ذكرى حرب العشر من رمضان.. كيف تمكَّنت خطة الخداع الاستراتيجي في هدم أسطورة الجيش الذي لا يُقهر؟
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
يحل غدًا الأربعاء، ذكرى حرب السادس من أكتوبر 1973، الذي وافق يوم العاشر من رمضان 1393، تلك المعركة الاستراتيجية الكبرى، التي لقَّن فيها جيشنا العظيم درسًا عظيمًا للكيان الصهيوني، الذي كان محتلَّا لسيناء الغالية، واستعاد الأرض، وتجلَّت الإرادة المصرية، فصار لهذا الوطن درع وسيف، كما قال الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
تتابع بوابة الفجر الإلكترونية كل جديد حول الأحداث والذكريات التاريخية العظيمة، والتي تمثِّل لدينا إرثًا وتاريخًا ينجلي، فنفخر بما قامت به القوات المسلحة "الجيش المصري" من انتصار قلب موازين القوى، وأعاد الحسابات لدى الناظرين لقوة مصر.
عبور القناةالجيش المصرى فى العاشر من رمضان الساعة الثانية ظهرا، بعبور خط القناة، لتبدأ موجات من الجيش المصرى تعبر تدريجيا، وذلك فى منظومة عمل تم إعدادها بشكل متقن للغاية، فاجأت الجميع حينها، حيث أنه فى تمام الساعة الثانية ظهرا 1973 نفذت أكثر من 200 طائرة حربية مصرية ضربة جوية على الأهداف الإسرائيلية بالضفة الشرقية للقناة، وعبرت الطائرات على ارتفاعات منخفضة للغاية لتفادي الرادارات الإسرائيلية.
ولقد استهدفت الطائرات المطارات ومراكز القيادة ومحطات الرادار والإعاقة الإلكترونية وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصاف البترول ومخازن الذخيرة.
خطة محكمةفي تلك الأثناء كان المقدم باقي زكي، رئيس فرع مركبات الفرقة 19 مشاة ميكانيكا المتمركزة غرب القناة، قد أثبت بجرأته وحنكته العسكرية أنه قائد مميز ومبدع، لقد أدرك أهمية تفاصيل البيئة المحيطة واستطاع تحويل هذه المعلومات إلى استراتيجية فعّالة. وبفضل فكرته البسيطة والمبتكرة، تمكن الجيش المصري من الاستفادة من المياه كسلاح فعّال لتحقيق الأهداف العسكرية في مواجهة العدو. ومن خلال هذه التحليلات الدقيقة والتفكير الإبداعي، يظهر باقي زكي كقائد يتمتع بالرؤية الواسعة والقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة في الظروف الصعبة.
قوة الطبيعةوحسب تصريحات صحفية، تسائل “زكي”: “ المهندس تكلم عن قوة الصواريخ وقوة المفرقعات وقاذفات الطائرات، ونسيتم قوة المياه.. ألا تعتبر قوة هي الآخرى؟.. والقناة موجودة بجوارنا وليست بعيدة”.
لقد كانت الفكرة ملهمة، حسب هذا القائد العسكري الفذّ، فلقت كانت جل المهام المكلف بها المقدم باقي ذكي تتمثل في صيانة وإصلاح كافة الأسلحة والمعدات، وفي أحد المرات عند مروره على أخر نقطة على الضفة، شاهد الساتر الترابي ما يفعله الأعداء من تعليته يوميا ووضع أسلحة ومعدات وتحصينات بداخله، ولكنَّه تدارك في هذا الوقت فكرة قوَّة الطبيعة التي كانت ضمن كلمات السر الكبرى لتحقيق النصر العظيم.
تغيير المفاهيم السائدةمن جانبه، اعتمد الجيش الإسرائيلي، على فكرة خلق وترسيخ مفهوم القوَّة أو الجيش الذي لا يُقهر، وذلك من أجل توطيد عقيدة في نفوس كل كن يعاديه بأن ينسى فكرة المواجهة، وهذا ما نراه حتَّى يومنا هذا. لكنَّ ما نساه أو تناساه هذا الكيان المتغطرس أنَّ القوَّة متغيِّرة، وأنَّ الغلبة والنصر ليست حِكرًا لأحد على مدار التاريخ، ولهذا نال ما نال.
فبعد الضربة الجوية الأولى، التي قادها الفريق طيَّا محمد حسني مبارك، وعبور القناة، هنا تبددت هذه الفكرة وانقشع ظلام هذا الوهم، واستطارعت الإرادة المصرية أن تتحقق، بفضل الله، ثم جهود أبناء هذا الوطن العظيم؛ لتنكسر شوكة العسكرية الإسرائيلية، ويبدو للعالم كيف تكون نهاية المعتدي أمام أقدام أصحاب الحق والأرض والعقيدة.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: العاشر من رمضان حرب العاشر من رمضان حرب السادس من اكتوبر
إقرأ أيضاً:
العمق الاستراتيجي بين السودان وسلطنة عمان
د. طارق عشيري - أكاديمي سوداني بسلطنة عمان
تمتلك سلطنة عُمان عمقًا حضاريًا ضاربًا في جذور التاريخ، يمتد لآلاف السنين، حيث شكّلت نقطة التقاء للحضارات الشرقية والغربية، ومركزًا بحريًا وتجاريًا مهمًا على امتداد المحيط الهندي وبحر العرب والخليج العربي. هذا الإرث الحضاري الغني، الذي يتجسد في تقاليدها العريقة، وهويتها الثقافية المتماسكة، ونظامها السياسي المتزن، يُعد الركيزة الأساسية التي تنطلق منها سلطنة عُمان نحو تحقيق رؤيتها الاستراتيجية "عُمان 2040".
فرؤية "عُمان 2040" وقد تناولتها في مقال سابق باعتبارها ليست قفزة في المجهول، بل امتداد طبيعي لمسيرة حضارية واعية ومستمرة، تستند إلى حكمة الماضي وتستشرف آفاق المستقبل. وتكمن قوة هذه الرؤية في قدرتها على الموازنة بين الحفاظ على الخصوصية الثقافية العمانية وبين الانفتاح على التطوير والتجديد، حيث تضع الإنسان العماني في قلب عملية التنمية، مرتكزة على مبادئ العدالة والاستدامة والتنوع الاقتصادي.
في هذا السياق، فإن العمق الحضاري لعُمان لا يُعد مجرد ماضٍ يُروى، بل هو مورد استراتيجي يُشكل أساس بناء الدولة العصرية، ويعزز من مكانة السلطنة كقوة ناعمة فاعلة في محيطها الإقليمي والدولي. هذا ما جعلني أتناول العمق الاستراتيجي بين السودان وسلطنة عمان.
رغم البعد الجغرافي الظاهر بين جمهورية السودان وسلطنة عمان، إلا أن العلاقات بين البلدين تستند إلى جذور تاريخية وروابط ثقافية ودينية عميقة، تشكّل مع الوقت ملامح عمق استراتيجي واعد يتجاوز الجغرافيا. فعُمان، بسياستها الخارجية المتزنة وانفتاحها الإقليمي، تنظر إلى السودان ليس فقط كشريك عربي وإفريقي، بل كبوابة طبيعية نحو العمق الإفريقي ورافد اقتصادي واستثماري غني. من جهة أخرى، يرى السودان في السلطنة نموذجًا للاستقرار والحكمة السياسية، وشريكًا محتملًا في بناء اقتصاد متوازن في مرحلة ما بعد الحرب. وبين ضفتي البحر الأحمر وبحر العرب، تتقاطع مصالح البلدين في مجالات الأمن البحري، والتجارة، والطاقة، مما يجعل من تعزيز هذا العمق الاستراتيجي ضرورة تمليها تحولات المنطقة ومتغيرات الواقع العربي والدولي.
ترتبط بين السودان وسلطنة عمان علاقات تاريخية تعود إلى عصور التجارة البحرية عبر المحيط الهندي والبحر الأحمر، حيث لعبت عُمان دورًا محوريًا في التجارة الإقليمية، وكانت سواحل السودان الشرقية ضمن مساراتها. كما أن وحدة الانتماء العربي والإسلامي أسهمت في تعزيز الروابط بين الشعبين، من خلال التعليم الديني والتبادل الثقافي، وهو ما مهّد لتفاهم طويل الأمد قلّ نظيره في العلاقات العربية.
رغم أن البلدين لا يشتركان في حدود جغرافية مباشرة، إلا أن موقع السودان المطل على البحر الأحمر، وموقع عُمان على بحر العرب والمحيط الهندي، يجعلان من التعاون البحري واللوجستي بينهما خيارًا استراتيجيًا.
يمكن أن تمثل الموانئ العمانية، خصوصًا ميناء الدقم، منفذًا آمنًا وبديلًا لصادرات السودان في ظل التوترات الإقليمية في البحر الأحمر.
في المقابل، يمكن أن تستفيد عُمان من الأراضي الزراعية الواسعة والموارد الحيوانية والمعدنية السودانية، لتأمين جزء من احتياجاتها الغذائية وزيادة استثماراتها الخارجية.
تتميز السياسة الخارجية العمانية بالحياد الإيجابي والابتعاد عن الاستقطاب، وهو ما يجعل منها شريكًا موثوقًا في جهود دعم السلام والاستقرار في السودان.
أمن البحر الأحمر وبحر العرب، وحرية الملاحة، مسألة حيوية لكلا البلدين، في ظل التهديدات المشتركة مثل القرصنة، والتهريب، والنزاعات الإقليمية.
كذلك، يمكن لعُمان أن تلعب دورًا وسطيًا في دعم الحوار السوداني، بما تمتلكه من تجربة ناجحة في الدبلوماسية الهادئة.
في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة، وتراجع بعض الأدوار التقليدية في المنطقة، تبرز فرصة لعُمان والسودان ليلعبا أدوارًا جديدة على الصعيد الإقليمي والدولي من خلال تحالف يقوم على الاستقرار والمصالح المشتركة.
ويمكن لهذا التعاون أن يمثل نموذجًا لعلاقات عربية خارج الاستقطاب السياسي، مبنية على التنمية لا الهيمنة.
كذلك، لدى السودان إمكانيات تؤهله لأن يكون قاعدة إمداد لوجستي واستثماري لعُمان في إفريقيا، خاصة مع تصاعد التنافس الدولي في القارة.
في المقابل، قد تلعب عُمان دورًا سياسيًا في دعم السودان في المحافل الدولية، واستقطاب الدعم التنموي الخليجي والدولي له.
ويمكننا من خلال عملية تعزيز العمق الاستراتيجي العمل على إنشاء مجلس تعاوني ثنائي يعنى بتنسيق الجهود في مجالات الاقتصاد والتعليم والأمن والاستثمار. حيث إن لدي تجربة في الاستثمار في سلطنة عمان، أتاحت لي فرصة التعرف على الطفرة الاستثمارية والجهود المبذولة في هذا القطاع الحيوي، الذي يعني انفتاح السلطنة في مختلف المجالات الاستثمارية، والتي تتماشى مع رؤية "عُمان ٢٠٤٠" التي تقوم على إزالة المعوقات الجمركية واللوجستية وتسهيل التبادل التجاري بين البلدين، خاصة بعد حرب الكرامة، حيث يحتاج السودان لربط ميناء بورتسودان بميناء الدقم أو صلالة لتسهيل التبادل البحري، خاصة في المنتوجات الزراعية واللحوم السودانية ذات الجودة العالية، والتي تعتمد على المراعي الطبيعية في السودان، مما يجعلها تسويقيًا مقبولة في السوق العماني.
والعمل على دعم الشركات العمانية الزراعية عبر شراكات استراتيجية مع الشركات السودانية دعمًا للأمن الغذائي بين البلدين، خاصة في ظل الفجوة الغذائية في العالم، والجدية في الشراكة المستقبلية.
والعمل على إطلاق برامج إعلامية وثقافية مشتركة لتعزيز الوعي الشعبي بأهمية العلاقات بين البلدين، خاصة وأن هناك قواسم كثيرة مشتركة بين البلدين.
إن بناء عمق استراتيجي بين سلطنة عمان والسودان لا يجب أن يُنظر إليه من زاوية العلاقات الثنائية فقط، بل من منظور أشمل يخدم أمن البحر الأحمر، وازدهار منطقة القرن الإفريقي، واستقرار الخليج العربي.
وفي الوقت الذي تبحث فيه الدول عن شركاء استراتيجيين لا يفرضون الأجندات بل يدعمون المصالح المشتركة، فإن عُمان والسودان مؤهلان لصياغة نموذج جديد للعلاقات العربية يقوم على التكامل بدل التنافس بالرغم من أن عدم الاستقرار السياسي في السودان بعد الحرب يؤثر على ثقة المستثمر العماني، ألا أن هناك ضمانات عديدة يمكن أن يقدمها السودان لعُمان لضمان نجاح الشراكة الاستراتيجية والعمل المثمر في التبادل التجاري المباشر والحاجة إلى تطوير الربط اللوجستي الجوي والبحري والعمل على شركات أخرى متعددة المجالات على المدى الطويل والمتوسط والقصير.
يُعَدُّ البعد الاستراتيجي بين والسودان وسلطنة عمان من المحاور الحيوية التي يمكن أن تُسهم في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، وتدفع بعجلة التنمية المشتركة بين البلدين. إذ تتكامل الرؤى وتتشابك المصالح في مجالات عدة، من التعاون السياسي والاقتصادي إلى الأبعاد الثقافية والأمنية. ومن شأن ترسيخ هذه العلاقات الاستراتيجية أن يُشكِّل نموذجًا ناجحًا للتعاون العربي-العربي القائم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بما يخدم تطلعات شعبي البلدين في مستقبل أكثر ازدهارًا واستقرارًا.