الجديد برس:

في السنوات التسع الماضية، دفع حزب «التجمع اليمني للإصلاح»، الذي يمثّل حركة «الإخوان المسلمين» في اليمن، تكاليف باهظة، نتيجة تأييده حرب التحالف السعودي – الإماراتي على اليمن.

ومع مرور الوقت، تحوّل انخراط الحزب في الحرب، بالنسبة إلى الرياض وأبو ظبي، إلى عبء يجب التخلّص منه قبل إرساء ترتيبات الخروج من الملف اليمني.

وعقد الحزب، عقب انطلاق عمليات «التحالف» في آذار 2015، اجتماعات مكثفة استمرت أسبوعاً كاملاً، أقرّ عبرها الاستجابة لمطلب السعودية منه تأييد «عاصفة الحزم»، ولكن بشروط غير معلنة، من ضمنها رفض قاطع لأن يخوض «الإصلاح» المواجهة تحت شعار طائفي، وأن لا يدفع بقواته إلا تحت كنف وزارة الدفاع التابعة لحكومة الرئيس السابق، عبد ربه منصور هادي، مع التأكيد أن المعركة سياسية.

ومن هنا، استطاع «الإصلاح» أن يحافظ على مساحة مشتركة مع حركة «أنصار الله»، في الوقت نفسه الذي ساند فيه بقية القوى التي خاضت معركة صفرية ضدّ الحركة، تحت رايات طائفية تحرّم الشراكة معها، وسرديات أخرى من قبيل أن الجماعة جاءت من الكهوف ولا تؤمن بالدولة. ورغم أنه كان يعلم أنه لا مستقبل له في حال انتصر «التحالف»، وخصوصاً أن الأخير، قبل أن يبدأ حربه، صنّفت أطرافه جماعة «الإخوان المسلمين» كتنظيم إرهابي، إلا أنه استغل حاجة السعودية إلى أدوات محلية، وهندس موقفه من الحرب بحذر، على قاعدة «تحالف الضرورة».

وهكذا، لم يقدّم نفسه كوقود لحرب ستصبّ نتائجها في مصلحة غيره، بل أحجم عن المواجهة في مواضع، وقاتل بشراسة في مواضع أخرى ترتبط بمستقبله. كما لم يستسلم في وقت لاحق، وظلّ يطرق أبواب الرياض وأبو ظبي على أمل أن يخرج من دائرة الغضب، غير أن العاصفة السعودية – الإماراتية جاءت بما لا تشتهي سفنه، ليتبين له، مع مرور الوقت، أنه وقع فعلياً بين مطرقة أبو ظبي وسندان الرياض، وأنه في حال لم يغيّر من تحالفاته، سيخرج من المشهد برمته.

وعلى مدى سنوات، ظلّ «الإصلاح» حريصاً على عدم التضحية بإرث العلاقة التاريخية مع السعودية، وخصوصاً أن الأخيرة لعبت دوراً محورياً في تأسيسه عام 1990، من أجل مواجهة «الحزب الاشتراكي». ومذّاك، مدّت الرياض الحزب بالمال والسلاح، ليقوم بدور وظيفي لمصلحتها، لكن الأخير تحوّل إلى تنظيم واسع الانتشار ومتين الهيكل، ووضع أهدافه الذاتية، ونسج تحالفاته الخاصة، من دون أن يمنعه ذلك من ربط مصيره بالسعودية، وإفراد بند في نظامه التأسيسي يؤكد على خصوصية العلاقة مع المملكة.

وفي المقابل، ورغم أن السعودية استثمرت في «الإصلاح» لأكثر من ثلاثة عقود، إلا أنها تتوجّس منه، وترى أنه لم يعد «ماركة سعودية»، وخصوصاً أنه يطمح إلى السلطة، وينسج علاقات محلية وخارجية، الأمر الذي يُعد تمرداً على دوره الوظيفي. ومن هنا، بدا لافتاً كيف غضّت الرياض الطرف، وهي ترى معاول أبو ظبي تنهال على الحزب في محاولة لاجتثاثه من جذوره.

في خضم المعترك الذي أوصل «الإصلاح» إلى حائط مسدود، أبقت صنعاء أبوابها مشرّعة أمامه في انتظار لحظة التحوّل

ولم يشفع للحزب بقاؤه في فلك «التحالف»، وقتاله تحت ظلال «الشرعية»، بل خلال ما يقرب العقد من الحرب، تحوّل إلى هدف مركزي للسعودية والإمارات، فضلاً عن أنه وجد نفسه عدواً لجميع القوى المحلية الفاعلة، سواء «المجلس الانتقالي الجنوبي» أو «المؤتمر الشعبي العام» الذي يقوده طارق صالح.

وخوفاً من مزاحمة «الإصلاح» للأخيرَين في الساحة، دُكّت معاقله ومعسكراته، إما بالهجوم العسكري المباشر من قبل حلفاء أبو ظبي، أو عبر اتفاقيات الرياض التي أفضت إلى تقليم مخالبه، باستثناء بعض قواته في تعز ومأرب ووادي حضرموت. وفي خضمّ هذا المعترك الذي أوصل الحزب إلى حائط مسدود، لم تُغلق صنعاء أبوابها في وجهه، بل أبقتها مُشرعة له وبشكل معلن، في انتظار لحظة التحوّل في مساره.

كما لم تكتف برسائل الهمس الديبلوماسي لـ«الإصلاح»، بل أعلنت استعدادها لإسناد قواته التي تعرّضت لعدوان خارجي في شبوة وحضرموت، قبل عامين تقريباً، وهي الفترة التي شهدت تناغماً في الخطاب الإعلامي بين «أنصار الله» ونشطاء الحزب وإعلاميّيه. وإذ ظلّ الموقف الرسمي لـ«الإصلاح» ملتزماً «النص» السعودي، فإن الحزب تلقّف دعوات صنعاء، ليبني عليها تفاهمات في السرّ، سواء في ما يتعلّق بالجبهات، أو ما يتّصل بتبادل الأسرى وفتح الطرقات.

ومع ذلك، لم يتجرأ الحزب على اتخاذ قرار العبور نحو المصالحة الشاملة مع «أنصار الله». غير أن التحوّلات الأخيرة، ربطاً بالسعي السعودي إلى إحلال السلام مع اليمن، إضافة إلى موقف المملكة من تطورات البحر الأحمر واتصالها بالحرب الإسرائيلية على غزة، بدأت تفعل فعلها في ردم الهوة بين الجانبين بشكل متسارع، رافعةً الحرج عن الحزب أمام أنصاره، وخصوصاً أن هؤلاء مؤيدون لمعركة صنعاء ضد الملاحة الإسرائيلية، ورافضون للعدوان الأميركي – البريطاني على اليمن، الأمر الذي أضاف ملفاً إلى ملفات التقارب، يتمثّل في توحيد الموقف لمساندة الشعب الفلسطيني، إضافة إلى ملفات الحل السياسي الداخلي، والأسرى، والطرقات، والوضع في مأرب.

غير أن أجنحة في الحزب لم تلتزم بتلك التفاهمات، ويبدو أنها وقعت في مربّع الاستقطابات الخارجية، وهو ما يشكّل إرباكاً لترتيبات التسوية بين الطرفين. ولربّما جاء إعلان القيادي في «الإصلاح»، نائب رئيس مجلس القيادة، ومحافظ مأرب، سلطان العرادة، فتح طريق مأرب – صنعاء، بدفع من الخارج، من أجل قطع الطريق على الترتيبات الواقعية بين «الإصلاح» وصنعاء، وهذا ما تعتقده قيادات بارزة في حركة «أنصار الله».

هكذا يبدو حصاد «الإصلاح» من الحرب: يدفع ثمن الانخراط فيها كمن وقف ضدها، رغم أن التيار العريق في الحزب، لم ينجرف في المنعطفات الحرجة التي مرّ بها اليمن، إلا بعد دراسة الموقف من زاوية الربح والخسارة أولاً، وهو يخسر الآن، ويعرف جيداً أن الرهان على «التحالف» لن يعيد إليه مجده، ولن يستطيع حتى الحفاظ على ما تبقّى لديه من نفوذ، وأنه من أجل ترميم تنظيمه، لا بد من قفزة نوعية تبقيه على قيد الحياة السياسية. وعليه، السؤال هو: هل يفعلها الحزب في الوقت الراهن، ويدشّن موسم الحج إلى صنعاء؟

*أحمد الحسني – جريدة الأخبار اللبنانية

المصدر: الجديد برس

كلمات دلالية: أنصار الله أبو ظبی

إقرأ أيضاً:

قصة.. (حُلم معطّل -1)

الكاتب حمد الناصري

 
   راودتهُ رغبة عارمة في الابتعاد والنأْي بنفسه عن كُل ما يُؤذي مشاعره ومبادئه وأخلاقه.. عاتب نفسه وعنّفها وتمنّى لو استطاع أن يَجْلِد ذاته ويُعاقبها فقد نشأ في بيت مُتواضع، يزهو بالقِيَم، ويرتقي بمكانته المجتمعية، ومرّت الأيام واخْتلفت ثَيّمات الأوضاع، وتعاقبَت السُنون، وولّت سنين وأعْقَبتها سنين، وتمتم.. الذي أدْبر لا يعود ولا رجعة له، والأحداث لا تُعاد.
 
    انقضىَ شبابهُ سريعاً وقوّته ليست كما كانت مُنذ بضع سنين، خلتْ وتضاءلت طاقة نشاطه وحتى أنّ رغبته في مَباهج الحياة خَفتت ... شيء ما، قد ماتَ بداخله.. هزّ رأسه.. لا شيء يَبقى على حاله، دوام الحال من المُحال. سُلوكنا، حياتنا، أخلاقنا، قِيَمنا.. مُجتمعات أخذت مكانها وأنْشأت سُلوكاً مجتمعياً خاصاً مُنفصلاً عمّا سبقتها من سلوكيات.. أجيال نشأت لا تعرف شيئاً عن ما قبْلها، سوى ما قِيْل عنها، وعن أيْديولوجيات رَبطتهما معًا.. فكّر قليلا.. البيع والشِراء والمال والسكن واللُغة توارثته الأجيال عقب أجيال.. ولكل جِيْل طريقة تعامُله.. حدّث نفسه.. هذا الجِيْل الذي تمكّنتُ من اللِّحاق بركْبه وقُدّر لي مُعايشته.. لا يَثق ولا يَطمئن بأحد ولو كان صادقًا أمِينًا أو قُدّيسًا زاهدًا.. الكُلّ يتعامل فقط بالمادة وبالمال وحدهما.. جِيْل تفكيره مادي إلى أبْعد الحُدود وكأنّما وُلدوا بلا مشاعر ولا عواطف.
 
   رفعَ رأسه وتنَشّق الهواء في حسرة، وانْتفض وكأنّه يَستعد لموجة من الطاقة الجديدة.. أغمض عينيه، وبدا في سُكون غير عادي.. ترقرقت مُقلتاهُ، وكأنّ غشاوة حجبت عنه حالة الإبْصار، داهمهُ شُعور بالعجز الكامل، وأحسّ بدغدغة في قمّة رأسه.. طفا ذهنه فوق بُحيرة من الفوضى الخلاّقة.. همس في نفسه بصوت أجشّ، ربما أصابتني عين أو مسّني شيئاً مِن السِّحر.!! لكنّ جسدي لا يزال قوياً، فلماذا أحسّ بالوهن النفسي وأشعر بالضعف الجسدي؟

      نظر إلى الشمس فأحسّ كأنّها تُضاحكه، مستبشرةً فرحةً مسرورة، تُرسل نورها إلى عينيه، فيغمضهما خشية من أشعّتها الحارقة. أشعّة الشمس في هذا اليوم على غير عادتها، باردة وهادئة، قال في نفسه.. يجب الحذر منها.. أخشى من تأثيرها على شبكيّة عيني. ويُقال، إذا رأيت القوي فاحذر منه.. وفي الأثر القديم: لا تأمَن من الذي يفوقك قوة وعتاداً.. حتى لو كان جمادًا أو شجرةً أو كوكبًا في السماء؛ وها هي الأقدار السماوية تُشرق بقوّتها لتُنذر الناس عمّا اختلفوا فيه وما وهنوا به، فالحياة شروق وغُروب وجديدها نور وظلام، أيّام لا تختلف في إشراقتها ولا في غروبها ولكنّها تختلف أنّ يومٌ ولّى وأدبر ويوم عاد وأقبَل، والجديد أنّ الآتِ لا تزال تجربتنا به مجهولة وما قد ولّى تعلّمنا الكثير منه وتجربته مرّت وانصرفت، قد يختلف عن الذي سبقه بنشاطات الناس عليه وحيويّة إدارتهم بالطريقة التي هُم مُؤمنون بها. لذلك كان هذا اليوم؛ يوم ميلاد صفحة جديدة في الحياة، صفحة قُرأت ولن تعود أبدًا.
   قال في نفسه: لماذا أشْعر بأني لستُ كغيري؟ لماذا أشعُر بالعجز الجسدي؟ هل أنا امرؤٌ ضَعيف الإرادة؟ أم أنّ ظُروفي أصعب مِن ظروف غيري؟ في هذه اللحظة كان التوتّر والقلق يَنهشان فكره وعقله ونفسه.. شعر برغبة التغيير النفسي.. قلّب مزاجهُ، فكّر في خياراته واختطّ له مسارًا يُؤدّي بالضُرورة لتجاوز أسوار عجزه واقتحامها.. شعر براحة نفسية ثم خطا خُطوات في صالة لا يزيد طولها عن ستّة أو سبعة أمتار وأعاد لنفسه هاجس الخوف؛ وهذه المرّة ممزوجاً بالرّغبة التي تشدّهُ إلى اقتحام غير معهود، تلك الرغبة التي جُبل عليها ظنًا أنّهُ تجاوز عجزه الرّغبوي.
 
    طائرٌ افترش جناحيه في لحظة مِن الحميميّة التي تجمعه بأُنثاه وضمَّها إليه فمالت بجناحيها مودّة وأُلفة.. هكذا وبكل بساطة بدأت دورة حياة جديدة لذلك الطير.!! وبما أنّ "سعيد" لم يكن قد أعدّ في مُخيّلته، مِثل تلك الرّسائل التي تُعبّر عن ذلك البُعد غير الموجود في جسده كاللّحظة الحميميّة لذلك الطّيْر.. أسئلة دارت في رأسه، أسئلة فتحتْ المجال لاحتمالات كثيرة..  منها أنّ ذلك الطير جاء مُتعمّدًا ورُبّما من فِعله أو هي أفعال يُمارسها مع غيره الأضعف قوة، وتلك المُمارسة لا أخلاقية استهدفت حُلمًا مُعطّلًا.!
 
    ودارتْ رحى عصف الأسئلة تتكثّف في مُخيّلته، وانصبّت على تجذير موقف الرغبة الحميمية، بل أعطتهُ شكْلاً جديدًا من حريّة بعثتْ الخوف في داخله وتحرّكت بُرودة الجسد وأصابته في معقله؛ وحين أدرك أنّ الأمر يتطلّب بعضًا من انتشال مخاوفه، استدركه التفكير إلى التعمّق في شؤونه المُعَطّلة، وهل يا ترى هي مُعطّلة بطبيعتها أم عامل الخوف زادها تعطيلًا أم فطرة الحُلم عبثية لا أفق لها ولا تربطها رغبة جسدية لئلا يرتكب حماقة في أفقها وتُعطّل حريّة مفتوحة كان أجدر به أن يعتني بخواصها ولا يهدرها كل الهدر فيقعد بائسًا مهيضًا مكسور الرغبة، واهِن، عاجز لا فيض له ولا عون.
    
      أعاد التفكير في تجديد ما انغلق من شهوة وما تعطّل من حُلم، ورأى أنْ يستحدث طُرقًا تسعده وتدفعه إلى أنجح الأفكار والتخلّص من الخوف والانغلاق، لربما ذلك وهنٌ نفسي لا دخل له في القدرة والرغبة والشهيّة.
 
     وأعاد مشاهد حركة الطائر التي استقرت على طائر يبدو أنه ضعيف في مواجهة قوة أكبر، مكنتهُ من الاندفاع إلى الأفعال غير الحميدة. واستمر "سَعيد" يطرح تساؤلات على نفسه.. كيف عرف ذلك الطائر أنّ بقاءه يَعتمد على تلك اللحظات؟
     
     تنهّد "سعيد" بعُمق وقال في نفسه.. طائرٌ قضى وطَرهُ بطريقته، وأنا ...؟ سكت لم يبزم.. هزّ رأسه في حِيرة.. كيفَ عرف الطائر حاجته الجسدية؟ مشهد يتجسّد، يتخيّل مَشهد الطائر المُثير.. طائر يهويِ كالسهم، بطريقة فنية احترافية، مالَ بجناحيه ثم نقر رِيْش طائر قد استراح على عود شجرة امْبّا، شجرة الـ "مانجو " ثمرتها لذيذة مَلساء وناعمة.. لكنّها بطيئة النمو.. وحين وصل إلى هذه المفردة، فزّ من مكانه، ارتباك بدا عليه.. اختلاط أشياء لم يفهم تفاصيلها، أشياء صحيحة في إطار تكوينه، لكنّها تُعطّل حُلمه وفطرة تعصف به ولا تزيده إلّا ضعفًا عاثرًا، قوة جسدية بائسة لا تربطه به، غير وضعية رجولة، مظهرها لا ينفصل عن مخبرها، وبتلك الصّفات تشكّلت صفاته الجسدية، وصار محسوبًا على قوة الرجولة التي لا يُعرف ضعفها العاثر.
 
     اضطراب وقلق وضعف وخوف انتاب الطائر الأنثى، حين أرخى ذكر الطائر بجناحيه على الطائر الأنثى التي ضمّت جناحيها إلى جسدها، ربما خوف، ربما استعداد أو تهيئة أو أنّها فهمت مُرادهُ وتحصّلت على مرامها وبُغيتها، ووجد كلاهما فرصة سانحة أو نادرة، لتكون أكثر هدوءًا من غفوتها على عود شجرة الأمّبا " المانجو"، وبدت الطائر الأنثى بحركة لغة خاصة بينهما، مرّرت بمنقارها على عود شجرة "الأمّبا" وإذا بالطائر الذكر ينقر رقبتها بمنقاره، وأخذ يمسح به ظهرها، وكأنّه يُطبطب عليها ويدقّ فوق منقارها ويطبع حرفهُ الجميل، أو كأنّه يقول لها: لا سُبَات عميق، إيْذانًا برغبة مزعجة.

    كان قدر "سعيد" قاسٍ، أزعجه حينًا، ثم بدا يتأمّلها برغبة ويتابع تفاصيلها بدقة وحماسة لعلّها تردّ بعض حُلم تفاصيلها، وأقنعتهُ مُكابرة الطائر القوي وبدت المشاعر تزدهُ تحفيزًا لنشاط فيه أمل، يستشعر به ويجمع قواهُ ويدفعهُ إلى نشاطٍ مِثْله، وكان حرصه على مُتابعة التفاصيل، تعميرًا لتفاصيل لا كراهة أخلاق فيها، إنّما موقف الطائر استفزّه لمعرفة غريزة أودعها الخالق في وجدانه، وتمثّل له الطائرين، ليرى ما همّ به، فهذا برهان، ليُريه مفازةً تنزيهًا لعاقلٍ اجْتبى الإخلاص عن غرائز لا سِتر فيها.
 
   طائر يُمسّد بمنقاره منقار أنثاهُ، كأنّه يُطبطب عليها، يحنو بعاطفة طير ليس حاله كحال البشر، كأنّما منقاره يطبع قُبلة حرف جميل، ويمسح بتمريرته اختلاط الأشياء ويُعلن سلامتهِ ويُنجز كفاءته في أسرع عمليات التموضع بلا خوف ولا قلق ولا اضطراب، تمريرات نشطة زرعتْ في مُهجة عابرة، كدليل على تكاثر الصّنف.. بسَط الطائر جناحيه فضمّت الأنثى نفسها كأنّها خُدرت بضعف ومن ميلان جناحيه، علمت رغبته فاحتوته قبل أن تَفقد سَعيه أو تفقد لحظات عاطفة حنان لا قيود فيها ولا مُقاومة، فكلّما كانت تهتمّ به، كلما ثبت الطائر الذكر أنْ لا يطير إلى أخرى، يتصرّف الطائر الذكر ، ويستنسخ تجربة غيره ، ويكرّر الذكر الآدمي تجربته، يَستحمر بقوته ما كان عصيًّا وقاسيًا بغرور وجهل، وكأنّ الجهل والإسْتحمار تجربة يُفرضها على أنثاهُ، بتجربة قاسية لا يُراعي ضعفها ولا يهتم بنفسيّتها، لكن ذكورة الطائر لم تكن عصيّة على الطائر الأنثى بل واجهها بحركة العاطفة، فمالَ بجناحيه وبتلك الحركة خدرت الأنثى بلا ضعف واستكانتْ لقضاء رغبة مُستحبّة، ومضى الطائر الذكر قُدمًا لتسكن أنثاهُ في حنان جميل.
 
    تمتم سعيد سرًّا.. ماذا لو اجْتمعت رغبة الآدمي، الذكر والأنثى معًا وكتم كل منهما سرّ الآخر. وعاشا حياة لا مُنغّص فيها، تحقيقًا لاستمرار حُلم حياة جميلة لا مُعطّل فيها، تستحق مُقاومة أصغر الأشياء وأتفه حُلم.
 
 يتبع 2

مقالات مشابهة

  • قصة.. (حُلم معطّل -1)
  • الطالبة السعودية علا العمري تروي قصة نجاحها في الدراسات البحرية ..فيديو
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال
  • DAZN : الهلال فخر السعودية ونبض الرياض .. فيديو
  • من الرباط إلى واشنطن.. الصحافيون بين مطرقة السلطة وسندان المصالح الاقتصادية
  • انحراف 7 عربات من قطار بضائع بالدقهلية عن مساره خلال رحلته إلى ميناء دمياط
  • السيد القائد: أهم شيء بالنسبة للأمريكي الذي يورط نفسه أكثر فأكثر فيما لا فائدة له فيه وإنما يقدمه خدمة للصهيونية أهم شيء بالنسبة له أن يورط الآخرين معه
  • مطرقة التعدد وسندات الطلاق وضربات أزمة منتصف العمر المدمرة
  • أطفال الصيف بين مطرقة الحاجة وسندان الإهمال
  • اتفاق جديد لضخ المياه ومعالجة ازمة المياه في تعز