الجهات الحكومية و"وحدة التفكير"
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
◄ "وحدة التفكير" تضمن العمل بحرفية ومنهجية وحوكمة وتؤتي ثمارا إضافية عبر مبادرات عصرية خلّاقة
خلفان الطوقي
يومًا بعد يوم، التحديات في تزايد، والفرص أيضًا في تنامٍ، وفي كلا الحالتين لا بُد من التعامل معها في أسرع وقت ممكن، وأي تأخير قد يأتي بعواقب مكلفة.. هذه القاعدة تنطبق على الدولة أو المجتمع أو الأسرة وحتى على الأفراد، لكن أثرها على الدولة أكبر وأعمق؛ لأنَّ الأثر سوف يعُمّ باقي المنظومة إيجابًا أو سلبًا.
ومن خلال هذه المقالة يمكن اقتراح إنشاء "وحدة تفكير" أو كما تسمى باللغة الإنجليزية "Think Tank" لكل جهة حكومية، ويمكن لهذه الوحدة أن تقوم بهذه المهمة الجوهرية وهي: رصد الفرص والتحديات بشكل استباقي، ويمكن أن يقوم بمهام أخرى كثيرة كأن يقوم بمهمة الفريق التفاوضي مع الشركات الاستشارية الإقليمية والعالمية، ويمكن أن يعمل معهم جنباً إلى جنب.
أضف إلى ذلك، يمكن لهذه الوحدة مراقبة الإجراءات المتبعة، واقتراح تحسينها وتطويرها بين فترة وأخرى بما يتناسب مع المتغيرات العصرية المتسارعة، كما يمكنهم اقتراح أفضل الممارسات المتبعة في الدول الأخرى، وينطبق ذلك في التشريعات والقوانين، كما يمكنهم تحديد الأولويات وأفضل الحلول والبدائل المتاحة، وكيفية التعامل مع كافة السيناريوهات التي قد تحدث الآن ومستقبلًا.
تكوين هذه الوحدة لا يتطلب كيانًا أو مبنى جديدًا، إنما يتطلب توجهًا حكوميًا، وتمكينا من رئيس كل وحدة حكومية من خلال اختيار عدد من الموظفين الأكفاء النشطين المؤمنين بالتطوير المستمر في كل تفاصيل المؤسسة الحكومية، ويمكن تغيرهم جزئيًا بين فترة وأخرى، ويمكن تطعيم الوحدة مؤقتًا بمختصين من خارج الوحدة في مواضيع معينة، ويمكن طلب المساندة من سفاراتنا المنتشرة للإطلاع على أفضل الممارسات العالمية لدول متقدمة ومشهود لها في مجالات معينة.
وحدة التفكير وإن كانت مصغرة، لكن سوف تضمن أعمالًا كبيرة ومميزة، وسوف تضاعف سرعة إنتاجية المؤسسات الحكومية والتي يتطلع إليها المجتمع، وتضمن العمل بحرفية ومنهجية وحوكمة، وتؤتي بثمار إضافية من مبادرات عصرية خلاقة من خلال تلاقح الجهود والأفكار، وقراءة واضحة لكل السيناريوهات الحالية والمستقبلية، والعمل جنبًا إلى جنب مع المكاتب الاستشارية الإقليمية والعالمية، وديمومة خلق فرق إبداعية، وضمان وجود صفوف إدارية وفنية ثانية وثالثة من الكفاءات الوطنية لتنمية متجددة ومستدامة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أنماط طرائق التفكير السوداني (٢)
بقلم/ عوض الكريم فضل المولى وحسن عبد الرضي
أنماط طرائق التفكير السوداني من منظور الفكرة الجمهورية: قراءة في كتابات الأستاذ محمود محمد طه والإخوان الجمهوريينالتفكير السوداني يتميز بتنوعه وعمقه، وهو نابع من تفاعلات تاريخية وثقافية ودينية معقدة. غير أن الواقع يشير إلى وجود تحديات في تطوير أنماط التفكير، أبرزها الكسل الفكري والتمسك بالعقل السلفي والفهم التقليدي للدين. جاءت الفكرة الجمهورية، بقيادة الأستاذ محمود محمد طه، لتطرح معالجة جذرية لهذه الإشكاليات عبر خطاب فكري مستنير يدعو إلى إعادة قراءة التراث الإسلامي والتفاعل الإيجابي مع قضايا العصر.
تأثير التفكير العقلي من منظور الفكرة الجمهورية على معالجة الكسل الفكريالفكرة الجمهورية تسعى لتفعيل التفكير النقدي والعقلي بدلاً من الانسياق وراء الموروث دون تمحيص. الأستاذ محمود محمد طه ركز على أهمية “التفكير الحر”، حيث لا بد من تحرير العقل من قيود الجهل والعادات الجامدة. وفق الفكرة الجمهورية، الكسل الفكري ينشأ نتيجة هيمنة عقلية النقل على عقلية النقد. بالتالي، تحث الفكرة على اتخاذ العقل أداة لاستكشاف القيم الدينية العليا وتطبيقها عملياً، مما يحفز الإبداع والمسؤولية الفردية في التفكير.
دور الفكرة الجمهورية في تأطير وتطوير طرائق التفكير لمستقبل السودانالفكرة الجمهورية ترى أن مستقبل السودان يتطلب نهجاً فكرياً جديداً يربط بين الأصالة والمعاصرة. فهي تدعو إلى صياغة رؤية معرفية ترتكز على الحرية والعدالة والتنمية المستدامة. من خلال تشجيع التعليم المستنير وإعادة قراءة النصوص الدينية بفهم عصري، يمكن أن تؤسس الفكرة الجمهورية لطرائق تفكير تواكب التحولات العالمية، مما يدعم بناء مجتمع متماسك وقادر على تحقيق نهضته.
معالجة الفكرة الجمهورية للعقل السلفي والفهم الموروث الفطير للإسلامالنقد الموجه للعقل السلفي في الفكر الجمهوري يتركز على الجمود والاعتماد المفرط على الفقه التقليدي. الأستاذ محمود محمد طه دعا إلى العودة للقرآن باعتباره النص الأسمى والمصدر الأساسي للتشريع. وبدلاً من التركيز على الأحاديث والآراء الفقهية المتغيرة، طرح الفكرة الجمهورية مفهوم “التطوير التشريعي”، وهو إعادة النظر في تطبيق الشريعة بما يتناسب مع تطور الإنسان والمجتمع. هذا الفهم يحرر العقل المسلم من قيود الفهم السطحي ويعيد إحياء القيم الإنسانية في الإسلام.
التوفيق بين التفكير العقلي والكشف وعلم الذوق والعلم اللدني وفكرة الإطلاقالفكرة الجمهورية تنظر إلى العقل والكشف كأدوات متكاملة للوصول إلى الحقيقة. الأستاذ محمود محمد طه يرى أن العقل هو أساس العلم التجريبي، بينما الكشف هو أداة للعلم الروحي والذوقي. العلم اللدني وفكرة الإطلاق، كما يشرحها الأستاذ، تتطلب توازنًا بين العمل العقلي والتجربة الروحية، حيث لا يكون أحدهما على حساب الآخر. بهذا الفهم، تستقيم طرائق التفكير مع وحدة العلم والدين، مما يفتح آفاقاً للإبداع الروحي والفكري.
الفكرة الجمهورية تقدم منهجاً فكرياً متكاملاً لمعالجة إشكاليات التفكير السوداني، من خلال تحرير العقل من الجمود والسعي لتأسيس مجتمع واعٍ. برؤيتها المستنيرة، يمكن أن تسهم في بناء مستقبل مشرق لسودان مزدهر فكرياً وروحياً.