الحرة:
2024-06-12@01:40:32 GMT

ما هي الحدائق المُسوَّرة؟ وما علاقتها بآبل وغوغل؟ 

تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT

ما هي الحدائق المُسوَّرة؟ وما علاقتها بآبل وغوغل؟ 

يواجه عمالقة التكنولوجيا واحدا من أكبر التحديات منذ عقود في وقت يحاول فيه المشرّعون عبر طرفي الأطلسي شن حملة على ما يعتبرونه تجاوزات لقوانين المنافسة، والتي من شأنها أن تتسبب بأوامر لتفكيك آبل والشركة الأم لغوغل "ألفابيت"، في خطوة قد تعد الأولى في القطاع، وفق تعبير رويترز. 

ويشير تحليل لرويترز إلى أن هذا التحول قد يعني ملاحقة إضافية للشركتين من مشرعين حول العالم، وهذا ما يجسده ارتفاع عدد التحقيقات في عدد من الدول أعقبت قضايا قانونية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

 

وفي أوروبا قالت "غوغل" إنها تعارض اتهامات الاتحاد الأوروبي، في حين أشارت "آبل" إلى أن الدعوى المقامة ضدها بالولايات المتحدة قائمة على أخطاء فيما يتعلق بتناولها الحقائق والقانون. 

وفي عام 1984، تم تفكيك شركة "AT&T T.N" المعروفة أيضا باسم "Ma Bell" إلى سبع شركات مستقلة تحت اسم "Baby Bells" لتفتح الباب أمام واحد من أكثر الاحتكار نفوذا في القرن العشرين، وفق تعبير رويترز، فيما تبقى ثلاث شركات اليوم قائمة فقط "AT&T" و"Verizon" و"Lumen". 

ويزعم المشرعون اليوم أن شركات مثل "آبل" و"غوغل" أسست نظما بيئية حول منتجاتها لا يمكن اختراقها، ما يصعّب على المستخدمين من إحدى الشركا الانتقال إلى منافسة أخرى لها، وهو المقصود بمصطلح "الحدائق المُسوَّرة" (walled gardens). 

وفي الولايات المتحدة، رفعت وزارة العدل و16 مدعيا عاما دعوى قضائية ضد أبل لانتهاكها قوانين مكافحة الاحتكار. وفي أوروبا، يقال إن الشركة تواجه تحقيقات حول ما إذا كانت تلتزم بقانون الأسواق الرقمية في المنطقة.

وهبط سعر سهم الشركة بأكثر من 4%، الخميس، لتخسر أبل حوالي 115 مليار دولار من قيمتها السوقية، لتصل خسائر السهم منذ مطلع العام حتى الآن إلى ما يزيد عن 11%.

بسبب دعاوى قضائية.. "أبل" تخسر 115 مليار دولار من قيمتها السوقية تسببت دعاوى قضائية في الولايات المتحدة بخسارة شركة "أبل" عشرات المليارات من قيمتها السوقية، وفقا لما ذكرته وكالة "بلومبرغ"، الجمعة.

وبعدما كانت ذات يوم الشركة الأكثر قيمة في العالم بأكثر من 3 تريليونات دولار، تخلف أداء سهم الشركة عن مؤشري "ناسداك 100" و"أس آند بي 500" (ستاندرد آند بورز) في 2024.

وهذه ليست المرة الأولى التي تخضع فيها أبل لتدقيق تنظيمي. فالشركة واجهت ونظيراتها لسنوات اتهامات بالإثراء عن طريق قمع المنافسين. ولكن مع تزايد شعبية منتجات أبل وترسيخ نفسها كجزء من حياة المستهلكين اليومية في جميع أنحاء العالم، أصبحت السلطات أيضا أكثر عدوانية وحذرا من قوتها، وفقا لبلومبيرغ.

وحذرت وزارة العدل الأميركية في دعواها، الأربعاء، "آبل" من أن قرارا بتجزئة الشركة ليس مستبعدا محل لاستعادة المنافسة، وتعاونت الوزارة مع 15v ولاية أميركية لرفع دعوى قضائية على الشركة بتهمة احتكار سوق الهواتف الذكية واستبعاد نظرائها من المنافسين وتضخيم الأسعار. 

وفي كل الأحوال، رجحت رويترز أن تستغرق هذه القضية عدة سنوات، وهي قضية تعهدت "آبل" بمواجهتها. 
وتتبع الدعوى الأميركية خطوات مشابهة في الاتحاد الأوروبي، هذا الأسبوع"، حيث من المتوقع أن تواجه شركات التكنولوجيا الكبرى مزيدا من التدقيق قريبا، ومن المرجح أن يتم التحقيق مع شركات "آبل" و"ميتا بلاتفورمز" المالكة لفيسبوك وإنستغرام وواتساب وغيرها، ألفابيت، بحثا عن انتهاكات محتملة لقانون الأسواق الرقمية "Digital Markets Act" أو ((DMA اختصارا) والتي يمكن أن تؤدي إلى غرامات باهظة وحتى أوامر بالتفكيك بسبب الانتهاكات المتكررة، وفقا لأشخاص ذوي اطلاع مباشر بالأمر، تحدثوا لرويترز بشرط عدم الكشف عن هوياتهم.

ما هي الحدائق المُسوَّرة؟

يعرّف موقع "Tech Target" المتخصص بالأمن التكنولوجي وأخباره، الحديقة المُسوَّرة على الإنترنت بأنها "بيئة تتحكم في وصول المستخدم إلى المحتوى والخدمات المستندة إلى الشبكة. في الواقع، تقوم الحديقة المسورة بتوجيه تنقّل المستخدم داخل مناطق معينة لتمكين الوصول إلى مجموعة مُختارة من المواد أو منع الوصول إلى مواد أخرى".

وينوه الموقع إلى أنه "على الرغم من أن الحديقة المُسوَّرة لا تمنع المستخدمين دائما من التنقل خارج الأسوار (أي إلى المحتوى الآخر)، إلا أنها غالبا ما تجعل الأمر أكثر صعوبة من البقاء داخل البيئة".

وضرب الموقع الأمثلة التالية لما يعرف بـ "الحدائق المُسوَّرة": 

متاجر التطبيقات: "آبل آب ستور" و"غوغل بلاي"

ووفقا للموقع التقني، يعد متجر تطبيقات "آبل" "مثالا رئيسيا على الحديقة المُسوَّرة، وينوه إلى أنه وبينما يتميز المتجر بقدرة المستخدمين على تنزيل أكثر من 2.2 مليون تطبيق على هواتفهم الذكية وأجهزة آبل اللوحية، إلا أنه لا يمكن للمستخدمين الوصول إلى التطبيقات التي لا تلبّي معايير "آبل" التي وصفها بـ "الصارمة". 

لكنه نوه إلى أنه من وجهة نظر شركة "آبل" فإن "الحديقة المُسوّزة" تعمل على التخلص من العديد من التطبيقات التي تحتوي على أخطاء (بالبرمجة)، والتي من المحتمل أن تحتوي على برامج ضارة أو لا تلتزم بـ "إرشادات واجهة المستخدم أو تجربة المستخدم" الخاصة بالشركة.

مواقع التواصل الاجتماعي: مثل فيسبوك وإنستغرام وتويتر (أو إكس حاليا)

واتخذ الموقع مثالا على ذلك بإكس (تويتر سابقا) مشيرا إلى أن منصات التواصل الاجتماعي تعد مثالا جيدا آخر على الحديقة المُسوَّرة. 

وذكر أنه عندما يتضمن محتوى الويب الذي تمت مشاركته على تويتر رابطا، يفتح تطبيق إكس صفحة الويب داخل التطبيق ذاته، بدلاً من فتح متصفح ويب خارجي نيابة عن المستخدم. 

وأضاف "يتم ذلك إلى حد كبير بحيث لا تتاح للمستخدم مطلقا فرصة مغادرة التطبيق ومن المرجح أن يستمر في تصفح تويتر (إكس) بعد قراءة المقال. وفي المقابل، كلما طالت مدة بقاء المستخدم على منصة تويتر (إكس) المسورة، زادت الفرص المتاحة لوضع الإعلانات والمحتويات الترويجية الأخرى أمامه".

منصات التعاون: "مايكروسوفت تيمز" و"سلاك"

وعدد موقع "Tech Target" أن منصات التعاون التي يستخدمها قطاع الأعمال لتسهيل المحادثة بين الموظفين، مثل "مايكروسوفت تيمز" و"سلاك"، تعد أمثلة على "الحدائق المُسوَّرة". 

وأوضح موقع "نورد في بي إن" أن هذه المنصات تعد أنظمة مُغلقة ولا تتيح لمستخدمي منصات التعاون الأخرى التواصل مع مستخدميها داخل بيئتها.

منصات تكنولوجيا الإعلان والتسويق: "غوغل" و"فيسبوك" و"آبل" و"أمازون"

أخيرا، تستخدم منصات الإعلان والتسويق عبر الإنترنت أحيانا نهج الحديقة المُسوَّرة لمساعدة الشركات على استهداف العملاء المحتملين، عادة عبر منصات التواصل الاجتماعي.

ويشير الموقع التقني إلى أن "مالك منصة التواصل الاجتماعي يستخدم البيانات التي تم جمعها من المستخدمين لتحديد تلك التي يمكن أن تكون مناسبة لمنتج أو خدمة ما. يمكن للشركات المهتمة باستهداف هؤلاء المستخدمين أن تدفع لشركة التواصل الاجتماعي لوضع إعلانات أو محتوى تسويقي آخر بشكل استراتيجي".

ويوضح "تتمثل الفائدة التي تعود على الشركات التي تسعى للإعلان في أن شركة منصة التواصل الاجتماعي تقوم بمعظم العمل الثقيل لتحليل بيانات المستخدم للعثور على أفضل العملاء لاستهدافهم. من ناحية أخرى، يعد نهج الحديقة المُسوَّرة أمرا رائعا لشركة منصة التواصل الاجتماعي، لأنه يقضي على المنافسة الخارجية".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی إلى أن

إقرأ أيضاً:

كتاب «الوهابية الرستمية» وضجيج وسائل التواصل الاجتماعي

العلاقات العمانية السعودية، وغيرها من العلاقات السياسية والثقافية في الخليج العربي، المتأمل فيها يجدها قائمة على الإحياء والبناء لا الفرقة، ونتائج هذا ما نشهده اليوم -والحمد لله- في منطقة الخليج، وبعد أكثر من نصف قرن من نهضة بشرية وعمرانية ومعرفية، ومن استقرار سياسي وأمني، ونحن في شهر الحج المعظم، إذ يحج الآلاف إلى بيت الله الحرام آمنين مطمئنين، ويؤدون شعائر حجهم، وطقوس دينهم بكل سلاسة ويسر، يفدون إلى مكان واحد، ويدعون ربا واحدا، ولا يمكن تحقق ذلك لو أن تفكير أصحاب الأمر من الساسة وغيرهم بذات تفكير بعض علماء الدين، الذين للأسف ما زالوا يعيشون وهم الخلاف المذهبي، والصراع الطائفي، مع إدراكي الكبير، رغم الكليات والحوزات الدينية في الخليج، والتي ما زالت تغذي المذهبية أو الطائفية، إلا أن أغلب الأجيال الجديدة تجاوزت هذه الخطابات، ولم يعد يمثل لها قيمة، وتجاوزنا والحمد لله صراعات مرحلة الصحوة في قضايا ما ورائية من جهة، وماضوية من جهة أخرى، ولا يعني هذا عدم وجود أصوات تدعو إليها، ولم ننتقل بعد في جعل هذه المؤسسات الدينية والجامعات والكليات والحوزات، إلى مراكز تشتغل على مراجعة الذات، وتوسعة دائرة المشترك، وتقبل المختلف، والاشتغال بعقل الإحياء والنهضة والبناء، لا بعقل الصراع مع الآخر، ولكن نأمل ذلك مع إرادة سياسية تعجل في تمكينه، كما عجلت في تمكين الإحياء والبناء والنهضة، أمام التحديات التي تعيشها المنطقة.

والمتتبع لنهضة السعودية في رؤيتها الجديدة يجد تطورا ملحوظا في استيعاب الآخر، من الاهتمام بالفلسفة والثقافة والفكر والتنوير، وعقدت مؤتمرات وحدوية في ذلك، والسعودية لها ثقلها الإسلامي والعربي وفي الخليج أيضا، ومؤهلة بشكل كبير في إيجاد نهضة إسلامية وحدوية، وهذا لا يعني عدم وجود أخطاء وهنات تخرج من أصوات كانت سعودية أو خليجية أو عربية وإسلامية، أو حتى دولية، وقد يكون لها ارتباط بمؤسسات لها تأثيرها بالشكل العام، ومع هذا يجب دراسة مثل هذه الأمور بعقلانية، والمتأمل في سياسات المنطقة أنها تغلب التعقل في دراسة مثل هذه القضايا، وخصوصا الدينية، ولا ينبغي جر السياسي إليها؛ لأن مآلها الصراع المؤدي إلى الكراهية والعنف والتطرف إذا ارتبطت بالسياسة.

ومن متابعتي لمعالي الدكتور عبد اللطيف بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل الشيخ، من أحفاد الإمام محمد بن عبد الوهاب (ت 1206هـ)، أجده يتميز بالحزم ومحاربة التطرف، واستمتعت بلقائه في رمضان الماضي والذي كان في برنامج في الصورة مع عبدالله المديفر على روتانا خليجية، ومنح عام 2022م درع قائد وصانع سلام، ولحكم انتسابه نسبا ومذهبا إلى دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، له حقه في الدفاع عن هذه الدعوة ومذهبها الكلامي بحثا ومعرفة، كما يحق ذلك لأي أتباع مذهب ومدرسة أخرى، والدولة المركزية تحفظ الجميع، وتوسع دائرة المشترك لأجل الإحياء والبناء والنهضة والاستقرار، كان في السعودية أم عُمان أم الخليج أم أي دولة قطرية ومركزية أخرى.

بيد أن المؤسسات الدينية الرسمية عليها أن تمايز بين كونها تحت مظلة الوطن الجامع للجميع، وبين اتجاهات أفرادها ولو على رأس الهرم، وما زالت للأسف المؤسسات الدينية الرسمية في الخليج، الإفتائية فيها أو الإرشادية والوعظية والبحثية لا تمايز بين الأمرين، وهذا من أكثر إشكالات المؤسسات الدينية الرسمية في الخليج، بل في أغلب الوطن العربي، فهي غير قادرة على استيعاب المختلف عنها دينيا وفكريا حتى في الوطن الواحد، وإشراكه في المؤسسة، كما أنها تميل إلى مذهب وخطاب كلامي وفقهي واحد، يؤدي إلى تهميش المذاهب الأخرى المشتركة معها في الوطن، والأصل أنها تكون جامعة للجميع تحت مظلة الإحياء والنهضة وبناء الواقع.

عدم التمايز هنا هو الذي وقع حوله الضجيج نتيجة كتاب «الوهابية الرستمية: ضلال مبين وعداء للدين» لمعالي الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ، وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالسعودية، وهو صورة واحدة من عشرات الصور في المؤسسات الدينية الرسمية للأسف، أنها لا تمايز بين المؤسسة الجامعة، وميولات أفرادها المذهبية، فهناك الكتب المذهبية الخالصة التي تُنشر في هذه المؤسسات، هدفها الانتصار لمذهب معين، أكثر من التركيز على المشتركات، ولست هنا لبيان أمثلة لذلك، فلدي عشرات الأمثلة في غالب الأقطار العربية، ومنها الخليجية.

وكما أسلفتُ من حق عبد اللطيف كغيره من المؤلفين في أي مجال ديني وثقافي وفكري ومعرفي كتابة ما يقتنعون به، ويتوصلون إليه، ولكن لكل بابه ومكانه، ومن حق الآخر نقده ونقضه، ولكن دون إدخال المؤسسات الدينية الرسمية في هذا الجدل، والمتأمل في هذا الكتاب جدلية طرحت قديما، حيث لما أطلق خصوم دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب عليها اسم «الوهابية» رفضوا هذا المصطلح، ومنهم من رده بدعوى أن الوهابية هم أتباع عبد الوهاب بن عبدالرحمن بن رستم (ت 171هـ)، وممن كتب في هذا مبكرا محمد بن سعد الشويعر في كتابه «تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية»، وهؤلاء ومنهم عبد اللطيف وقعوا في خطأ تأريخي ومنهجي، فالقضية في الأصل في إشكالية التوريث، ففئة وعلى رأسهم عبدالله بن يزيد الفزاري (ت 179هـ) رفضوا توريث عبدالوهاب، ومالوا إلى زعيمهم يزيد بن فندين، وبما أن الخلاف قديم بين تلاميذ أبي عبيدة الكبير (ت 150هـ)، لهذا تسمى خصومهم بالوهبية، أي الخالصة الموحدة على ما عليه المسلمون الأوائل، أو نسبة إلى عبدالله بن وهب الراسبي (ت 38هـ)، مع أن ابن وهب ليس له آثار كلامية أو فقهية، وإنما تعلقه بإمامة الدفاع على الأغلب، فانتسابهم إلى الوهبية أي على ما كانوا عليه في عهد أبي عبيدة الكبير ومن بعده، بينما أطلق على أتباع ابن فندين النكارية أو النفاثية أو اليزيدية أو الفزارية، وهم يحبذون اسم مستاوة، قيل نسبة إلى أهل الاستواء والحق، وقيل نسبة إلى قبيلة مستاوة، وظهر منهم علماء كبار، خصوصا في الأندلس، وتعرضوا ذاتهم إلى اضطهاد من الوهبية، وكان بينهم جدل خرج عنه نفائس المذهب الإباضي في المغرب العربي، وجميعهم إباضية مذهبا، ويشتركون في ذات الأصول الكلامية والفقهية.

على أن كتاب «الوهابية الرستمية» ضعيف منهجيا، وأغلب نقولاته من الكتب الإباضية وغيرها، وفيه خلط بين إباضية المغرب والمشرق، ويبدو أنه رد على الإباضية أكثر منه لبيان مصطلح «الوهابية» معرفيا ومنهجيا، ووقع بذاته في تناقضات، كقوله «فقد عطلت هذه الحركة أركان الإسلام مثل الحج والصيام»، ثم قال في موضع آخر نقلا عن أبي القاسم يزيد بن مخلد الوسياني (ت ٣٥٨هـ ): « ... أنتم الوهبية تحتسبون إعادة الحج وتؤثرونه لكثرة فضله»، كذلك نقل عن فاليري هوفمان أنها قالت: «ويعد كتاب العقيدة الوهابية واحدا من أهم المراجع الواضحة في هذا الموضوع، وهو كتاب غير منشور خصص للمبتدئين من طلبة الشريعة» وتقصد كتاب «العقيدة الوهبية» لأبي مسلم البهلاني (ت 1339هـ)، وقد أشار إليه المؤلف ذاته في موضع آخر، فما ذكر عن هوفمان خطأ في الترجمة أو الطباعة.

على أن أخطر ما في الكتاب – من وجهة نظري- أنه يدعو إلى العنف من خلال اجترار نصوص تأريخية لها ظرفيتها، فأغلب الإباضية اليوم في شمال أفريقيا سواء في تونس أو جبل نفوسة بليبيا أو الجزائر متعايشون مع المالكية عموما، ومع دولهم المركزية خصوصا، ولهم حريتهم في عباداتهم ومساجدهم، بينما المؤلف أورد نصوصا تدعو إلى الاستيلاء على مساجدهم، ومنعهم من إظهار شعائرهم، وسجنهم وتقييدهم، وعدم جواز زواجهم من المالكية، وإن استدعى الحال جواز قتلهم عند البعض، وهذه نصوص تأريخية لها خطورتها على السلم الاجتماعي، وقد تستغلها الجماعات المتطرفة كما حدث في جربة وجبل نفوسة، وهذا ما يحاربه الدكتور ذاته، وعانت حتى المملكة من مثل هذه الجماعات المستوردة لمثل هذه النصوص.

وحتى لا يكون كلامي مطلقا فهو مثلا ينقل عن أبي القاسم السيوري المالكي (ت 462هـ) حول تجمعات الوهبية الإباضية: «أما هدم المسجد الذي كانوا يصلون فيه فلا، لكن يخلى منهم، ويعمر بأهل السنة، ويمنع العزابة (الغرابة) من الدخول إليهم، والتصرف عندهم، ومنعهم من ذلك عين الحق والصواب، والنكاح الذي أحدثوا من نسائنا يفسخ (ويفسح نكاح من تزوجوه من أهل السنة)، وسجنهم وضربهم إن لم يتوبوا (هو الحق) من الأمر من الحق، ويردون إلى مذاهب أهل السنة، ومن قدر على ما ذكرناه فيلزمه فعل ذلك إذا كانت قدرته ظاهرة، ولا يتركون يخالطون الناس»، وينقل أيضا عن أبي الحسن اللخمي (ت 478هـ) أنه «إذا أظهر هؤلاء القوم الذين ذكرت مذهبهم وأعلنوه وابتنوا (وأنشأوا) مسجدا يجتمعون فيه، وصلوا العيد بناحية من المسلمين بجماعة، (إذا كان الأمر كما ذكرت، فهذا باب عظيم يخشى منه أن تشتد وطأتهم، ويفسدوا على الناس دينهم، وتميل الجهلة ومن لا تمييز عنده إليهم، فواجب على من بسط الله قدرته ( يده في الأرض) أن ( يستهينهم) يثنيهم ( يستتيبهم) مما هم عليه، فإن لم يرجعوا (يتوبوا) ضربوا وسجنوا، ويبالغ في ضربهم، فإن أقاموا على ما هم عليه (فإن لم ينتهوا) فقد اختلف في قتلهم».

مثل هذه النصوص، وغيرها من النصوص التي أوردها خصوصا عن الخوارج، وقد ناقشت آثارها السلبية في كتابي «فقه التطرف»، لها ظرفيتها التأريخية، ولها مثيلاتها في جميع المذاهب الإسلامية بلا استثناء، فكتب التراث كتب بشرية فيها من الحسن المستفاد منه، وفيها من السيئ الذي انتهى زمنه، ونقول عفا الله عنهم جميعا وغفر لهم، وعلينا اليوم أن نتجاوز القراءة الإسقاطية السلبية للتراث، إلى القراءة النقدية والتعايشية، وأن نعيش الواقع بحيث نغرس في عقول الناس المحبة والإحياء والعلم والنهضة، وليس الصراع وكراهية الآخر، لتنبت وفق هذا نباتات متطرفة حينها لن ترحم حتى القريب ذاته.

مقالات مشابهة

  • 6 معلومات عن عريس كفر صقر.. سحل زوجته في حفل الزفاف والصلح ينهي الأزمة
  • مصر.. عريس يضرب عروسه في حفل الزفاف ويثير غضب أهلها ورواد مواقع التواصل
  • القدس لابن القدس.. القضية الفلسطينية تتصدر بكالوريا الجزائر
  • نصر أمني ودعوة إلى اليقظة
  • كتاب «الوهابية الرستمية» وضجيج وسائل التواصل الاجتماعي
  • المؤثرون من صناعة التفاهة إلى احتلال المواقع.. قراءة في الأدوات والمضامين
  • كيف تفاعل مؤثرون على منصات التواصل مع استقالة غانتس؟
  • علماء يكشفون حقائق مثيرة عن المادة المظلمة للكون.. ما علاقتها بالغلاف الجوي؟
  • وفاة سودانيين في طريقهم إلى مصر هربا من الحرب تهز منصات التواصل
  • صورة اكتسحت منصات التواصل.. ما حقيقة “الأخطبوط العملاق”؟