لجريدة عمان:
2025-06-26@21:41:06 GMT

رأس المال الثقافي والاقتصاد

تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT

كثير من نقاشات الاقتصاديين وحواراتهم عند تفسير عمليات الإنتاج في الاقتصاد تركّز على ثلاثة أنواع لرأس المال وهي: رأس المال المادي، ورأس المال البشري، ورأس المال الطبيعي، وتخلو من الإشارة إلى أحد محركات الاقتصاد ومحفّزاته وهو رأس المال الثقافي الذي يعبّر عن الرصيد الذي يمتلكه الشخص من معارف ومهارات وثقافة إضافة إلى الأعمال الفنية ومصنوعات يدوية مثل اللوحات والمنحوتات، والمباني التراثية، والمتاحف الفنية، والأثرية، ما يميّز رأس المال الثقافي أنه ليس وراثيا أو مكتسبا مثل بقية الرأسمال (المادي، والبشري)، بل هو مورد يمنح قوة اجتماعية وثقافية في المجتمع بمكوّن غير ربحي أو مادي ويطلق عليه أحيانا رأس المال الاجتماعي.

وينقسم رأس المال الثقافي إلى نوعين ملموس وغير ملموس؛ فالشبكات والعلاقات الثقافية التي تدعم النشاط البشري، وفي تنوع المظاهر الثقافية داخل المجتمعات تمثّل رأس المال الثقافي غير الملموس، فيما يعرّفه العالم الفرنسي بيير بورديو بأنه «مجموعة العناصر الرمزية مثل المهارات، والأذواق، والحالة المادية، والملابس، والسلوكيات، والممتلكات المادية، والمؤهلات، وما إلى ذلك التي يكتسبها الشخص من خلال الطبقات الاجتماعية والمجتمعات عموما».

ورأس المال عموما هو سلعة تشترك مع سلع أخرى لإنتاج سلع جديدة، ويفسّر عمليات الإنتاج منذ زمن طويل مما يؤدي لإحداث نمو اقتصادي عبر استخدام الموارد الطبيعية المتجددة وغير المتجددة؛ فمثلا رأس المال الطبيعي يعتمد أساسا على الموارد الطبيعية التي يستخدمها الإنسان لإنتاج سلع يستخدمها في حياته اليومية، بينما عند قيامه بصنع مواد تساعده على إنتاج سلع أخرى في هذه الحالة يسمى رأس المال الصناعي، ويتطور رأس المال الثقافي تزامنا مع التطور التقني والتقدّم التكنولوجي، لذلك هناك بعض الأصول الثقافية أكبر قيمة من غيرها؛ فمثلا المعرفة بالتكنولوجيا مثل تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها في العملية التعليمية في مختلف المراحل تعد أحد نماذج تطوّر رأس المال الثقافي. كذلك استخدام رصيد المعرفة التي يمتلكها الشخص في النقاشات الهادفة والابتعاد عن طرح المعلومات المضللة وغير الدقيقة أو السطحية، إضافة إلى الاطلاع كثيرا بشأن ما يدور حوله.

أيضا يعد أحد نماذج تطوّر رأس المال الثقافي، وباستمرار طرح الأفراد أفكار ابتكارية وجديدة تعالج بعض التحديات الاجتماعية والحياتية عبر استخدام ما يمتلكه من معارف وثقافة؛ فإن ذلك يسهم في تنمية الاقتصاد وتطوير مدخلاته وتجويد مخرجاته مما يسهم في إنتاج سلعة مفيدة للمجتمع، معززة لرأس المال الاقتصادي؛ فالتنشئة الاجتماعية للفرد لها دورٌ فاعل في تكوين رأس المال الثقافي مدعومة بالاستخدام الصحيح للموارد المتاحة لتكوين وإنتاج سلعة ثقافية يستفاد منها في المجتمع، وتكون ذات قيمة مضافة للاقتصاد، عبر استخدام الفرد البنية العقلية التي اكتسبها من عملية التنشئة أو من المصادر الأخرى التي حصل عليها من خلال مؤهلاته التعليمية وفقا للسنوات التي قضاها في التعليم؛ فمثلا يشير الفكر الماركسي حول مفهوم رأس المال بأنه مفهوم اجتماعي؛ لظنه أن رأس المال يتطلب عمليات ونشاطات اجتماعية لإنتاج سلعة تستخدم اجتماعيا، وأن عملية التبادل في جوهرها هي عملية اجتماعية، وبالتالي نستطيع القول بأن رأس المال بمختلف أنواعه هو استثمار الموارد المتاحة سواء ربحية أو غير ربحية لإنتاج سلعة جديدة ذات قيمة مضافة للاقتصاد.

ووفقا لبورديو الذي صاغ مفهوم رأس المال الثقافي، بأن هذا النوع من رأس المال يتمثّل في ثلاثة أنواع، الأول: عملية اكتساب رأس المال الثقافي تعد عملا شخصيا أو تنمية ذاتية، وجهدا يقوم به الفرد أو تكاليف شخصية بغرض تكوين هويته ويطلق على هذا النوع الحالة المادية، ولا يمكن أن يتم نقل هذا النوع للأفراد الآخرين بأي وسيلة، لأن هذا النوع مكتسب وليس وراثيا أو بالفطرة كونه قائما على جهد شخصي ورغبة حقيقية من الفرد نفسه، أما النوع الآخر لرأس المال الثقافي يسمى بالحالة الموضوعية؛ فهو مزيج من رأس المال الاقتصادي ورأس المال الثقافي وذلك لوجود علاقة بين امتلاك الفرد للصور والقواميس والكتب وحالته المادية، وهي الحالة المادية المتجسدة التي تعين الفرد على امتلاك هذا الرصيد من الثقافة، فيما يعرف النوع الثالث بالحالة التنظيمية، وهي التي تثبت حقيقة امتلاك الفرد لرأس المال الثقافي من خلال ما يمتلكه من مؤهلات علمية؛ لتوضّح سمات رأس المال الثقافي الحقيقية التي يمتلكها الفرد.

وما نلاحظه في سلطنة عُمان أن هناك جهودا تقوم بها الجهات الحكومية والأفراد لرفع الوعي بأهمية رأس المال الثقافي رغم عدم الحديث عنه في المجتمع وفي النقاشات المختلفة؛ فمثلا تنظم وزارة الإعلام بالتعاون مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب سنويا معرض مسقط الدولي للكتاب، وتثري الجمهور ببرامجها الثقافية المتنوعة التي تبث عبر وسائل الإعلام الرسمية، وكذلك هناك اهتمام وسعي دؤوب من الأشخاص لمواصلة التعليم للحصول على ألقاب علمية معتمدة بقضاء سنوات طويلة في التعليم منذ مرحلة التعليم المبكر حتى مراحل التعليم العليا، إضافة إلى حضور أفراد المجتمع للاستفادة من الأنشطة الثقافية والمشاركة فيها مثل التي تنظمها مؤسسات التعليم العالي والنادي الثقافي.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ورأس المال لرأس المال هذا النوع

إقرأ أيضاً:

مسقط تستضيف حلقة عمل إقليمية حول إحصاءات التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي

 

◄ الوهيبية: 33.3 مليار دولار حجم سوق التجارة الإلكترونية بدول الخليج خلال 2025

مسقط- الرؤية

بدأت أمس الاثنين أعمال حلقة العمل الإقليمية بشأن إحصاءات التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي، التي ينظمها المركز الإحصائي الخليجي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ بمشاركة ممثلين من الأمانة العامة لمجلس التعاون والأجهزة والمراكز الإحصائية ووزارات التجارة والبنوك المركزية والجهات الحكومية الأخرى بدول المجلس.

وهدفت الحلقة- التي تستمر لمدة يومين- إلى تعزيز القدرات الإحصائية الوطنية في مجال جمع وتحليل بيانات التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي، بما يسهم في وضع سياسات اقتصادية قائمة على البيانات الدقيقة وتحقيق التكامل الإحصائي الخليجي.

وقالت سعادة انتصار بنت عبدالله الوهيبية مدير عام المركز الإحصائي الخليجي إن الأعوام الأخيرة شهدت تحولات متسارعة في طبيعة النشاط الاقتصادي العالمي مع تنامي التجارة الإلكترونية، والتي باتت تمثل أحد المحركات الرئيسة للاقتصاد الرقمي. حيث كان لمنطقة الخليج نصيبٌ متسارع في هذا النمو، مدفوعًا بالبنية الأساسية الرقمية المتقدمة، والنمو السكاني الشاب، وتبني استراتيجيات التحول الرقمي على المستويات الوطنية.

وبينت أن تقارير الأونكتاد لعام 2024م تشير إلى أن مبيعات التجارة الإلكترونية العالمية تجاوزت 27 تريليون دولار أمريكي في عام 2022، بزيادة تقارب 60% منذ عام 2016. وعلى الصعيد الإقليمي، يُتوقع أن يصل حجم سوق التجارة الإلكترونية بدول مجلس التعاون إلى 33.3 مليار دولار في عام 2025، و46.1 مليار دولار بحلول 2029، وهو ما يمثل زيادة سنوية بنسبة 10%.

وقالت سعادتها إن هذه الطفرة الرقمية، ورغم إيجابياتها، تفرض علينا جميعًا تحديات تتعلق بقياس هذا النشاط المتنامي بدقة وفعالية؛ إذ أصبحت الحاجة إلى بيانات موثوقة وفي الوقت المناسب أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، لفهم مساهمة التجارة الإلكترونية في الناتج المحلي الإجمالي، ورصد الفجوة الرقمية، ودعم السياسات الاقتصادية الفعالة. وأضافت أنه تم تكليف لجنة التعاون التجاري للمركز الإحصائي الخليجي بإعداد آلية تكاملية لبناء مؤشرات التجارة الإلكترونية في دول المجلس، ونشر المعلومات، وتعزيز الشفافية ضمن أعمال الخطة التنفيذية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للإطار الاستراتيجي الموحد لدول مجلس التعاون في مجال التجارة الإلكترونية، وهي التوصية التي تم تعزيزها في الاجتماعات المتتابعة مع فريق التجارة الإلكترونية والتي بدأت أعمالها في عام 2023.

من جانبها، أكدت سعادة الدكتورة هاجر الحداوي المدير العام لمنظمة التعاون الرقمي أن البيانات الرقمية باتت حجر الزاوية في بناء السياسات، وتحقيق التنمية المستدامة، وتمكين الأفراد والشركات من التفاعل بفاعلية في الفضاء الرقمي. وقالت إنه من هذا المنطلق تؤمن منظمة التعاون الرقمي بأن الإحصاءات الرقمية الدقيقة والمحدثة هي الأساس لقياس أثر التحول الرقمي، ولتحديد التحديات والفرص في بيئة الأعمال الرقمية.

وثمّنت سعادتها الجهود التي يبذلها المركز الإحصائي الخليجي في تطوير البنية الإحصائية للتجارة الإلكترونية، معبرة عن التطلع إلى تعزيز التعاون مع الأجهزة الإحصائية والجهات المعنية في دول المجلس لتطوير مؤشرات ومعايير مشتركة يمكن البناء عليها إقليميًا ودوليًا.

وبينت سعادتها أن تعزيز القدرة على قياس الاقتصاد الرقمي ليس فقط ضرورة فنية، بل هو عنصر استراتيجي لبناء اقتصاد رقمي شامل ومزدهر، قادر على خلق الوظائف، وتحفيز الابتكار، ودعم نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وضمان إدماج الجميع، بما في ذلك النساء والشباب، في فرص المستقبل.

وقدمت الجلسة الأولى من حلقة العمل تعريفا بقياس التجارة الإكترونية والاقتصاد الرقمي حيث يشير تعريف يشير قياس التجارة الإلكترونيةـ الذي يعد ضروريًا لفهم واقع التجارة الإلكترونية ووضع السياسات الاقتصادية والتجارية المناسبةـ إلى عملية جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالأنشطة التجارية التي تتم عبر الوسائط الإلكترونية، وتشمل بيع السلع والخدمات عبر المنصات الرقمية سواء بين الشركات أو بين الشركات والمستهلكين أو بين المستهلكين أنفسهم ليشمل القياس تحديد حجم وقيمة المعاملات الإلكترونية ونوعية السلع والخدمات المتداولة والقنوات المستخدمة (مواقع إلكترونية، تطبيقات، منصات تواصل) وسلوك المستهلكين الرقميين وأنماط الشراء.

أما قياس الاقتصاد الرقمي فيشير إلى الجهود المنهجية لقياس المكونات المختلفة للأنشطة الاقتصادية المعتمدة على التكنولوجيا الرقمية، بما يشمل البنية الأساسية الرقمية والأنشطة الرقمية كالبرمجيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية والوظائف المعتمدة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

وتطرق النقاش إلى أهمية قياس التجارة الإكترونية والاقتصاد الرقمي في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك التعريفات التشغيلية للتجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي ودور القياس في دعم صنع السياسات والتنويع الاقتصادي والتعاون الإقليمي.

وتناولت الجلسة الثانية مشروع المركز الإحصائي الخليجي حول التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي الذي يأتي ضمن جهود المركز الإحصائي الخليجي لرفع مستوى البيانات الرقمية والرقمية ـ الاقتصادية لدول المجلس بهدف بناء قاعدة إحصائية موحدة تتناول التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي، ما يسهم في تنسيق الجهود بين الدول الأعضاء، وتطوير مؤشرات تعتمد على معايير راسخة.

وجرى خلال الجلسة استعراض الوضع الحالي للمراكز الإحصائية الوطنية في قياس التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي ومجموعات البيانات الحالية والفجوات التي تم تحديدها على المستوى الوطني بالإضافة إلى التوصيات المتعلقة بالتعاون المؤسسي وتقسيم المسؤوليات لقياس التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي.

مقالات مشابهة

  • خطوة نحو علاج نهائي للمرض.. شفاء 10 مرضى سكري من النوع الأول بعلاج جديد
  • «المركزي» يلزم البنوك بإضافة 65 سلعة للقواعد الخاصة بإحكام الرقابة على حصائل التصدير
  • علاج تجريبي جديد يعالج 10 مرضى سكري من النوع الأول
  • بين الحشد والتعبئة والانقياد: مدخل إلى سيكولوجيا الجماهير في اليمن
  • من إفريقيا إلى أمريكا.. غزو النحل القاتل يتوسع ويوقع ضحايا جدد
  • السعدي: صادرات الصناعة التقليدية تجاوزت مليار درهم
  • تطبيق رقمي يجمع بين التعليم والترفيه لغرس الوعي الثقافي لدى الأطفال
  • مسقط تستضيف حلقة عمل إقليمية حول إحصاءات التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي
  • «الرواشين» نموذج لفن العمارة السعودية الخشبية في المدينة المنورة
  • "النحل الإفريقي القاتل" يثير الذعر في الولايات المتحدة