جريمة نبش القبور الأدبية: عندما نصحو على فضائح الراحلين.. !
تاريخ النشر: 22nd, May 2025 GMT
في زمنٍ اختلط فيه الترفيه بالإعلام، وتحول النقد إلى حفريات في مقابر الرموز، بات من المألوف أن نصحو على "فضيحة جديدة" من حياة راحلٍ عظيم، وكأن الأموات لم ينالوا ما يكفيهم من الإنهاك في حياتهم، حتى يأتي دورنا لنُكمِل عليهم بعد مماتهم.
من عبد الحليم حافظ إلى سعاد حسني، من أم كلثوم إلى جمال عبد الناصر، أصبحنا في زمن لا يبحث عن حقيقة، ولا عن تاريخ، بل عن شبهة، وصورة، و"بوست" قابل لإعادة التدوير في ساحة المحكمة الكبرى المسماة: وسائل التواصل الاجتماعي.
في هذا المقال الساخر - الجاد في مرآته - أكتب بمرارةٍ وغضب، وشيءٍ من السخرية النبيلة، عن هوايتنا القومية الجديدة: نبش القبور.. هوايتنا القومية الجديدة!
من عجائب هذا الزمان أن تتحوّل الكتابة إلى حفّار قبور، وأن يرتدي القارئ عباءة "النيابة العامة" في محكمة التاريخ، لا لشيء سوى محاكمة الموتى بتهمٍ لم تُسجَّل في دفاترهم ولا على شواهدهم. بات النقد عندنا أقرب إلى برنامج فضائحي لا يحتاج إلا إلى "بوست" مفبرك، أو فيديو مجتزأ، وتغريدة منسيّة يُعاد تدويرها تحت عناوين مثيرة: "السر الذي أخفاه عبد الحليم"، أو "صندوق أسرار أم كلثوم"، أو "من كان ناصر يخشاه؟".
في بلادنا، لا تكتمل مائدة الإفطار إلا بصحنٍ ممتلئٍ بفضائح قديمة، ومعلّبات من حياة الراحلين. أصبح لدينا طقسٌ جديد أشبه بمراسم عاشوراء، لكن بدلاً من اللطم، نحن "ننبش" ونحلل ونتساءل: هل تزوّج عبد الحليم حافظ من سعاد حسني؟ هل كان جمال عبد الناصر يعرف من كتب البيان الأول؟ هل كانت أم كلثوم ترتدي نظارتها الشمسية لتُخفي دمعة حب أم سخطاً سياسياً؟
جيلٌ بأكمله - بعضه لم يُولد بعد، أو كان لا يزال يرضع من ثدي الإعلام الرسمي - يتقمّص الآن دور المحقق كونان، لكن بمصادره الخاصة: "قرأت بوست"، "شاهدت فيديو على تيك توك"، "قال لي أحدهم في المقهى". تحوّل التاريخ إلى مساحةٍ للثرثرة، والأعراض إلى فقراتٍ للترفيه، والسيرة الذاتية إلى فقرةٍ مسلية قبل النوم.
نحن لا نقرأ، نحن نتلصص. لا نبحث عن الحقيقة، بل عن الإثارة، عن الشبهة، عن صورة تُستخدم كدليل إدانة في محكمة فيسبوك الكبرى.
ربما تكمن المشكلة في تعريفنا للبطولة والقدوة. حين يغيب المشروع الجماعي، يصبح كل فرد مشروع قاضٍ، أو بالأحرى مشروع مؤرخ حَشري، يحشّ في سيرة العظماء، ويشكك في كل شيء: هل كتب نزار قباني أشعاره وحده؟ هل ماتت أمينة رزق عذراء فعلاً؟ هل كان توفيق الحكيم مؤمناً بالله أم فقط بالريجيم؟
نعيش عصر "ما بعد القبر". مات عبد الناصر؟ لنفتّش في مراسلاته مع هيكل. ماتت سعاد؟ فلنبحث عن صورة لعقد الزواج.. ! غاب عبد الحليم؟ لنُكمل ما بدأته الصحف الصفراء: من دفن أسراره؟ ومن نكأ الجراح؟
الفلسفة هنا أن الحياة لم تعد تُرضينا، فنبحث عن الإثارة في الموتى. السياسة مملة، الاقتصاد موجع، والواقع شحيح.. فلا بأس من إثارة الغبار فوق رفات من رحلوا.
لكن مهلاً، أليس هذا إرثاً ثقافياً متجذّراً؟ ألم يبدأ كل شيء منذ جلسات النميمة الريفية تحت ضوء القمر، حين كان الناس يتحدثون عن من هربت مع من، ومن تزوّج سراً، ومن أكل "ورقة الطلاق"؟ الفرق الوحيد الآن أن القمر أصبح شاشة هاتف، والقرية تحوّلت إلى قريةٍ افتراضية.
في النهاية، قد نُصاب بشللٍ فكري. فمن يبحث عن فضيحة لا يصنع بطولة، ومن يُفتّش في أوراق الأمس لا يكتب سطور الغد.
فلندع عبد الحليم يغني، وسعاد تضحك، وناصر يحلم، ولتَنَم قبورهم في سلام، لأنهم - على الأقل - حاولوا أن يحيوا في زمنٍ كان يستحق الحياة.
أما نحن، فنحيا لنحاكم الأموات!
ولعل أصدق ما في هذه السخرية أنها كُتبت بمداد الغضب لا الهزل. ففي زمنٍ كهذا، وحدها الكتابة الساخرة تصلح مرآةً لعقلٍ مأزوم.. .أو وطنٍ يعيد تدوير ماضيه في سوق النميمة!
محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية
[email protected]
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: عبد الحلیم فی زمن
إقرأ أيضاً:
ابن شقيق عبد الحليم حافظ: سعاد حسني ست الكل وشرف لكن محصلش زواج
علّق محمد شبانة، ابن شقيق الراحل عبد الحليم حافظ، على بيان أسرة العندليب الذي صدر اليوم، بعدما تعرضت الأسرة لهجوم شديد خلال الأيام القليلة الماضية، عقب كشفها عن خطاب قالت إنه يثبت عدم زواج الراحل عبد الحليم حافظ والراحلة سعاد حسني، وهو ما نفته شقيقتها جانجاه. وقال: "بيان اليوم كان توضيحي، وذكرنا فيه كل التفاصيل، وقلنا إن الفنانة سعاد حسني لا نقصد الإساءة لها، لكن قصدنا نقول إنه حب لم يكتمل بزواج، وقلنا كل ما هو منطقي، وتساءلنا: لو قلتوا فيه زواج، هاتوا العقد ونكشف صحته لدى خبير؟ ولو حتى طلع مزيف، مش هنقاضيكم، لكن علينا التوقف في الحديث عن هذا الأمر".
شقيقة سعاد حسني: الجواب لا توجد فيه أي إشارة للراحلة
فراغ.. رانيا محمود ياسين تعلق علي جواب سعاد حسني لـ حليم
محمد شبانة: عبد الحليم حافظ لم يتزوج سعاد حسني.. والإشاعة ظهرت بعد 17 سنة من وفاته
شقيقة سعاد حسني: حب حياتها كان علي بدرخان وتزوجت بعد عبد الحليم 3 مرات
وتابع، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية لميس الحديدي في برنامج "كلمة أخيرة" على شاشة ON: "نكنّ كل الحب والاحترام للفنانة سعاد حسني وندافع عنها حتى أكثر من أسرتها. صحيح كان فيه حب، لكن لم يُكلل بزواج".
وحول توقيت ظهور الخطاب، قال: "أثناء ترتيب الكتب المملوكة لعبد الحليم حافظ، بما فيها من إهداءات، وجدنا الخطاب وسط الخطابات، وكان بخط يدها. مش قصدنا نسيء، إنما نوضح إنه حب لم يُكلل بالنجاح، وإنها كانت علاقة عفيفة شريفة، علاقة حد بيوصل حد لبر الأمان، مش أكتر من كده".
وأردف: "لا نقصد الإساءة لها بل ندافع عنها، ولو قلنا إن العقد مزيف، فده دفاعًا عنها من أي شخص يريد التشهير بسمعتها وسمعة الراحل العندليب عبد الحليم حافظ".
وانتقد الحديث عن زواج عرفي لمدة ست سنوات قائلاً: "الحديث عن زواج عرفي ست سنوات، كيف سيحدث؟ معقول كل الفترة دي محدش يعرف؟ حتى الإعلامي مفيد فوزي قال في آخر حوار له، إنه لم يتزوج لأنه كان يعاني من بعض الأمراض".
وقال: "سعاد حسني ست الكل وشرف، وأي حد في الدنيا يتمنى يتزوجها، ولو كان صحيح، هنبارك ونتشرف، لكن ما حصلش".
وحول التسجيلات الصوتية، قال: "لدينا بالفعل تسجيلات صوتية لعبد الحليم حافظ، بيقول فيها إن حبيبته سعاد وصلها لبر الأمان، لكن الحب شيء والزواج شيء آخر. والتسجيلات تحمل كل شيء، حتى السيدة التي اعتبرها حب حياته، وتمنى الزواج منها، وحزن عليها بعد وفاتها، ولبس دبلتها لآخر يوم".
وعن مصير التسجيلات، قال: "أعطيناها لشركة محترمة جداً تعمل على إنتاجها في شكل برنامج درامي يسرد حياته من بدايتها حتى نهايتها، ودراسته، وكل شيء، وعلاقته بعبد الناصر والسادات، كل شيء قاله".
وعن التوقيت، قال: "عند الانتهاء منها، سيكون موعد صدورها إما في ذكرى ميلاده أو وفاته بحسب التوقيت حينها".