موسكو– عاد ملف إقليم ترانسنيستريا غير المعترف به إلى الأضواء مجددا وبشكل مفاجئ بعد توجّه السلطات فيه إلى موسكو ومناشدتها التدخل لمساعدتها في التصدي لما سمتها الضغوط التي تمارس عليها من قبل مولدوفا.

ولم تمر ساعات قليلة على طلب سلطات الإقليم الانفصالي الحماية من موسكو، وإذا بوزارة الخارجية الروسية تصدر بيانا اعتبرت فيه "حماية سكان ترانسنيستريا، أبناء وطننا، هي إحدى أولوياتنا".

ولا تعترف موسكو رسميا باستقلال الإقليم، لكنها تحتفظ معه بعلاقات خاصة في المجالات السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية. أما مولدوفا، فهي إلى جانب الاتحاد الأوروبي تعتبر الإقليم جزءا من أراضيها، ويقع تحت "احتلال روسيا".

وترانسنيستريا عبارة عن شريط ضيق من الأراضي يقع في شرق مولدوفا على طول نهر دنيستر (الضفة اليسرى) ويبلغ طوله 225 كيلومترا وعرضه من 12 إلى 30 كيلومترا.

وحتى عام 1940، كانت حدود الإقليم تمتد على طول النهر. فقد كانت الأراضي الواقعة إلى الغرب تسمى بيسارابيا، التي كانت جزءا من رومانيا، وإلى الشرق ترانسنيستريا، التي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي.

وفي الثاني من أغسطس/آب 1940، بعد إعادة توحيد بيسارابيا مع الاتحاد السوفياتي، تم تشكيل جمهورية مولدوفا الاشتراكية السوفياتية، والتي ضمت إقليم ترانسنيستريا.

يتموضع إقليم ترانسنيستريا على شكل شريط على الحدود بين روسيا ومولدوفا (الجزيرة) جذور الصراع

يعود تاريخ النزاع المسلح بين مولدوفا وترانسنيستريا إلى أحداث أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، عندما اعتمد المجلس الأعلى لجمهورية مولدوفا الاشتراكية السوفياتية عام 1989 قوانين بشأن اللغات تعلن المولدوفية اللغة الرسمية والوحيدة في البلاد.

وردا على ذلك، تم إنشاء مجالس التعاونيات العمالية في المؤسسات الصناعية في الإقليم، والتي نظمت مظاهرات تطالب بإجراء استفتاء حول هذه القضية، وهو ما رفضته السلطات المركزية.

ومن الجدير بالذكر أن ترانسنيستريا كانت مأهولة بأغلبية ساحقة من قبل الروس والأوكرانيين. وبسبب ذلك، عارض نواب الإقليم بشدة هذا القرار معتبرين أن السلطات المولدوفية تمارس التمييز ضدهم على أساس اللغة.

إلى جانب كل ذلك، كانت البيريسترويكا (برنامج إصلاحات اقتصادية) في الاتحاد السوفياتي في أواخر الثمانينيات مصحوبة بموجة من النشاط السياسي ونمو المشاعر القومية في العديد من الجمهوريات، ولم تكن مولدوفا استثناء، فقد ظهرت فيها حركات تطالب بالحكم الذاتي والاستقلال وترجمة اللغة المولدوفية إلى اللاتينية والاتحاد مع رومانيا كعودة إلى الجذور التاريخية.

وبعد اعتماد قانون اللغة المثير للجدل بدأ "التوطين" القسري الصارم للمجموعات العرقية غير المولدوفية. ولم يكن سكان إقليم ترانسنيستريا الناطقون بالروسية بشكل أساسي سعداء بهذه التغيرات، لا سيما مع تصاعد الحديث عن الوحدة مع رومانيا.

نظم سكان ترانسنيستريا احتجاجات مع دعوات لإعطاء اللغة الروسية وضع لغة الدولة، وكذلك لإلغاء الأبجدية اللاتينية في الكتابة. كما تم اقتراح إجراء استفتاء عام على أراضي الإقليم من جانب واحد ودون انتظار موافقة السلطات في مولدوفا.

وفي الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أكتوبر/ تشرين الأول 1990، عُقدت عدة جولات للتصويت سُميت فيما بعد بالاستفتاء، وشارك فيها ما يقارب من 80% من المواطنين الذين لديهم حق التصويت. أيد 96% منهم إنشاء جمهورية ترانسنيستريا، وفي المقابل أعلنت مولدوفا عدم شرعية الاستفتاء.

وكان من اللافت أن الذين أرادوا بشدة البقاء في الاتحاد السوفياتي لم يتلقوا أي دعم من موسكو في ذلك الوقت.

الصدام

وفي خريف عام 1990، وقعت أول اشتباكات مسلحة بين القوات الحكومية المولدوفية ومقاتلي الإقليم المعلن من جانب واحد. وكان من اللافت أن كلا الجانبين كانا لا يزالان يُعتبران جزءا من الاتحاد السوفياتي، الذي انهار في وقت لاحق، في نهاية عام 1991.

وتصاعد الصراع بين مولدوفا وترانسنيستريا في عام 1991، على خلفية محاولة الانقلاب الذي قامت به لجنة الطوارئ الحكومية في 19-21 أغسطس/آب 1991. وفي العاصمة المولدوفية، فشل "انقلاب محلي" مؤيد للانقلاب المركزي في موسكو، وكرد فعل على ذلك بدأت المطالب بانفصال مولدوفا عن الاتحاد السوفياتي.

من جانبها، أيّدت حكومة ترانسنيستريا المجموعة الانقلابية في موسكو، وقالت إنها تعترف حصريا بقيادة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية.

ودخلت الأحداث والمعارك الدموية والضارية التي وقعت بمدينة بندير في الإقليم بالفترة من 19 يونيو/حزيران إلى 22 يوليو/تموز 1992 التاريخ على أنها أكبر مأساة تتحقق منذ بداية النزاع.

وبحسب مصادر مختلفة، قُتل خلال الصراع ما بين 200 إلى 750 شخصا من الجانبين، وأصيب أكثر من ألف، واضطر حوالي 100 ألف إلى مغادرة المنطقة.

وتدخلت روسيا في الصراع ووقف إراقة الدماء، وكانت هناك نداءات متكررة من سكان الإقليم حيث يتمركز الجيش الـ14 الروسي. وتتباين وجهات النظر حول ما إذا كانت مولدوفا نفسها وافقت على ضرورة حل النزاع من خلال تدخل خارجي.

ونتيجة لذلك، وقع الطرفان في 21 يوليو/تموز 1992 في موسكو، بمشاركة الرئيس الروسي آنذاك بوريس يلتسين، اتفاقية "حول مبادئ حل النزاع المسلح في منطقة ترانسنيستريا بجمهورية مولدوفا".

وفي بداية عام 1997، وبوساطة روسية، بدأت المفاوضات بين الطرفين بشأن التسوية النهائية للوضع في ترانسنيستريا، وانتهت في الثامن من مايو/أيار من العام نفسه بالتوقيع في الكرملين على مذكرة بتطبيع العلاقات في إطار دولة مشتركة، داخل حدود جمهورية مولدوفا الاشتراكية السوفياتية للعام 1990، ومع ذلك، لم يتم إحراز تقدم كبير.

رياح البحر الأسود

منذ ذلك الحين، تم تنفيذ عملية حفظ للسلام على ضفاف نهر دنيستر، والتي وصفت بالعملية الأكثر نجاحا في أوروبا، نظرا لفرادة هيكليتها، فهي عملية مشتركة لحفظ السلام تضم أطراف النزاع المتمثلة بمولدوفا وترانسنيستريا، فضلا عن عسكريين روس ومراقبين عسكريين من أوكرانيا، قبل أن تعلق كييف في وقت لاحق عمل جنودها، بسبب الحرب مع روسيا.

ومع ذلك بدأت التجاذبات تعود مرة أخرى إلى الإقليم في عام 2022، بسبب الوضع الجيوسياسي في منطقة شمال البحر الأسود ككل، بما في ذلك الصراع في أوكرانيا.

وتعتبر القوات التابعة للإقليم الانفصالي بمثابة العمق الخلفي للقوات المسلحة الأوكرانية، ومن ناحية أخرى "الجبهة الثانية" في المواجهة بين أوكرانيا وروسيا.

وقبل النداء الذي وجهته سلطات الإقليم إلى موسكو بالحماية وتقديم المساعدة كان ينظر إلى هذا الصراع بأنه عصي على الحل. فإذا حصلت ترانسنيستريا على الاستقلال لن تقبل مولدوفا بذلك. وإذا تم ضم الإقليم إلى مولدوفا، فإنه إلى جانب روسيا كذلك لن يقبلا هذا الخيار. فهل سيكون تكرار سيناريو "القرم" هو الخيار المتبقي لدى موسكو، التي وصفت سكان ترانسنيستريا بمواطنيها؟

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الاتحاد السوفیاتی جزءا من

إقرأ أيضاً:

مُشيدة بهيئة الدواء المصرية| منظمة الصحة العالمية: تجربتها مُلهمة لدول الإقليم

عقد الدكتور علي الغمراوي، رئيس هيئة الدواء المصرية، اجتماعًا رسميًا بمقر الهيئة مع الدكتورة حنان بلخي، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، في زيارة رسمية تُعد الأولى لها، وذلك في إطار تعزيز أوجه التعاون المشترك في مجالات الصحة العامة والدواء، وقد رافقها خلال الزيارة  الدكتور نعمة عابد، ممثل منظمة الصحة العالمية في جمهورية مصر العربية.

هيئة الدواء: تسجيل 17مليون وحدة دوائية منتهية الصلاحية.. والوادي الجديد في الصدارةهيئة الدواء المصرية تبدأ تفعيل خدمة الدفع الإلكتروني عبر موقعها الرسميهيئة الدواء المصرية تُحقق سبقًا وطنيًا جديداً: أول جهة معتمدة لإنتاج المواد المرجعية في مصررئيس هيئة الدواء يبحث آليات تعزيز التعاون مع نظيرته في موزمبيق

وتضمن اللقاء استعراض مجالات التعاون الحالية والمستقبلية، خاصة فيما يتعلق بمبادرات مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، وتعزيز جودة ورقابة المستحضرات الصيدلية، إلى جانب بناء القدرات الفنية للهيئة. كما تم إبراز ما يتمتع به القطاع الدوائي المصري من بنية رقابية وصناعية قوية تُعد من بين الأبرز في المنطقة.

خلال كلمته، أكد الدكتور الغمراوي على عمق العلاقات الاستراتيجية الممتدة بين هيئة الدواء المصرية ومنظمة الصحة العالمية، مشيدًا بالدور الحيوي الذي تقوم به المنظمة في دعم وتطوير المنظومات الرقابية في مصر والمنطقة، كما عبّر عن تقديره للدعم الفني والمؤسسي الذي قدّمه مكتب المنظمة بالقاهرة خلال السنوات الماضية، مؤكدًا أن هذه الزيارة تمثل محطة مهمة لتدشين شراكات مستدامة تخدم الأمن الصحي والدوائي في الإقليم.

وقالت الدكتورة حنان بلخي، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، في كلمتها، "نعتز بالشراكة القوية والطموحة بين هيئة الدواء المصرية ومنظمة الصحة العالمية. ونهنئ مصر على كونها أول دولة في إفريقيا تصل إلى المستوى الثالث من النضج في تنظيم كل من الأدوية واللقاحات كدولة منتجة. ونتطلع إلى مواصلة التعاون لتحقيق المستوى الرابع والحصول على اعتماد الهيئة ضمن قائمة السلطات المدرجة لدى منظمة الصحة العالمية (WLA).
كما نشيد بالجهود المتميزة في التصدي لسوء استخدام المضادات الحيوية والإفراط في استخدامها."

 قدرات هيئة الدواء المصرية فى مواكبة كافة التطورات التنظيمية

ومن جانبه أكد الدكتور نعمة عابد رئيس مكتب منظمة الصحة العالمية بجمهورية مصر العربية على قدرات هيئة الدواء المصرية فى مواكبة كافة التطورات التنظيمية وضرورة الاسترشاد بالتجربة المصرية لنقلها الى الدول الأخرى فى سبيل تعزيز النظم الدوائية لهيئات الأدوية بالمنطقة.
وفي ختام اللقاء، أكد الجانبان حرصهما على استمرار التنسيق المشترك، وتوسيع مجالات التعاون بما يخدم أهداف التنمية الصحية المستدامة، ويسهم في الارتقاء بجودة الخدمات الدوائية والصحية محليًا وإقليميًا.

تعكس الزيارة حرص هيئة الدواء المصرية على توطيد علاقاتها مع المنظمات الدولية المعنية بالصحة، والتزامها المستمر بتبني أفضل المعايير والممارسات العالمية في مجال الرقابة الدوائية. كما تجسّد رؤية الدولة المصرية في تعزيز مكانتها كمركز إقليمي رائد للصناعات الدوائية، بما يسهم في دعم الأمن الصحي للإقليم وتوفير دواء آمن وفعّال يلبي احتياجات المواطنين محليًا ودوليًا. 

طباعة شارك منظمة الصحة العالمية هيئة الدواء الشرق الأوسط الصحة العامة الدواء مصر

مقالات مشابهة

  • “سيناريو اغتيال نصر الله”.. كشف تفاصيل ضربة إسرائيلية دقيقة كادت تطيح برؤوس سلطات إيران الثلاث
  • برج السرطان حظك اليوم: لا تكرر أخطاءك في تجربتك العاطفية المقبلة
  • وزير النفط: مستعدون لاستلام كمية النفط من الإقليم وتصديرها عبر تركيا
  • موسكو وبيونغ يانغ تعلنان «أخوة لا تُقهر».. والسعودية تعزز شراكاتها الصناعية في روسيا
  • ورشة حول دور أشجار القرم في التغير المناخي
  • «كهرباء دبي» و«الإمارات للطبيعة» تنظمان ورشة حول تداعيات التغير المناخي
  • سيراميكا كليوباترا ينفي طلبه لضم هؤلاء اللاعبين.. تفاصيل
  • خبراء سونلغاز ينهون زيارتهم إلى سوريا
  • مُشيدة بهيئة الدواء المصرية| منظمة الصحة العالمية: تجربتها مُلهمة لدول الإقليم
  • الاتحاد السكندري يجدد طلبه لضم مروان حمدي من بيراميدز