولة الحديثة وبلورة الولاء القومي الذي يعلو على الولاءات الأولية ويكرس الولاء للدولة الوطنية من شروط نجاح التجربة الديمقراطية”.
في الحكومات الوطنية الأولى، لعبت الانتماءات الجهوية والقبلية دوراً خفياً في تشكيل التحالفات السياسية، وفي توزيع المناصب، وفي تحديد موازين القوة داخل الأحزاب التقليدية والذي يرجع بالاساس الي ضعف الدولة المركزية وعدم قدرتها على بسط نفوذها على الأطراف، مما جعل الاعتماد على الزعامات القبلية جزءًا من آليات الحكم في الريف، وأدخل القبيلة مبكراً في حسابات السلطة. ومع تعاقب الأنظمة العسكرية برزت القبلية بصورة أكثر وضوحاً، حيث استخدمت السلطة المركزية شيوخ القبائل في ضبط الأطراف، وفض النزاعات، وجذب الولاءات، مقابل الامتيازات.
التحول الأكبر جاء في عهد الإنقاذ، إذ أدخلت القبلية في بنية الدولة ذاتها، من خلال المحاصصة الجهوية، وتسليح جماعات قبلية، وإنشاء إدارات أهلية موازية، ما أدى إلى عسكرة المجتمع وتعميق الانقسامات. وقد أرجع الدكتور الشفيع خضر تجليات المازق المأساوي في السودان الي الانظمة الديكتاتورية والشمولية وتحديداً نظام الإنقاذ ليتراجع المواطن الي رحاب القبيلة والعشيرة للتعبير عن مطالبه السياسية بحثاً عن الامن والامان هذا النزوح نحو القبيلة ظل يقف حجر عثرة أمام نمو وتطور القومية السودانية ذات المحتوى الفسيفسائي الغني بتنوعه وتعدده.
أما التجارب الديمقراطية القصيرة، فقد عجزت عن تجاوز هذه البنية، وظلت مضطرة إلى مراعاة التوازنات الجهوية والقبلية في التحالفات البرلمانية، مما قيّد قدرة الدولة على التحول إلى مؤسسات حديثة قائمة على المواطنة. وهكذا تراكمت القبلية عبر العقود، حتى أصبحت عاملاً بنيوياً في إدارة الدولة، وسبباً رئيساً لتعثر مشروع بناء دولة وطنية عادلة وموحدة.
الحرب الحالية ومضاعفة التركة :
برزت تراكمات هذا التاريخ بصورة سافرة في الحرب الحالية وما رافقها من انهيار مؤسسي، أعادا للقبيلة دوراً مضاعفاً، فتقدمت لتشكّل سلطة أهلية موازية، وبديلاً مؤقتاً للدولة المنهارة. ولم يعد الانتماء القبلي مجرد رابطة اجتماعية، بل أصبح معياراً لتحديد فرص النجاة، والحصول على الخدمات، وفرض الحماية، والتمثيل السياسي. وصار تعريف الفرد يقوم على أسئلة الانتماء: من أنت؟ ومع من تقف؟ وضد من؟. هذا التحول استجابة قسرية لواقع طاحونة العنف؛ حيث دفعت الحاجة إلى الأمان المجتمعات إلى الاحتماء بانتماءاتها الأولية. ولكن هذا المسار، مهما بدا منطقياً في سياق الحرب، يحمل خطراً بالغاً: فحين تُختزل الهوية في بندقية، والانتماء في خندق، يصبح بناء السلام صعباً ما لم يُنزَع السلاح من القبائل، وما لم تُعاد صياغة العلاقة بين المجتمع والدولة على أسس مدنية.
إستغلال الانتماء القبلي وتأكل الدولة:
تختلف القبيلة في ذاتها عن القبلية، فالقبيلة معطى اجتماعي وثقافي طبيعي، أما القبلية فهي استغلال الانتماء القبلي لتحقيق النفوذ، وتوزيع المناصب، والتحشيد، والضغط على الدولة. فالخطر يبدأ عندما يتحول الانتماء القبلي من رابطة اجتماعية إلى مدخل للسلطة أو معيار للشرعية. وعندها تصبح القبيلة “جماعة وظيفية” تُستخدم لخدمة مصالح سياسية محددة. هذا المسار تعمق خلال نظام الانقاذ، إذ اعتمد على القبيلة بوصفها جزءاً من شبكات النفوذ، ودمج التوازنات القبلية في التعيينات الحكومية، بل أسس ميليشيات مسلّحة تُعرِّف نفسها وفق انتماء قبلي محدّد. وأصبحت بعض الوفود القبلية تتوجه إلى الخرطوم للمطالبة بنصيبها من السلطة، تحت ذريعة أن القبيلة لا ترى نفسها ممثلة في الحكومة.
هذه الديناميكية لم تكن تعبيراً عن قوة القبيلة بقدر ما كانت تعبيراً عن ضعف الدولة، وعن تسييس متعمد للانتماءات الأولية، باستخدم مفهوم تقاسم السلطة والثروة بطريقة تعزز الولاءات بدلاً من معالجة المظالم، فزاد من تعقيد المشهد السياسي، وعمّق الانقسامات، وفتح الباب أمام عسكرة القبائل. ففي الحرب الدائرة اليوم، بلغت القبلية مستوى غير مسبوق من التسييس والعسكرة، إذ أعادت تشكيل خارطة الولاءات على أسس اجتماعية وهوياتية حادة، سواء من خلال الاصطفاف المسلح، أو عبر حواضن الدعم اللوجستي والاجتماعي لهذا الطرف أو ذاك. ومع توسع رقعة الحرب، وجد المواطنون أنفسهم أمام فراغ أمني كامل، ما دفع كثيراً من المجتمعات إلى الاحتماء بانتماءاتها القبلية، ليس فقط بوصفها هوية ثقافية، بل باعتبارها ملاذًا للبقاء ووسيلة للحماية، وبرزت في سرديات العدو القبلي والثأر التاريخي، وتم توظيفها في حملات التعبئة والتحشيد، كما لعب الخطاب الإعلامي الموجَّه دوراً في إعادة إنتاج ثنائية “نحن” و”هم”، بما عمّق الانقسام الاجتماعي، وأضعف قدرة المجتمع على بناء جبهة سلمية موحدة في وجه الحرب، ورغم أن هذه التعبئة لم تحقق إجماعاً كاملاً، فإنها نجحت في استقطاب بعض المكونات القبلية، مما أسهم في تعميق الانقسامات الإثنية والجهوية بصورة غير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث. الخطورة تكمن في إن عسكرة القبيلة لا تهدد فقط النسيج الاجتماعي، بل تهدد بقاء الدولة نفسها، لأن الولاءات المسلحة عادة أقوى من الولاءات السياسية، ولأن السلاح يُنشئ واقعاً تتراجع فيه سلطة القانون.
القبيلة وفخ القبلية:
لا يمكن فهم التحول القبلي في السودان بمعزل عن جذوره الاجتماعية. فالأزمة الحالية نتاج عقود من التهميش للمناطق الطرفية، التفاوت الاقتصادي الحاد، غياب التنمية، ضعف المؤسسات السياسية، انسحاب الدولة من الريف وغياب مشروع وطني متفق عليه، هذه العوامل خلقت فراغاً مثالياً لنشوء ما يعرف في علم الاجتماع السياسي بـ”الجماعات الوظيفية” التي تعمل في سياق الانهيار بوصفها بدائل للدولة، تقوم بأدوار أمنية أو اقتصادية أو سياسية.
بالتاكيد ليس المطلوب، ولا الممكن، إلغاء القبيلة، فهي مكون أصيل من النسيج الاجتماعي، ورافعة ثقافية وتاريخية لها وظائف مستمرة في فض النزاعات، وحفظ التقاليد، وتنظيم التضامن الاجتماعي. لكن المطلوب هو إعادة تعريف دورها بحيث تبقى مؤسسة اجتماعية، لا أداة سياسية، وهذا يستدعي مقاربة جديدة لإعادة بناء العقد الاجتماعي ومعالجة آثار العسكرة العميقة التي أصابت المجتمع. فالإشكال لا يكمن في القبيلة نفسها، بل في القبلية السياسية التي توزع المناصب وتحدد الشرعية وتُحرك الصراع وتُؤسس للتمييز وتعيد إنتاج الاستقطاب. أما القبيلة فهي جزء من النظام الاجتماعي، ولا ينبغي أن تكون نقيضاً للدولة أو بديلاً عنها.
أفق الحل الممكن:
لتحويل القبيلة من عنصر صراع إلى عنصر استقرار، ووضع علاقتها مع الدولة في إطارها الصحيح، يحتاج السودان في اليوم التالي للحرب إلى مشروع وطني شامل، ومن أبرز مداخله :
1.تحييد القبيلة سياسياً دون تهميشها اجتماعياً عبر وضع هياكل داخلية، وبرامج للتكافل والتنمية، مع منع تحويلها إلى قنوات للمحاصصة السياسية.
2.تفكيك عسكرة الهوية بنزع السلاح من الجماعات ذات الولاء القبلي، ودمج أفرادها في مؤسسات وطنية.
3.اجراء مصالحات قبلية تمهّد لمصالحة وطنية لأن النزاعات القبلية إذا تُركت دون معالجة ستظل تفجّر أي اتفاق سياسي لاحق.
4.تمكين القبائل في التنمية المحلية وفق نظام فدرالي حقيقي عبر مؤسسات مجتمعية قوية، ومشاريع خدمات تُعيد للقبيلة دورها الاجتماعي الطبيعي.
5.عقد مؤتمر الادارة الاهلية لتاطير دورها في البناء الوطني وتعزيز اعراف القلد والأجادويد وتطوير مفاهيم الفزع والنفير وتطوير العرف بما يضمن حكم القانون وبما يحقق السلام والتعايش والتسامح.
6.إشراك المجتمع الاهلي في مائدة الحوار المستديرة للإسهام في الاجابة على اسئلة التأسيس المصيرية وإعادة صياغة العقد الاجتماعي والمشروع الوطني القائم على أساس الحقوق والواجبات المتساوية، وارساء قواعد المشاركة العادلة في السلطة والثروة التي تحترم التعددية وتمنع احتكار السلطة عبر الانتماءات الضيقة.
ختاماً: الحرب الحالية تطرح سؤالاً وجودياً: كيف نبني وطنًا لا تُقسمه الولاءات الأولية، ولا تحكمه العصبيات، ولا تتوزّع مؤسساته وفق خارطة القبائل؟، القبيلة ستبقى جزءاً أصيلاً من الذاكرة والهوية، لكن القبلية يجب أن تنتهي. فالمطلوب بناء دولة قوية وعادلة، تستوعب الانتماءات دون أن تخضع لها، وتمنح المواطنة مكانتها كهوية جامعة، وترسم مستقبلاً لا تُدار فيه السياسة بالبندقية، ولا تُحدَّد فيه الحقوق بالانتماء القبلي. فالسودان لا يحتاج إلى وقف الحرب فقط، بل يحتاج إلى وعي حقيقي بضرورة عقد اجتماعي جديد يبنى على العدالة والمواطنة وسيادة حكم القانون.