الذكرى الـ45: الثورة الإسلامية الإيرانية وحركة النهضة (2-2)
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
بعد وفاة الإمام الخميني، بدأت إيران مع الرئيس علي أكبر رفسنجاني، الذي تولى الرئاسة لدورتين (من 1989 إلى 1997)، تدخل مرحلة جديدة يتمايز فيها منطق الثورة الذي يرسمه الإمام عن منطق الدولة الذي يمارسه الرئيس، خاصة وقد مرت إيران بسنوات عسيرة جدا أثناء حرب السنوات الثماني مع النظام العراقي، إذ لم تجد دعما فعليا من الحركان الإسلامية حتى تلك التي كانت تلهج بشعاراتها، فلم يكن ممكنا لتلك الحركات تجاوز الدعم العاطفي أو الإعلامي في أفضل الحالات، فتلك الحركات لم تكن تمتلك سلطة إنما كانت تمارس أنشطتها وفق قوانين بلدانها وفيها من تعرض للمحاكمات بتهمة موالاة جهة أجنبية.
كانت صحيفة "كيهان العربي" ومجلة "الشهيد" الإيرانيتان تنشران صورا للدمار وللقتلى بسبب قصف الطيران العراقي، وقد قرأت فيهما سؤالا عن غياب الدعم من الحركات الإسلامية.
كان الدعم من بعض الأنظمة العربية التي لها خلاف أيديولوجي مع البعث العراقي، مثل نظام معمر القذافي ونظام حافظ الأسد إضافة إلى الاتحاد السوفييتي والصين، ضمن حسابات استراتيجية وتوازنات دولية.
هو مؤكد أن الاختلاف كان حَدّيا في المسألة السورية، حيث يعتبرها الغنوشي ثورة ويدعو لها بالنصر ويعتبرها الإيرانيون مؤامرة على حلف المقاومة، كما أن لكل من الغنوشي والقيادة الإيرانية اصطفافا محوريا لا يتعامل إلا في ساحات القتال، فالمسألة ليست خلافا مذهبيا أو فكريا
في تونس وفي زمن حكم بن علي عادت العلاقات الديبلوماسية مع إيران، ثم توطدت وأصبحت هناك زيارات ثقافية وربما تقارب حذر في عنوان المقاومة، خاصة بعد خلاف بين بن علي والإدارة الأمريكية حول ترشحه لانتخابات 2009. وقد سمحت السلطة لجريدة "كل الناس" يوم 6 كانون الأول/ ديسمبر 2009 بنشر مقال تهاجم فيه المعارضة، وتدعي بأن المقاومة في جنوب لبنان ستقتل كلا من نجيب الشابي وخميس الشماري وكمال الجندوبي باعتبارهم -بزعمها- عملاء للصهاينة، فكان أن وجه نجيب الشابي يوم 10 من نفس الشهر في صحيفة الموقف رسالة للرئيس بن علي يطلب منه الحماية لكونه مسؤولا عن حياة المواطنين.
قبل 2011 كان الغنوشي تلقى دعوة لحضور مؤتمر في طهران، ولكن النظام التونسي اشترط لحضور وفده الرسمي إلغاء دعوة الغنوشي، وقد حصل ذلك فعلا، وكان ذاك الموقف من بين الأسباب التي وتّرت العلاقة بين الغنوشي/النهضة وإيران؛ إذ اعتبرا أنها فضّلت عليهما نظاما يقمعهما ويلاحقهما حتى في المهجر.
في زيارة لطهران ضمن وفد تونسي في 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، طرحتُ السؤال على رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني (تولى رئاسة مجلس الشورى من 2008 إلى 2020)، فكان جوابُه أنهم تصرفوا بمنطق الدولة في علاقة بالدول الأخرى وما يقتضيه الأمر من احترام للالتزامات وعدم التدخل في الخلافات الداخلية. الجوابُ بدا لي منطقيا، ونقلته إلى الأستاذ راشد الغنوشي في إحدى اللقاءات كما سجلته في مقال بجريدة الفجر.
بعد 2011 زار عدد من قيادات النهضة إيران كما زار عدد من المسؤولين الإيرانيين رئيس الحركة وتلقى عدة دعوات لزيارة إيران، ولعل أهم دعوة كانت بمناسبة معرض إيران الدولي للكتاب، وقد أُسعد الإيرانيون لاستقبال الضيف باعتباره زعيما ومفكرا فطبعوا ثلاثة من كُتبه، وكانت النية أن ينتظم حفل توقيع لتلك المؤلفات، غير أن الغنوشي اعتذر عن الحضور قبل الموعد بمدة قصيرة.
وحتى بعد توليه رئاسة البرلمان وصلته دعوة خاصة من الإمام خامنئي ولكنه لم يُلبّها. غير أنه حضر عدة مناسبات لذكرى الثورة الإيرانية، وآخرها ذكرى 11 شباط/ فبراير 2013 في منزل السفير الإيراني بتونس.
لماذا ظلت العلاقة بين حركة النهضة وإيران حذرة وباردة؟ هل بسبب حادثة منع الزيارة في 2007؟ أم بسبب الملف السوري؟ أم بسبب اللوثة المذهبية؟
بعد طوفان الأقصى وما كشف عنه من نفاق الغرب ومن زيف نظرية القيم الكونية وفلسفة الليبيرالية ودعم الديمقراطية، وأيضا ما أعلنه قادة المقاومة الميدانيون من تكامل الجبهات؛ من غزة إلى جنوب لبنان إلى اليمن إلى العراق وسوريا، هل يمكن الحديث عما بعد الطائفية وعن مرحلة الإسلام المقاوم الذي يتجاوز لوثة المذهبية ولا يقيم تحالفاته إلا على مبدأ المقاومة
ما هو مؤكد أن الاختلاف كان حَدّيا في المسألة السورية، حيث يعتبرها الغنوشي ثورة ويدعو لها بالنصر ويعتبرها الإيرانيون مؤامرة على حلف المقاومة، كما أن لكل من الغنوشي والقيادة الإيرانية اصطفافا محوريا لا يتعامل إلا في ساحات القتال، فالمسألة ليست خلافا مذهبيا أو فكريا، والغنوشي يحب المعارك الفكرية ويترفع عن الخطاب الطائفي (رغم وصفه غير الموفق لقيس سعيد بكونه شيعيا).
الغنوشي وجد نفسه بين ضغوط من عدة جهات: من الغرب المعادي لإيران والقائل بدعم الربيع العربي، ومن تيار واسع داخل جمهور الإسلاميين يعادي الشيعة ليس فقط بسبب الملف السوري وإنما أيضا بسبب اشتغال كتّابٍ في الحفر المذهبي وفي الصراعات القديمة؛ وما رافقتها من روايات لا تخدم العصر ولا تساعد على الوحدة بين المسلمين.
بعد طوفان الأقصى وما كشف عنه من نفاق الغرب ومن زيف نظرية القيم الكونية وفلسفة الليبيرالية ودعم الديمقراطية، وأيضا ما أعلنه قادة المقاومة الميدانيون من تكامل الجبهات؛ من غزة إلى جنوب لبنان إلى اليمن إلى العراق وسوريا، هل يمكن الحديث عما بعد الطائفية وعن مرحلة الإسلام المقاوم الذي يتجاوز لوثة المذهبية ولا يقيم تحالفاته إلا على مبدأ المقاومة وعقيدة التحرر؟
twitter.com/bahriarfaoui1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إيران الثورة تونس الغنوشي النهضة المذهبية إيران تونس النهضة الثورة الغنوشي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
"الجامعة الوطنية" تستعرض إرث الدولة البوسعيدية ومسيرة النهضة العمانية
مسقط- الرؤية
نظّمت الجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا، الأربعاء، ندوة وطنية رفيعة المستوى بعنوان "الدولة البوسعيدية وأسس السلام في عُمان: من إرث التاريخ إلى نهضة الحاضر"، بحضور معالي السيد سعود بن هلال البوسعيدي، محافظ مسقط، وذلك ضمن احتفال الجامعة بيومها السنوي، وبالتزامن مع مرور 281 عاما على تأسيس الدولة البوسعيدية التي شكّلت حجر الأساس في بناء الدولة العُمانية الحديثة وترسيخ نهج السلام والاستقرار.
وأكد معالي السيد سعود بن هلال البوسعيدي أنّ استحضار إرث الدولة البوسعيدية يمثل جسراً معرفياً يربط الماضي بالحاضر، ويعزّز وعي الأجيال بتاريخ وطنهم ودوره الحضاري والإنساني، مشيرا إلى أن مسيرة السلام التي أرساها الأئمة والسلاطين البوسعيديون استمرت عبر النهضة المباركة بقيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- وتُستكمل اليوم في ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله.
وشهدت الندوة مشاركة واسعة من الأكاديميين والمتخصصين من داخل السلطنة وخارجها، حيث تناولت ستة محاور رئيسية شملت: الجذور التاريخية للدولة البوسعيدية وبناء المؤسسات السياسية، قيم التعايش والتسامح والحياد الإيجابي في السياسة العُمانية، ملامح النهضة المباركة بقيادة السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله، النهضة المتجددة في عهد جلالة السلطان هيثم بن طارق واستمرارية الإصلاح، الدور العُماني في معالجة القضايا الإقليمية والدولية والوساطات الدبلوماسية، مكانة ودور المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية خلال العصر البوسعيدي.
وقدّم رياض بن عبدالله البوسعيدي الكلمة الرئيسية، مستعرضاً الإرث السياسي والفكري للدولة البوسعيدية، ودورها في ترسيخ قيم الحكمة والتسامح، وتعزيز حضور عُمان الحضاري في محيطها الإقليمي والدولي.
وأكد سعادة الدكتور علي بن سعود البيماني، رئيس الجامعة، أنّ تنظيم هذه الندوة يأتي ضمن التزام الجامعة بدورها العلمي والمعرفي، وإسهامها في تسليط الضوء على المحطات التاريخية التي أسست لنهج السلام العُماني، وبما ينسجم مع مستهدفات رؤية عُمان 2040 في تعزيز الهوية الوطنية وتنمية الوعي المجتمعي.
وحظيت الجلسات العلمية بتفاعل كبير من الحضور، وشكّلت منصة للحوار البنّاء وتبادل الخبرات بين الباحثين والمختصين، بما يعزز الفهم العميق لمسيرة الدولة العُمانية وإسهاماتها التاريخية في تعزيز الأمن والاستقرار والسلام.