تلقى الكثير من التجار والبيوت التجارية والجمعيات الخيرية في صنعاء ومحافظات خاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية الإيرانية تحذيرات من تنفيذ أو عملية توزيع معونات إنسانية دون الرجوع إلى ما يسمى "هيئة الزكاة" التابعة للميليشيات.

وقال أحد تجار المواد الغذائية في منطقة مذبح لـ"نيوزيمن": "كل شهر رمضان أقوم مع آخرين من رجال الخير بتوزيع سلل غذائية على المئات من الأسر الفقيرة والمحتاجة في المنطقة؛ والكثير من هذه الأسر باتت تنتظر شهر رمضان للحصول على ما يسد جوعها ويرفع عنها المعاناة في ظل الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة التي نعيشها، وانعدام صرف المرتبات وتدهور العملة".

وأضاف: مؤخراً تلقيت إشعارات شفهية من مندوبين تابعين للميليشيات الحوثية يحذرون من تسليم أية معونات أو مساعدات غذائية رمضانية؛ وأن يتم تسليم أموال الزكاة والصدقات لصالح ما يسمى "هيئة الزكاة التابعة لهم". مشيرا إلى أن هناك إجراءات سيتم اتخاذها مع كل تجار أو رجل خير أو جمعية ستقوم بتوزيع أية مساعدات للأسر الفقيرة".

وبررت الميليشيات الحوثية أن سبب التوجيهات الجديدة تعود إلى الحادثة المؤسفة التي حدثت في العام الماضي، أثناء تدافع المئات من المواطنين للحصول على أموال زكاتهم في مركز توزيع تابعة لرجل الأعمال "الكبوس" في صنعاء والتي راح ضحيتها نحو 200 ما بين قتيل وجريح.

وتحاول الميليشيات الحوثية استغلال تلك الحادثة المؤسفة للمواطنين من أجل إجبار التجار ورجال الأعمال وأصحاب البيوت التجارية بضرورة تسليم أموال زكاتهم للهيئة التابعة لهم لتوزيعها بشكل صحيح وأمان وبعيداً عن تكرار الحوادث المؤلمة.

وتؤكد الميليشيات الحوثية بشكل متكرر أن "هيئة الزكاة" الحوثية هي المعنية بتسليم الزكاة وأية معونات أو مساعدات للمستحقين، في حين يؤكد الكثيرون أن الهيئة الحوثية تقوم باستلام الصدقات الرمضانية لتوزيعها على الأسر الموالية لهم أو لأسر قتلاهم، وحرمان الأسر الفقيرة والمحتاجة من تلك المعونات التي كانت تصل لهم سنوياً بصورة منظمة.

سيطرة الحوثي على المعونات والمساعدات الرمضانية، تأتي متزامنة مع إجراءات جديدة أقرتها وزارة التجارة والصناعة التابعة لحكومة صنعاء تحت مسمى "تسعيرة السلع". حيث يؤكد تجار المواد الغذائية أن الوزارة الخاضعة لسيطرة الحوثيين أقرت قوائم أسعار للمواد الغذائية بصورة ارتجالية دون مراعاة الحالة الاقتصادية التي يعيشها المواطنون في ظل استمرار نهب المرتبات.

وقال التجار: "هذا العام الإقبال لشراء احتياجات رمضان ضعيف جداً، ناهيك أن هناك رسوما وجبايات يتم فرضها من قبل وزارة التجارة التي يقودها القيادي الحوثي محمد مطهر. موضحين أن التجار والمواطنين يكتوون بذات النار الحوثية التي تتلاعب بقوت الجياع".

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: المیلیشیات الحوثیة

إقرأ أيضاً:

الريع المسلح: كيف يمكن تفكيك الميليشيات فعلا!؟ 2

في الجزء الأول كان الحديث عن الميليشيات التي تحوّلت إلى بنى راسخة متغلغلة في مفاصل الدولة، تشكّل ما يشبه النظام الموازي القائم على مزيج من العنف والاقتصاد والسلطة.

وقد راج في الخطاب السياسي والإعلامي مصطلح “تفكيك الميليشيات” كحل سحري، لكن المقالات والتحليلات التي تتناول هذا الشعار غالبًا ما تكتفي بوصف المعضلة، دون الغوص في آليات بقائها أو فهم منطق ديمومتها.

تشوش الرؤية… واضطراب الإجراء

ولهذا، فإن أي مقاربة جادة لفهم الظاهرة لا بد أن تنطلق من تحليل “الاقتصاد السياسي للميليشيات” باعتباره البعد الأكثر حسمًا في تفسير استمراريتها وامتناعها عن الزوال.

فالميليشيات الليبية لم تعد عبئا أمنيا على الدولة فقط، بل أصبحت مشروعا اقتصاديا قائمًا بذاته، يدر ارباحاً ضخمة على قادتها وشركائهم في أجهزة الدولة الرسمية، وعلى شبكات أوسع تمتد أذرعها إلى الإقليم والخارج.

إنها ليست مجرد قوة عسكرية، بل باتت تشتغل بمنطق الشركات، وتخوض صراعات النفوذ من أجل حماية استثماراتها، وإعادة توطينها ضمن بنى الدولة نفسها.

وهذا ما يفسّر فشل كل مبادرات التفكيك السابقة، التي تجاهلت أن المطلوب ليس فقط نزع السلاح، بل تفكيك البنى الاقتصادية التي تمنح هذه الكيانات أسباب الحياة.

أول ما يجب فهمه هو أن هذه الميليشيات تعمل ضمن شبكات معقدة من المصالح، تبدأ من القيادات الميدانية، مرورا بموظفين مدنيين ومسؤولين في المؤسسات الرسمية، وصولا إلى رجال أعمال، وسماسرة دوليين، وشركات نقل وموانئ ومصارف.

هناك من يربح من استمرار الفوضى، بل إن بعض هؤلاء الفاعلين باتت مصلحتهم في الإبقاء على الوضع كما هو، لأنهم تحولوا من مستفيدين إلى شركاء في صناعة القرار، بشكل مباشر أو غير مباشر.

اقتصاد الحماية

لا يمكن إذا الحديث عن “حل أمني” دون تفكيك هذه الشبكات التي لا تعمل فقط داخل ليبيا، بل تمتد إلى الخارج عبر التهريب، والمصارف، والتحويلات، والاعتمادات المصرفية، وصفقات السلاح، وغسيل الأموال.

الجانب الآخر يتمثل في ما يمكن تسميته “اقتصاديات الحماية”، وهي آلية قامت بها الميليشيات لتعويض غياب الدولة وتقديم نفسها كبديل عنها.

فبدل أن تكون مجرد جماعات مسلحة تسعى للبقاء، باتت تفرض رسوم حماية على الشركات، وتؤمّن طرق النقل، وتدير الموانئ والمطارات، وتتحكم في توزيع الوقود، وحتى في إصدار التصاريح الرسمية. بل باتت ادارات هذه الشركات نفسها، من هذه القوى المسلحة أو محسوبة عليها مباشرة.

وبذلك تحولت من عنصر عبثي إلى فاعل “منظم”، يتقن منطق السوق ويحسن التفاوض، ويفاوض على نصيبه من الكعكة مع الدولة لا ضدها.

في الواقع، كثير من هذه الميليشيات لم تعد على هامش الدولة، بل أصبحت الدولة نفسها في بعض المناطق، وهذا ما يجعلها أكثر تعقيدًا من مجرد مجموعات مسلحة يمكن تفكيكها بضغطة زر.

أما على مستوى التمويل، فالصورة أكثر خطورة. فالميليشيات اليوم لا تعتمد فقط على الدعم المحلي، بل صارت تمتلك منظومة تمويل متنوعة تشمل عائدات النفط، والتهريب، والجباية غير الرسمية، بل وحتى الاستثمار في القطاعات الشرعية مثل العقارات والتجارة والسياحة.

الاقتصاد…. كلمة السر!!

كما تستخدم أدوات غسيل الأموال لتحويل الأموال القذرة إلى مشاريع نظيفة، مما يعقّد عملية تتبّع الأموال، ويمنحها شرعية زائفة في عيون المجتمع المحلي والدولي.

بل إن بعض الميليشيات تمكّنت من بناء واجهات تجارية محترفة تدير الفنادق وشركات الصرافة والمقاولات، بما يجعل التفريق بين المسلّح والتاجر أمرًا شبه مستحيل.

كل هذه العناصر تؤكد أن استمرار الميليشيات ليس فقط نتيجة لانهيار الدولة، بل لأنه بات بديلا عن الدولة، أو نموذجًا منافسًا لها.

وبالتالي، فإن أي محاولة لمعالجة هذا الوضع يجب أن تبدأ بتفكيك البنية الاقتصادية التي تمنح هذه الكيانات مقومات البقاء.

لا يمكن تفكيك الميليشيا إذا بقيت أرباحها قائمة، وشبكات تمويلها آمنة، وعلاقاتها الاقتصادية محمية. التفكيك يبدأ من الاقتصاد، لا من السلاح، ومن المحاسبة المالية لا من الحسم العسكري.

ومن هنا تأتي أهمية هذا المحور باعتباره الجواب الحقيقي على السؤال الكبير الذي يطرحه المقال: إذا كان تفكيك الميليشيات وهمًا، فما هو البديل؟

البديل هو تفكيك شبكات المصالح التي تقوم عليها هذه الجماعات، واستهداف البنية الاقتصادية التي تمكّنها، وفرض رقابة صارمة على الاعتمادات والتحويلات والأسواق، وتجفيف منابع تمويلها، وربط الإصلاح الأمني بالإصلاح الاقتصادي، لا التعامل معهما كملفين منفصلين.

الاقتصاد السياسي للميليشيات هو المفتاح الذي يمكن أن يحول الخطاب من مجرد صرخة تحذير إلى خريطة طريق حقيقية، تتعامل مع الظاهرة في عمقها، وتفهم أسباب نشأتها وآليات بقائها، وتطرح مسارات عملية لتفكيكها.

فلا حرية بدون أمن، ولا أمن بدون اقتصاد، ولا دولة بدون كسر منظومة الريع المسلح التي تحكم ليبيا من خلف الستار.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • تكريم المشاركين في مبادرة "أجاويد 3" بأبها
  • نشطاء في غزة يحذرون من “تزييف المعاناة” عبر توزيع فواكه: “الناس بحاجة إلى خبز لا مانجا”
  • “الحوثيون” ينشرون مشاهد لطاقم السفينة “إيترنيتي سي” التي تم إغراقها (شاهد)
  • بعد القبض على رمضان صبحي في مطار القاهرة.. تعرف على الاتهامات والعقوبة التي يواجهها
  • الحوثيون ينشرون مشاهد لطاقم السفينة إيترنيتي سي التي تم إغراقها (شاهد)
  • توحّش الميليشيات الحوثية يتجاوز الخطوط.. مؤيدوها تحت سيف القمع بعد الخصوم
  • توزيع ماكينات خياطة علي عدد من السيدات في محافظة بني سويف
  • اختراق وتعطيل هو الأكبر.. هاكرز يطيحون بمنظومة الاتصالات الحوثية
  • الحوثيون يعلنون تصعيدا جديدا واستهداف جميع السفن التي تتعامل مع إسرائيل
  • الريع المسلح: كيف يمكن تفكيك الميليشيات فعلا!؟ 2