ماذا تعني زيارة حمدوك إلى القاهرة؟
تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT
د. أماني الطويل
وسط غبار كثيف من التراشق المعهود والاستقطاب الحاد بين الفرقاء السياسيين السودانيين بشأن زيارة د. عبدلله حمدوك إلى القاهرة، يمكن النظر إلى هذه الخطوة كتطور إيجابي من عدة زوايا، منها أنها تتكامل فيما يبدو لنا مع تحركات إقليمية ودولية قد تكون فرصة أخيرة في سياق محاولات وقف إطلاق النار في السودان.
ومن الزوايا الإيجابية في زيارة حمدوك ولكن على مستوى ثنائي، هي أن هذه الزيارة تؤشر لتقارب بين القاهرة وأبو ظبي في الملف السوداني، كانت أولى تجلياته في اجتماع المنامة الذي جرى بين الفريق شمس الدين الكباشي وعبد الرحيم دقلو، وكانت العاصمتان حاضرتين في هذه الترتيبات إلى جانب كل من الرياض وواشنطن، كما كانتا مشتركتين في وقت لاحق، وفي مشهد لافت بإمداد جوي لأهالينا في غزة بمساعدات إنسانية.
أما على المستوى الإفريقي، فقد سبقت الزيارة تنسيقاً واجتماعات بين الآلية الأفريقية للإتحاد الأفريقي، وبين وفد الزيارة من تحالف تقدم إلى القاهرة الذي يترأسه حمدوك، بما يعني أن الطرفين هما على صفحة واحدة في النظر لهذا الملف، خصوصاً في ضوء مناهج القاهرة في التعامل معه، والتي برزت في مؤتمر دول جوار السودان الذي لم يستبعد طرفاً إقليمياً عربياً أو إفريقياً طبقاً لمحدد الجوار الجغرافي المباشر، إدراكاً من مصر لطبيعة دور وتأثير كل طرف في المعادلات السودانية وتأثره بها.
وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء السوداني السابق لم يحظ بمقابلة الرئيس السيسي كما قالت مصادر سودانية في وقت سابق على الزيارة، في محاولة لتضخيم أثرها السياسي، فإن رئيس الوزراء السوداني السابق، اجتمع بالأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط وهو مؤشر على تفاهمات وترتيبات عربية عابرة لعدد من عواصم العرب فيما يتعلق بمسألة وقف الحرب في السودان.
أما المكسب الرئيسي من زيارة حمدوك ووفده فهو تحقيق تقارب بين الإدارة المصرية ممثلة في الوزير عباس كامل، مع أطروحات المكون المدني السوداني الممثل جزئياً في تحالف تقدم فيما يتعلق بالمعادلات السياسية السودانية الداخلية، وهو التقارب الذي قد يكون أنهى مراحل من الالتباس الطويل في هذه العلاقة، وبدأ خطوة من خطوات بناء الثقة بين الطرفين، حيث كان من اللافت حديث حمدوك اللاحق لزيارته بشأن طلب تقدم للقاهرة بأن تقوم بدور في عقد لقاء بين قائد الجيش ورئيس المجلس السيادي الفريق عبد الفتاح البرهان، وبين محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع، وهو طلب مؤسس على إدراكات جديدة لدى تحالف تقدم بشأن أنه لا حل في السودان بدون القاهرة التي أثبتت تفاعلات ما بعد الحرب محورية دورها في المعادلات السودانية، وذلك في ضوء فشل محاولات عزل مصر عن المجريات السودانية والتي قامت بها عواصم عالمية وإقليمية عجزت عن تغيير هذه الحقيقة.
وفي المقابل قد يكون نجاح مصر في بلورة دور لها في وقف الحرب والتفاعل الإيجابي مع المعادلة الداخلية، يتطلب منها بلورة منظور يأخذ بعين الإعتبار الدور والوزن المحوري للمدنيين السودانيين في مرحلة ما بعد الحرب، وأعني بذلك القوي والتيارات السياسية كافة، وهو الدور الذي تدعمه عواصم عالمية مؤثرة ولا سبيل لتجاهله لإزالة العقبات والتحديات أمام الفاعلية المصرية في حل هذا الملف.
في هذا السياق علينا أن نلحظ حجم الانتصارات التي حققها الجيش السوداني خلال ذات أسبوع الزيارة، خصوصاً في أمدرمان ذات الوزن المعنوي في الوجدان السوداني، وكذلك مناطق من الجزيرة، وهو أمر يعني عودة الموازين العسكرية نسبياً لصالح الجيش، ويعني أيضاً وزناً عسكرياً إضافياً للجيش في أي جولة تفاوض محتملة، مضافة إلى وزنه المعنوي باعتباره الجيش القومي رغم كل المآخذ عليه بسبب تحالفاته السياسية.
أما على الصعيد الدولي، فهناك تطوران مهمان أرى أنهما غير بعيدين عن توقيت زيارة حمدوك للقاهرة، أولهما المشروع البريطاني الذي تم إقراره ومر في مجلس الأمن الدولي بأغلبية ١٤ صوتاً وامتناع روسيا عن التصويت، الداعي لضرورة وقف إطلاق النار في رمضان.
أما على المستوى الأميركي، هناك زيارة بدأت لمبعوث واشنطن للسودان توم بيرييلو، تمتد لحوالي عشرة أيام، حيث سيحاول عبر زيارته لعواصم إفريقية وعربية استكشاف ربما معادلة جديدة للتدخل الدولي والإقليمي المشترك لإنهاء الصراع السوداني.
إجمالاً، قد يكون هناك حالياً ترتيبات إقليمية وعالمية بهدف بلورة آلية إجرائية لوقف إطلاق النار، ومحاولة بلورة مصفوفة سياسية فيها فاعلين محددين على المستويين الإقليمي والدولي، حيث تلعب القاهرة في هذه المعادلة دوراً كبيراً بشأن إنهاء الحرب في السودان.
وتقديري أن على القاهرة أن تبذل مجهودات مضاعفة لبلورة صيغة للتقارب بين طرفي الصراع السوداني، وهي عملية لا تتطلب فقط عقد اللقاء الذي طلبه حمدوك بين البرهان وحميدتي، ولكنه يتطلب هندسة بيئة سياسية صديقة لوقف الحرب، وهو الأمر الذي مارست فيه القاهرة عدة أنشطة، منها مؤتمراً للغوث الإنساني للسودان في نوفمبر ٢٠٢٣، وكذلك المؤتمر الأول للإدارة الأهلية والقبائل في مارس الحالي، والذي حضره ممثلون عن الجامعة العربية والإتحاد الإفريقي والإتحاد الأوربي، وهو المؤتمر الذي شدد على أهمية الحفاظ على الدولة السودانية ككيان.
وفي تقديرنا فإن القاهرة تحتاج لآليات جديدة لتدشين آليات تفاعل مع الجمهور السياسي السوداني الواسع الموجود في القاهرة، خصوصاً الشبابي منه، وذلك عبر أجسام مدنية مصرية، بهدف تخفيف حالة الإحتقان والاستقطاب المشهود على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك دعم قدرات الشباب فيما يتعلق بالإدراكات المعرفية المطلوبة في مسائل إنهاء الصراعات ومهارات التفاوض، ومتطلبات بناء الدول بعد فترات السيولة السياسية والأمنية وغير ذلك من عمليات بناء السلم وتدشين ثقافات التعايش والسلام.
نقلا عن:
https://twitter.com/AltaweelAmani
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: زیارة حمدوک فی السودان
إقرأ أيضاً:
زيارة ترامب للمنطقة ووقف الحرب على غزة
يبدو أنّ مبادرة "حسن النية" التي قامت بها حماس بإطلاق سراح المواطن الأمريكي عيدان ألكسندر (وهو أيضا جندي إسرائيلي مقاتل في لواء جولاني) لم تكن كافية، حتى لمجرد إدخال مواد ضرورية لقطاع غزة لتخفيف حالة المجاعة الخانقة التي اصطنعها الاحتلال الإسرائيلي، هذا عِوضا عن أن تدفع باتجاه وقف الحرب والمجازر الإسرائيلية. وبالرغم من أن القادة الأمريكان قدَّروا هذه البادرة التي استثمروها جيدا في زيادة شعبية ترامب في الولايات المتحدة، وفي إيجاد أجواء إيجابية كان ترامب في حاجة ماسة لها في زيارته لعدد من بلدان الخليج، وسواءٌ كان ذلك يعود للتَّصلُّب والتعنت الإسرائيلي أم لعدم بذل الأمريكان ضغطا كافيا على الإسرائيليين، فإنّ النتيجة كانت استمرار الحرب ونزيف الدماء وبأسلحة أمريكية، حتى في ذروة الترحيب والاحتفاء العربي الخليجي بترامب، الذي حصد أكثر من ثلاثة تريليونات دولار من ثروات أمتنا العربية في زيارته؛ وهكذا، فإنّ نزيف ثرواتنا لم يوقف نزيف دمائنا.
الأمريكان قاموا بنصف خطوة للأمام، ففعَّلوا عملية المفاوضات حول غزة، ودفعوا الوفد الإسرائيلي المفاوض للحضور إلى قطر، وحضر ويتكوف وبولر، المسؤولان الأمريكيان المعنيان بملف التفاوض، والتقوا بشكل مباشر بقيادة حماس، غير أنّ نتنياهو رفع من درجة التصعيد في غزة، وأعلن عن استهداف القائد العسكري لحماس في القطاع محمد السنوار والناطق باسم كتائب القسام أبي عبيدة، وضاعف من حجم المجازر، ليُفشل عمليا أي جهد ممكن للتوصل إلى صفقة أو لوقف الحرب.لم يبالِ نتنياهو كثيرا بإظهار ترامب وفريقه في مظهر "الفاشل"، ولا بالمطبّعين العرب، ولا بالمُسوِّقين لمسار التسوية. ولذلك، بدا لافتا ذلك الاختراق الكبير في لقاء الرئيس الشرع ورفع العقوبات عن سوريا، مع العجز الكامل عن إدخال ما يسدُّ الرّمق ولو رمزيا إلى غزة ولم يبالِ نتنياهو كثيرا بإظهار ترامب وفريقه في مظهر "الفاشل"، ولا بالمطبّعين العرب، ولا بالمُسوِّقين لمسار التسوية. ولذلك، بدا لافتا ذلك الاختراق الكبير في لقاء الرئيس الشرع ورفع العقوبات عن سوريا، مع العجز الكامل عن إدخال ما يسدُّ الرّمق ولو رمزيا إلى غزة.
وهنا، تظهر أولوية نتنياهو في الحفاظ على تحالفه الحاكم، الذي يعتمد بقاءُ الصهيونية الدينية فيه على استمرار الحرب على غزة، وكذلك حاجة نتنياهو له للتعامل مع ملفات تغيير رئيس الشاباك، ومستشار الحكومة، وإعادة بناء المنظومة القضائية؛ بالإضافة إلى تهرُّب نتنياهو من أي استحقاقات متعلّقة بملفات محاكمته، أو بمحاسبته على ما حدث في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وبالتالي، بالنسبة لنتنياهو تبدو استحقاقات الذهاب إلى تسوية وإنهاء الحرب (ضمن الحسابات الراهنة) أثقلُ من استحقاقات المضي في الحرب وأثمانها الباهظة عسكريا واقتصاديا وبشريا وسياسيا.
غير أنّ الزمن لا يلعب بالضرورة لصالح نتنياهو؛ فربما خدَمَ نتنياهو وجودُ الغطاء الأمريكي، وملاحظة الأمريكان أنّ الذهاب إلى صفقة في المرحلة الراهنة ستصبُّ في صالح بقاء حماس وقوى المقاومة في القطاع، وفشل مشاريع التهجير، وفشل التصورات الأمريكية الإسرائيلية المتعلقة باليوم التالي في القطاع والتي تستهدف في حدِّها الأدنى نزع سلاح المقاومة، وإخراج حماس من المشهد السياسي والمؤسسي الفلسطيني؛ مع إدراك أنّ ترامب وفريقه ملتزمون بالرؤى "المسيحية الإنجيلية" الداعمة للرؤية الصهيونية، والتي لا ترى الشعب الفلسطيني، ولا ترى حقوقا له في أرضه ومقدساته، وتدعم مشاريع الضم والتهجير، ولا تعطي وزنا للقوانين الدولية ولا للقيم الإنسانية.
ربما يحاول نتنياهو تجريب حظه لتحقيق أهدافه من خلال الاستمرار في الحرب، ولكن على ما يبدو فإن خياراته تضيق مع الزمن مع استمرار صمود المقاومة وقوة أدائها، ومع تصاعد الضغوط الداخلية لإنهاء الحرب والتي تصل إلى نحو 70 في المئة، ومع غياب الغطاء الدولي وقرب استهلاك الغطاء الأمريكي، ومع استمرار نزيفه الداخلي.. وهو ما يعني أنه سيستنفد خياراته وقدرته على المناورة عاجلا أم آجلا، ويضطر للنزول عن الشجرة والاستجابة لصفقة
من جهة أخرى، فإن براجماتية ترامب وسلوكه كتاجرٍ يُحبُّ عقد الصفقات، ورفعه لشعار "أمريكا أولا"، وطبيعته المتقلبة التي تحبُّ سرعة الإنجاز، واختلافه مع نتنياهو في طريقة إدارة الأولويات، وشعوره أنه يخدم المصالح العليا للكيان الإسرائيلي بطريقة أفضل من حكومة نتنياهو المتطرفة؛ وأن سلوك نتنياهو يَحرمه من فرص التطبيع في المنطقة؛ كما يزيد من عزلته الدولية، ويُحوّل الاحتلال إلى كيان منبوذ عالميا، كما يحوله إلى عبءٍ مالي عسكري وسياسي على صانع القرار الأمريكي.. كل ذلك، يجعل فرص نتنياهو في الاستمرار في الاعتماد على الغطاء الأمريكي تتآكل وتتراجع مع الزمن؛ مع ملاحظة أن معظم حلفاء الكيان الأوروبيين قد نفضوا أيديهم أيضا من نتنياهو، ورفعوا غطاءهم عن استمرار حربه على غزة.
يظهر ترامب أحيانا وكأنما يلعب نوعا من "تبادل الأدوار" مع نتنياهو، ويُصعّد أو يخفض لهجته بحسب مسارات الأحداث والمقتضيات الواقعية لأهدافه في المنطقة، والحاجة إلى نوعٍ من الخطاب السياسي المتناسب الذي لا يذهب بعيدا في إحراج حلفائه في التطبيع أو القابعين تحت المظلة الأمريكية؛ وإن كانت طبيعته النرجسية الصريحة ونظرته الدونية للمنطقة وزعمائها تدفعه أحيانا للتعبير بما يتوافق مع رؤاه "المسيحية الإنجيلية". وكان آخرها تصريحه في أبو ظبي في 15 أيار/ مايو 2025 الذي كرَّر فيه الرغبة الأمريكية بامتلاك قطاع غزة والتصرف فيه وفق رؤيته، دونما اعتبار للشعب الفلسطيني ولا لأرضه ولا لتاريخه ولا لقضيته ولا لحقوقه غير القابلة للتصرف ولا لمئات القرارات الدولية. وفي الوقت نفسه، فإن ترامب ما زال يطمح في تقديم نفسه كـ"صانع سلام"، ومرشحا لجائزة نوبل للسلام، وكزعيم كاره للحرب، وغير راغب في تغطية نفقات الحرب لحلفائه، وهو ما يجعله غير متَّسق مع نفسه كمؤيد لجرائم الإبادة الجماعية في غزة وداعم لتهجير الشعب الفلسطيني؛ وكساكت عمليا عن جريمة التَّسبب بمجاعة لأهل غزة.
وفي الخلاصة، فربما يحاول نتنياهو تجريب حظه لتحقيق أهدافه من خلال الاستمرار في الحرب، ولكن على ما يبدو فإن خياراته تضيق مع الزمن مع استمرار صمود المقاومة وقوة أدائها، ومع تصاعد الضغوط الداخلية لإنهاء الحرب والتي تصل إلى نحو 70 في المئة، ومع غياب الغطاء الدولي وقرب استهلاك الغطاء الأمريكي، ومع استمرار نزيفه الداخلي.. وهو ما يعني أنه سيستنفد خياراته وقدرته على المناورة عاجلا أم آجلا، ويضطر للنزول عن الشجرة والاستجابة لصفقة تفرض فيها المقاومة في النهاية شروطها الأساسية.
x.com/mohsenmsaleh1