حكم وضع العطر في نهار رمضان.. ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية، يقول السائل فيه: ما حكم وضع العطر في نهار رمضان؟ وهل وضع العطر في نهار رمضان يفسد الصيام، لأنني في أحد أيام رمضان كنت أستعد لصلاة العصر، وعندما أردت أن أضع العطر منعني صديقي وقال لي إنه يبطل الصيام، فهل هذا صحيح؟ وتكرر إرسال هذا السؤال إلى دار الإفتاء من قِبل الكثير من السيدات والرجال على حد سواء.

حكم وضع العطر في نهار رمضان

وقالت دار الإفتاء المصرية: إن من شمائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبه الطيب والإكثار من التطيب، حيث روى النسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»، وروى الإمام البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ"، إلا إذا كان محرمًا، فالطيب ممنوع أثناء الإحرام، ومع ذلك فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضع الطيب قبل الإحرام، روى الإمام مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ».

حكم استخدام الطيب في نهار رمضان

وأوضحت دار الإفتاء، أن عموم هذه الأدلة -وغيرها مما ورد في استحباب استعمال الطيب والتعطر بالروائح الزكية- يقضي بجواز ذلك في الصيام وغيره إلا ما استثناه الشرع الشريف كالإحرام وما يلحق به، ويؤيد ذلك أن علماء الإسلام على اختلاف مذاهبهم وتنوع مشاربهم لم يعدوا ذلك ضمن مفطرات الصوم، قال الإمام محمد بن أحمد ميَّارة المالكي في «الدر الثمين والمورد المعين» (ص: 464، ط. دار الحديث): [وأما المشموم الطيب الرائحة فنقل صاحب «المعيار» عن الإمام أبي القاسم العقباني أنه قال: لا أعلم من يقول فيه بالإفطار وإنما يكره في مذهب بعض أهل العلم] اهـ.

لكنهم اختلفوا فيما وراء ذلك من حيث الكراهة وعدمها، فمنهم من يرى جوازه بلا كراهة، ومنهم من يرى أنه يسن الابتعاد عنه، وذلك لأنه منافٍ لحكمة الصوم التي منها تعويد الصائم على التقشف والابتعاد عن التَّرفُّه والشهوات، ومنهم من يرى كراهية شم ما لا يُؤمن أن يجذبه النَّفَس إلى الحلق، ومنهم من فرَّق بين المعتكف وغيره، فكرهه لغير المعتكف، لأنه غير مبتعد عما يفسد اعتكافه.

فالحنفية يرون جواز التطيب للصائم بلا كراهة، قال العلامة حسن بن عمار بن علي الشرنبلالي المصري الحنفي في «مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح» (ص: 245، ط. المكتبة العصرية): [وتفيد مسألة الاكتحال ودهن الشارب الآتية أن لا يكره للصائم شم رائحة المسك والورد ونحوه مما لا يكون جوهرًا متصلًا كالدخان فإنهم قالوا: لا يكره الاكتحال بحال وهو شامل للمطيب وغيره ولم يخصوه بنوع منه وكذا دهن الشارب] اهـ.

ويرى بعض الشافعية أنه يُسن ترك التطيب في الصيام، لما فيه من الترفه، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب" (1/ 142، ط. دار الفكر): [وسن من حيث الصوم.. ترك شهوة لا تبطل الصوم، كشم الرياحين والنظر إليها، لما فيها من التَّرفُّه الذي لا يناسب حكمة الصوم] اهـ، وإذا سن ترك شم الرياحين، فمن باب أولى يسن ترك وضع العطور التي تُظهرها هذه الرياحين، إلا أن التطيب كان فيما مضى من أنواع التَّرفُّه كما ذهب إلى ذلك الشافعية، أما اليوم فليس من الترفه في شيء، بل أصبح من العادات العرفية، والمرء إذا لم يتطيب ربما انبعثت منه روائح كريهة تُنفِّر الناسَ منه.

ويرى بعض الحنابلة كراهية شم ما له جرم من العطور، لأنه لا يُؤمَن أن يجذبه النَّفَس إلى الحلق، قال العلامة البهوتي الحنبلي في «كشاف القناع عن متن الإقناع» (2/ 330، ط. دار الكتب العلمية): [ويكره للصائم شم ما لا يأمن أن يجذبه نفَسه إلى حلقه كسحيق مسك وكافور ودهن ونحوها كبخور عود وعنبر] اهـ، وأكثر العطور اليوم ليست مما له جرم يمكن أن يجذبه النَّفَس إلى الحلق، وإن كانت العطور سائلة أو جامدة ولها جرم فيكفيه ألا يدنيها من أنفه أو حلقه حتى لا يدخل إلى جوفه شيء منها، خروجًا من الخلاف، فإنهم إنما كرهوه احترازًا لأنه إذا دخل شيء إلى الجوف أفطر، فإذا أمن من دخول شيء إلى جوفه جاز له أن يضعها حيثما يريد.

ويرى المالكية جواز التطيب للصائم المعتكف ويكرهونه لغير المعتكف، وعلَّتهم في ذلك أن المعتكف معه مانع يمنعه مما يفسد اعتكافه، وهو مكثه في المسجد وبُعدُه عن النساء بخلاف غير المعتكف، قال العلامة أبو البركات سيدي أحمد الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 549، ط. دار إحياء الكتب العربية): [وجاز للمعتكف.. .تطيبه بأنواع الطيب، وإن كره لصائم غير معتكف، لأن هذا معه مانع يمنعه مما يفسد اعتكافه، وهو المسجد وبُعدُه عن النساء] اهـ.

واختتمت دار الإفتاء: وبناء على ما سبق، فيجوز للصائم أن يتطيب في نهار رمضان، ولا حرج عليه في ذلك.

اقرأ أيضاًحكم صلاة التراويح في وسائل المواصلات بالنسبة لـ المسافر.. دار الإفتاء توضح رأي الشرع

مفتي الجمهورية: التشاؤم بالأرقام والأيام منهي عنه شرعا.. وهذا حكم صوم أصحاب الأعمال الشاقة

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: حكم العطر في نهار رمضان نهار رمضان دار الإفتاء الله ع ى الله

إقرأ أيضاً:

سنة الفجر قبل أم بعد؟ .. اعرف فضلها ووقتها

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول "نرجو منكم بيان ما ورد في السنة النبوية الشريفة من الحث على المحافظة على صلاة سنة الفجر، وبيان فضلها، وما هو وقتها؟

كيف أستيقظ لصلاة الفجر ؟.. نصائح من الإفتاءخطوات الحفاظ عليها.. الإفتاء: صلاة الفجر لا يؤديها إلا أصحاب النفوس المطمئنة

وقالت دار الإفتاء إن مِن الأمور التي رغَّبت فيها السُّنَّة المطهرة وأكدت عليها في غير موضع: ركعتا الفجر، أي: سنته؛ فقد ورد في السُّنَّة المشرفة أن ركعتي الفجر خيرٌ من متاع الدنيا، وأنهما من أفضل الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى الله سبحانه وتعالى، ولذلك لم يدعها صلى الله عليه وآله وسلم لا سفرًا ولا حضرًا.

واستشهدت دار الإفتاء بما روي عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»، وعنها أيضًا رضي الله عنها أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي شَأْنِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ: «لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا» أخرجهما الإمام مسلم.

قال الإمام النووي في "شرحه على مسلم" (6/ 5، ط. دار إحياء التراث العربي): [«رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» أي: من متاع الدنيا] اهـ.

وورد أيضًا عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَي الْفَجْرِ" متفقٌ عليه.

قال الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 305، ط. مؤسسة الرسالة): [وكان تعاهده ومحافظته على سنة الفجر أشد من جميع النوافل، ولذلك لم يكن يدعها هي والوتر سفرًا وحضرًا، وكان في السفر يواظب على سنة الفجر والوتر أشد من جميع النوافل دون سائر السنن، ولم ينقل عنه في السفر أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى سنة راتبة غيرهما] اهـ.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَدَعُوا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَإِنْ طَرَدَتْكُمُ الْخَيْلُ» أخرجه الأئمة: أحمد في "المسند"، وأبو داود والبيهقي في "السنن"، والبزار في "المسند"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار".

وأوضحت أن الأصل أن تؤدى ركعتا سنة الفجر قبل الفريضة؛ لما روته أمُّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قال: «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ» أخرجه الترمذي في "السنن"، والطبراني في "الكبير".

طباعة شارك دار الإفتاء صلاة سنة الفجر سنة الفجر سنة الفجر قبل الفريضة سنة صلاة الفجر قبل أم بعد فضل سنة الفجر

مقالات مشابهة

  • حكم الدعاء بعد التشهد الأخير في الصلاة .. الإفتاء توضح
  • هل المصافحة عقب الصلاة بين المصلين بدعة؟.. الإفتاء تجيب
  • هل تصح الصلاة مع وجود طلاء الأظافر؟.. الإفتاء تجيب
  • فورين أفيرز: كيف يفسد نتنياهو فرصة ترامب للسلام؟
  • الإفتاء توضح حكم سنة صلاة العصر وعدد ركعاتها
  • هل يجوز الاستخارة بالدعاء فقط دون صلاة؟.. الإفتاء توضح
  • علي جمعة: الكذب عارض بشري والسكوت لا يعني دائما الرضا
  • سنة الفجر قبل أم بعد؟ .. اعرف فضلها ووقتها
  • هل يجوز قضاء صلاة الوتر نهارا لمن نسيها؟.. اعرف رأي الشرع
  • الصيام المتقطع… بين العلم والتجربة