جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-11@11:36:29 GMT

الطاقة السلبية

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

الطاقة السلبية

 

عائشة بنت محمد الكندية

تبدأ صفحات يومياتي، بصفتي جَنَى، في الاكتساب تدريجيًا لحكايات حياتي المليئة بالسكون والرتابة. كفتاة لم تُلق نظرة على ملمح سوى اللون الرمادي، فهو يُعبّر عن كل تجربة مرّت عليها في تلك الأرجاء الصغيرة بين الأشجار، حيث يبدو الزمن هناك كمنظر أسود وأبيض، يتدحرج ببطء مخيف يملأ الأفق بالطاقة السلبية والتعاسة، حتى أتى اليوم الغامض، الذي حول حياتي رأسًا على عقب بطريقة لم أكن أبدًا أتوقعها.

وصفت جنى حياتها بأنها كزجاج مكسور يتناثر في كل اتجاه، وتتشتت قطعة قطعة في كل مكان بحيث لا يمكن جمعها وإعادة تركيبها، وكان من الصعب العثور على أي أمل للتغيير أو الاستمرار، وكأنها لم تجد وسيلة لتجميع تلك القطع المتناثرة من الزجاج. ومع ذلك، كانت تحمل بداخلها بصيصًا من الأمل، فقد أرادت توجيه طاقاتها وتغيير أسلوبها نحو الأفضل، وتغيير نظرتها للحياة لترى جمالها وسط هذا التشتت والفوضى.

كانت جنى تعمل في مؤسسة خدمية صغيرة تعج بضجيج المراجعين ونقاشات الموظفين، وتحديات التعامل معهم والتكيف مع كل ما هو جديد. كل هذه العوامل كانت تؤثر على حياتها بشكل كبير، وتجعلها تواجه العديد من التحديات. لكن، على الرغم من أنها كانت تسعى دائمًا لتغيير نظرتها ومُواجهة التحديات بإيجابية، إلا أنها وجدت نفسها مرة بعد أخرى تعود خطوة للوراء بسبب الانتقادات السلبية المتكررة التي كانت تتلقاها. هذه الانتقادات كانت ترسل كرسائل سلبية، تقول لها إنها غير كفؤة وأن تطلعاتها وأحلامها لا تجدها مكانًا في هذا العالم.

جنى بذلت جهودًا جادة ومتكررة في محاولة تغيير الانتقادات والتعليقات السلبية التي وجهت إليها من قبل بعض زملائها في العمل، ولكن دائمًا ما فشلت محاولاتها بسبب عدم رغبتهم في تغيير وجهة نظرهم. هذا الوضع المرهق يعكس الشعور بالإحباط، وفقدان الرغبة في الحضور إلى العمل، وتراجع الإبداع والابتكار والنمو الشخصي. وقد اعترفت جنى بأنهم نجحوا في تهميشها وتجاهل إنجازاتها من خلال تصرفاتهم المتكررة والرسائل التي بعثوها، مما جعلها تفقد شغفها في العمل.

مع ذلك، لا يزال هناك أمل في فهم سبب ذلك وتفسير ردود فعلهم، حتى تمكنوا من الوصول إلى تفسير لوجود شخص لم يتقبل فكرة أن تكون "جنى" مبدعة وملهمة، وبسبب الأنانية، نجحوا في إزاحتها جانبًا ونشر الفوضى والسلبية لتجعلها شخصًا بلا حيوية ولا تحدٍ. حياة "جنى" أصبحت أكثر سلبية بسبب طموحاتهم وغيرتهم في محيط العمل وتأثيره على الأداء وروح الفريق. بينما كانت تعمل بروح جماعية مع زملائها، قررت أنه يجب عليها إجراء تغييرات، ومع كل محاولة للتغيير، شعرت بالإحباط لعدم فاعليتها، فكل مرة ينجحون في إقناعها بشيء يؤثر سلبًا على حياتها الشخصية.

تبادر لذهنها مقولة جميلة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في كتاب قصتي "لا أحب الوشاة والنمامين، يفسدون قلبك، ويوغرون صدرك على النَّاس، ويحطمون المعنويات في المؤسسات، ويقللون من حجم الإنجازات، ويركزون فقط على السلبيات".

وفي غمرة اللحظات التي تبدو فيها الظروف ضاغطة والمعوقات متعددة، لم تتبدل جنى؛ بل استحكمت واستقامت، تحلو بالصمود والثبات كالصخرة القاسية في وجه هبوب الرياح العاتية. كانت تنغمس بعمق في عالم الكتب، تبحث دون كلل عن الحلول والمصادر التي قد تلتقط بصيصا من الأمل، وتقربها أكثر من مبتغاها.

كانت ذات يوم تضع قطعًا من العود الفاخر عند باب مكتبها، لتعطي تلك الروائح الهادئة والجذابة إشارة لكل من يعبر عتبات ممرها، أنها قلبٌ ينبض بالتفاؤل والطموح، متلهفًا لمشاركة هذا الإيقاع الإيجابي مع الآخرين.

ومن بين لفتات الصدف الجميلة التي أرسلتها الحياة لها، كانت الموظفة الجديدة، التي أتت كنور في سماء في أيامها المظلمة، تنبعث منها الحيوية والتفاؤل، فكانت جنى تجد في حديثها وابتسامتها ملاذًا منعشًا، يبعث في قلبها نسمات الأمل والحماس.

تعرفت جنى على شخصيات مبهجة وملهمة، من خلال برنامج "على الطاولة"، والذي يقدم على إذاعة رأس الخيمة حيث رأت في كل ضيف يمر على البرنامج قصةً  يرويها، وخبرة تتسلل إليها كأمواج البحر تحمل معها أسرار الحياة ودروسها.

كانت جنى تحتاج إلى لحظات هدوء وتأمل، في هذا العالم المليء بالضوضاء والضغوط، فوجدت في رياضة المشي وفي لمحات الصباح الهادئة متنفسًا لروحها المتعبة، ووقودًا لنيران الأمل التي لا تنطفئ أبدًا.

وكلما اقتربت جنى من تلك الأروقة المظلمة، زاد تألقها وتميزها، حيث برزت في عالم الإبداع والتميز، متحدية الصعاب وتحديدًا الحياة، بكل ما تحمله من عراقيل وتحديات.

بالفعل، كانت جنى تدرك تمامًا أهمية الإيجابية والتفاؤل في تغيير مسار الحياة، وقوتهما في نحت النجاح وتحقيق الأهداف، فتساءلت في لحظات تأمل: كيف يمكن لهذه الطاقة الإيجابية أن تصنع معجزات داخل بيئة العمل؟ وكيف يمكن للتفاؤل المُصرّ على النجاح أن يمهد الطريق نحو تحقيق الأحلام؟

وكأنما كلمات السرد تمتد لترسم لوحة فنية بألوان الأمل والتحدي، تتشابك فيها خيوط الصمود والإيمان بالتغيير، وتتراقص أمام عيون القارئ كأغنية جميلة تجسد رحلة النضج والتطور. إنها قصة جنى، التي انطلقت بصمود من واقع يبدو عابسًا ومُظلمًا، لتلتقط بين أناملها شعاعًا من الضوء، يحمل معه وعدًا بغدٍ مشرق.

في نهاية هذه الرحلة الروحية، تتساءل جنى بين الفكر والتأمل، عن مدى تأثير الإيجابية والإصرار في تغيير حياة الفرد في بيئة العمل. فقد وجدت في رحلتها الصعبة دروسًا عظيمة، تُعلمها أن الإيمان بالتغيير وقدرة الإرادة على تحقيق الأهداف، يمكن أن يكونان دافعًا قويًا لتحطيم الحواجز وتحقيق النجاح المستدام.

وهكذا.. ترسو خاتمة قصة جنى على شواطئ التحدي والأمل؛ حيث تنبعث روحها المثابرة والإيجابية كنجمة منيرة في سماء الحياة. وبينما تستمر في رحلتها، تعلم جنى أن الطاقة الإيجابية تمثل قوة لا تُقهر، قادرة على تغيير حياة الفرد وبيئته المحيطة، وأنه بالتعاون والثقة والتفاؤل، يمكن لكل شخص أن يبني لنفسه مستقبلًا مشرقًا ومليئًا بالإنجازات والسعادة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزيرة التخطيط تُشارك في ورشة العمل الإقليمية لإدارة الديون لعام 2025 التي تنظمها «الإسكوا»

شاركت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، في ورشة العمل الإقليمية للمجموعة العربية لإدارة الديون لعام 2025، التي تعقد يومي 8 و 9 سبتمبر، وتنظمها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الإسكوا»، بالتعاون مع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة «أونكتاد»، والتي يشارك فيها العديد من واضعي السياسات وخبراء في إدارة الديون لمناقشة تعزيز استدامة الديون، وتطوير أسواق رأس المال المحلية، والوصول إلى أدوات التمويل المبتكرة، مثل السندات ومبادلات الديون، ومتابعة الأولويات الإقليمية بعد نتائج مؤتمر تمويل التنمية.

وفي كلمتها- التي ألقتها عبر الفيديو- أكدت الدكتورة رانيا المشاط، أن مصر تتبع نهجًا ورؤية واضحة من أحل تعزيز استدامة معدلات النمو الحقيقية من خلال إصلاحات اقتصادية مستمرة لتتجاوز تكلفة الاستدانة، موضحة أن معدلات النمو تجاوز 5% في الربع الأول من العام المالي الجاري ونتوقع أداءً قويًا حتى نهاية العام المالي الجاري.

كما أشارت إلى التوسع في برنامج مبادلة الديون من أجل التنمية والعمل المناخي مع ألمانيا وإيطاليا والصين، والاستفادة منها في إعادة توجيه الالتزامات نحو القطاعات ذات الأولوية، بما في ذلك الصحة والتعليم والاستثمارات الخضراء، موضحة أن جهود الدولة في وضع سقف للاستثمارات العامة يؤثر إيجابًا على مستويات الدين ويعزز كفاءة تخصيص الموارد.

وأوضحت الدكتورة رانيا المشاط، أن مصر أثبتت في المنطقة في مجال التمويل الأخضر، من خلال إصدار أول سندات خضراء سيادية بقيمة 750 مليون دولار، إلى جانب ذلك فقد جاءت المنصة الوطنية لبرنامج «نُوفّي»، والذي يُعزز جهود ترسيخ مفهوم التمويل المبتكر والمختلط في مصر من خلال حشد الاستثمارات المناخية، حيث استطعنا من خلاله حشد نحو 5 مليارات دولار للقطاع الخاص لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة، ليصبح البرنامج نموذجًا للمنصات الوطنية القائمة على آليات التمويل المختلط والمبتكر لحشد استثمارات القطاع الخاص.

من جانب آخر، تطرقت الوزيرة، إلى إطلاق الاستراتيجية الوطنية المتكاملة لتمويل التنمية، التي تتضمن مختلف آليات التمويل المبتكر وآليات حشد الموارد التمويلية المحلية والخارجية، والتي تتضمن قطاعات رئيسية هي التعليم والصحة والحماية الاجتماعية وتمكين المرأة والمياه، كمجالات أساسية لتسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

كما طالبت الدكتورة رانيا المشاط، مؤسسات التمويل الدولية والمجتمع الدولي بالتوسع في آليات التمويل المختلط لزيادة استثمارات القطاع الخاص وتحفيزه على ضخ الاستثمارات خاصة في الدول النامية والناشئة.

وأكدت الوزيرة ترحيب مصر باستضافة «نادي المقترضين» الذي تم طرحه خلال مؤتمر تمويل التنمية بإشبيلية، ليكون منصة لتبادل الخبرات والممارسات بين الدول المدينة وتنسيق الجهود المشتركة من أجل تعزيز إدارة الديون المستدامة.

مقالات مشابهة

  • خالد حنفي: 500 مليار دولار حجم مشروعات إعادة الإعمار التي تستهدفها مبادرة عربية - يونانية جديدة
  • بالفيديو.. ياسر مدخلي لـ"ياهلا بالعرفج": مسرح الخشبة هو الحياة الموازية التي نتمناها ونبحث عنها ونصلح فيها ما نعجز عن إصلاحه في الحياة!
  • مشروب طاقة يهدد الحياة: رجل في الخمسينيات يصاب بسكتة دماغية مفاجئة!
  • افتتاحية.. تكنولوجيا العمل التي لا تنتظر أحدا
  • زيلنسكي: مستعدون لهدنة في مجال الطاقة إن كانت روسيا مستعدة لذلك
  • الفأرة التي في أيدينا.. كيف كانت وكيف أصبحت؟
  • بين مطرقة المستقبل وسندان الأمل.. هل أختار الدراسة أم العمل؟
  • قدم الان.. وظائف خالية بوزارة الكهرباء 2025
  • عادات يومية يمكن أن تطيل العمر وتحسن جودة الحياة
  • وزيرة التخطيط تُشارك في ورشة العمل الإقليمية لإدارة الديون لعام 2025 التي تنظمها «الإسكوا»