أفلام الصدمة والأزمات في السينما الإسرائيلية
تاريخ النشر: 26th, July 2023 GMT
تقدم رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير الحساء إلى وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر وهما يجلسان على طاولة في المطبخ. تذكِّره مائير بأصوله اليهودية ومسؤوليته تجاه الشعب اليهودي، فيرد عليها قائلا إنه مواطن أميركي أولا ثم وزير خارجية ثانيا ويهودي ثالثا، فترد عليه سريعا بأنهم في إسرائيل يقرؤون من اليمين إلى اليسار.
وتستمر الحوارات والنقاشات بين مائير وكيسنجر، ويختلط فيها ما هو سياسي وعسكري بما هو شخصي وإنساني إبان حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 في فيلم "غولدا" للمخرج الإسرائيلي غاي ناتيف، إنتاج عام 2023.
الفيلم عُرض بافتتاح مهرجان القدس السينمائي الذي أقيم مؤخرا في دورته لهذا العام 2023، وهو إنتاج أميركي بريطاني، ويقدم رواية سياسية وتاريخية جديدة تنضم لسلسلة الأفلام التي تناولت الأحداث السياسية والعسكرية المفصلية في تاريخ إسرائيل. ولا يقدم سيرة ذاتية لهذه السياسية العمالية (مائير) بقدر ما يركز تحديدا وبشكل حصري على دورها في حرب أكتوبر.
والجديد في هذا الفيلم أنه يأتي بالتزامن مع حدثين كبيرين في إسرائيل أولهما الأزمة السياسية التي تموج بها من مظاهرات وغضب عارم بسبب قانون الإصلاحات القضائية، وثانيا هو الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر التي تحل ذكراها بعد أشهر قليلة.
وقد حاولت الممثلة البريطانية هيلين ميرين، التي قامت بدور مائير، أن تواكب حالة الحشد والغليان الشعبي في إسرائيل وأطلقت عدة تصريحات تتضامن فيها مع المحتجين قائلة إن مشروع القانون الإسرائيلي إنكار للقيم وتبدل تام ويمهد لصناعة الدكتاتورية.
ولم تكتف ميرين بهذا، وإنما تقمصت أيضا شخصية مائير في الواقع معتبرة أن مثل هذه الخطوة الحكومية الإسرائيلية تنكر لميراث مائير التي دافعت عن المثاليات، على حد زعمها. الأمر ذاته فعله المخرج، واستدعى مواقف مائير قائلا إنها لو كانت على قيد الحياة ورأت ما يحدث لعادت للقبر.
رغم شهرة الممثلة البريطانية والمخرج، وكلاهما حائز على جائزة الأوسكار، فإن الفيلم لم يلق ترحيبا لدى النقاد الغربيين والإسرائيليين. وبدأ الجدل فور الإعلان عن تصويره واستنكار عدم قيام ممثلة يهودية بدور مائير. وبذلك اهتزت رمزية ميرين التي ارتبطت في أذهان المشاهدين بالملكة البريطانية إليزابيث الثانية حيث جسدت دورها سابقا بفيلم الملكة الشهير للمخرج البريطاني ستيفن فريزر وإنتاج عام 2006، وكان من الممكن أن تحمل معها الرمزية ذاتها في هذا الفيلم لتضفي على مائير هالة الهيبة الملكية في أذهان المشاهدين.
الاستقبال الفاتر للفيلم حتى الآن قد ينعكس على الإقبال الجماهيري عليه، بعد أن يقدم في دور العرض الإسرائيلية وحول العالم بعد أشهر قليلة. ومن غير الواضح مدى نجاح القائمين عليه في أن يتمكنوا من استغلال الوضع السياسي الحالي لصالحهم من أجل ترميز مائير كنقيض تاريخي لمسار رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو.
شعور الصدمة في السينما الإسرائيليةينتمي فيلم "غولدا" إلى سينما ما بعد حرب أكتوبر، وهي أفلام تختلف في خصائصها عن تلك التي أُنتجت قبل الحرب. فهناك تقسيم متعارف عليه للسينما الإسرائيلية إلى مرحلتين:
إحداهما قبل حرب أكتوبر والتي كانت تجنح نحو التفاخر بالقدرات العسكرية الإسرائيلية خاصة بعد هزيمة العرب عام 1967، والثانية بعد حرب أكتوبر وهي تميل إلى القصص الإنسانية والرمزية واستجلاب التعاطف بعيدا عن روح النصر والفخر مثل فيلم "يوم القيامة" للمخرج الإسرائيلي من أصول عراقية جورج أوفاديا إنتاج عام 1974، والذي يعرض لقصة مدير فندق إسرائيلي ترك زوجته وأولاده وهاجر إلى الولايات المتحدة، ثم عاد ليشارك في الحرب ويصاب بجروح ويحتاج إلى نقل دم توفره له ابنته المتطوعة في المستشفى.
ومن المثير للانتباه أن أفلام المرحلة الثانية أقل بكثير من المرحلة الأولى رغم مرور نصف قرن الآن على اندلاع هذه الحرب. ويعزو النقاد الإسرائيليون هذا إلى شعور الصدمة الوطنية الذي لا يزال يرافق الإسرائيليين عند ذكر كل ما يتعلق بحرب أكتوبر، ومن ذلك الإنتاج السينمائي. وهو شعور مناقض للرواية السياسية والعسكرية لإسرائيل التي ترى أنها قد انتصرت عسكريا وسياسيا في حرب 1973، ولكنه انتصار باهظ الثمن خلَّف مئات القتلى والآلاف من الجرحى، واستدعى تحقيقا موسعا عرف باسم لجنة أغرانات والتي مثلت أمامها مائير، وقد تناولها الفيلم.
ومن هنا يمكن وضع فيلم "غولدا" كأحد أفلام الهزيمة الإسرائيلية. والهزيمة هنا ليست بالمعنى السياسي أو العسكري بقدر ما هو تعبير وصفي لحالة الإنتاج السينمائي المرتبك الذي يعزوه الإسرائيليون للصدمة، وهو مناقض لحالة الإنتاج السينمائي المعبر عن النصر والفخر. والحديث هنا محصور في الأفلام التي تتناول الصدمات والحروب الإسرائيلية فقط، من دون التوسع في بقية الأفلام الإسرائيلية.
ورسالة الفيلم الملتبسة يفسرها كتاب "السينما الإسرائيلية المعاصرة.. الصدمة والأخلاق والزمان" الصادر هذا العام في بريطانيا للبروفيسور الإسرائيلي راز يوسف الذي يرى أن هناك تراكما للصدمات في نفسية الإسرائيليين بسبب الحروب المتوالية وبسبب الهولوكوست أيضا.
وهذه الصدمات -من وجهة نظر الكاتب- منفصلة عن الذاكرة الوطنية الجماعية، ولا تجد سبيلا للتعبير عنها سوى عبر الإطار الشخصي والذاتي، ولهذا مثلت السينما المتنفس الذي تخرج فيه هذه الصدمات.
وضرب الكاتب مثالا بحرب إسرائيل في لبنان، وكيف تجلت مشاعر الصدمة في فيلم "فالس مع بشير" من سيناريو وإخراج الإسرائيلي آري فولمان وإنتاج عام 2008، وهو مأخوذ عن كتاب "فالس مع بشير.. قصة لبنان". وفيه يروي فولمان سردية درامية متقاطعة مع سيرته الذاتية والتي تعبر عن نظرة الجنود الإسرائيليين لمذبحة صبرا وشاتيلا، وكيف أنها سببت لهم صدمة لم يتجاوزوها بعد أكثر من ربع قرن على وقوعها، كما ينتقد قرار القيادة الإسرائيلية اجتياح بيروت ومحاصرة المخيمات.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: إنتاج عام
إقرأ أيضاً:
«المؤتمر السوداني» يحذر من انهيار كامل لمشروع الجزيرة
حزب المؤتمر السوداني طالب بحلول إسعافية عاجلة لإنقاذ الموسم الشتوي بمشروع الجزيرة من الفشل المبكر.
مدني: التغيير
حذر حزب المؤتمر السوداني- ولاية الجزيرة، من بوادر انهيار كامل لمشروع الجزيرة الذي يمثّل العمود الفقري للاقتصاد الوطني والضامن الأساسي للأمن الغذائي لملايين السودانيين.
وقال القطاع الزراعي بالحزب في بيان، إنه ظل يراقب ومنذ سنوات مسار التدهور المتسارع في المشروع وفي كامل منظومة الري، حيث تتزايد معاناة المزارعين وتفقد القرى قدرتها على الصمود، “بينما تنشغل سلطة الأمر الواقع بسياسات قصيرة النظر تفتقر إلى المهنية والشفافية وتُدار عبر التمكين والمحسوبية لا عبر المؤسسات الفنية والفرق الهندسية”.
وأكد أن غياب الرؤية والإرادة السياسية الحقيقية “أدى إلى تفكك الإدارة الزراعية وخروج الكفاءات من مواقعها وتراكم الأعطال في قنوات الري وغياب الصيانة الدورية خلال فترة العامين وانهيار البنية التحية الحيوية للمشروع”.
وأشار إلى أن الموارد المالية التي كان من المفترض أن تُوجَّه لعمليات التأهيل والإصلاح ذهبت في غير مواضعها لدعم الحرب وغيره، مما أدى إلى تراجع المساحات المزروعة وانخفاض الإنتاجية بصورة غير مسبوقة وإفقار آلاف الأسر التي تعتمد على الزراعة كمصدر رزق وحيد.
واعتبر الحزب أن ما حدث لمشروع الجزيرة ليس نتيجة الظروف وحدها “بل هو نتيجة مباشرة لسياسات خاطئة ظل يمارسها نظام الحركة الإسلامية منذ مجيئه للسلطة وغياب وسوء إدارة ممنهج وإهمال متعمد للصيانة وتفكيك للمؤسسات التي كانت تحفظ للمشروع توازنه وقدرته على الإنتاج”.
ووصف أزمة الري الراهنة بأنها تمثل قلب المشكلة الآن في الموسم الشتوي مع غياب الآليات لإزالة الحشائش وغيره، وقال إن “هذا إنذار وفشل مبكر للموسم ولابد من حلول إسعافية الآن”.
وناشد الحزب المنظمات العاملة في المجال الزراعي كمنظمة الفاو وغيرها لإيجاد حلول لهذا الأمر، وأكد أن الحلول الجذرية تتطلب رؤية متكاملة تقوم على إعادة تأهيل القنوات الرئيسية والفرعية وإزالة الإطماء بصورة منهجية.
ودعا جميع أبناء وبنات ولاية الجزيرة من مزارعين وعمال وخبراء وتنظيمات مدنية إلى التوحد في مواجهة هذا التردي الخطير والوقوف صفاً واحداً من أجل استعادة المشروع ودفعه نحو مستقبل يليق بتاريخه وبما قدمه للسودان.
وأعلن الحزب التزامه بالعمل مع كل الأطراف التي لديها المصلحة من أجل دفع عملية الإصلاح ولكل من أراد أن يضع خبراته وعلاقاته في خدمة مشروع وإنسان الجزيرة ومزارعيه.
الوسومالحرب السودان الموسم الشتوي حزب المؤتمر السوداني قنوات الري مشروع الجزيرة منظومة الري نظام الحركة الإسلامية ولاية الجزيرة