وكيل الأزهر: التاريخ لا يغفر خطايا مجرمي الحرب من لا يردهم دين
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
قال الدكتورمحمد الضويني، وكيل الأزهر، إن الاجتماع على «شراكة أزهرية في صناعة وعي فكري آمن» ومحاولة قراءة الواقع واستشراف المستقبل لهو من أوجب الواجبات الأزهرية؛ انطلاقا من أدوار الأزهر المتعددة، ومما لا شك فيه أن أعتى أمراض الأمم وأخطرها المرض الفكري، الذي يؤدي إما إلى التطرف الذي ينتج عنه الإرهاب بأنواعه، وإما إلى التفريط الذي ينتج عنه الانحلال الأخلاقي والإلحاد، وإما إلى التوقف والكسل الذي يؤخر الأمة، الأمر الذي يوجب على العلماء والمفكرين أن يعملوا بجد وبقوة لمواجهة هذا المرض العضال وحماية المجتمعات من خطورته.
وأوضح الدكتور الضويني خلال كلمته بالمؤتمر الثالث لكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة والذي جاء تحت عنوان «نحو شراكة أزهرية في صناعة وعي فكري آمن.. روية واقعية استشرافية»، أن هذا المؤتمر يجيء في وقت حساس من عمر الأمة، في ظل ما تتعرض له من محاولة تشويه تاريخها، وتزييف وعيها، وخداع شبابها، خاصة فيما يتعلق بحق الأمتين العربية والإسلامية في فلسطين، وإن التاريخ لا يغفر خطايا مجرمي الحرب، الذين لا يردهم دين ولا عرف ولا قانون، ولا يؤلمهم تفجير ولا هدم ولا قتل ولا موت، ولا يحكمهم عقل ولا فكر ولا قلب ولا مشاعر، وإن وعد الله لا يتخلف، «وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ».
وبيّن وكيل الأزهر أن هذا المؤتمر خطوة في مسيرة جهود الأزهر الشريف التي تناقش قضايا الحياة المعاصرة في إطار شرعي يناسب الواقع المتغير، ولا يخرج في الوقت نفسه عن الأصول والثوابت، موضحا أن أحكام الشريعة التي تدور حول الضروريات الخمس، لا يتصور عمران مجتمع ولا صلاح أمور أفراده إلا بحفظها، ولا يتصور حفظها إلا في ظل وجود أمن، وخاصة الأمن الفكري.
وتابع أنه إذا كانت رسالة الأزهر تتضمن دراسة التراث الإسلامي، وإيضاحه، ونشره وما يستتبع ذلك من إجراء البحوث الرصينة والدراسات المنضبطة بالمنهجية العلمية، واقتفاء أثر السلف الصالح في الجد والمثابرة؛ فإنها رسالة سامية تناسب جلال الإسلام: عقيدة وشريعة وسلوكا، وقد تبلورت رسالة الأزهر عبر أجيال امتدت لأكثر من ألف عام؛ ليكون المرجعية العلمية الأولى لأهل السنة والجماعة في مصر وخارجها، في منهجية تتسم بالوسطية، وتجمع بين النقل والعقل، والتأويل المنضبط والتنزيه الواجب للذات العلية، واحترام كل مذاهب أهل السنة في العقائد والشرائع دون الاندفاع إلى تكفير أو تفسيق أو تبديع.
كلية الدعوة الإسلاميةوأضاف الدكتور الضويني أنه لا عجب إذا أن يكون الأزهر قبلة العلم لمن يفد إليه من بلاد العالم كافة من المسلمين، ولمن أراد الاهتداء إلى الدين القويم، وإذا كان الأزهر قد تصدى منذ نشأته للعلوم الإسلامية والعربية: تعليما ونشرا ومداسة، فضلا عن دوره في التكوين العلمي للدعاة وتطوير الخطاب الإسلامي في إطار من الحكمة والموعظة الحسنة، فإن من واجب الأزهريين المخلصين أن يتصدوا لحملات التشويه التي يتعرض لها الإسلام من مغرض أو جاهل.
وأوضح وكيل الأزهر أنه تأتي أهمية هذا التجمع العلمي الذي تنظمه كلية الدعوة الإسلامية، والذي يعد أكثر وجوبا وإلحاحا في ظل الظروف الدقيقة التي تبحر فيها سفينة الأمة نحو مرفأ، يتيح لها الاستقرار والتقدم نحو بناء مستقبل أفضل، وما يعتريها من أنواء وأمواج عاتية، وقد أثبتت الظروف التي تمر بها أمتنا اليوم أن الأزهر الشريف ما زال يمثل ركيزة مهمة في صرح الأمة، تجده دائما ما ينهض للقيام بواجبه، وخاصة في الأوقات الحرجة؛ ليثبت أنه درع الأمة في وقت الشدة، وعلى كل الأزهريين أن يفخروا بانتمائهم لهذا الصرح العظيم.
وتابع الدكتور الضويني أنه ليحق لنا أن نفاخر بهذا الوعي العلمي والحراك المجتمعي الذي يقوم به الأزهر، حين يحاول وضع رؤية شرعية تواجه الانحراف بشقيه: التطرف الفكري والتطرف الأخلاقي، وتقف في وجه الأجندات الممولة والمشروعات الفكرية المنحرفة التي تسعي للنيل من إسلامنا الحنيف، فمنهج الشريعة الإسلامية لا ينتظر وقوع الأزمات، بل يحمي المجتمع من كثير منها بالقضاء على أسبابها، وهذا ليس غريبا على منهج يستمد مبادئه وأدواته من الدين الإسلامي الخاتم، الذي أراده الله لهداية البشرية جمعاء؛ ولذلك فإن الحرص على أحكام ديننا الإسلامي الحنيف يجنب المجتمع أزمات ومشكلات كثيرة.
وأردف أنه إذا كنا نفاخر بإسلامنا فإنما نفاخر بمنهجه المتكامل في الإصلاح، الذي يضمن مجتمعا متقدما حضاريا، ومنضبطا أخلاقيا، ونفاخر بعدالته التي تنتصر على الأزمات، وتخلص المجتمع من تداعياتها، ونفاخر بوعي أهله الذين استعصت هويتهم على الذوبان والاختراق، فهي هوية صلبة ثابتة، وإذا كان المنهج الإسلامي قادرا على مواجهة الأفكار الشائهة التي تضر بالمجتمع والتي تنشر الظلم والتطرف والانفلات؛ فإن الواجب علينا أن نتكاتف: أفرادا ومؤسسات؛ لنكون معا ضد أي انحراف يهدد الفكر، أو يزعزع الثوابت، أو يزيف التاريخ.
وأكد الدكتور الضويني أن رسالة الأزهر الشريف جامعا وجامعة هي تعزيز الوسطية والاعتدال، ومحاربة الغلو والتطرف بجميع صوره وأشكاله، من أجل ترسيخ وحدة المسلمين مهما اختلفت مذاهبهم الفقهية والعقدية، وتباينت منازعهم الفكرية، وتوجهاتهم السياسية، ما داموا جميعا يسلمون بمرجعية القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ولا يخرجون عن أطرها العامة. وهذا هو جوهر المدرسة الأزهرية. وإن من المهم أن تكون المؤسسات المعنية بتشكيل الوعي على دراية كافية بالتحديات التي تستهدف الدين، وإلمام جيد بتيارات التغريب التي تستهدف المجتمعات، والتي تشيع أنماطا معوجة من التفكير تخاطب في الإنسان غرائزه، وتثير شهواته، وتؤصل لانفلات سلوكي، وتحلل خلقي، وتشويش فكري.
واختتم وكيل الأزهر كلمته بأنه من المهم لمؤسساتنا المسئولة أن تفطن إلى المؤامرة التي تشغلهم عن أدوارهم بصراعات مدمرة حول قضايا ثانوية، ما كان لها أن تتحول إلى أسباب للنزاع والصراع والشقاق!، وإن الوصول إلى وعي فكري آمن فريضة دينية، وضرورة مجتمعية، ومسئولية تضامنية، يجب أن يسعى لتحقيقها الجميع، وأتوقع أن يخرج هذا المؤتمر برؤية واضحة وبرامج عملية تتعاون المؤسسات المسئولة على تنفيذها؛ لإيجاد هذه الحالة من الوعي الفكري الأمن، ولمواجهة هذه التحديات التي فرقت الأمة، وعطلتها عن دورها في قيادة ركب الحضارة الإنسانية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الأزهر جامعة الأزهر الضويني وكيل الأزهر الدعوة الإسلامیة الدکتور الضوینی وکیل الأزهر
إقرأ أيضاً:
وكيل الأزهر يستقبل وفدًا من مجموعة فيينا للدين والدبلوماسية
استقبل الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، وفدًا من مجموعة فيينا للدين والدبلوماسية، برئاسة «ألكسندر ريجر»، منسق ومؤسس المجموعة، التي تضمّ ممثلين رسميين من 14 دولة أوروبية، وتسعى إلى تعزيز الحوار بين الأديان ونشر ثقافة التعايش وحرية المعتقد.
ورحب وكيل الأزهر بالوفد، مشيدًا بمساعيهم الإنسانية النبيلة، وأنّ الأزهر الشريف منفتح دائمًا على التعاون مع كل دعاة الحوار، انطلاقًا من رسالته العالمية التي يحملها فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والتي تتجسّد في مبادرات كبرى، أبرزها وثيقة الأخوّة الإنسانية التي وقّعها شيخ الأزهر مع بابا الفاتيكان، واعتمدتها الأمم المتحدة يومًا عالميًّا للأخوّة الإنسانيّة.
وأضاف وكيل الأزهر إلى أنّ وثيقة الأخوّة الإنسانيّة، التي وقّعها الإمام الأكبر والبابا فرانسيس في أبو ظبي في 4 فبراير 2019م، تُعدُّ أهمّ وثيقة إنسانية صدرت في العصر الحديث، وقد نجحت في إرساء معايير جديدة للتعايش بين الشعوب، والدعوة إلى إنصاف الفقراء والمهمَّشين، ومناهضة خطاب الكراهية.
وبيَّن فضيلته أنّ الحوار لم يكن محطة عابرة في مسيرة الأزهر وإمامه الأكبر، بل مسارٌ ممتدٌّ تجسّد في مؤتمرات كبرى، منها مؤتمر «الشرق والغرب» بالبحرين، بحضور شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، وقد أكّد المؤتمر للعالم أنّ الأديان بريئة من العنف والكراهية، وأنّ كرامة الإنسان وحقّه في العيش بسلام وتسامح هو الأساس.
وأشار فضيلته إلى دور الأزهر في الداخل المصري، حيث أطلق الأزهر بالتعاون مع الكنيسة المصرية «بيت العائلة المصرية»، الذي جمع المسلمين والمسيحيين بمختلف طوائفهم وكنائسهم، وأسهم في تعزيز الوحدة الوطنية، وهو ما يجعل النموذج المصري نموذجًا رائدًا وقويًّا للتعايش، حتى أصبح لهذا النموذج خمسة عشر فرعًا في أنحاء الجمهورية.
من جانبهم، عبّر أعضاء الوفد عن بالغ سعادتهم بلقاء قيادات الأزهر، وأكدوا أنّ المجموعة تمثل دولًا نشطة في دعم الحوار بين الأديان، وأنّهم يتابعون بإعجاب جهود الأزهر في هذا المجال.
وأشاد الوفد بوثيقة الأخوّة الإنسانيّة، مؤكدًا أنّها تمثل إعلانًا تاريخيًّا في مسار التعايش العالمي، وأنّهم نظموا فعاليات ومؤتمرات لمناقشة بنودها وأثرها في العالم، ويشيرون إليها كثيرًا في لقاءاتهم، كنموذج فريد للحوار بين أتباع الأديان.
كما أثنى أعضاء الوفد على جهود الأزهر في دمج البُعد الديني في دعم أهداف التنمية المستدامة، وحضوره الفعّال في الساحة الدولية، مشيرين إلى أهمية دور المرأة في صناعة السلام، بدءًا من الأسرة، ومرورًا بمواقع التعليم والتنشئة، وانتهاءً بالمشاركة في الشأن العام.
وفي ختام الزيارة، عبّر الوفد عن تقديره العميق لمكانة الأزهر الشريف، مثمِّنًا رسالته الوسطية وجهوده في مكافحة خطاب الكراهية، مؤكدًا أنّ أهداف المجموعة تتقاطع مع مقاصد الأزهر في ترسيخ قيم التعايش والكرامة الإنسانية.
اقرأ أيضاًوكيل الأزهر: الفتوى تحت إشراف الأزهر ودار الإفتاء فقط
وزير الأوقاف يهنئ وكيل الأزهر بتجديد ثقة الرئيس السيسي
للعام الرابع.. وكيل الأزهر يشارك الطلاب الوافدين إفطارهم بالجامع الأزهر