في الأسابيع الأخيرة، أصبح من المألوف إسقاط بعض الدول ومن بينها الولايات المتحدة بضعة طرود من المساعدات، لا أفهم لماذا يتصرف هؤلاء بهذه الطريقة تجاهنا، إنهم يريدون أن يظهروا للعالم كله، وخاصة لشعوبهم، أنهم يساعدون غزة، لكنهم في الحقيقة يذلون أهل غزة.

هكذا لخص رامي أبو جاموس -الذي يكتب مذكراته في هذه المساحة المخصصة له على موقع أوريان 21- آخر فصل من حياته اليومية وحياة سكان غزة في رفح، العالقين في جيب صغير يعاني من الفقر، مكتظ بالسكان، بعد أن اضطر مؤسس موقع "غزة برس" (GazaPress) الذي كان يقدم المساعدة والترجمة للصحفيين الغربيين إلى مغادرة شقته في مدينة غزة مع زوجته وابنه وليد البالغ من العمر عامين ونصف، وهو الآن يتقاسم شقة من غرفتي نوم مع عائلة أخرى.

بعد أن أشار إلى قصف إسرائيلي كثيف مساء السبت في رفح، فقدت خلاله عائلة أبو عينا في خان يونس 13 من أفرادها، قال رامي أبو جاموس إن إلقاء الطعام بالمظلات يشبه إطعام الكلاب، بحيث يتم إلقاء القطع عليهم، وتسارع الكلاب إلى أكلها.

هناك حالة مجاعة في شمال قطاع غزة، حيث الأطفال يموتون من سوء التغذية، ثم يأتون ويسقطون لنا بضعة أكياس من الطحين والأرز، إنه إذلال -كما يقول رامي أبو جاموس- والإسرائيليون يعرفون ذلك، ولهذا السبب أعطوا الضوء الأخضر، لأنهم هم من يعطون الإذن بذلك، وهم من يحددون مكان إسقاط الطائرات لهذه المساعدات الإنسانية، كل شيء يفعله الإسرائيليون.

طريقة مهينة

ويقول الكاتب وما لا أفهمه هو أن هذه البلدان، بدلا من تقديم المساعدة بطريقة كريمة، تفعل ذلك بهذه الطريقة المهينة، لا نحتاج إلى هذه المساعدة إذا كانت غارقة في الإذلال. لا أفهم دولا مثل كندا وفرنسا والولايات المتحدة تريد المشاركة في هذا النوع من العمليات، وهي تعتبر "قوى عظمى"، ألا يمكنها تقديم الغذاء لأهل غزة بطريقة كريمة؟.

وأشار الكاتب إلى أن الجميع سارع إلى تمرير البضائع إلى إسرائيل بكرامة، عندما منع الحوثيون سفنها من المرور عبر البحر الأحمر، وأن كل الدول تقدم المساعدات والأسلحة لأوكرانيا بطريقة كريمة، متسائلا لماذا لا يفعلون ذلك عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، هل يجب أن نضيف دائما إذلالا للفلسطينيين؟ مع أنه لا فرق بين أوكرانيا وفلسطين، "فكلاهما محتلة، الأولى من قبل روسيا والثانية من قبل إسرائيل"، وفق تعبيره.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فالأمر مختلف، لأنها تزود الإسرائيليين بأكثر الأسلحة تطورا لإسقاطها على رؤوسنا -يقول الكاتب- وفي الوقت نفسه، تسقط الإذلال بحجة المساعدات الإنسانية علينا، لا أعلم هل هو فصام أم نفاق أعمى في هذا العالم؟.

وختم الكاتب بالقول إن على من يريد مساعدة الغزيين أن يفعل ذلك بطريقة كريمة، لأنهم تعرضوا للإذلال بما فيه الكفاية، تحت الاحتلال وفقدوا أحبابهم وخسروا منازلهم، ووظائفهم، فلم يبق لهم سوى الكرامة، وهم لا يقبلون أن تؤخذ منهم، "إننا نفضل الموت على أن نقبل قطعة خبز طعمها مغمس بالذل".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

محللون: نزع سلاح غزة أهم عند ترامب من حياة مليوني فلسطيني

بعد أن سادت حالة من التفاؤل خلال الأيام الماضية بشأن إمكانية التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار يمكنه التخفيف من الواقع الإنساني الكارثي، انقلبت الصورة فجأة، وأعلن الإسرائيليون والأميركيون أنهم سيبحثون نهجا جديدا لاستعادة الأسرى، محملين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مسؤولية إفشال الصفقة.

فقد حمَّل المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية توماس واريك، حركة حماس مسؤولية المجاعة في غزة، لأنها رفضت التوقيع على المقترح الأخير، وقال إن دونالد ترامب يدرك حجم الكارثة الإنسانية في القطاع "لكنه لن يتخلى عن مطلب نزع سلاح حماس".

اللافت أن الوسيط الأميركي المقرب من ترامب بشارة بحبح، قال إن حماس اقترحت خلال الاتفاق الأخير تسليم إدارة القطاع للجنة تكنوقراط تمهيدا لنقلها للسلطة الفلسطينية، وإن إسرائيل رفضت هذا المقترح.

الموقف الأميركي

ودافع واريك -خلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"- عن الموقف الإسرائيلي الأميركي بقوله إن حماس قبلت بالتخلي عن السلطة لكنها رفضت التخلي عن السلاح الذي سيجعلها قادرة على استعادة زمام الأمور متى أرادت بعد انتهاء الحرب.

ويتعارض حديث واريك، مع حديث بحبح الذي قال بوضوح إن رفض إسرائيل تسليم القطاع للسلطة الفلسطينية يعكس رغبتها في تهجير السكان. وهو موقف رددته العديد من المنظمات والدول خلال الأسابيع الماضية.

وفي حين يتحدث الأمين العام للأمم المتحدة والمقررون الأمميون عن كارثة لم يشهدها التاريخ الحديث، وعن ضرورة إدخال المساعدات للمدنيين الذين تفتك المجاعة بهم، أكدت هيئة البث الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي أتلف عشرات آلاف الأطنان من مواد الإغاثة الإنسانية، بينها كميات كبيرة من الغذاء كانت مخصصة لأهالي القطاع.

وبينما كان متوقعا أن يتدخل الرئيس الأميركي لوضع حد لهذه الانتهاكات -التي قال وزير التنمية الدولية النرويجي إنها تجاوزت كل الحدود- خرج يؤكد أن على إسرائيل مواصلة العمل حتى إنهاء وجود حماس.

إعلان

كما خرج الجيش الإسرائيلي معلنا أن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية هي المسؤولة عن إيصال المساعدات لسكان غزة، متجاهلا أنه هو من يمنع عمل هذه المؤسسات، بل ويقصف منشآتها ومستودعاتها ويقتل موظفيها.

وقد أعلن الجيش أنه سيبدأ إنزال المساعدات جوا، وهو ما وصففته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) بالمهزلة، وقال أمينها العام فيليب لازاريني، إنها "ذر للرماد في العيون"، فيما اعتبرته لجنة الإنقاذ الدولية "مجرد تشتيت بشع عن حقيقة ما هو مطلوب حاليا في القطاع".

ولم ينكر واريك عدم فعالية هذه الطريقة في إنقاذ الناس، وقال إن على العالم أن يبحث عن كل الطرق التي يمكن بها إيصال المساعدات بما في ذلك فتح المعابر البرية، لكنه شدد أيضا على ضرورة "ضمان عدم استفادة حماس من هذه المساعدات".

استدعاء ملاحم تلمودية

هذه الرواية الأميركية الإسرائيلية المكررة عن سطو المقاومة على المساعدات، نفاها مسؤولون إسرائيليون لصحيفة "نيويورك تايمز"، بقولهم إن الجيش لا يملك أي دليل على سرقة حماس للمساعدات، وإن نظام الأمم المتحدة للمساعدات الذي قوضته إسرائيل كان فعّالا وأكثر موثوقية.

وعلى هذا، فإن كل ما تقوله إسرائيل أو تفعله لا يعدو كونه محاولة لتجويع السكان وتهجيرهم، برأي المحلل السياسي الفلسطيني إياد القرا، الذي قال إن ما يتم إدخاله من كميات شحيحة يذهب إلى المليشيات التي تعمل مع الاحتلال في القطاع.

أما الخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين، فذهب لما هو أبعد من ذلك بقوله إن الدبلوماسية الإسرائيلية فقدت عمقها وتحولت إلى الشعوبية لأنها تحاول صبغ ما يجري كله بصبغة دينية.

فالمتابع لتصريحات الساسة الإسرائيليين بمن فيهم نتنياهو نفسه، سيجد أنها مستمدة من نبوءات أشعياء، وأنها تحاول خلق ما يمكن وصفه باللاهوت العسكري لجعل الحرب مقدسة بكل ما فيها من أدوات مهما كانت منافية للأخلاق، كما يقول جبارين.

ومن ثم فإن المشكلة ليست في طريقة إيصال المساعدات للفلسطينيين وإنما في وقف الحرب نفسها التي أصبحت تستند إلى ملاحم تلمودية مفادها أن هذه الأرض مملوكة حصرا لشعب الله المختار وأن كل من سواهم ليسوا إلا أغيارًا يجب قتلهم أو طردهم، بغض النظر عن الطريقة، بحسب جبارين.

ولعل هذا ما يجب على الولايات المتحدة الانتباه له ولتداعياته على المدى الطويل، لأن إسرائيل تتخلى عن ارتباطها بالهولوكوست بعد أن فقدت أخلاقها، وتحاول ربط كل ما تقترفه من جرائم بنصوص دينية، وفق جبارين.

مقالات مشابهة

  • محللون: نزع سلاح غزة أهم عند ترامب من حياة مليوني فلسطيني
  • طائرات تنفذ إسقاطًا جويًا للمساعدات غربي غـ.ـزة
  • إسرائيل تعلن استئناف إسقاط المساعدات جوا فوق غزة الليلة
  • الاحتلال: استئناف إسقاط المساعدات الغذائية جوا على غزة اعتبارا من مساء السبت
  • الاحتلال يعلن عن استئناف عمليات إسقاط المساعدات جوا بغزة
  • الجيش الإسرائيلي يعلن عن استئناف عمليات إسقاط المساعدات جوا في غزة
  • الإمارات ستستأنف عمليات إسقاط المساعدات جوا في غزة على الفور
  • الأونروا تحذر من مخاطر إسقاط المساعدات على غزة.. دخان للتغطية
  • دولة أوروبية تعتزم إسقاط مساعدات جوية في غزة
  • «مكلفة وغير فعالة».. مفوض الأونروا ينتقد إسقاط المساعدات جوا في غزة