خالد الشناوي يكتب: عاتكة .. حالة من التمرد على ترمل النساء
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
إنها عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية .
كانت امرأة فائقة الحسن والجمال، شاعرة، أديبة وخطيبة مفوهة.
أوتيت من الجمال شطرا كبيرا، فكان جمالها ملفتاً للأنظار،إذا حضرت بين الناس يشار إليها بالبنان،واذا غابت لم تفتقد .
وكم اشرأبت أعناق الرجال للتقدم إليها وخطبتها ومن ثم الزواج بها، ولكنها رغم ما أوتيت من جمال كبير ومكانة بين قومها كانت طموحة فلم ترض بالدون من الناس!
تسابق الرجال طالبين قربها.
ولكن عاتك كانت واثقة في نفسها وبما حباها الله من مقومات الشخصية الفريدة التي تجعلها في الصدارة وفي مقدمة الركب .
وهذه الزاوية الفكرية ترد وتفند وتدحض مزاعم القائلين بأن المرأة في بداية عهد الإسلام كانت مضطهده وكانت مرغمة ومجبرة على الزواج ممن لا تحب ولا ترضى!
بل عرف الاسلام للمرأة حقوقها وبسط لها امتدادا لرأيها،وجعل لها الإرادة المستقلة طالما لم تخالف شرعاً ولا عرفا.
فمن حقها أن تحلم ومن حقها أن تختار شريك حياتها وفارس أحلامها ومن حقها أن تنغمس في مجتمعها عملا وريادة،مشاركة وتطلعا.
ولم يك جمال المرأة في الإسلام شماعة لحبسها عن المجتمع بذريعة الفتنة بل عرفنا كيف أن المجتمع حينذاك وقف على حدوده متمسكاً بفلسفته السلوكية من خلال وازعه الديني والعرفي والاخلاقي .
وكيف أن المرأة كانت أديبة وشاعرة وطبيبة وخطيبة للنساء ومفتية لهن فلم تك محصوره أو حبيسة جدران منزلها .
بل عرفت المرأة في عصر النبوة وما تلاه برجاحة عقلها وقدرتها على الانغماس المجتمعي وتأثيرها بالايجاب .
بل نقرر حقيقة هامة وهى أن المرأة عبر تاريخ البشرية الكبير والحافل بالعطاء كانت ولا تزال رمزاً للعطاء والمشاركة السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فلم تك بمعزل عن قضايا أمتها ورفعة أوطانها .
وبتصفح بطون الكتب نرى كيف أن عاتكة قد انتهت لبيت عريق هو من أشراف قريش في العزة والكرامة والمكانة فأبيها هو الباحث عن الحقيقة والفار بفطرته السوية"زيد بن عمرو بن نفيل" الذي لم يشارك قريش في عبادتها للأوثان،ولم يسجد لصنم من الأصنام،بل اختار الفطرة السليمة طريقاً ومسلكا فظل على عقيدته الصافية لم تغيرها الدواخل والخوارج إلى أن مات قبل بعثة النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام وبشر النبي بمقعده في الجنة وشقيقها هو الصحابي الجليل سعيد بن عمرو بن نفيل زوج السيدة فاطمة أخت سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عن الجميع .
تدور الأيام دورتها ويتقدم عبدالله بن أبي بكر الصديق لخطبة عاتكة فتعلن موافقتها ويعقد قرانها ويدخل بها ،ويعيش الزوجان في حياة سعيدة هانئة إلى أن يحدث مالم يحمد عقباه فينشغل عبدالله بمساهرة عاتكة وحلو حديثها مما حبسه في يوم من الأيام عن صلاة الجمعة!
فيعلم الصديق أبو بكر بذلك فيغضب ويأمر عبدالله أن يطلق عاتكة خوفاً عليه من الركون لجمالها افتتانا مشغولاً عن فرائض الشرع الحنيف .
وقد يتبادر إلى الذهن السؤال كيف للأب أن يجبر الإبن على طلاق زوجته وهل يحق له ذلك؟
وللإجابة عن ذلك نقرر: إنها المدرسة المحمدية الجامعه التي تطرح الحلول الموضوعية والمنطقية والمبادرات من أجل الدواء الناجع وقد يكون في الفطام شيئاً قليلاً ما يصلح النفس إصلاحا كبيرا .
وبالفعل طلق عبدالله عاتكة محاولا نسيانها ولكن كل محاولاته باءت بالفشل وفي ليلة ظلماء إذا بالصديق يستمع إلى ابنه يرتجل أبياتا من الشعر شاكيا مر الفراق والقطيعة قائلاً:
أَعَاتِـكُ لَا أَنْسَاكِ مَـا ذَرَّ شَارِقٌ
وَمَا نَاحَ قَمَرِيُّ الحَمَامِ المُطَـوَّقُ
أَعَاتِـكُ قَلْبِي كُــلَّ يَــوْمٍ ولَـيْــلَةٍ
إِلَيكِ بِمَــا تُخْفِي النُّفُوسُ مُعَلَّــقُ
لَهَا خُلُقٌ جَزْلٌ وَرَأْيٌ ومَنْصبٌ
وَخَـلْقٌ سَوِيٌّ فِي الحَيَاءِ مُصَدّقُ
وَلَمْ أَرَ مِثْلِي طَلَّقَ اليَــوْمَ مِثْلَهَا
وَلَا مِثْلُهَــا فِي غَيْرِ جُرْمٍ تُطَلّـَقُ
يرق أبو بكر الصديق رضي الله عنه لابنه العاشق فيأمره بمراجعة زوجته فيفرح الإبن لذلك أيما فرح ويعود الحبيبان إلى منزل الزوجية في حياة سعيدة وهكذا عاشا يقتسمان الحب والطاعة إلى أن أصيب عبدالله في الطائف بجرح غائر في كتفه جراء طعنة غادرة وظل في محنته ومرضه إلى أن مات بسببه وقبيل موته يوصي عاتكة بعدم الزواج بعده كي تكون زوجة له في الجنة ويمنحها جراء ذلك بستانا واسعا ومثمرا .
ترملت عاتكة ودارت بها الايام وهي ذات جمال كبير وكان مجتمع الصحابة لا يتركون أرملة دون التقدم إليها حرصاً على صونها وعفتها لا مثلما نشاهده في عصرنا الحاضر من أعراف قد تخالف الشرع وخوفاً من نظرة المجتمع التي طالما دفع الأبرياء ثمنها.
فارتفعت نسب المطلقات والأرامل ارتفاعاً مخيفاً الأمر الذي كان ولا يزال باب شر يحرك الرزائل ويذهب بالبعض إلى السير نحو المجهول ومن ثم الهاوية !
يتقدم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عاتكه فترفض متعللة بوعدها مع زوجها الراحل وأنها قد حصلت منه على بستان تنفيذ لذلك العهد !
فيعرض عليها الفاروق الاحتكام إلى مفتي الصحابة"أبا الحسن الإمام علي كرم الله وجهه" ليقرر بأن هذا الوعد يخالف شرع وهو العفة والتحصين ويفتي أن ترد الحديقة على آل عبدالله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما إن أرادت زواجا .
فتشترط على عمر:_
١_ عدم ضربها ٢_عدم الغيرة الزائدة عليها ٣حسن معاشرتها ..فيفعل ويفي بذلك وظل معها إلى أن قتل شهيدا فترملت عاتكة للمرة الثانية!
فتعزف عن الزواج لازمة بيتها إلى أن يتقدم للزواج منها الزبير بن العوام وكان رجلا مهيبا ذا بسطة في العلم والدين والمال إلى مات هو الآخر فكان المنعطف الأخطر في حياة عاتك!
قيل: أن الإمام علي تقدم هو الآخر للزواج منها فرفضت متعللة بأنها تخشى عليه من الموت قتيلا حيث أنه قد أشيع في الآفاق من أراد أن يموت قتيلاً فليتزوج عاتكة!
وإذا كنت لم أقف على صحة هذه الرواية إلا أنني أتوقف ناحيتها من عدة وجوه:
الأول: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بشر الإمام علي بالشهادة في سبيل الله بل وقد حدد له قاتله وهو عبدالرحمن بن ملجم!
الثاني:كيف لمثل الإمام علي أن يحجم عن الزواج بامرأة خوفا من الموت؟
الثالث:وهل تستطيع عاتكة أن ترد نسب الإمام علي وهو ولي المؤمنين وباب مدينة العلم النبوية وصهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزوج السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ؟
الرابع: إن مكانة الإمام علي في الاسلام و الفتوحات وصدارته بين الصحابة تجعل من نسبه ومصاهرته شرف لا يدانيه شرف .
الخامس: إن نظرة التشاؤم لم تعرفها مدرسة الصحابة وهم من تربوا وتخرجوا من الجامعة المحمدية.
وقد ورد أيضاً أنها تزوجت من الإمام الحسين شهيد كربلاء .
وهذا القول أيضا محل توقف حيث أن السيدة عاتكة رضي الله عنها ماتت سنة ٤٠ من الهجرة النبوية وأن الإمام الحسين عليه السلام لم يمت عنها شهيداً بل استشهد بعد وفاتها ب ٢١ سنة فوافق استشهاده سنة ٦١ من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام .
وعلى كل، ماتت السيدة عاتكة وظلت حكايتها وجمالها باقيين عنواناً مضيئا في تاريخ الدنيا بأسرها ورغم خيوط الأقدار العجيبة حول حياتها ورغم حياتها المتقلبة بالأفراح والأتراح
إلا أنها لم تيأس وظلت تواجه الحياه واثقة في جمالها وعفتها وهي في أتم التسليم للخالق جل في علاه ورغم وفاة ازواجها عنها واحداً تلو آخر إلا أننا رأينا الاقدام من فطاحل الصحابة للارتباط بها من غير نظرة مجتمعية دونية ومن غير التفات إلى أقوال الآخرين..وما أحوج مجتمعاتنا لذلك في مثل هذه الأيام العصيبة لتعديل بوصلتنا الفكرية والاختيارية التي افتقدناها ضربا لموروثات مغلوطة لم تك من الدين ومن العرف الأخلاقي في شئ !
متى نفيق ونعود إلى الاحتكام لصوت العقل والمنطق والرأي السديد مواجهة للقضاء على ظاهرة الترمل والطلاق عوناً وعفة من الأبواب المشروعة درئا للانحراف والسير في براثن الشيطان؟
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: رضی الله عن الإمام علی إلى أن
إقرأ أيضاً:
لقاءات جماهيرية وفعاليات ثقافية في محافظة صنعاء بمناسبة يوم الولاية
الثورة نت/..
نظمت في عدد من مديريات محافظة صنعاء، اليوم، فعاليات ولقاءات جماهيرية، بمناسبة يوم الولاية (عيد الغدير)، تحت شعار “من كنت مولاه فهذا علي مولاه”.
ففي اللقاء الموسع الذي أقيم في عزلة وعلان بمديرية بلاد الروس، بحضور وكيل أمانة العاصمة، علي القفري، وقيادات وشخصيات اجتماعية، أشار عضو الهيئة العليا لرابطة علماء اليمن، العلامة فؤاد ناجي، إلى أهمية إحياء مناسبة “عيد الغدير”؛ ذكرى ولاية الإمام علي -عليه السلام.. مبينًا أن يوم الولاية يوم تاريخي، وخطاب عظيم للرسول الأعظم محمد -صلوات الله عليه وآله- حدد المسار الذي يجب أن تسير عليه الأمة.
فيما أكد مدير المديرية، صالح ناجي، أن إحياء ذكرى ولاية الإمام علي -عليه السلام- محطة لاستلهام الدروس والعِبر في الشجاعة والتضحية والإقدام في نصرة الدين والتصدي للأعداء من خلال المسار الحق لتولي الإمام علي -عليه السلام- والسير على نهجه عملًا بقول الرسول الأعظم محمد -صلوات الله عليه وآله: [من كنت مولاه فهذا علي مولاه].
وفي الأمسيات الثقافية التي نظمتها التعبئة العامة في عزل الشرفة وعيال مالك والأبناء وغضران وذي مرمر ورجام الأسفل وصرف والملكة وسعوان والرونة بمديرية بني حشيش، بمناسبة يوم الولاية”، بحضور عدد من الشخصيات الرسمية والتعبوية والشعبية، أكدت الكلمات أهمية إحياء ذكرى يوم الولاية من باب شكر النعمة؛ باعتباره اليوم الذي أتم الله فيه لعباده النعمة ورضي لهم الإسلام دينا.
وأشارت الكلمات إلى أن الاحتفاء بهذه الذكرى هو احتفاء بإتمام الدين.. معتبرة أن قبول الأعمال والطاعات لا يتم إلا بولاية الإمام علي وآل بيته الأطهار -عليهم السلام.
وأكدت أن مبدأ التولى للإمام علي -عليه السلام- هو سبيل الفوز والفلاح والنصر والتمكين، كما يمثل الحصن الحصين من مكائد اليهود والنصارى أؤلياءالشيطان.. مشيرة إلى أن ما ينعم به الشعب اليمني اليوم من عزة وكرامة وقوة ومنعة ما هو إلا ثمرة من ثمار هذا التولى الصادق.
ودعت الكلمات إلى ضرورة التأسي بالإمام علي قولا وفعلا وسلوكًا، وضرورة الحشد والاحتشاد للاحتفالية الكبرى يوم الثامن عشر من هذا الشهر.
وفي مديريات الطيال وجحانة ومناخة وبني بهلول، أقيمت فعاليات وأمسيات بالمناسبة، أشارت إلى أن يوم الولاية رسم للأمة الإسلامية الخط الصحيح والنموذج الأصلح والولي الذي تمشي الأمة على خطه ومساره؛ لأنه السبيل والخط الوحيد لنجاتها وفلاحها في الدنيا والآخرة.
وتطرقت الكلمات إلى مناقب وصفات الإمام علي -عليه السلام- من منظور ومنطلق قرآني إيماني؛ باعتبار القرآن هو الحكم والمرشد في كل شيء.. لافتة إلى أن إنتصار الأمة على أعدائها مرهون بإعلان الولاء والبراء منهم، امتثالًا لأمر الله ووصية رسوله الكريم بذلك، وهو ما تؤكده الواقع والحقائق والأحداث.
وأكدت أن لا حل ولا سبيل لنهوض ونجاح الأمة إلا بالعودة الصادقة للقرآن، وتوجيهات الله ورسوله في كل شيء.. مشيرة إلى أن الأمة اعتراها الذل والهوان والخزي عندما أضاعت طريقها، واتبعت خطوط وثقافات باطلة ومنحرفة.
وأشارت إلى أهمية إحياء مناسبة يوم الولاية كتقليد سنوي ديني، تستعرض الأمة فيها دلالات ذلك اليوم العظيم، وأهمية وعظمة ومكانة الإمام علي -عليه السلام.
وبينت الكلمات أن الولاية في الهداية ليست سلطة زمنية بل اقتداء واهتداء مستمر، يحفظ الأمة من التفرق والضلال، ويقفل الأبواب أمام الطغاة والجائرين.
وأكدت أن مبدأ الولاية ونهج التولي الصادق لمن أمر الله -عز وجل- بتوليهم فيه عزة وانتصار الأمة وتحصينها من تولي الأعداء.
تخلل الفعاليات والأمسيات عدد من الزوامل والأناشيد والأهازيج الفرائحية والقصائد المعبِّرة عن عظمة المناسبة.