ذكر موقع موندويس الأميركي أن أجراس الإنذار بشأن انتشار المجاعة في قطاع غزة باتت تدق بأصوات أعلى من أي وقت مضى، لكن وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية تواصل إخفاء مسؤولية إسرائيل عن المجاعة الجماعية التي تضرب القطاع المحاصر أو التقليل منها.

ونقل الكاتب جيمس نورث عن "أليكس دي وال" -أحد أبرز الخبراء في العالم في مجال الجوع الجماعي- قوله لصحيفة "الغارديان"، بأننا "على وشك أن نشهد في غزة أشد مجاعة منذ الحرب العالمية الثانية".

وبحسب الكاتب، فإن الخبير "دي وال" لا يعتبر معلقا عاديا، فقد أمضى عقودا من الزمن في البحث والكتابة عن المجاعة في أجزاء مختلفة من أفريقيا، بما في ذلك إثيوبيا والسودان والصومال، وهو معروف بالصرامة والحذر.

وقال الكاتب إن بعضا من وسائل الإعلام الأميركية بدأت فقط خلال الأيام الأخيرة تنشر بضع مقالات عن المجاعة، مؤكدا أن فشل الإعلام الأميركي "كان شاملا ومنهجيا إلى حد أنه لا بد أن يكون متعمدا"، ويتميز برفض إلقاء اللوم على إسرائيل عن المجاعة الجماعية التي تضرب غزة.

تعتيم

وقد امتد هذا التعتيم عبر جميع وسائل الإعلام الرئيسية تقريبا، وضرب مثالا بما جرى مع صحيفة "نيويورك تايمز" مباشرة بعد نشر مقالها الأخير عن المجاعة بغزة على صفحتها الأولى، حيث بادرت صحيفة التايمز -مثلا- بنشر تحليل طويل زعمت أنه يفسر سبب عدم وصول المساعدات إلى سكان غزة، وظهر التقرير شاملا، متضمنا خرائط تفاعلية مفصلة.

ولفت الكاتب إلى أن تحليل التايمز كان نموذجا لانعدام الأمانة، وكان المقصود منه تحويل اللوم بعيدا عن إسرائيل، وقد برز تحيزها -على سبيل المثال- في الفقرة الخامسة، حيث قالت "هناك نقطتان فقط للدخول إلى غزة تعملان بشكل منتظم، وكلاهما في الجنوب"، وبعدها يعلم القارئ أن إسرائيل تقوم بتفتيش جميع الشاحنات التي تدخل غزة، وأن "عملية التفتيش غالبا ما تكون طويلة".

وفي الفقرة 16 -يضيف جيمس نورث- يحصل قارئ مقال التايمز على المزيد من التفاصيل التي تفيد بأن وكالة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة تقول للصحيفة إن "عمليات التفتيش الإسرائيلية الملتوية تعيق المساعدات، والشاحنات تصطف في طوابير طويلة عند كل نقطة تفتيش وتضطر إلى البدء من جديد إذا تم رفض عنصر واحد بداخلها".

ثم ما تلبث أن تخصص التايمز 3 فقرات لمتحدث إسرائيلي ينفي فيها أن إسرائيل "تمنع تدفق المساعدات".

علاوة على ذلك، لم يوضح تحليل التايمز الطويل في أي مكان أن المتعصبين الإسرائيليين يمنعون أيضا شاحنات المساعدات من العبور إلى غزة.

تبرئة وتعتيم

وتمضي التايمز قدما، وتجد طريقة أخرى للتقليل من مسؤولية إسرائيل عن المجاعة قائلة: "إن التهديدات المتمثلة في الحشود اليائسة وإطلاق النار الإسرائيلي تجعل نقل الغذاء إلى الناس أمرا خطيرا".

وهي بذلك تكرر خلق الغموض بخصوص مذبحة الدقيق التي وقعت في 29 فبراير/شباط، والتي راح ضحيتها أكثر من 100 من سكان غزة. وتستشهد أولا بتفسير إسرائيل، بأن معظم الضحايا ماتوا خلال التدافع، ثم تقول إنه كان هناك إطلاق نار من قبل القوات الإسرائيلية.

وذكر الكاتب أن نمط التايمز المتمثل في تبرئة إسرائيل يتكرر في وسائل إعلام أخرى. فعلى سبيل المثال، نقلت قناة "بي بي إس نيوز أور" إنكار متحدث باسم إسرائيل قيامها بإبطاء المساعدات حتى قبل السماح لمسؤول في اليونيسيف بتقديم هذا الادعاء.

واتبعت الإذاعة الوطنية العامة نفس قواعد اللعبة -يوضح جيمس نورث- على الرغم من أنها اتصلت على الأقل بأليكس دي وال للحصول على تصريح.

وكانت قناة "سي إن إن" (النسخة الدولية وليست النسخة المحلية الأكثر شعبية) هي الأسوأ، حيث عرضت تقريرا أظهر سكان غزة الجياع. ولكن من المثير للدهشة أن شبكة "سي إن إن" لم تذكر سوى جملة واحدة تشير إلى أن إسرائيل هي السبب في المجاعة.

وبعدها مباشرة بثت الشبكة نفسها خبرا يقول إن "إسرائيل متهمة باستخدام المجاعة كسلاح في الحرب، وهو ما تنفيه".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات وسائل الإعلام عن المجاعة

إقرأ أيضاً:

ترامب يُدخل الإعلام الأميركي بمعضلة.. كيف يغطي أخبار رئيس يتهم سلفه بالخيانة؟

وجدت وسائل الإعلام الأميركية نفسها فجأة أنها إزاء معضلة تتعلق بالتعامل المهني الصحيح مع التصريحات المفاجئة للرئيس دونالد ترامب، خلال خطاباته وحديثه للصحافة والتي يهاجم فيها رؤساء أميركيين سابقين.

وتناول معهد بوينتر الأميركي -في تقرير مطول- هجوم ترامب الأسبوع الفائت على الرئيس الأسبق باراك أوباما واتهامه بالخيانة، وزعمه بأنه حاول التلاعب بانتخابات الرئاسة عامي 2016 و2020، بعد سؤال صحفيين عن تطورات قضية جيفري إبستين المتهم بارتكاب جرائم جنسية والتي حاول ترامب التهرب من الإجابة عن علاقته بها.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بدائل الغزيين بعد تدمير الاحتلال الإذاعات المحليةlist 2 of 2دراسة: الجمهور يرغب في عناوين بسيطة ومباشرة على عكس الصحفيينend of list

وتساءل المعهد عن مسؤولية وسائل الإعلام، عندما يطلق الرئيس الحالي ادعاءات لا أساس لها من الصحة بشأن رئيس سابق، لا سيما عندما يكون هدفها تشتيت الانتباه.

ويرى تقرير بوينتر -الذي أعده الصحفيان توم جونز وريك إدوندز- أن مزاعم ترامب التي وصفها بالفاحشة عن أوباما كانت واضحة في نواياها، تجاه صرف انتباه الأميركيين عن قضية إبستين.

وبينما وصف مكتب أوباما ادعاءات ترامب بالسخيفة واعتبرها محاولة ضعيفة لتشتيت الانتباه، جاء هذا الردّ بعد تمهيد أشار فيه المكتب إلى تدفق متواصل للمعلومات المضللة وما وصفه بالهراء من البيت الأبيض منذ تولّي ترامب.

وفي الوقت نفسه، أشار التقرير إلى أن ترامب قادر على تنفيذ تهديداته بملاحقة أوباما أو أي شخص آخر قد يكون في مرمى نيرانه، منوها إلى أنه لا يمكن تجاهل أو استبعاد تصريحات الرئيس باعتبارها مجرد محاولة لتغيير مسار الأخبار.

واستشهد تقرير المعهد بما كتبه الصحفي مايكل شميدت في صحيفة نيويورك تايمز، بأن ترامب في ولايته الحالية أقوى بكثير مما كان عليه خلال ولايته الأولى (عام 2016) لافتا إلى أنه محاط بمساعديه وأعضاء حكومته الذين يبدون مستعدين لتنفيذ أكثر نزعاته غضبا واستبدادا.

العدل الأميركية على رأسها موالون لترامب يبدون استعدادا لتنفيذ أجندته (الفرنسية)

ويشير الصحفي شميدت إلى أن وزارة العدل تضم في صفوفها العليا موالين لترامب، اثنان منهم محاموه، وجميعهم يبدون استعدادا لتنفيذ أجندته الشخصية، مضيفا أن "الجهود الرامية لاستهداف كبار المسؤولين بالإدارات السابقة تبدو وكأنها تكتسب زخما".

إعلان خيارات الإعلام إزاء التصريحات المثيرة

ويستعرض المعهد الأميركي خيارات وسائل الإعلام من اتهام ترامب رئيسا أسبق بالخيانة، ويقول "كان الرد عدم إعطاء ترامب منبرا لتضخيم كل هذيانه وأكاذيبه".

لكن الحجة المضادة لذلك -وفق "بوينتر"- كانت أن عدم إظهار خطابه الملتوي يعد بمثابة حماية له بطريقة ما، من خلال تحرير خطاباته وحذف الأجزاء الجامحة منها، وبهذا ستجعل وسائل الإعلام ترامب يبدو أكثر كفاءة وتأهيلا.

وبحسب المعهد، هناك نظام إعلامي محافظ لا يكتفي بعرض كل ما يقوله ترامب ويفعله، بل يضفي عليه الشرعية أيضا، ويستشهد بما كتبته مؤسسة "ميديا ماترز" Media Matters عن قناة "فوكس نيوز" الأربعاء الماضي، حيث ذكرت اسم أوباما أكثر من 3 مرات مقارنة باسم إبستين، منذ أن أصدرت مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد تقريرها الذي يتهم أوباما بالخيانة أيضا.

وبينما يثور ترامب على أوباما وأي شخص آخر، يلخص "بوينتر" الخيارات أمام وسائل الإعلام إما بتجاهل الأمر أو تغطيته بالكامل، أو -وهو ما ينبغي عليها فعله- وضعه في سياقه الصحيح.

تغطية ترامب لغز إعلامي

وقد ظلت تغطية تصريحات ترامب وأنشطته لغزا إعلاميا منذ أن أصبح رئيسا للمرة الأولى (عام 2016). ومنذ ذلك الحين، سواء رئيسا أو رئيس سابقا أو مرشحا رئاسيا، فهو شخصية بارزة ومهمة وجديرة بالتغطية الإخبارية.

ترامب وأعضاء إدارته يريدون الاحتفال هذا الصيف بما يعتبرونه إنجازات، لكن بدلا من ذلك، كل ما يريد الجميع الحديث عنه هو إبستين.

بواسطة داشا بيرنز- موقع بوليتيكو

ووفق المعهد، كانت الحاجة في بعض الأوقات إلى إظهار كل ما يقوله ترامب، في التجمعات والمؤتمرات الصحفية والاجتماعات العامة والمقابلات، لأن الأمريكيين كانوا بحاجة إلى رؤية ما يقوله وما يفكر فيه.

لكن، في الوقت الحالي، يبدو أن هذا السياق يشير بوضوح إلى أن ترامب مصمم على صرف انتباه الجميع عن قضية إبستين، وإلى أن تصريحاته لا تستند إلى حقائق.

الرئيس غاضب من تغطية "إبستين"

وفي مقالها المعنون بـ"الرئيس غاضب بشكل واضح: البيت الأبيض محبط من التغطية المكثفة لقضية إبستين" كتبت الصحفية داشا بيرنز، من موقع "بوليتيكو" أن ترامب وأعضاء إدارته يريدون الاحتفال هذا الصيف بما يعتبرونه إنجازات، ولكن -بدلا من ذلك- كل ما يريد الجميع الحديث عنه هو إبستين.

وقال أحد كبار المسؤولين بالبيت الأبيض "عندما تعمل 12 إلى 15 ساعة يوميا لحل مشاكل حقيقية، ثم تشغّل التلفزيون وترى الناس يتحدثون عن إبستين فهذا أمر محبط" لافتاً إلى أن هذا هو تفكير الرئيس ترامب.

لكن صحيفة "وول ستريت جورنال" نشرت خبرا الأربعاء الماضي، يفيد بإبلاغ وزارة العدل ترامب -في مايو/أيار الماضي- أن اسمه مدرج ضمن أسماء عديدة في ملفات إبستين.

"المراهنة ضد ترامب لن تكون حكيمة، ففي الأشهر الستة الأولى من توليه منصبه، حقق سلسلة من الانتصارات في حملته لمعاقبة الصحافة وتقويضها"

بواسطة بول فارهي - مجلة ذى أتلانتك

وتابعت الصحيفة أن المدعية العامة بام بوندي أبلغت الرئيس في الشهر ذاته أن اسمه يظهر عدة مرات. ومع ذلك، فإن السياق غير معروف، وإن وجود اسم ترامب في الملفات لا يعني بالضرورة ارتكابه أي مخالفات.

إعلان

وواصل مسؤولون في البيت الأبيض الهجوم على الصحيفة، حيث قال مدير الاتصالات في البيت الأبيض ستيفن تشيونغ "هذه قصة أخرى من الأخبار الكاذبة، تماما مثل القصة السابقة التي نشرتها وول ستريت جورنال" والتي تحدثت عن توجيه رسالة ذات مضمون جنسي ضمن هدية عيد ميلاد إبستين الخمسين، الأمر الذي نفاه ترامب، وتسبب برفع دعوى قضائية ضد "وول ستريت جورنال".

وأشار المعهد إلى المقال الأخير للكاتب المخضرم بول فارهي في مجلة "ذي أتلانتيك" بعنوان "حملة ترامب لسحق وسائل الإعلام".

وكتب فارهي يقول "إن المراهنة ضد ترامب لن تكون حكيمة، ففي الأشهر الستة الأولى من توليه منصبه، حقق سلسلة من الانتصارات في حملته لمعاقبة الصحافة وتقويضها". ونقل عن مارتي بارون المحرر السابق لصحيفة واشنطن بوست قوله "تواجه الصحافة المستقلة في الولايات المتحدة ما واجهته وسائل الإعلام بالعديد من البلدان الأخرى التي لديها طغاة طموحون".

مقالات مشابهة

  • منظمة حقوقية: إسرائيل تروج لوهم الإغاثة وتواصل استخدام التجويع سلاحا
  • غزة - الكشف عن عدد شاحنات المساعدات التي دخلت القطاع اليوم
  • بريطانيا: هدن إسرائيل غير كافية لتخفيف معاناة الفلسطينيين
  • ترامب يُدخل الإعلام الأميركي بمعضلة.. كيف يغطي أخبار رئيس يتهم سلفه بالخيانة؟
  • حماس: إنزال مساعدات جوا بغزة خطوة شكلية لتبييض صورة إسرائيل
  • ناشطون: المساعدات المفاجئة لغزة محاولة لتجميل صورة إسرائيل تحت غطاء إنساني
  • "الوضع يائس".. بريطانيا تدعو إسرائيل لإنهاء المجاعة في غزة
  • الغارديان: إسرائيل تحاول إلقاء مسؤولية المجاعة في غزة على حماس والأمم المتحدة
  • الغارديان: إسرائيل تحاول حرف مسؤولية المجاعة في غزة على حماس والأمم المتحدة
  • الإعلام العبري: تفجير يستهدف دبابة إسرائيلية داخل غزة