النزاع بين الوليد مادبو ومحمد جلال هاشم على ميزان بيروقراطية فيبر
تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT
عمر البشاري
دعونا نحاكم مقولات الوليد التي أثارت حنق محمد جلال هاشم بناءاً على طروحات ماكس فيبر وهو مرجعية محمد جلال هاشم في انحيازه لأحد طرفي النزاع الحالي وهو الجيش ومعاداته المطلقة للدعم السريع…
اطروحة فيبر الرئيسة تتكلم عن الغرب كمهد لعملية عقلنة شاملة للحياة الإنسانية …
فالبروتستانتية كبنية ثقافية تمثل لب طرحه الفلسفي وأساسه كنقيض لمادية ماركس التاريخية…وهي عملية عقلنة للدين قادت لعقلنة شاملة في النسق الحياتي الاجتماعي الاقتصادي الغربي…
قادت لعقلنة السياسة فيما يسمى بالديمقراطية
وعقلنة الاقتصاد فيما يعرف بالرأسمالية
وعقلنة الإدارة ونظم الحكم عبر البيروقراطية…
يساريو السودان من محمد جلال هاشم إلى عبدالله علي ابراهيم الى معتصم اقرع والواثق كمير تركوا انسانيات ماركس القائمة على جدل المادية التاريخية والناقدة للدولة والعشيرة والتنظيمات الاجتماعية التي تحد من الحرية الفردية لصالح الجماعة وتهبط بأحلام الفرد وآماله وقدراته وطموحاته الرحيبة اللامحدودة إلى واقع الضروريات المادية الاجتماعية…
وهرعوا إلى ماكس فيبر الراعي الأول للدولة الدينية ( البروتستانتية) المعلمنة كتبرير شكلي يساند واقع تقليدي جهوي عرقي لهيمنة الدولة (الإسلامية السودانية) الدينية التافهة وممارسات جيشها القهرية في إبادة وتطهير الجماعات والمجموعات السكانية السودانية والتي لن يكون آخرها العطاوة جماعة الوليد عبر القصف العشوائي بالطيران الحربي لمدنيين عزل لا ذنب لهم سوى تهمة كونهم حواضن إجتماعية للدعم السريع الذي أنشأه ورعاه ذات الجيش وزد على ذلك قمع حريات الافراد مثل (شيخ الأمين) راعي العمل الانساني والقائم بدورها(الدولة) في غيابها تجاه الناس وأيضاً التنظيمات السياسية مثل (جماعة تقدم) الساعية لوقف الحرب وصيانة حياة الناس واستعادة ترتيب أمر الدولة المنهارة بشكل جديد …
وهذه النقطة الأخيرة هي الأساس الذي أقام عليها الوليد نقده للدولة السودانية وهي على خلاف ما أراد فيبر في طرحه الشامل للبروتستانتية كانعكاس لعقلنة الحياة الغربية بدءاً من الثقافة والدين خلاف مادية ماركس التاريخية…
مثلاً الجيش الذي يعبده اليساريين السودانيين ويبررون انتهاكاته أو يسكتون عنها ويساندونه كمحتكر للعنف وحامي حمى المؤسسات العقلانية المنفذ للقانون في الدولة الفيبرية مقابل الدعم السريع الخطر الذي يهددها بكسر ذلك الاحتكار هو مؤسسة تمثل قمة بيروقراطية الإدارة والتنظيم القائمة على التخصصية وتقسيم العمل المفضي إلى تجويد الأداء وتحسين مردوده وعائده على مجتمع فيبر الرأسمالي العقلاني…
ولكن السؤال هو هل ينطبق هذا على جيش محمد جلال هاشم!!؟
أو على واقعنا الاجتماعي الإقتصادي بعمومه!!؟
والإجابة تستدعي بعض التوسع في شرح وتوضيح مفهوم البيروقراطية
وقد وجدنا لها التعريف التالي في ويكيبيديا
(الدواوينية أو الديوانية (بالإنجليزية: Bureaucracy) وعُرّبت بالبيرُقراطية أو البيروقراطية هي مفهوم يستخدم في علم الاجتماع والعلوم السياسية يشير إلى تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة.
إذن البيروقراطية في نظر فيبر كإدارة عقلانية للدولة تقع على النقيض من النظم الإدارية التقليدية مثل الإدارة الأهلية..عند القبائل
فالادارة االتقليدية عند فيبر تقوم على عوامل غير عقلانية مثل العواطف الدينية الأولية والقبلية والعشائرية والوراثة و الولاء للجماعة وغياب الفردية والمحاباة والمحسوبية…
وعليه إذا حاكمنا دولة محمد جلال هاشم وجيشها بمعايير فيبر البيروقراطية فيما يلي التخصصية وتقسيم العمل والكفاءة من حيث الانضباط في معايير الإختيار والترقي يتجلى لنا ما أراده الوليد مادبو وعلو كعبه ودقة فهمه لعلوم الإدارة والحكم مقارنةً بهاشم…وذلك في نقده الجذري لهذه الدولة في تجنيها على الجماعات الإثنية السودانية مثل البجا النوبة الفور الانقسنا والنيليين سابقاً وإلى جماعة العطاوة ومحاباتها لغيرها من الجماعات الإثنية (الشوايقة) لانحدار الكثير من النخب المهيمنة على الدولة منها، الأمر الذي ترتكز عليه الحملات الشعواء العشوائية الشعوبية ضد الوليد رجل الإدارة الرشيدة والحوكمة العقلانية الدارس لها نظرياً والممارس لها أكاديمياً والمنحدر من بيت له إرثا تليد في نمط عريق من أنماط الإدارة في السودان هو الإدارة الأهلية…وهو ابن لسياسي ضليع ووزير سابق مخضرم ومهندس واداري مميز.
فهذا الجيش مختل في معايير الإختيار والترقي المهني فتعلو قمته عناصر تنتمي إلى أعراق وجهات محددة وتجلس على قاعدته العريضة مجاميع تنتمي إلى جهات واعراق أخرى…
والأنتساب إليه والترقي فيه خصوصاً في حقبة الإنقاذ قام على الولاء السياسي وليس الكفاءة..
وخرج على تخصصه في احتكار العنف بمشاركته مع المليشيات من البراء وكتائب الظل وكافي طيارة إلى شيبة ضرار وتمبور ومني وخليل الى الدعم السريع الذي تمرد عليه وصار أقوى منه ونازعه الحكم في الصراع الحالي وتدخل في السياسة لدرجة التنكر لدوره وخيانة واجباته الدستورية في حماية النظم السياسية الديمقراطية كركيزة لدولة فيبر بممارسته الانقلابات على حكومات ذات شرعيات انتخابية أو توافقية واحتكاره الحكم بغير حق لمدد تجاوزت إثنان وخمسون عاما من عمر الدولة السودانية المعاصرة قمع فيها ورعى عمليات قمع ممنهج للشعوب السودانية من عنبر جودة إلى الجزيرة أبا ومن حلفا التي هجر أهلها الى المناصير الذين أغرق أراضيهم إلى محرقة العطاوة التي يرتب لها حالياً إلى نمولي والجنوب الذي قهر سكانه وقتل منهم ما يربو على المليونين وفصله في آخر المطاف ومن بورتسودان إلى دارفور التي مارس فيها الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثمائة ألف نسمة مروراً بقمع أهل النيل الأزرق والجبال…
وتدخل في الإقتصاد من الفحم إلى الذهب إلى اللحم…
وتنازل عن سيادة الشعب على أرضه متوافقا في حلفا ومقهورا ذليلا في الفشقة وحلايب وشلاتين…
وعليه يصح ما ذهب إليه الوليد في أن الحرب الحالية هي دالة ومؤشر في إنهيار الدولة السودانية المعاصرة لتناقصها مع مفهوم الدولة الفيبرية الذي يرتكز عليه هاشم وتجاوز نظرته (هاشم) القاصرة المبتسرة في توصيفه لها كتمرد للدعم على الجيش لغياب المشروعية والأحترافية الواجبة عن هذا الجيش وانحداره بممارسته إلى التساوي مع المليشيات التي يقاتلها وقد كان سبباً في إيجادها ورعايتها أو إثارة العوامل المؤدية إلى تكوينها متنازلا بذلك عن سابق رصد وإصرار لازال يتكرر عن احتكاره الشرعي للعنف ومتسببا في إنهيار الدولة الحالي الذي تعيشه.
وقياسا على هذه المعايير الفيبرية نعطى الوليد الدرجة الكاملة في نقده الحوكمي للدولة والجيش وفقاً لفيبر وصفر كبير لمحمد جلال هاشم.
وختاماً في اعتقادي أن ما تقدم هو الإطار العام والنظرة الشاملة التي يجدر بالنخب المثقفة السودانية أن ترى من خلالها قضية النزاع الفكري السياسي بين محمد جلال هاشم والوليد مادبو وليس الصيغ المنتزعة من سياقها والتي حاول محمد جلال هاشم الترويج الشعبوي لها استنادا على هوى وميول جهوية واثنية سادت بفعل الحرب القائمة إسهاما في إذكاء نيران البغض والكراهية بين المكونات الاجتماعية السودانية على خلاف ما يمليه عليه دوره وواجبه كمثقف نخبوي يطمح لقيادة الوعي والتنوير وذلك فقط لتحقيق هدف غير نزيه هو الاغتيال المعنوي والسياسي لمن يدعوه بصديقه الوليد مادبو .
نقلا عن التغيير
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: محمد جلال هاشم الولید مادبو
إقرأ أيضاً:
طفولة تحت النار.. أرقام قياسية لانتهاكات شاملة
داود المصري*
شهد عام 2024 أعلى مستوى من النزاعات المسلحة منذ الحرب العالمية الثانية. ووفقا لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فقد كان هذا العام الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة للمدنيين، حيث تم توثيق أكثر من 36 ألف وفاة من المدنيين في 14 نزاعا مسلحا، مما يجعله العام الأسوأ من حيث الأذى الذي لحق المدنيين منذ بدء تسجيل هذه الأرقام.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2وجع في صمت الخيام.. مريضة سرطان تروي معاناة النزوح في غزةlist 2 of 2مجلس حقوق الإنسان يرفض محاولة إريتريا إنهاء التحقيق بأوضاعهاend of listومع تصاعد وتيرة الصراعات وانهيار منظومات الحماية، لا يقتصر تأثير النزاع على الأطفال، بل يتحول كثير منهم في مناطق النزاع إلى أهداف مباشرة للهجمات والانتهاكات.
يكشف تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن الأطفال والنزاع المسلح لعام 2024 عن صورة مأساوية، حيث تم التحقق من 41 ألفا و370 انتهاكا جسيما خلال عام واحد في البلدان المدرجة على جدول أعمال الأطفال والنزاع المسلح، في أعلى حصيلة منذ بدء مراقبة هذه الانتهاكات قبل نحو ثلاثين عامًا. هذا الرقم يعكس زيادة بنسبة 25% مقارنة بعام 2023، ويؤكد أن الطفولة تحت النار في أكثر مناطق العالم هشاشة.
وهذه الأرقام لا تمثل إلا جزءا يسيرا من الحقيقة، إذ إن العديد من الانتهاكات لا يتم الإبلاغ عنها بسبب انعدام الأمن، وصعوبة الوصول، ونقص القدرات، والوصمة، والخوف.
الضحايا الرئيسيون
تضمنت هذه الانتهاكات القتل والتشويه، والتجنيد القسري، والعنف الجنسي، واختطاف الأطفال، والهجمات على المدارس والمستشفيات، وحرمان الأطفال من المساعدات الإنسانية. وأظهر التقرير أن أكثر من 22 ألف طفل، ثلثهم من الفتيات، تعرضوا لانتهاك واحد على الأقل، بينما واجه الآلاف أكثر من نوع من هذه الانتهاكات في نفس الوقت، في تجسيد مروع للعنف المركّب الذي يحاصر الطفولة.
وقد كانت أبرز الانتهاكات: القتل والتشويه (11 ألفا و967 طفلًا)، الحرمان من المساعدات الإنسانية (7906 حادثة)، التجنيد والاستخدام (7402 طفل)، الاختطاف (4573 شخصا)، والعنف الجنسي (ارتفاع بنسبة 35%، بما في ذلك حالات اغتصاب جماعي مروعة).
إعلانالعنف يتصاعد بلا محاسبة
ما يثير القلق خاصة، هو أن غالبية هذه الانتهاكات ارتكبت مع إفلات شبه تام من العقاب، سواء من قوات حكومية أو جماعات مسلحة غير حكومية. ومع الانكماش الحاد في التمويل الدولي المخصص لبرامج حماية الطفل، وغياب آليات فعالة للمساءلة المحلية والدولية، تتكرر دائرة العنف والصمت التي تعصف بحياة الأطفال، وتصبح النزاعات أكثر تدميرًا، والأسلحة المستخدمة أكثر فتكًا، والضحايا أصغر سنا وأكثر ضعفًا.
تأثير مروّع
ومن البلدان التي شهدت أعلى الانتهاكات التي تم التحقق منها في عام 2024: إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة (وخاصة قطاع غزة)، جمهورية الكونغو الديمقراطية، الصومال، نيجيريا، وهايتي. كما شهدت دول عربية مثل لبنان والسودان واليمن وسوريا مستويات مقلقة من الانتهاكات، في وقت يعيش فيه ملايين الأطفال في قلب أزمات إنسانية متعددة الأبعاد.
الأرقام تحتم التحرك لا الحزن فقط
إن الواقع الذي يرسمه تقرير الأمين العام ليس فقط محزنا، بل هو دعوة عاجلة للمجتمع الدولي ولصناع القرار في العالم لاتخاذ مواقف حاسمة ضد استخدام الأطفال وقودا للحروب، ولدعم الجهود الرامية لحمايتهم وتمكينهم من استعادة طفولتهم التي سُرقت منهم.
إنّ واجبنا أن نتذكّر العالم يوميا بأن حقوق الأطفال في أوقات النزاعات ليست ترفًا أو خيارًا، بل هي التزام قانوني وأخلاقي وإنساني، لا بد من القيام به.
نحن بحاجة إلى رفع أصوات الأطفال، والتحدث نيابة عنهم عندما يُمنعون من الكلام، والدفاع عن حقوقهم في كل مكان وبكل الوسائل الممكنة.
وفي نفس السياق يجب على جميع أطراف النزاع الامتناع عن استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المدنية، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وضمان حماية المدارس والمستشفيات، وإنهاء الإفلات من العقاب عبر اعتماد تشريعات صارمة لمحاسبة من يرتكب جرائم بحق الأطفال.
كذلك، من الضروري دعم برامج إعادة الإدماج الشاملة للأطفال الذين كانوا مرتبطين سابقا بالجماعات المسلحة، والاستثمار في التعليم الآمن، ونزع الألغام، وتعزيز قدرات الحماية الوطنية والإقليمية والدولية.
إلا أن هذه الجهود لن تُؤتي ثمارها ما لم تقترن بإرادة سياسية حقيقية والتزام جماعي لا يلين. فحماية الأطفال من ويلات الحروب ليست مسؤولية جهة واحدة، بل هي واجب مشترك يقع على عاتق أطراف النزاع، وكذلك على الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام وكل فرد منا يرفض أن يشاهد استهداف الطفولة وتدميرها في صمت.
إن استعادة الطفولة المسلوبة تبدأ بقرارات شجاعة، وتمويل كافٍ، وإجراءات حازمة تُعيد الاعتبار لحقوق الأطفال، وتضمن لهم الحماية والعدالة والفرصة في مستقبل آمن.
————————-
* مدير مركز التحليل والتواصل، مكتب الممثل الخاص للأمين العام المعني بالأطفال والنزاع المسلح في الدوحة